< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

44/05/11

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- التنبيه التاسع ( حكم تعارض الاستصحابين وتعارض الاستصحاب مع غيره )- تنبيهات الاستصحاب- مبحث الاستصحاب.

هذا ولكن الشيخ الاصفهاني(قده) وذكر في نهاية الدراية[1] ما حاصله:- إنه لا يمكن أن يعبّدنا الشارع بالطهارة في كلا الطرفين، بتقريب: انَّ التعبّد بجريان أصل الطهارة في كليهما هو تعبّدٌ بالمخالفة القطعية للمولى وهي ظلمٌ للمولى والظلم قبيح، وقبح الظلم ثابتٌ له بنحو العلّية وليس بنحو الاقتضاء.

والجواب:- نسلّم أنَّ الظلم قبيح وقبحه ثابتٌ بنحو العلّية ولكن نقول إنَّ الترخيص في كليهما من خلال أصل الطهارة أو استصحاب الطهارة يرفع عنوان الظلم لأنَّ المولى هو الذي جوزّ ذلك وتنازل عن حقه، وبعد تنازله عن حقه لا يعود مجال لعنوان الظلم، فإنَّ الظلم يعني سلب الحق والتجاوز عليه ولكن بعد أن جوّز اجراء أصل الطهارة فلا يبقى الظلم حتى نقول هو قبيح وقبحه يوجب الظلم للمولى، وعليه فلا محذور ثبوتاً في الترخيص في كلا الطرفين.

بيد أنَّ امكان الترخيص وإن كان ثابتاً في كلا الطرفين من خلال تطبيق أصل الطهارة أو الاستصحاب إلا أنَّ ذلك لم يتحقق في مرحلة الوقوع.

ولعلك تقول:- إذا كان هذا ليس بواقع فما هي الثمرة في البحث عن الإمكان إذ لا ثمرة فيه مادام الوقوع ليس بحاصل، وعليه فالمناسب البحث أولاً في عالم الوقوع ونقول هو لم يقع ولا نبحث عن عالم الإمكان، وبهذا يكون اختصاراً للطريق وأولى في البحث.

والجواب:- حيث إنَّ الدراسة تعلمنا الدقة والعمق فمن المناسب عرض مثل هذه الموضوعات فإنها تساعد على تطور الذهن فنحن نبحثها لأجل هذه الناحية، نعم إذا أردنا أن نكتب الأصول بنحو الاختصار فلابد من حذف هذه الأمور التي يمكن الاستغناء عنها.

إذاً اتضح أنه يمكن الترخيص في كلا الطرفين في مرحلة الإمكان، وأما في مرحلة الوقوع فهو لم يقع فإنَّ أصل الطهارة الذي يقول ( كل شيء لك طاهر حتى تعلم أنه قذر ) قاصر عن شمولهما وذلك لبيانين:-

الأول:- ما ذكره السيد الشهيد(قده)[2] وحاصله:- إنَّ الأغراض العقلائية في باب الترخيص هي عادةً لا تكون أهم من الأغراض الإلزامية، وهذا الارتكاز يصير بمثابة القرينة اللبّية الارتكازية المتصلة بدليل الطهارة - وهو ( كل شيء لك طاهر) - أو بدليل الاستصحاب - وهو ( لا تنقض اليقين بالشك ) - وأنه طبّق هذا الدليل إذا لم يلزم من ذلك ترخيصٌ في المخالفة القطعية، فالقصور إذاً هو قصورٌ في الدليل على الوقوع وإلا فبلحاظ عالم الإمكان يمكن الترخيص في كلا الطرفين ولكن الإمكان وحده لا يكفي ما لم يقترن بالدليل على الوقوع، والدليل قاصر عن شمولهما معاً، لأنَّ الأغراض العقلائية الترخيصية عادةً لا تكون أقوى من الأغراض الإلزامية وهذا يشكل قرينة متصلة بدليل ( كل شيء لك طاهر ) يمنع من تطبيقه على كلا الطرفين.

وهو بيان جيد.

الثاني:- وهو ما نذكره نحن، وحاصله أن يقال: إنَّ العرف بذوقه العرفي لا يتقبل الترخيص في طرفين يُعلَم بأن أحدهما محرّمٌ مثلاً، ويكون هذا الذوق العرفي بمثابة القرينة المتصلة بدليل ( كل شيء لك طاهر ) يمنع من تطبيقه في موارد العلم بنجاسة أحد الطرفين.

والفارق بين هذا البيان وبين البيان الذي ذكره السيد الشهيد(قده):- هو أنَّ بيان السيد الشهيد(قده) ناظر إلى الأغراض العقلائية، فعادةً في باب الاباحة لا تكون الاباحة أهم وأقوى من الغرض الالزامي في الأشياء الإلزامية، أما بياننا فهو ناظر إلى الذوق العرفي فإنَّ العرف يأبى ذلك.

وتظهر الثمرة العملية فيما إذا كان عندنا اناءان حالتهما السابقة هي النجاسة ثم عُلم بطروّ الطهارة على أحدهما ولكن اختلط الطاهر بالنجس ففي مثل هذه الحالة هل يمكن استصحاب النجاسة الثابتة فيهما سابقاً أو لا؟ هنا لا يأتي بيان السيد الشهيد(قده) لأنه قال إنَّ الأغراض الترخيصية عادةً ليست أقوى من الأغراض الإلزامية حتى يجوز اجراء استصحاب الطهارة في كليهما، وفي مقامنا نقول إنه على بيان السيد الشهيد(قده) نقول نحن نجري كلا الاستصحابين - استصحاب الحرمة في الطرف الأول واستصحاب الحرمة في الطرف الثاني – وحينئذٍ سوف يلزم الاجتناب عن كلهيما، فإنَّ المفروض هنا حينما نستصحب هو أننا قد استصحبنا الحرمة أو النجاسة في كليهما وهذا تقديمٌ للغرض الالزامي على الغرض الترخيصي وهذا لا بأس به وهو يوافق عليه ولا يأتي ما أفاده من أنَّ الأغراض العقلائية الترخيصية عادةً لا تكون أقوى من الأغراض الإلزامية فإنَّ ذاك يتم في الأغراض الترخيصية أما هنا فالغرض إلزامي فنحن نستصحب النجاسة في كليهما ولا يأتي ما ذكره.

وهذا بخلافه في المنافاة العرفية التي تمسكنا بها، فإنه على البيان يكون العرف آبياً لذلك، إذ مادامنا نعلم بأنَّ أحدهما قد طُهّر ففي مثل هذه الحالة أيضاً لا يقبل العرف تطبيق استصحاب النجاسة في كليهما من باب أننا نعلم بأنَّ أحدهما قد طُهّر.


[1] نهاية الدراية، الشيخ الاصفهاني، ج2، ص242.
[2] الحلقة الثالثة، السيد الشهيد، ج1، ص58.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo