الموضوع:- موارد أخرى لتقديم بعض الأدلة على بعضها الآخر - تعارض الادلة.

والمناسب في المقام أن يقال:- لابد وأن نرجع إلى دليل حجية الامارة - كما إذا كانت الأمارة خبراً - ونلاحظ هل يفي بنفي الاحتمال الثالث - الذي هو الاستحباب - أو لا يفي بذلك بعد وضوح أنه لا يمكن التمسك به لاثبات وجوب صلاة الجمعة أو حرمتها للتعارض، وإذا رجعنا إليه فنقول إنَّ الدليل المهم لحجية الاخبار هو السيرة العقلائية فإن كانت هذه السيرة واضحةً في نفي الاحتمال الثالث وجزمنا بانعقادها على ذلك أخذنا بها وإن لم نجزم بها وشككنا في ذلك - ويكفينا الشك - فحينئذٍ لا يمكن الأخذ بها، وإذا لاحظنا واقع الحال وجدنا إنَّ السيرة كما لا يمكنها اثبات حجية الخبرين المتعارضين الدال احدهما على وجوب الجمعة والآخر على حرمتها للمناقضة - فإنَّها لا يمكن أن تثبت المتناقضين - كذلك لا يمكنها اثبات نفي الاحتمال الثالث فإنَّها قاصره عن شموله - أي أنَّ دليل الحجية قاصر عن شمول الاحتمال الثالث كقصوره عن شمول الخبرين المتعارضين - وهذا هو المناسب فنّياً لا ما افاده الأعلام، كما أنهم لم يشيروا إلى ما ذكرناه في كلماتهم وكان المناسب الإشارة إليه ومناقشته.

وقبل أن ننهي هذا الموضوع نقول:- ربما يستثنى باب الاقارير فيقال بحجية المدلول الالتزامي فيه، فإذا فرض أنه صدر اقرارين من شخصٍ احدهما نقيضٌ للآخر فهل يمكن اثبات المدلول الالتزامي لهذين المدلولين المطابقيين أو لا؟، كما لو أقرَّ بأنَّ هذا الكتاب لزيدٍ ثم في مقامٍ آخر اقرَّ بأنه لعمروٍ فهذا تعارض في الاقرارين، فإذا قال بعد ذلك شيئاً يتناسب مع الاقرارين السابقين وهو لازمٌ لكلا الاقرارين وهو أنَّ هذا الكتاب ليس له فرغم بطلان كلا الاقرارين المطابقيين ولكن لا يبعد حجية لازم ذينك الاقرارين فيؤخذ به لانعقاد السيرة على ذلك، وهو شيءٌ عقلائيٌ ومقبول، ولكن لا ينبغي أن ننطلق من هذا إلى التعميم في جميع موارد لازم الأمارتين المتعارضتين وإنما هو يختص بباب الإقرار فقط ولا يتعدى منه إلى الأبواب الأخرى.

والنتيجة:- قد اتضح أنَّ الحق هو أنَّ الامارة كما لا يمكن أن يثبت بها المدلولان المطابقيان كذلك لا يمكن أن يثبت بها نفي الاحتمال الثالث لقصور مدرك الحجية الذي هو السيرة حيث نقول إنَّ السيرة قاصرة عن اثبات ذلك ولكن نستثني باباً واحداً وهو باب الإقرار بالشكل الذي أوضحناه.