« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الأصول

46/08/05

بسم الله الرحمن الرحيم

-أدلة البراءة الشرعية- البراءة الشرعية- أصل البراءة - مبحث الاصول العملية.

الموضوع:- أدلة البراءة الشرعية- البراءة الشرعية - أصل البراءة - مبحث الاصول العملية.

 

اتضح مما تقدم: -

اتضح مما تقدم أنَّ الجواب الصحيح في نظرنا هو ما أشرنا إليه من أنَّ المقصود من الاسم الموصول هو الشيء الشامل بإطلاقه للمال والفعل والتكليف.

وقد توجه عدة اشكالات لما ذكرناه: -

الاشكال الاول:- إنَّ التمسك بالإطلاق في المقام مشكل، وذلك باعتبار أن شرط انعقاد الاطلاق هو استهجان الاطلاق لدى العقلاء على تقدير ارادة المقيد واقعاً، يعني لو كان مراد المتكلم هو المقيد واقعاً فهنا إذا استهجن الاطلاق فلا يمكن حينئذٍ التمسك به في هذه الحالة، وفي مقامنا نقول لا يلزم الاستهجان لو كان المراد واقعاً من الاسم الموصول - التي هي كلمة الشيء - المال دون التكليف؛ إذ من حق المتكلم أن يقول إني اطلقت وقلت ( لا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها ) باعتبار أنَّ الحوار المتقدم على هذا القول هو عن المال، ومادام الحوار السابق على هذا الكلام هو عن المال فالإطلاق لا يجزم بانعقاده لاقتران الكلام بما يصلح للقرينية.

وكيف نثبت أنَّ الآية الكريمة مرتبطة بالمال والحوار فيها عن المال؟

نقول:- إنَّها في البداية قالت ﴿ لينفق ذو سعة من سعته ﴾ وهذا الكلام يرتبط بالنفقة والمال، ثم قالت ﴿ ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله ﴾ يعني ينفق المقدار الميسور من المال، ثم قالت ﴿ لا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها ﴾ فهذه القاعدة التي ذكرتها الآية الكريمة في ذيلها هي مرتبطة بالمال وأنه لا يكلف الله نفساً من النفوس إلا بالمقدار الذي تتمكن عليه من المال وأقدرها عليه، وحينئذٍ يحتمل - يكفينا الاحتمال - أنَّ هذه القاعدة ضيقة ومختصة بقضية المال وليست هي عامة لكل شيء من الأشياء بما في ذلك التكليف لاقترانها بما يصلح للقرينية.

وفي الجواب نقول: - إنَّ هذا الاشكال وإن كان جيداً من جهة إذ بالتالي أن هذا أمر وجداني فإنَّ هذه القاعدة العامة قد اتصلت بما يصلح للقرينية فتكون أجنبية عن التكليف، ولكن نقول: يمكن التمسك بإلغاء الخصوصية في المقام فتكو قاعدة عامة، فصحيح أنَّ المورد خاص ولكن العرف أحياناً يلغي خصوصية المورد، وهنا الأمر كذلك، فإنَّ الآية الكريمة تقول لا نكلف بالمال إلا بالمقدار المقدور عليه، ومن الواضح أنَّ المال قد ذكر لا من باب أنَّ القاعدة مقيدة به بل الكلام كان عن المال وأنَّ الله عزَّ وجل لا يكلف بالمال إلا بالمقدار الميسور، ولكن الأمر بالنسبة إلى التكليف هو كذلك أيضاً فإنَّ النكتة في الموردين واحدة، فإنَّ الله عزَّ وجل لا يكلف بتكليفٍ إلا بعد إيصال ذلك التكليف إلى المكلفين، بل لعله هنا أولى فإنَّ التكليف إذا لم يصل إلينا كيف يثبت في ذمتنا، بل هو أولى بالعذرية؟

الاشكال الثاني: - أن يقال من المحتمل أنَّ المقصود في الآية الكريمة هو السببية دون الموردية، والنافع هو الثاني، والمقصود من السببية هو أنَّ عدم العلم بالتكليف هو سبب لارتفاع التكليف وثبوت البراءة، ولكن هذا - يعني أنه بسبب الجهل وعدم العلم يرتفع التكليف - لا ينفعنا، وإنما الذي ينفعنا هو الموردية، يعني في مورد الجهل بالتكليف لا يثبت الاحتياط والتكليف، بينما قد يقال إنَّ ظاهر الآية الكريمة ليس هو الموردية وإنما هو السببية،

ولماذا لا ينفعنا ذلك إذا كانت السببية هي المنظورة في الآية الكريمة؟

إنه إذا كانت السببية هي المنظورة فأقصى ما يثبت هو أنه بسبب الجهل لا يثبت التكليف والاحتياط، ومن الواضح أنَّ هذا لا ينافي ثبوت التكليف بسبب أدلة الاحتياط الموجودة، فتصير ادلة الاحتياط مثبتة لوجوب الاحتياط، أو تكون معارضة للآية الكريمة، فالآية الكريمة تقول بسبب الجهل بالتكليف لا يلزم الاحتياط، والروايات المثبتة للزوم الاحتياط عند الجهل تثبت لزوم الاحتياط فتصير معارضة بينهما، وعليه فالسببية تضرنا والذي ينفعنا هو الموردية، يعني أنَّ الآية الكريمة تقول إنه في مورد الجهل بالتكليف لا يثبت التكليف، وحينئذٍ تصير الآية الكريمة منافيةً لأدلة الاحتياط، وحيث يحتمل في الآية الكريمة السببية فلا يمكن حينئذٍ الاستفادة منها في اثبات البراءة.

وفي الجواب نقول:- إنه إذا نظرنا إلى التكليف فهنا يأتي احتمال كون المقصود هو السببية دون الموردية وهذا صحيح، ولكن الآية الكريمة هي شاملة لغير التكليف أيضاً، فهي شاملة للمال والفعل، ومن المعلوم أنَّ المال والفعل هما موردان لا أنهما سبب، فتوجد قرينة على كون المقصود هو الموردية وهو أنَّ الآية الكريمة بإطلاقها تشمل الفعل والمال، وإذا شملتهما وهما موردان وليسا سبباً فإنَّ الذي يريد أن يصير سبباً للاحتياط هو التكليف لا المال ولا الفعل، ومادامت الآية الكريمة شاملة بإطلاقها للمال والفعل وهما موردان فيثبت بذلك أنه بلحاظ التكليف المقصود هو الموردية والآية الكريمة تريد أن تقول إنه في مورد الشك في التكليف لا يكلف الله، فتصير الآية الكريمة معارضة لأدلة الاحتياط ونافية لها وسوف ننتفع منها في المقام.

logo