< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

44/06/24

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- تعارض الادلة.

التعارض غير المستقر:-

قد عرفنا أنَّ المقصود من التعارض غير المستقر هو ما امكن فيه الجمع العرفي بين الدليلين، كما هو الحال في العام والخاص حيث يمكن الجمع بينهما بالتخصيص فيكون المراد من العام خصوص الخاص، وهكذا الحال في الجمع بين المطلق والمقيد حيث يحمل المطلق على خصوص المقيد، وهكذا الحال في باب الحكومة فإنَّ المحكوم يُفسَّر على طبق الحاكم، وهكذا الحال في باب التعارض بين النصّ والظاهر فإنَّ الظاهر يحمل على ما يقتضيه النص، وهكذا الحال في باب الاظهر والظاهر فإنَّ الظاهر يحمل على ما يدل عليه الاظهر ... وهكذا الحال في النظائر الأخرى إن وجدت.

والسؤال في المقام:- ما هو الدليل على ذلك، فهل يوجد رواية تدل الجمع بهذه الصورة أو لا؟

والجواب:- لا توجد رواية تدل على ذلك وإنما المستند في ذلك هو العرف، باعتبار أنَّ العرف يحمل العام على ما يقتضيه الخاص، وهكذا يحمل المطلق على ما يقتضيه المقيَّد ... وهكذا في بقية الموارد، وحيث لا ردع عن هذه الطريقة فيثبت امضاؤها.

وإن شئت قلت:- إنَّ مستند الجمع المذكور هو التزام كل متكلمٍ بأنه يتكلم على وفق الأساليب العرفية وحسب ما يقتضيه العرف، والمفروض أنَّ العرف يستعمل العام ويريد به الخاص مادام قد ذُكِر الخاص وأما إذا ذكر المتكلم العام فقط من دون أن يذكر الخاص مع ارادته للخاص فذلك ليس من الأساليب العرفية، فظاهر حال كل متكلّم أنه يتكلم وفق الأساليب العرفية، ومن الأساليب العرفية أن يستعمل المتكلم العرفي العام ويأتي بعد ذلك بالخاص ويكون مقصوده من العام هو الخاص، وهكذا بالنسبة إلى المطلق والمقيد وما شاكل ذلك، فهذا هو المنشأ لهذا الجميع

نعم قد يفترض وجود بعض الموارد التي يمكن الاختلاف فيها وهل هي من الأساليب العرفية ومن موارد الجمع العرفي أو لا، وبكلمةٍ أخرى:- هناك موارد هي من الجمع العرفي جزماً كالعام والخاص فيحمل العام على الخاص وهكذا المطلق والمقيد ... وهكذا بقية الموارد، ولكن توجد بعض الموارد التي وقع فيها الكلام.

الموارد التي وقع الكلام في كونها مصداقاً للجميع العرفي:- ونذكر ثلاثة موارد:-

المورد الأول:- حالة انقلاب النسبة.

والمقصود من ذلك أنه تارةً يفترض ورود دليلين احدهما عام والأخر خاص، وهنا قلنا إنَّ العرف يجمع بينهما بحمل العام على الخاص ويقول إنَّ المراد من العام هو الخاص، وكذلك يراد من المطلق هو المقيد ... وهكذا بقية الموارد، وأخرى يفترض وجود موراد اخرى هي محل تأمل في كونها من مصاديق الجمع العرفي أو لا، ولابد من النظر فيها لابداء الرأي الصحيح فيها، ونذكر هنا ثلاثة موارد:-

االأول:- كبرى انقلاب النسبة.

