< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

44/06/21

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- تعارض الادلة.

هل يتحقق التعارض بين الاصلين أو بين الاصل والامارة أو لا؟

قد يتسائل في هذا المجال بسؤالين:-

السؤال الأول:- إذا كان عندنا اصلان كأصل الطهارة والاستصحاب فهل يمكن أن نقول بوقوع التعارض بينهما؟، كأن دل الاستصحاب على بقاء النجاسة ودل اصل الطهارة على ثبوت الطهارة، فهنا هل يصح فنيّاً أن نعبر بأنه وقع التعارض بينهما أو لا يصح ذلك؟

السؤال الثاني:- إذا كان الأصل يدل على شيءٍ والامارة تدل على شيءٍ آخر ففي مثل هذه الحالة هل يصح أن نقول وقع التعارض بينهما ماداما يختلفان في النتيجة - أي في الحكم -؟

والجواب:- عرفنا مما سبق أنَّ التعارض صفة للدليلين الدالين على الحكم وليس صفةً لحكمين فإنَّ الحكمين لا يتعارضان وإنما يتزاحمان، فإذا كان عندنا دليلان يدلان على حكمين مختلفين فهنا نقول قد تعارض الدليلان، فإذا كان عندنا دليل يقول هنا يجري اصل الطهارة وفي نفس المورد كان عندنا دليل آخر يقول هنا يجري استصحاب النجاسة فسوف يصير التنافي بين الدليلين الدالين عليهما، أما نفس أصل الطهارة فهو حكمٌ شرعي مفاده أنه يُحكَم بالطهارة على كل شيءٍ مشكوك النجاسة، وهكذا الاستصحاب فإنه حكم شرعي مفاده أنَّ كل شيء محكوم بالبقاء على حالته السابقة إذا كانت ثابتةً بنحو اليقين وشك في بقائها، ولا يقع التعارض والتنافي بين هذين الحكمين وإنما يقع التعارض بين الدليلين الدالين على هذين الحكمين المختلفين فنقول إنَّ الدليل الدال على جريان اصل الطهارة هنا معارض بالدليل الدال على جريان استصحاب النجاسة مثلاً، وهذه قضية فنّية لا أكثر.

مرجّحات باب التزاحم:-

ذكرت عدة مرجحات في باب التزاحم لتقديم أحد الحكمين على الآخر، وقد ذكر الشيخ النائيني(قده) في اجود التقريرات[1] خمسة مرجّحات.

والمهم من هذه المرجحات هو الأهمية:- فمتى ما كان أحد الحكمين أهم جزماً أو احتمالاً كان هو المقدّم على الحكم الآخر عند التزاحم بينهما، أما المرجحات الأخرى كأن يكون أحدهما موسعاً والآخر مضيقاً فالمضيق يكون أهم من الموسّع فيقدم، أو كان أحدهما له بدل والآخر ليس له بدل فالمقدم هو الذي لا بدل له ... إلى غير ذلك من المرجّحات فهي ليست مهمة.

وقد تذكر وجوهاً ثلاثة لتقديم الأهم جزماً أو احتمالاً على غيره:-

الوجه الأول:- إنَّ الأهمية تعني وجود زيادةٍ في الملاك، فالاهم يعني أنَّ ملاكه اشد وأقوى وفيه زيادة في الملاك بلحاظ الآخر، ومادامت الزيادة في الملاك موجودة فيه فيلزم الأخذ بتلك الزيادة تحصيلاً لذلك الملاك الأكبر المشتمل على الزيادة وبالتالي يلزم ترجيح ما هو أهم جزماً أو احتمالاً تحصيلاً لتلك الزيادة في الملاك التي هي جزمية أو محتملة.

وفي التعليق يقال:- إنَّ ما ذكر يكون تاماً فيما إذا فرض أنَّ الزيادة في الأهمية في الملاك كانت جزمية وليست محتملة، إذ لو كانت كذلك فهنا يحكم العقل والعقلاء بلزوم تقديم الأهم تحصيلاً لتلك الزيادة وإلا سوف تفوت، وأما إذا كانت الاهمية محتملة وليست جزمية فالعقل أو العقلاء وإن كانوا قد يحكمون بلزوم ترجيح محتمل الأهمية ولكن مادام يوجد احتمال في زيادة الملاك فقط ولا يوجد جزم فحينئذٍ نقول إنَّ هذا الاحتمال يوجد مؤمِّن من ناحيه بمعنى أنه يمكن نفيه، وذلك بأن نقول إنَّ أدلة البراءة التي تقول ( رفع عن أمتي ما لا يعلمون ) كما تشمل باطلاقها الحكم التكليفي المحتمل هي أيضاً ترفع لزوم تحصيل الملاك المحتمل الأهمية، فننفي احتمال الأهمية من خلال اطلاق ادلة البراءة. ومن هنا نحتاج إلى وجهٍ آخر لاثبات لزوم تحصيل محتمل الاهمية من حيث الملاك.

الوجه الثاني:- التمسك بأصالة الاشتغال، بمعنى أنه لو دار الامر بين فردين وكنا نحتمل اهمية احدهما فإن اتينا بمحتمل الأهمية جزمنا بسقوط اشتغال الذمة، بخلافه إذا اتينا بالفرد الذي لا نحتمل أهميته فإننا لا نجزم بفراغ الذمة عند الاتيان به، وعلى هذا الأساس اصالة الاشتغال قاضية بلزوم تحصيل الفرد الذي نحتمل أهميته ولا ينفعنا تقديم الفرد الذي لا نحتمل أهميته، فأصالة الاشتغال تقضي بلزوم تحصيل الفرد الاهم ملاكاً.


[1] أجود التقريرات، الخوئي، ج2، ص503، ط قديمة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo