« قائمة الدروس
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الأصول

46/07/13

بسم الله الرحمن الرحيم

-الأدلة على ثبوت البراءةالعقلية – البراءة العقلية - أصل البراءة - مبحث الاصول العملية.

الموضوع:- الأدلة على ثبوت البراءة العقلية – البراءة العقلية - أصل البراءة - مبحث الاصول العملية.

ويرده: - إنَّ عدم العلم بوجوب الشيء مثلاً لا يصيّر الاتيان به غير مقدور، اللهم إلا أن يكون المقصود هو أنَّ الاتيان به بنحو قصد القربة يكون غير مقدور، ولكن جوابه: -

أولاً: - إنَّ هذا يتم فقط فيما إذا كنا نحتمل أنَّ هذا الشيء من الأمور العبادية فحينئذٍ يكون الاتيان به بقصد القربة غير ممكنٍ لأننا لا نجزم بالأمر به.

ثانياً: - إنه حتى لو كان الشيء من الأمور العبادية فإنه يمكن الاتيان به لاحتمال المطلوبية، وهذا المقدار يكفي لتحقق قصد القربة.

الوجه الثاني: - ما نقله الشيخ الأعظم(قده) أيضاً عن المحقق الحلي(قده)، من أنَّ عدم الدليل دليلٌ على العدم.

وقد تقدم وهذا الوجه وتقدم ردّناه عليه بأنَّ هذا الوجه يتم فيما إذا حصل الفحص بجميع ما صدر من أهل البيت عليهم السلام، فإذا فرض أنه تم فحص في الجميع فحينئذٍ تحصل دلالة على العدم لأنه لا دليل على وجوبه، ولكن المسألة كما ترى فإنَّ هذا القول موهونٌ لأنَّ بعض تراث أهل البيت عليهم السلام قد تلف جزماً ولم يصل إلينا وحينئذٍ يتعذّر الفحص في جميعه كي تحصل الدلالة على العدم بل يبقى الاحتمال قائماً.

الوجه الثالث: - ما تمسك الشيخ الأعظم(قده) في عبارةٍ قد تقدمت، وهو أنَّ العبد لو فحص فيما وصل إليه من قبل المولى من تكاليف ولم يجد هذا التكليف المحتمل - الذي لا يجزم به - ففي مثل هذه الحالة إذا فحص ولم يعثر عليه فسوف يكون عقابه على عدم الاتيان به قبيحاً.

وفي التعليق نقول: - ما هو المقصود من أنه يقبح العقوبة، فهل المقصود أنه يقبح العقوبة بعد الالتفات إلى حديث الرفع، أو يقبح العقوبة بغض النظر عن حديث الرفع؟ فإن كان المقصود هو مع الالتفات إلى حديث الرفع فهذا الحديث يكون حديثاً على البراءة الشرعية وليس على البراءة العقلية وهو ليس محل الكلام الآن وإنما محل الكلام هو البراءة العقلية، وإن كان المقصود أنه بقطع النظر عن حديث الرفع فنحن لا نسلّم بما ذكره.

ونضرب مثالاً للتوضيح: - وهو ما لو سافر شخص إلى مدينة وكان له فيها صديق فأباح له صديقه داره أن يسكنها أيام اقامته في تلك المدينة، وحينما سكن في دار صديقه أخذ هذا الضيف يفتش ويفحص في زوايا الدار ليطلع على خفاياها ففي مثل هذه الحالة هل يجوز له ذلك عقلاً أو لا يجوز؟ إنَّ ما ذكره الشيخ الأعظم(قده) إذا كان يقصد البراءة الشرعية فهو تام هنا ويجوز له ذلك، وأما إذا كان يقصد التمسك بالبراءة العقلية فنقول إنَّ جواز مثل هذا الفعل لهذا الشخص ما لم يصل إليه بيانٌ من المنع هو أول الكلام فإنَّ العقل والعقلاء لا يرضون بذلك.

الوجه الرابع: - ما أفاده الشيخ النائيني(قده)[1] ، وهو إنَّ المكلف إذا فحص ولم يعثر على دليلٍ على التكليف فالعقل يقبّح عقابه، لأنَّ فوات الامتثال لم يستند إلى المكلف وإنما استند إلى عدم نصب المولى للبيان أو الاختفاء على المكلف، وعليه يقبح أن يعاقب المولى مثل هذا المكلف لو فحص ولم يعثر على الدليل لأنَّ فوات الامتثال يكون سببه هو المولى وليس العبد.

وربما يظهر هذا من السيد الخوئي(قده) في مصباح الأصول[2] ، وحاصله: إنه إذا لم يصل التكليف إلى المكلف فالعقاب عليه يكون قبيحاً لأنَّ فوات غرض المولى ناشئ من عدم البيان من قبل المولى ولم يستند إلى تقصير المكلف.

وفي التعليق نقول: - إنَّ ما ذكراه وجيه حالة القطع، فإذا قطع المكلف بعدم الدليل على التكليف فليس من البعيد أن يكون الأمر كما ذكرا، ولكن نقول إنَّ الفحص عادةً لا يولد القطع بل يبقى الاحتمال أو الظن موجوداً، ومعه سوف يستند هذا الفوات إلى المكلف لا إلى المولى.

ونظيره من الشواهد العرفية: - ما لو فرض أنَّ شخصاً كان في الحج وحينما رجع إلى أهله لم يذهب إليه صديقه لزيارته، ففي مثل هذه الحالة هل يكون هذا الصديق معذوراً إذا احتمل مجيئه هذا الشخص من الحج ولم يذهب إليه أو أنه يستحق العتاب؟ إنه يستحق العتاب وعتابه لا يكون قبيحاً، لأنَّ الشخص الحاج سيقول له مادمت قد احتملت مجيئي ولم يجئني وكان هذا الاحتمال عقلائياً فهذا تقصيرٌ منك.

الوجه الخامس: - ما ذكره السيد الخوئي(قده) في أجود التقريرات، وهو إنَّ الشيء بوجوده الواقعي لا يكون محركاً وإنما يكون محركاً بوجوده العلمي، فلو فرض وجود أسدٍ خلفي وكنت لا أعلم بوجوده فهذا الوجود لا يحكني نحو الهرب مادمت لا أعلم، وإنما المحرّك نحو الهرب العلم به، فلو علمت بوجوده خلفي فسوف اهرب منه، وهكذا الحال بالنسبة إلى التكاليف فإنها قبل العلم وقبل وصولها لا اقتضاء لها للمحركية، لأنَّ الشيء بوجوده الواقعي لا يكون محركاً، وحينئذٍ يقبح العقاب عليه من باب أنه عقابٌ على ما ليس له اقتضاء المحرّكية[3] .


logo