46/08/18
-دلالة السنَّة الشريفة على البراءة الشرعية - البراءة الشرعية- أصل البراءة - مبحث الاصول العملية.
الموضوع:- دلالة السنَّة الشريفة على البراءة الشرعية - البراءة الشرعية - أصل البراءة - مبحث الاصول العملية.
النقطة الرابعة: - هل الرفع يغاير الدفع؟
والمنشأ لعرض هذه النقطة هو أنَّ الوارد في حديث الرفع هو تعبير ( رُفعَِ ) والتعبير بالرفع يستبطن أنه يلزم أن يكون الحكم ثابتاً أولاً حتى يرفع، فنحن حينما نقول لشخصٍ رفعت عنك هذه المسؤولية فلازمه أنَّ هذه المسؤولية ثابتة عليه أولاً ثم نرفعها عنه، أما إذا لم تكن ثابتة عليه سابقاً فالتعبير بالرفع لا يكون صحيحاً إلا بنحو المجاز والمسامحة، نعم إنَّ هذا دفعٌ وليس رفعاً، يعني إذا لم يكن الشيء حاصلاً وأنا أبقيته غير حاصل فهذا دفعٌ وليس رفعاً. وللتوضيح أكثر نذكر مثالاً: - وهو أنَّ الحريق تارةً يوجد ويتحقق في المكان ثم نطفئه ونزيله وهذا رفعٌ، وتارة لم يحصل الحريق ولكنه على وشك الحصول ونحن حلنا دون تحققه فهذا دفعٌ وليس رفعاً.
إذاً ينبغي التمييز بين مصطلحي الرفع الدفع، فإنَّ الرفع هو ازالة الشيء بعد تحققه، وأما الدفع فهو الحيلولة دون تحقق الشيء.
وباتضاح هذا نقول: - إنَّ الحديث الشريف عبر بالرفع وقال ( رفع عن أمتي ما لا يعلمون ) ولازم التعبير بالرفع أنَّ الحكم ثابت أولاً ثم يزال بعد ذلك والحال أنَّ الحكم ليس بثابتٍ مسبقاً حتى تكون ازالته بعد ذلك هي رفع.
فإذاً يشكل ويقال: - لا يصح أن يقال ( رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم ) أو ( رفع ما لا يعلمون ) فإنه لا يوجد حكم في حق غير العالم في مورد ما لا يعلمون بل هذا دفعٌ وليس رفعاً، يعني هو حيلولة دون تحققه وليس رفعاً. وخلاصة الاشكال إنَّ لازم التعبير بالرفع هو وجود حكمٍ مسبق حتى يُرفَع والحال أن الحكم ليس بموجودٍ فكيف يعبر بكلمة الرفع؟!!، وهذا الاشكال اشبه بالإشكال الفني.
وأجاب الشيخ النائيني(قده)[1] عن هذا الاشكال وقال:- إنَّ الدفع والرفع في واقعهما أنهما شيء واحد، وماداما هما شيئاً واحداً فاستعمال احدهما في مورد الآخر هو استعمال حقيقي وليس بمجازي، وهما شيء واحد باعتبار أنَّ الممكن يحتاج في كل آنٍ إلى علَّة مبقيةٍ له، فالنار مثلاً تقتضي في كل آنٍ الاحراق، والرطوبة التي هي رافعة لتأثير النار في الاحراق هي دافعةٌ حيث تحول دون تحقق الحريق- أي دون تأثير المقتضي في الاحراق - وعليه يكون الدفع والرفع شيئاً واحداً.
وفي التعليق نقول: - إنَّ هذه المحاولة هي اثباتٌ للغة وللاستعمالات اللغوية من خلال التدقيقات الفلسفية، واللغة لا يمكن اثباتها من خلال التدقيقات الفلسفية، فنحن نسلَّم أنهما يشتركان معاً في أثرٍ واحد وهو منع المقتضي من التأثير ولكن هذا لا يعني صحة استعمال أحدهما مكان الآخر وأنَّ أحدهما عين الآخر بعد اختصاص الرفع بمورد وجود الشيء ثم ازالته بينما الدفع لا يلزم فيه وجود الشيء وإنما حيلولة دون تحقق الشيء، وعليه فما ذكره ليس بتام.
والأجدر