< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

44/06/07

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- التنبيه التاسع ( حكم تعارض الاستصحابين وتعارض الاستصحاب مع غيره )- تنبيهات الاستصحاب- مبحث الاستصحاب.

تقدم الاستصحاب على بقية الأصول:-

لا اشكال في أنَّ الاستصحاب مقدَّم على بقية الأصول كأصل البراءة وأصل الطهارة وأصل التخيير وأصل الاحتياط وغير ذلك، وهذه قضية مسلّمة، وإنما الكلام في النكتة الفنّية لذلك.

وقبل أن نتكلم في هذا نلفت النظر إلى قضية:- وهي أنَّ الأصل المعارض للاستصحاب إذا كان عقلياً كما لو تعارض استصحاب الحالة السابقة مع البراءة العقلية فهنا وجه تقدم الاستصحاب على البراءة العقلية - الأصل العقلي - واضح وهذا لابد وأن نخرجه عن محل الكلام ويكون محل الكلام هو فيما إذا تعارض الاستصحاب مع الأصول الشرعية، والوجه في تقدم الاستصحاب على الأصول العقلية هو أنَّ العقل يحكم بالبراءة فيما إذا لم يكن هناك بيانٌ شرعي على التكليف، وحيث إنَّ استصحاب بقاء الحكم السابق - كالوجوب أو الحرمة - هو نحو بيانٍ شرعيٍ لثبوت الحكم الشرعي فحينئذٍ سوف يرتفع موضوع الحكم العقلي ويصير هذا الأصل العقلي سالبة بسبب انتفاء الموضوع، فإنَّ موضوعه هو عدم البيان الشرعي وحيث إنَّ الاستصحاب بيانٌ شرعيٌ فحينئذٍ يرتفع الأصل العقلي وهذه قضية واضحة.

أما تقدم الاستصحاب على الأصول الشرعية:-

فقد يقول قائل في وجه تقدم الاستصحاب على بقية الأصول الشرعية:- إنَّ المجعول في باب الاستصحاب هو العلمية حيث إنَّ روايات الاستصحاب تقول:- ( لا تنقض اليقين بالشك ولكن انقضه بيقين آخر ) والمستظهر منها هو أنَّ المكلف حالة الشك محكومٌ شرعاً ببقاء اليقين السابق، فأنت أيها المكلف متيقنٌ شرعاً ببقاء الحالة السابقة، وحيث إنَّ المجعول في باب الاستصحاب هو العلمية فبالتالي يصير المكلف عالماً وبالنتيجة سوف يتقدم الاستصحاب على بقية الأصول، لأنه بجريانه يصير المكلف عالماً ببقاء الحالة السابقة وبالتالي يرتفع موضوع الأصول الأخرى - الذي هو الشك - فماذام المجعول في الاستصحاب هو العلمية فمتى ما جرى فسوف يصير الملكف عالماً وبالتالي يرتفع موضوع الأصول الأخرى.

وقد ذهب إلى ذلك أيضاً العلمان الشيخ النائيني(قده) في فوائد الأصول[1] والسيد الخوئي(قده) في مصباح الاصول[2] .

وقد يقول قائل:- لماذا قلنا إنَّ المجعول في الاستصحاب فقط هو العلمية ولم نقله في بقية الأصول، فلماذا خصّصنا العلمية بالاستصحاب دون غيره وما هي النكتة في لذلك؟

قلنا:- النكتة واضحة، ففي في دليل الاستصحاب توجد كلمة ( لا تنقض ) أي يوجد نهي عن نقض اليقين في حالة الشك، وإذا كان الأمر كذلك فهذا يعني أنك أيها المكلف محكومٌ شرعاً بأنك متيقن، ففي باب الاستصحاب يوجد مجال في أن نقول إنَّ المجعول فيه هو العلمية، ومن المعلوم إنَّ مثل هذا التعبير أو ما بحكمه غير موجودٍ في أدلة الأصول الأخرى، فمثلاً قاعدة الحلّية تقول:- ( كل شيء لك حلال حتى تعلم أنه حرام ) فهنا لا يوجد فيها ما يستفاد منه جعل العلمية بالحلّية وإنما مادمت أيها المكلف شاكاً فنحن نحكم عليك بأنَّ هذا الشي حلال، فهذا حكمٌ لا أننا نجعلك عالماً، فلا يوجد جعلٌ للعلمية في أصل الحلّية، ونفس هذا الكلام يأتي في بقية الأصول الأخرى.

