< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

44/11/07

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- التنبيه الخامس- تنبيهات - الاخبار العلاجية - تعارض الادلة.

وقبل بيان فكرة الرتب نقول:- جرى ديدن الفقهاء على أنهم إذا وجدوا طائفتان من الروايات احداهما تدل على نجاسة شيءٍ مثلاً والاخرى تدل على طهارته أنهم يجرون المعارضة بين الطائفتين بمجموعهما فتتساقطان ثم إن كان هناك اطلاق أو عموم فوقاني - يعني أوسع من الطائفتين - كان هو المرجع وإلا فالمرجع هو الأصل العملي[1] من دون أن يلاحظوا الروايات بتقسيمها إلى رتبٍ مختلفة.

ومثال ما سار عليه الأعلام:- صحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام التي تقول:- ( كل شيءٍ يطير فا بأس ببوله وخرئه )[2] ، فهي جعلت المدار في طهارة البول والخرؤ وعدم طهارتهما على الطيران، فإن كان طائراً فهما طاهران وإلا فلا، بينما توجد رواية أخرى وهي صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام تقول:- ( اغسل ثوبك من بول ما لا يؤكل لحمه )[3] ، فتتعارضان في الطائر الذي لا يؤكل لحمه فإنَّ مقتضى الرواية الأولى طهارة بوله وخرئة وبينما مقتضى الرواية الثانية نجاستهما فتتساقطان ونرجع إلى الاطلاق الفوقاني الموجود في صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام:- ( سألته عن البول يصيب الثوب، فقال:- اغسله مرتين )[4] ، فمقتضى اطلاق هذه الرواية الثالثة هو أنَّ كل بولٍ هو نجسٌ لأنها قالت:- ( سألته عن البول يصيب الثوب ) فالبول مطلقٌ ولم يشخَّص ببولٍ معين والامام عليه السلام قال:- ( اغسله مرتين )، فإن لم نقل بانصراف البول هنا إلى بول الانسان فسوف نأخذ باطلاقها وتكون هي المرجع وتكون دالة على النجاسة.

ولكن يمكن أن يقال[5] :- المناسب تصنيف كل طائفةٍ من الطائفتين المتعارضتين إلى اصناف، فالطائفة الاولى تُصنَّف إلى اصناف بأن يفترض أنَّها تحتوي على مجموعةٍ أولى صريحة ومجموعة ثانية ظاهرة ظهوراً وضعياً ومجموعة ثالثة ظاهرة ظهوراً اطلاقياً[6] ، فنصنف الطائفة الأولى إلى هذه الاصناف الثلاثة الصريح ثم الظاهر ثم المطلق، وهكذا نصنف الطائفة الثانية إلى ثلاثة اصناف إن كان فيها ثلاثة أصناف، ثم بعد ذلك لا نقول إنَّ الطائفة الأولى يجميع مراتبها واصنافها تتعارض مع الطائفة الثانية بجيمع مراتبها وأصنافها وإنما نقول إنَّ الصريح من الطائفة الاولى يتعارض مع الصريح من الطائفة الثانية، والظاهر من الطائفة الأولى يتعارض مع الظاهر من الطائفة الثانية، والمطلق من الطائفة الأولى يتعارض مع المطلق مع الطائفة الثانية، فكل مرتبةٍ من طرفٍ تتعارض مع نفس المرتبة من الطرف الثاني، فمرتبة الصريح في الطائفة الاولى يتعارض مع مرتبة الصريح في الطائفة الثانية، ومرتبة الظاهر بالظهور الوضعي في الطائفة الاولى يتعارض مع الظهور الوضعي في الطائفة الثانية ... وهكذا.

وقد يقول قائل:- إنَّ هذه الطريقة لا تختلف عن طريقة المشهور بحسب النتيجة، فلا ثمرة فيها، فإنَّ المشهور يقول إنَّ مجموع الروايات في الطائفة الأولى يتعارض مع المجموع في الطائفة الثاينة فيتساقط الجميع فنرجع إلى الأصل العملي مثلاً، بينما هذه الطريقة تقول المرتبة الأولى من الطائفة الاولى وهو الصريح يتعارض مع الصريح في الطائفة الثانية فيتساقطان ثم الظاهر في الطائفة الاولى يتعارض مع الظاهر في الطائفة الثانية فيتساقطان ... وهكذا وعليه فيتساقط الجميع وتكون النتيجة واحدة ولم نصنع شيئاً من خلال هذه الفكرة؟

والجواب:- إنَّ الثمرة تظهر فيما إذا فرض أنَّ المرتبة الأخيرة - وهي المطلق - كانت موجودةً في الطائفة الاولى وليست موجودة في الطائفة الثانية أو بالعكس، فعلى رأي المشهور يقال إنَّ مجموع روايات الطائفة الأولى بصريحها وظاهرها ومطلقها - أي بمجموعها - يتعارض مع الطائفة الثانية بمجموعها فيتساقطان ونرجع آنذاك إلى الاصل العملي، وأما على رأي السيد الشهيد(قده) فتظهر الثمرة فيما لو فرض أنَّ في المرتبة الثالثة - وهي الاطلاق -كانت موجودةً في احدى الطائفتين دون الأخرى فإنَّ الصريح يسقط مع الصريح - وهذه هي المرتبة الاولى - والظاهر يسقط مع الظاهر - وهذه هي المرتبة الثانية - ولكن حينما نصل إلى المرتبة الثالثة وهي المطلق فالمفروض أنه موجودٌ في الطائفة الأولى فقط وليس موجوداً في الطائفة الثانية حتى يتعارضان، فيكون هذا الاطلاق هو المرجع بعد تساقط المرتبتين الأولى الثانية من الطائفتين وحينذٍ قد تتغير النتيجة على وفقه، فإن كان هذا الاطلاق يقتضي الطهارة حكمنا بالطهارة وإن كان يقتضي النجاسة حكمنا بالنجاسة، فهذه هي الثمرة بين مسلك المشهور وبين مسلك السيد الشهيد(قده).


[1] فالذهاب إلى الأصل العملي فرع فقدان العموم أو الاطلاق الفوقاني.
[2] وسائل الشيعة، العاملي، ج3، ص412، أبواب النجاسات، ب10، ح1.
[5] وهذه هي فكرة السيد الشهيد(قده).
[6] ومن الواضح أن الظهور الاطلاقي اضعف من الظهور الوضعي.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo