< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

44/10/11

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- الاخبار العلاجية - تعارض الادلة.

ذكرنا أنَّ من أحد المرجحات لأحد الخبرين المتعارضين على الآخر أن يكون مخالفاً للعامة حيث يقدم المخالف ويطرح الموافق.

وما ذكرناه لا يختص بما إذا كان أحد الخبرين المتعارضين مخالفاً لأخبارهم فقط بل يكفي أن يكون مخالفاً لفتاواهم أيضاً، فلو فرض أنَّ المورد لا توجد فيه روايات عند العامة ونحن عندنا خبران متعارضان احدهما موافق لفتاواهم والآخر مخالف لها فالمناسب هنا تقديم المخالف لفتاتواهم؛ إذ النكتة الموجبة لتقديم الخبر المخالف لأخبارهم موجودة بنفسها هنا ولا خصوصية لكون أحد الخبرين المتعارضين مخالفاً لأخبارهم فقط حتى يقدم بل يكفي أن يكون مخالفاً لفتواهم أيضاً.

وبعد أن عرفنا هذا نطرح سؤالاً:- وهو أنه عرفنا أنه يكفي في تقديم أحد الخبرين المتعارضين أن يكون مخالفاً لفتاواهم ولكن هل يلزم أن تكون فتواهم متفقٌ عليها بينهم أو يكفي أن تكون فتوى لبعضهم؟

والجواب:- لا يلزم أن تكون فتواهم متفقٌ عليها بل يكفي أن تكون معروفة - مشهورة - بين اوساطهم، كما لا يكفي أن تكون فتواهم خاصة بواحدٍ أو اثنين منهم، فالرواية التي يلزم طرحها هي أن تكون موافقة لفتوى معروفة بينهم وإن لم يكن متفقاً عليها، والمستند لما ذكرناه هو أنَّ الامام عليه السلام حينما يريد أن يتقي هو إنما يتقي من الرأي المعروف في اوساطهم ولا يلزم أن يكون ذلك الرأي مجمعاً عليه عندهم، كما لا يكفي أن يكون رأياً لواحدٍ أو اثنين منهم وإنما العاقل يتقي من الرأي المعروف، وهذه قضية واضحة.

وهناك قضية أخرى واضحة أيضاً:- وهي أنه يلزم أن تكون تلك الفتوى المعروفة في أوساطهم - وإن لم تكن متفق عليها - معاصرة لحضور الامام عليه السلام ولا يكفي وجودها بعد عصره أو قبله، والنكتة في ذلك واضحة، فإنَّ الامام عليه السلام حينما يتقي فهو يتقي من الفتوى المعروفة المعاصرة لزمانه أما غير المعاصرة لزمانه كما لو كانت سابقة له والآن ليست معروفة أو أنها ستحدث بعد حياته فهذه لا معنى للاتقاء منها.

وهل المدار في حمل أحد الخبرين المتعارضين على التقية أن يكون الرأي موجوداً لعلمائهم وفقهائهم أو يكفي ثبوته بين أفراد السلطة أيضاً؟ فالامام حينما يتقي ونحمل الخبر على التقية هل يلزم أن يكون هذا الرأي هو رأي للفقهاء منهم أو يكفي أن يكون رأياً ولو لسلاطينهم وامرائهم؟

ويمكن أن يمثّل لذلك بنجاسة الخمر، ففي نجاسة الخمر توجد عندنا طائفتان من الروايات بعضها تحكم بنجاسته وبعضها لا تحكم بنجساته فهل يمكن أن يقال إنَّ الروايات الدالة على الطهارة هي موافقة للعامة أي لسلاطينهم فإنهم كانوا يتناولون الخمر فتحمل على التقية وهل هذا الكلام وجيهاً؟

والجواب:- يمكن أن يقال إنَّ الموافقة للسلاطين لا تكفي، وذلك لوجهين:-

الأول:- أن يقال لا معنى لحمل روايات الطهارة على التقية بعدما كان الخمر محرّماً بنحو الجزم واليقين عند الجميع، بل حمل اخبار الطهارة على التقية من السلاطين لا معنى له أيضاً بعدما فرض أنَّ الخمر كان محرّماً جزماً باتفاق الكل، وعليه فهذا الحمل لا وجه له بعد كون الحرمة مسألة اتفاقية.

الثاني:- يمكن أن يقال هناك جماعة من فقهاء العامة يحكمون بنجاسة الخمر - كما يوجد عندنا من يحكم بطهارتها- ومادام بعضهم يحكم بنجاستها فحينئذٍ لا معنى لأن تكون الاخبار الصادرة والدالة على طهارة الخمر محمولةً على التقية بعدما كان هناك جماعة من فقهائهم يذهبون إلى نجاستها. فإذاً هذا الحمل لا مجال له.

عودٌ إلى صحيحة الراوندي التي قلنا بأنها معتبرة السند:- وهي كما عرفنا قد اشتملت على مرحّجين في باب التعارض أحدهما موافقة الكتاب الكريم حيث يُقدَّم الموافق له ويطرح المخالف، وثانيهما المخالفة للعامة، هذا من حيث دلالتها وهي قضية واضحة.

وإنما الكلام في سندها:- وأولاً لابد وأن نعرف من هو الراوندي، ثم نبحث سلسلة السند منه إلى مصدر الرواية التي أخذت منه، ثم من المصدر إلى الامام عليه السلام.

والراوندي هو على ما ذكر تلميذه الشيخ منتجب الدين أنه:- ( فقيهٌ صالحٌ ثقة )، وهو أول من فسّر نهج البلاغة قبل ابن ابي الحديد، وكان ابن ابي الحديد يشير إليه أحياناً ويحيل عليه، كما انه صاحب الكتاب المعروف بـ( فقه القرآن في شرح آيات الاحكام )، وهو أيضاً صاحب كتاب ( الخرائج والجرائح في المعجزات )، وقد ترجمه الميرزا النوري في لافائدة الثالثة في مستدركه[1] وذكر أنه من أجلاء اصحابنا، وعليه فلا توقف من ناحيته وإنما الكلام في بقية السند.


[1] مستدرك الوسائل، النوري، ج21، ص79، ط مؤسسة آل البيت.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo