< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

44/07/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- موارد أخرى لتقديم بعض الأدلة على بعضها الآخر - تعارض الادلة.

موارد أخرى لتقديم بعض الأدلة على بعضها الآخر[1] :-

المورد الأول:- أن يفترض وجود دليلين متعارضين بنحو العموم من وجه ويلزم من تقديم أحدهما لغوية العنوان الآخر بخلاف تقديم الآخر فإنه لا يلزم منه لغوية العنوان الأول ففي مورد المعارضة يُقدَّم العنوان الذي لا يلزم من تقديمه لغوية العنوان الآخر.

ومثال ذلك:- ما تقدمت الإشارة إليه في صحيحة أبي بصير التي تقول:- ( كل حيوان يطير فلا بأس ببوله وخرؤه ) فهي جعلت المدار على الطيران، وما ورد في صحيحة عبد الله بن سنان التي تقول:- ( اغسل ثوبك من ابوال ما لا يؤكل لحمه )، ومادة المعارضة بينهما هي ما إذا كان الحيوان طائراً لا يؤكل لحمه، ففي مادة الاجتماع هل يقدم عنوان الطائر الذي لازمه الحكم بطهارة بوله وخرئه أو يقدم الدليل الآخر الذي لازمه الحكم بنجاسة بوله وخرئه؟، أما إذا افترقا فلا توجد بينهما منافاة - يعني طيران من دون عنوان لا يؤكل لحمه أو عنوان لا يؤكل لحمه من دون ضم الطيران - فإنه إذا كان كل واحدٍ من العنوانين بانفراده فلا توجد مشكلة، وإنما المشكلة فيما إذا اجتمعا، فعند الاجتماع صحيحة أبي بصير التي تقول:- ( كل حيوان يطير فبوله وخؤه طاهر ) مقتضاها هو طهارة بول وخرؤ كل طائرٍ حتى الذي لا يؤكل لحمه، بينما مقتضى صحيحة ابن سنان هو عدم طهارة بول وخرؤ الطائر الذي لا يؤكل لحمه فتحصل المنافاة في مادة الاجتماع، وهنا يمكن أن يقال المقدم هو عنوان الطائر وبالتالي نحكم بطهارة بوله وخرئه، والوجه في ذلك: انه إذا لم نقدم عنوان الطائر وصار المدار على عنوان عدم حلّية أكل لحمه فسوف يلزم الحكم بنجاسة بول وخرؤ كل حيوانٍ لا يؤكل لحمه بما في ذلك الطائر وبذلك يلزم لغوية عنوان الطائر، فإننا لو لم نحكم بطهارة بول وخرؤ الطائر عند الاجتماع مع عنوان ما لا يؤكل لحمه فحينئذٍ صار المدار على عنوان ما لا يؤكل لحمه، فكل ما لا يؤكل لحمه يلزم الحكم بنجاسة بوله وخرئه والطائر لا خصوصية له، وهذا بخلاف تقديم عنوان الطائر فإنه لا يلزم منه لغوية العنوان الآخر وإنما يبقى لغير الطائر افراد كثيرة من الحيوانات التي لا يؤكل لحمها كالقطة والفأرة وغير ذلك، فهذه الحيوان غير الطائرة هي مصاديق لعنوان ما لا يؤكل لحمه.

المورد الثاني:- أن يفترض أنه يوجد عندنا دليلان معتبران متعارضان بنحو العموم من وجه ويلزم من تقديم أحدهما لغوية تشريع الآخر بخلاف العكس.

ومثاله:- دليل الاستصحاب الذي يقول ( لا تنقض اليقين بالشك ) مع دليل قاعدة الفراغ الذي يقول ( كلُّ ما مضى فأمضِهِ كما هو ) ودليل قاعدة التجاوز الذي يقول ( إذا كنت في شيء وفرغت منه ودخلت في غيره فشكك ليس بشيء إنما الشك في شيء لم تجزه )، فإذا اجتمع في المورد الاستصحاب مع قاعدة الفراغ أو قاعدة التجاوز فاللازم دائماً هو تقديم قاعدة الفراغ أو قاعدة التجاوز على الاستصحاب، والنكتة في ذلك:- أنه إذا لم تتقدم قاعدة الفراغ وكان المقدم هو الاستصحاب فسوف لا يبقى مورد لقاعدة الفراغ؛ إذ في كل موردٍ من موارد قاعدة الفراغ يكون الاستصحاب جارياً جزماً، لأني إذا فرغت من صلاتي وشككت هل أتيت بالتشهد في الركعة الأخيرة أو لا فدائماً الاستصحاب يقول لي أنت لم تأت بالتشهد أما قاعدة الفراغ فتقول لي لا تعتنِ بالشك، فلو أردنا تقديم الاستصحاب فسوف لا يبقى مورد لقاعدة الفراغ أو قاعدة التجاوز، وهذا بخلاف العكس فإنَّ تقديم قاعدة التجاوز أو قاعدة الفراغ على الاستصحاب لا يلزم منه لغوية تشريع الاستصحاب؛ إذ تبقى موارد الاستصحاب الأخرى متعددة وكثيرة، كما لو فرض أنَّ عباءتي كانت طاهرة وشككت في بقاء طهارتها فمقتضى الاستصحاب هنا هو بقاء طهارتها، فالاستصحاب يمكن أن نتصور له موارد في غير مورد التجاوز أو الفراغ.

فإذاً في موارد التجاوز والفراغ يجري الاستصحاب جزماً لأنه يوجد شيءٌ نشك في الاتيان به والاستصحاب يقول أنت لم تاتِ به، بخلاف العكس فإنه في موارد الاستصحاب لا يلزم أن تجري قاعدة الفراغ أو قاعدة التجاوز كما لو كانت العباءة طاهرة سابقاً وشككت في بقائها على الطهارة أو كانت نجسة وشككت في بقائها على النجاسة أو أنَّ فلاناً كان غير بالغٍ وشككت الآن في صيرورته بالغاً .... وهكذا، فموارد الاستصحاب كثيرة.

والخلاصة:- كلما اجتمع دليليان - كاجتماع الاستصحاب مع قاعدة الفراغ وقاعدة التجاوز - يلزم من تقديم أحدهما لغوية التشريع الآخر بخلاف العكس ففي مثل هذه الحالة يقدَّم ما لا يلزم من تقديمه لغوية التشريع الآخر، أي تقدَّم قاعدة الفراغ وقاعدة التجاوز على الاستصحاب لأنه لا يلزم من تقديمهما لغوية الاستصحاب بخلاف العكس.


[1] وبعض هذه الوجوه مقبولٌ وبعضها الآخر وقع محلاً للكلام.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo