< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

44/04/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- التنبيه الثامن – تنبيهات الاستصحاب- مبحث الاستصحاب.

وما هي نكتة تقدم الامارة على الاستصحاب؟

قد يقال: - إنَّ النكتة في ذلك هي التخصَّص، ببيان: أنَّ موضوع الاستصحاب هو فرض وجود الشك في البقاء، فحينما يكون هناك شك في البقاء بعد اليقين السابق يكون ذلك مورداً للاستصحاب، وحينئذٍ نقول إذا فرض وجود امارةٍ تدل على ثبوت هذا الشيء وبقائه فهي ترفع الشك، فإذا ارتفع الشك فحينئذٍ خرج المورد الذي قامت عليه الامارة عن الاستصحاب موضوعاً وهذا عبارة عن التخصّص، يعني أنَّ المورد لا يصير من نقض الشك بالشك وإنما يصير من نقض الشك باليقين، فإذا صار المورد من نقض الشك باليقين فحينئذٍ يزول موضوع الاستصحاب.

أما كيف يزول الشك بوجود الامارة ويتبدل المورد إلى اليقين بعد الالتفات إلى أنَّ الامارة لا تفيد اليقين فإذا لم تفد اليقين فلا ترفع إذاً موضوع الاستصحاب لأنَّ الشك بَعدُ موجودٌ ولا يرتفع فالمورد لا يكون من التخصَّص؟

وللتغلب على ذلك نقول: - هذا صحيحٌ ولكن الدليل القطعي دل على حجية الظن الحاصل من الأمارة وأنه بمثابة اليقين، فإذا دل الدليل القطعي على ذلك فحينئذٍ يزول الشك الذي هو موردٌ وموضوعٌ للاستصحاب.

والتعليق على ذلك واضح:- فإنَّ دليل حجية الامارة لا يرفع الشك أو الظن بل الظنُّ باقٍ غايته دل الدليل على اعتباره وأنَّ هذا الظن معتبر وخذ به وهذا لا يعني أنَّ الامارة صارت مفيدةً للعلم حتى يصير مورد تقدم الامارة على الاستصحاب من باب التخصّص فإنَّ هذا خلطٌ بين المطلبين، فينبغي أن لا نخلط بين كون الدليل القطعي قام على حجية الامارة ولكن قيامه على حجية الامارة لا يعني أنَّ الامارة صارت مفيدةً للقطع وإنما هي بَعدُ مفيدة للظن، وعلى هذا الأساس المورد ليس من التخصّص فإنَّ الامارة لا تتقدم على الاستصحاب من باب التخصَّص وأن المورد يرتفع ويصير لا من باب نقض اليقين بالشك وإنما يصير من باب نقض اليقين باليقين، وإنما دليل حجية الامارة يجعل الامارة حجة لا أنها سوف تفيد اليقين فإن هذا خلط بين المطلبين بين كونها مفيدة لليقين وبين كونها هنا يقين بحجيتها، فأقصى ما عندها هو اليقين بحجيتها لا أنها صارت مفيدةً لليقين، وعليه فما ذكر يكون باطلاً.

هذا وقد يقال: - إنَّ التقديم هو بالتخصيص وليس بالتخصّص، وبيان ذلك أن يقال: لو لم تتقدّم الامارة على الاستصحاب للزم من ذلك إلغاء أكثر الأمارات، إذ في أكثر موارد الامارة يوجد استصحاب في مقابلها فلو كان المتقدم هو الاستصحاب يلزم من ذلك إلغاء الامارة إما بشكلٍ كلي أو لا أقل بشكلٍ غالبي وهذا حيث إنه باطل فيلزم أن يكون لمتقدم هو الامارة ولكن بالتخصيص لا بالتخصص إذ يقين لا يحصل في مورد الامارة فمورد الامارة محفوظ ومورد الاستصحاب محفوظ ايضاً ولكن تتقدم الامارة من باب تخصيص دليل الاستصحاب.

وقد يجاب عن ذلك: - بأنَّ لازم تقديم الامارة على الاستصحاب هو بالتالي تخصيص دليل الاستصحاب بغير مورد الأمارة فيصير الاستصحاب حجةً لكن في غير مورد الامارة، وهذا - كما قلنا - تخصيصٌ لدليل حجية الاستصحاب والمخصّص هو دليل حجية الامارة إذ لولا كونه مخصّصاً للزم إلغاء الأمارات إما بشكلٍ كليٍ أو بشكلٍ غالبي وحيث إنه باطل فيلزم تقديم الأمارة ولكن هذا معناه تخصيص دليل حجية الاستصحاب، والحال أنَّ دليل حجية الاستصحاب – وهو ( لا تنقض اليقين بالشك ) - آبٍ عن التخصيص فإنه مبتنٍ على القضية الارتكازية في أذهان الناس وهي أنَّ اليقين لا يُنقَض بالشك، وهذه القضية حيث إنها ارتكازية فيلزم من ذلك عدم إمكان تخصيصها فإنَّ الامر الارتكازي لا يقبل التخصيص.

وفي الجواب نقول: - نسلّم أنَّ مستند الاستصحاب هو ( لا تنقض اليقين بالشك ) وهو قضية ارتكازية لا تقبل التخصيص ولكن نحن نقول بتقديم الامارة على الاستصحاب في أكثر الموارد - حيث إنَّ أكثر موارد الاستصحاب فيها أمارة فيلزم تقديم الامارة في أغلب موارد الاستصحاب – ولا يلزم من ذلك تخصيص قضية ( لا تنقض اليقين بالشك )، والوجه في ذلك أنَّ مستند حجية الأمارة هو السيرة العقلائية الممضاة جزماً وبالتالي رفع اليد عن اليقين السابق بواسطة الامارة في مورد الاستصحاب ليس رفعاً لليد عن اليقين السابق بغير اليقين بل هو رفعٌ باليقين، ومقصودنا من اليقين هو دليل حجية الامارة فنحن لأجله رفعنا اليد عن اليقين السابق الاستصحابي، وإنما رفعنا اليد عن اليقين السابق في مورد الاستصحاب من باب اليقين بحجية الامارة، ودليل حجية الامارة بنحو اليقين هو السيرة العقلائية الممضاة، وهذا دليل قطعي، فنحن نعمل بالامارة أو بالأحرى بدليل حجيتها - وهو السيرة الممضاة بنحو القطع - فصار رفع اليد عن اليقين الاستصحابي باليقين بحجية السيرة الذي هو ممضى، فالمورد من موارد التخصص، فإنَّ نقض اليقين هنا صار باليقين ولا يلزم تخصيص دليل الاستصحاب حتى تقول إنَّ مستنده قضية ارتكازية والقضايا الارتكازية لا تقبل التخصيص.

فنحن نسلّم أنَّ المستند قضية ارتكازية ولكن الذي رفعنا اليد به عن هذه القضية الارتكازية ليس هو نفس الامارة الظنّية وإنما بسبب امضاء السيرة العقلائية على العمل بالأمارة، فذلك الامضاء أيضاً يفيد القطع، فرفعنا اليد عن تلك القضية الارتكازية في باب الاستصحاب بهذا الامر الارتكازي القطعي وهو حجية الامارة بنحو القطع واليقين، فلا يلزم محذور التخصيص.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo