الموضوع:- تعارض الادلة.

ويلوح من كلمات الشيخ الاعظم(قده)[1] تقريبٌ آخر وحاصله:- لو كان لدينا عامّان مثلاً الأول يقول ( إذا بلغ الماء قدر كرٍّ فلا ينجسه شيء )، والثاني يقول ( الماء المتغير بأوصاف النجاسة نجس )، فالحكم الأول منصبٌّ على عنوان الكرية ويجعل المدار على الكرية وأنَّ الكر لا ينجسه شيء والحكم الثاني منصبٌّ على عنوان التغير وأنَّ كل ماء متغير فهو نجس، ففي مثل هذه الحالة إذا لم نقبل بكبرى انقلاب النسبة يلزم أن نُعمِل التخصيصات والتقييدات من دون ملاحظة النسبة الجديدة المنقلبة وربما يؤدي ذلك بنا إلى شيءٍ غير مقبول كما هو الحال في هذا المثال، فإنه لو قدمنا العموم الأول وجعلنا المدار على الكرية فسوف تصير النتيجة هي أنَّ العموم الثاني سوف يصير مختصاً بغير الكر - يعني الأقل من الكر - ولا يشمل الكر فما زاد، وبعد ذلك نقول يوجد عندنا عمومٌ ثالث يدل على أنَّ الماء القليل يتنجّس بمجرد الملاقاة، وحينئذٍ نقول بما أنه يوجد عندنا دليل ثالث يدل على أنَّ الماء القليل يتنجّس بمجرد الملاقاة وإن لم يتغير ففي مثل هذه الحالة هل نخصّص العموم الثاني بالدليل الثالث أو لا يمكن أن نخصّصه به؟

والأول غير ممكن - إي أنَّ تخصيصه به غير مممكن - إذ لازم ذلك عدم بقاء مصداقٍ تحت العموم الثاني، لأنَّ الكر قد خرج من العموم الثاني بالتخصيص الأول وبقي الأقل من الكر - أي القليل - تحته، وقد قلنا يوجد عندنا عمومٌ ثالث يقول ( الماء القليل ينفعل بملاقاة النجاسة ) وفي مثل هذه الحالة إذا جعلنا هذا العموم الثالث مخصَّصاً للعموم الثاني فحينئذٍ لا يبقى فرد تحت العموم الثاني؛ إذ المفروض أنَّ الكر وأن تغير قد خرج بالعموم الأول الذي يقول ( إذا بلغ الماء قدر كر لا ينجسه شيء ) والاقل من الكر الآن بنينا على أنه خارجٌ من العموم الثاني، فيبقى العموم الثاني من دون مصداقٍ له.

والثاني غير ممكن أيضاً - وهو أن نقول إنه باقٍ تحت العموم الثاني الذي دل على أنَّ الماء ينفعل بالتغير - فإنه إذا أردنا أن نقول هكذا فحينئذٍ سوف يصير منشأ تنجّس الماء القليل هو التغير والحال أنَّ المستفاد من الأدلة في الطائفة الثالثة أنَّ الماء القليل مادام قليلاً فالقلَّة بنفسها توجب انفعاله بالنجاسة بمجرد الملاقاة وإن لم يتغير، فإذا قلنا ببقائه تحت العام الثاني فسوف يلزم من ذلك إلغاء الخصوصية الثابتة في هذا العنوان.

وعليه فإذا أردنا أن ننكر فكرة انقلاب النسبة الذي لازمه اعمال التخصيصات بهذا الشكل الذي صنعناه فسوف نخرج بهذه التيجة الغريبة.