وفي مقام التعليق على هذا الوجه نقول:- إنَّ هذا وجيه إن تم شيءٌ وإلا فلا يكون وجيهاً، وتوضحيه:- نحن نسلّم أنَّ روايات الاسصحاب تجعل المكلف عالماً بالبقاء ولكن يحتمل كون المقصود منه هو جعل العلمية من زاوية الجري العملي وليس المراد جعل اليقين من زاوية الكاشفية بمعنى أنه ينكشف لك الواقع وأنت منكشفٌ لك الواقع وعالمٌ به وإنما نحتمل أنَّ المقصود هو أنك عالم في مقام الجري العملي، يعني أولاً كنت ترتب أنك تدخل في الصلاة ولا تتوقف من احتمال النجاسة والآن في حالة الشك الأمر كذلك لا تتوقف أيضاً.

فإذاً المقصود من تنزيل الشاك منزلة العالم هو التنزيل من زاوية الجري العملي فقط لا أنه عالمٌ شرعاً من كل الزوايا والجهات، وبناءً على هذا لا يتقدم الاستصحاب على بقية الأصول، فمثلاً أحد الأصول هو أصل الطهارة - ( كل شيء لك طاهر حتى تعلم أنه قذر ) - فهنا يكون المدار في ارتفاع الحكم بالطهارة هو العلم بالنجاسة، فإذا علم بالنجاسة فآنذاك يرتفع التعبّد بالعلم بالطهارة وبجعل الطهارة - والعلم هنا هو بمعنى اليقين أو الاطمئنان - ولكن المقصود من العلم هو العلم الذي يكشف عن الواقع، وحينئذٍ إذا كانت الحالة السابقة للثوب هي النجاسة وشككنا الآن أنه طاهر أو لا ففي مثل هذه الحالة يمكن أن يقال إنَّ قاعدة الطهارة جارية لأنها قالت ( كل شيء لك طاهر حتى تعلم أنه نجس ) وأنا لا أعلم بالنجاسة فيحكم حينئذٍ بطهارته مادام لا يوجد علم بالنجاسة، والحالة السابقة وإن كانت هي النجاسة وقد فرض أنا شككنا في زوالها فحينئذٍ جريان استصحاب النجاسة لا يصيّرنا عالمين بالنجاسة، فعلمٌ بالنجاسة بمعنى الكاشفية ليس بموجود وإنما يوجد عندي شك ببقاء النجاسة، فالمعارضة تكون ثابتة.

فإذاً ما ذكره العلمان إنما ينفع في تقدم الاستصحاب على بقية الأصول فيما إذا كان جعل العلمية فيه هو من زاوية الكاشفية لا من زاوية الجري العملي، وحيث إنَّ هذا مشكوكٌ فحينئذٍ لا ينفعنا هذا كوجهٍ لتقدم الاستصحاب على بقية الأصول المعارضة.

ونلفت النظر إلى قضية:- وهي أننا لا نريد أن ندّعي الجزم بأنَّ المجعول في الاستصحاب هو الجري العملي جزماً وإنما نقول هو محتملٌ ويكفنا الاحتمال، فمادام يحتمل أنَّ جعل العلمية هو من زاوية الانكشاف كما يحتمل جعل العلمية من زاوية الجري العملي فهذا الشك والتردد يكفينا لعدم حكومة استصحاب النجاسة وتقدمه على أصل الطهارة لأننا لا نجزم بأنَّ المجعول فيه هو العلمية وإنما نشك في ذلك.


[1] فوائد الأصول، النائيني، ج4، ص680.
[2] مصباح الأصول، الخوئي، ج3، ص253.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo