46/10/13
-دلالة السنَّة الشريفة على البراءة الشرعية - البراءة الشرعية- أصل البراءة - مبحث الاصول العملية.
الموضوع:- دلالة السنَّة الشريفة على البراءة الشرعية - البراءة الشرعية - أصل البراءة - مبحث الاصول العملية.
أما جواب السؤال الأول: - فهو أنَّ القدر المتيقن منه هو الشمول للوجوب والحرمة، فإذا شككنا في وجوب الدعاء عند رؤية الهلال مثلاً أو شككنا في محرمة شيءٍ فالقدر المتيقن من حديث الرفع هو أنه يمكن التمسك به لرفع الوجوب المشكوك أو الحرمة المشوكة.
وهل يمكن أن نتمسك به لرفع الاباحة أو لا؟ إنه لا يمكن ذلك، وهذا من الواضحات، فإنَّ رفع الاباحة يعني إما وجود الحرمة أو وجود الوجوب وحينئذٍ يلزم الثقل على المكلف، فإنَّ رفع الاباحة سوف يوقعه في المشقة وحديث الرفع جاء لأجل التوسعة والرفع لا لأجل الثقل والتضييق على المكلف، فالاباحة لا يوجد احتمال شمول الحديث لها وإلا يلزم خلف الامتنان والتخفيف.
وهل الحديث يشمل الكراهة والاستحباب كما لو شككنا أنَّ هذا اليوم صومه مستحب أو لا أو هذا الغسل مستحب أو لا، فإذا شككنا في استحباب شيء أو في كراهته فهل يمكن تطبيق حديث الرفع لرفع الكراهة أو الاستحباب؟
قد يقال يمكن تطبيقه هنا أيضاً، وذلك لأنَّ الحديث مطلقٌ فنتمسك بإطلاقه فإنه قال ( رفع ما لا يعلمون ) واطلاقه يعم الاستحباب أو الكراهة أيضاً، مضافاً إلى أنَّ الحديث يريد أن يرفع الثقل والمشقة عن المكلف ورفع الاستحباب أو الكراهة فيه نوعٌ من التخفيف.
بيد أن المناسب أن يقال بعدم الشمول للكراهة والاستحباب:- والوجه في ذلك هو إنه إما أن نقول إنَّ الحديث يريد أن يرفع العقاب المحتمل عن المكلف، فهو حينما يقول ( رفع عن أمتي ) يعني لا يوجد عقاب في حق المكلف، فإن قلنا بأنَّ مدلوله هو رفع العقاب وأنه منصرف إلى رفع العقوبة فحينئذٍ سوف لا يشمل الاستحباب والكراهة؛ إذ لا يوجد في مخالفتهما عقوبة كما هو واضح، وإن قلنا لا يوجد مثل هذا الانصراف ولكن مع ذلك نقول إنَّ الحديث لا يشمل الاستحباب أيضاً، لأنَّ لازم شموله للاستحباب عدم رجحان الاحتياط، فأنا أشك أنَّ الاتيان بركعتين تحت السماء في يوم كذا مستحب أو ليس بمستحب فإذا رفعت الاستحباب بحديث الرفع فسوف الأمرٌ بهاتين الركعتين المحتمل مطلوبيتهما سواء كان وجوبياً أو استحبابياً ليس بموجود وبالتالي يلزم ارتفاع الاحتياط وعدم إمكانه؛ إذ المفروض أنه قد حصل ما يرفع الاستحباب فالاحتياط يكون حينئذٍ لا معنى له، وهذا لا يمكن الالتزام.
ولتوضيح ذلك أكثر نقول:- إنَّ الرفع بحديث الرفع إما أن يكون رفعاً واقعياً أو يكون رفعاً ظاهرياً، فإن كان رفعاً واقعياً فيلزم حينئذٍ ارتفاع الاستحباب واقعاً، وإذا ارتفع الاستحباب واقعاً فلا يمكن حينئذٍ الاحتياط في كل الأشياء التي يشك في استحبابها، لأنَّ الاحتياط فرع ثبوت الشيء في الواقع والمفروض أنَّ حديث الفرع يرفع الاستحباب واقعاً، وأما بناءً على كون الرفع فيه رفعاً ظاهرياً فينبغي أن يكون واضحاً أنه ليس المقصود من الرفع الظاهري إلا رفع وجوب الاحتياط بنحو الحكم الظاهري إذا كان الحكم المحتمل واقعاً هو الوجوب أو الحرمة فهنا يوجد مجال لرفع الاحتياط، وأما إذا كان التكليف المحتمل واقعاً لا وجوب ولا حرمة وإنما كان هو الاستحباب فبالتالي إذا شمله الحديث سوف يلزم رفع الاستحباب وبالتالي إذا شككنا في استحباب الركعتين تحت السماء يلزم بتطبيق حديث الرفع رفع الاستحباب وبالتالي لا يمكن أن نأتي بهما بنحو الاستحباب أو برجاء المطلوبية، لأنَّ رجاء المطلوبية فرع احتمال الاستحباب واقعاً والاستحباب واقعاً قد رفعناه بحديث الرفع وهذا لا يمكن الالتزام به.
والنتيجة: - إنَّ حديث الرفع يشمل فقط وفقط الواجبات المحتملة والمحرّمات المحتملة دون الاباحة والاستحباب.