< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

44/07/14

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- تعارض الادلة.

البيان الثاني:- ما ذكره السيد الشهيد(قده)[1] ، وحاصله أن يقال:- يقدَّم العام المشتمل على كلمة ( كل ) على المطلق، وذلك لأنَّ دلالة العام على العموم أقوى من دلالة المطلق - الذي لا يشمل على أداة العموم - والوجه في كون دلالة العموم أقوى من دلالة الاطلاق هو أنَّ دلالة الاطلاق ناشئة من السكوت وعدم البيان الزائد، فالمولى قال:- ( اغسل ثوبك من ابوال ما لا يؤكل لحمه )، وهذا مطلقٌ سواء كان الحيوان طائراً أو غير طائراً، والدلالة على التعميم للطائر وغيره قد نشأ من السكوت عن كون الحيوان طائراً أو غير طائر، فهنا عُمِّم بسبب الدلالة السكوتية - إن صحَّ التعبير - فنحن استفدنا العمومية للطائر وغير الطائر من السكوت، وهذا بخلاف دلالة العام الذي يقول ( كل طائر بوله وخرؤه طاهر ) فإنَّ دلالته على التعميم لأفراد الطائر ليست ناشئة من السكوت وإنما هي ناشئة من البيان الزائد حيث قيل (كل طائر) وهذا يدل على التعميم بالدلالة والبيان الزائد لا من طريق السكوت، وعليه فصار عندنا دليلان أحدهما ( اغسل ثوبك من ابوال ما لا يؤكل لحمه ) وهو يعم الطائر وغيره ولكنه يعمهما بالدلالة السكوتية - يعني هو قد سكت عن الطائر فصار التعميم موجوداً للطائر وغيره - وثانيهما ( كل حيوان يطير ) فهي دلالة ليست ناشئة من السكوت وإنما هي ناشئة من التصريح بكلمة ( كل حيوان يطير )، فإذا تعارضا قُدِّمَ ما كانت دلالته اقوى وهو المشتمل على كلمة ( كل )، فتكون دلالة ( كل حيوان يطير ) مقدمة على دلالة ( اغسل ثوبك من ابوال ما لا يؤكل لحمه ) وبالتالي تصير النتيجة هي أنَّ كل طائرٍ سواء كان مأكول اللحم أو ليس مأكول اللحم بوله وخرؤه طاهر.

وفي التعليق نقول:- إنَّ قوة الدلالة وعدم قوتها قضية يلزم الرجوع فيها إلى العرف، فإذا كان العرف يرى أنَّ دلالة العموم اقوى من دلالة الاطلاق قُدِّم العموم على الاطلاق.

وأما إذا فرض أنّ اثبات قوة الدلالة لم يكن من خلال العرف وإنما كانت الصناعة تقتضي ذلك فحينئذٍ لا ينفعنا هذا المقدار للتقديم وإنما المهم هو أن يكون حديث ( كل حيوان يطير ) اقوى دلالةً من الثاني قوةً عرفية وبالنظر العرفي، أما أنها قوةً صناعية باعتبار أنَّ كلمة ( كل ) موضوعة للعموم والاستيعاب ولكن بالنظر العرفي يمكن أن يقال إنَّ كلا الدليلين هما على حدٍّ سواء عرفاً فلا ينفعنا هذا المقدار في التقديم، نعم بحسب الصناعة أنَّ ما اشتمل على كلمة ( كل ) تكون دلالته أقوى من المطلق إلا أنَّ هذه القوة ليست مجديةً لأنها قوة صناعية، بل المجدي ما كانت قوّته عرفية، وعليه فما افاده السيد الشهيد(قده) قابل للتأمل.

وبهذا ثبت أنَّ كلا البيانين قابل للتأمل والمناقشة، وعلى هذا الأساس لا يمكن أن نعطي ضابطاً كلياً بأنه متى ما اجتمع العام والمطلق قُدِّم العام بشكلٍ قطعيٍ على المطلق فإنَّ هذا أمرٌ مشكلٌ، بل لابد من ملاحظ الموارد والحكم في كل موردٍ بحسبه.


[1] الحلقة الثالثة، السيد الشهيد، ج1، ص137.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo