46/10/09
-دلالة السنَّة الشريفة على البراءة الشرعية - البراءة الشرعية- أصل البراءة - مبحث الاصول العملية.
الموضوع:- دلالة السنَّة الشريفة على البراءة الشرعية - البراءة الشرعية - أصل البراءة - مبحث الاصول العملية.
بيد أنَّ الشيخ العراقي(قده)[1] ذكر أنَّ فقرة ( رفع ما لا يعلمون ) شاملة لرفع الأحكام الكلية - أي الشبهة الحكمية - ولا يختص بالشبهة الموضوعية وحاصل ما ذكره:- إنَّ كلمة ( ما ) الموصولة الواردة في فقرة ( رفع ما لا يعلمون ) المراد بها هو رفع الذي لا يعلمون، وحينئذٍ نقول كيف نفسّر كلمة ( ما ) الموصولة فهل نفسّرها بالموضوع أيضاً بقرينة ما سبق أو نفسرها بالأعم أي بنحوٍ شاملٍ للحكم؟ وهنا نقول: توجد قرينة تدل على أنَّ المقصود من الموصول هو الأعم من الموضوع والحكم ولا يختص بالموضوع، وهي أنَّ الموصول لم يذكر وحده بل قيل ( ما لا يعلمون ) والعلم وعدم العلم هنا قد نسب إلى الاسم الموصول وإنما تصح هذه النسبة فيما لو فسّرنا الموصول بنحوٍ أعم من الموضوع أي بنحوٍ يكون شاملاً للحكم، لأنَّ العلم لا يتعلق بالذوات بل يتعلّق بالأفعال والاوصاف، فأنا لا أعلم بأنَّ هذا الشيء حرام أو ليس بحرام - يعني أنه خمر أو ليس بخمر -، فإذاً أنا لا اعلم بالنسبة، فالعلم يتعلّق بالنسبة أي نسبة الحرمة إليه وأنه حرام أو ليس بحرام، لأنَّ عدم العلم أو العلم الذي هو الصلة إلى الاسم الموصول، فلابد وأن نفسّر الاسم بالموصول بتفسيرٍ يصح أن يوصف بالعلم وعدم العلم، والذي يصح أن يوصف بذلك هو الحكم، فالحكم يصح أن يوصف بالعلم وعدم العلم، وحينئذٍ يكون الحديث شاملاً للشبهة الحكمية - يعني لـ( ما لا يعلمون ) - أي رفع ما لا يعلمون حكمه أنه حرام أو ليس بحرام، كالتدخين مثلاً فنحن لا نعلم أنه حرام أو ليس بحرام، وحينئذٍ رفع الذي - وهو التدخين - الذي لا يعلمون حكمه، فهذه الفقرة بإطلاقها تكون شاملةً لحالة عدم العلم بالحكم، فتكون شاملةً للشبهة الحكمية، بينما الفقرات السابقة عليها كلَّها شاملة للشبهة الموضوعية.
وعلى هذا الأساس نكون بين ظهورين، بين ظهور الفقرات السابقة التي تقتضي تفسير الاسم الموصول بالموضوع، وبين ظهور فقرة ( ما لا يعلمون ) فإنها ظاهرة في أنَّ الذي لا يعلم هو نفس الذي يعلم، والذي لا يعلم فقط وفقط هو الحكم فإنَّ الحكم يتصف بالعلم وعدم العلم، ومادام الأمر يدور بين ظهورين ففي مثل هذه الحالة العرف يرجّح الظهور الثاني على الأول، أي يرجح ظهور ( ما لا يعلمون ) في أنَّ المرفوع هو الحكم، وبهذا تكون هذه الفقرة خاصة بالاحكام التي لا تُعلم، وبذلك يكون الاستدلال بفقرة ( ما لا يعلمون ) على البراءة في الشبهة الحكمية تاماً.