والمقصود من ذلك أنه أحياناً يأتي دليلان احدهما عام والآخر خاص وهنا قلنا لا اشكال في حمل العام على الخاص، وأخرى يفترض أنَّ الأدلة الموجودة ثلاثة بأن يأتي دليلان عامّان ودليل خاص، وحينئذٍ نقول:- إذا فرض أنَّ احد العامين قد خصص بالخاص من هذه الأدلة فهل يمكن أن نلحظ النسبة الجديدة بعد التخصيص، فإنه في البداية كانت النسبة بين العامين أنَّ هذا عام وذاك عام ولا يمكن لاحدهما أنَّ يخصّص الآخر ولكن بعد أن خُصِّص احدهما بالخاص فقد تنقلب النسبة بين العامين وتصير النسبة بين العام الذي خصصناه وبين العام الآخر الذي لم نخصصه هي نسبةً اخرى، فقبل تخصيص أحدهما كانت النسبة بينهما هي نسبة العام إلى العام - وهي التباين - أما بعد تخصيص احدهما فقد صار العام المخصَّص أخصُّ من العام الآخر، وهنا وقع الكلام بين الأصوليين في أنه هل يمكن ان نلحظ العام الأول بعد تخصيصه مع العام الآخر الذي لم يخصَّص أو لا يمكن ذلك، أو بعبارةٍ أخرى:- هل نلحظ العام بنسبته المنقلبة - لأنه بنسبته الجديدة أنه صار اخصّ من العام الثاني - مع العام الثاني فيخصّص العام الثاني أو لا يمكن ذلك؟

ولتوضيح الفكرة نذكر مثالاً:- وهو أنه في باب تنجّس الماء بملاقاة النجاسة توجد عندنا ثلاثة طوائف من الاخيار:-

الطائفة الأولى:- ما دل على أنَّ الماء لا يتنجس إلا بالتغير، فالمدار في التنجّس هو على التغير، من قبيل رواية حريز:- ( خلق الله الماء طهوراً لا ينجسه شيء إلا ما غيّر لونه أو طعمه أو ريحه )[1] ، وهي مطلقة حيث أنها لم تفرّق بين القليل والكثير، نعم القدر المتيقن هو الماء الكثير ولكنها لم تقيد به وإنما هي مطلقة من هذه الناحية، فهي دلت على أنَّ الماء بعمومه لا يتنجّس بالملاقاة إلا إذا تغير بأحد اوصاف النجاسة الثلاثة.

الطائفة الثانية:- ما دل على أنَّ الماء إذا بلغ قدر كرٍّ فلا يتنجس، يعني أنَّ غير الكر يتنجّس بالملاقاة، من قبيل صحيحة معاوية بن عمار التي تقول:- ( إنَّ الماء إذا بلغ قدر كرٍّ لا ينجسه شيء )[2] ، فالمدار في هذه المعبترة على الكرّية، فالكر لا يتنجّس سواء تغير بأوصاف النجاسة أم لم يتغير.

الطائفة الثالثة:- ما دل على تنجّس الماء القليل بمجرّد الملاقاة، من قبيل موثقة عمّار عن أبي عبد الله عليه السلام:- (سئل عن رجل معه اناءان وقع في احدهما قذر لا يري أيهما هو وليس يقدر على ماء غيرهما، قال:- يهريقهما جميعاً ويتيمم)[3] .

والسؤال:- هل يمكن أن نخصص احدى الطوائف الثلاث بالطائفة الثانية ثم نلاحظ النسبة الجديدة مع الطائفة الاخرى أو لا يمكن ذلك؟

ولا يقولن قائل:- لماذا خصّصنا العام الأول بالرواية الثانية، بل لنجعل هذا الخاص مخصَّصاً للعام الآخر أولاً دون العام الاول؟

قلنا:- إنَّ هذا غير صحيح؛ إذ المفروض أنَّ العام الأول يقبل التخصيص بهذه الرواية الخاصة فإنَّ لسانهما واضحٌ في ذلك، وأما العام الثاني فهو لا يقبل التخصيص بهذه الرواية الخاصة وإنما يقبل ذلك بعد التخصيص للعام الأول، فبعد تخصيص العام الأول هل يمكن من خلاله يخصّص العام الثاني أو لا يمكن؟


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo