< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

44/04/18

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - التنبيه الثامن من تنبيهات الاستصحاب ( وجه تقدم الأمارات على الاستصحاب )- مبحث الاستصحاب - الأصول العملية.

ولماذا يقدم الدليل الحاكم على الدليل المحكوم؟ كما لو جاء دليل وقال ( الربا حرام ) ثم جاء دليل آخر وقال ( لا ربا بين الوالد وولده ) فهنا نقول الدليل الثاني يكون حاكماً على الدليل الأول وتصير النتيجة هي أنَّ كل ربا حرام إلا بين الوالد وولده، ونحن متفقون على أنَّ الدليل الثاني مقدَّم على الدليل الأول ولكن ما هي نكتة التقديم؟

ذكر الشيخ الاصفهاني(قده)[1] والسيد الخوئي(قده) في هذا المجال:- انَّ الدليل الأول الذي يقول ( الربا حرام ) هو يثبت الحرمة بنحو القضية الشرطية وكأنه يقول إذا كان المورد ربا فهو حرام - يعني إن كانت المعاملة ربوية فهي حرام - وأما الدليل الثاني الذي يقول ( لا ربا بين الوالد وولده ) فهو يرفع الموضوع ويقول لا يوجد ربا بين الوالد وولده، فمرجع القضية الحقيقية الأولى إلى قضية شرطية أما أنَّ المورد هو ربا أو ليس بربا فهذا مسكوت عنه فتأتي القضية الثانية الحاكمة فتنفي موضوع القضية الشرطية فتتقدم عليها، لأنَّ الأولى تثبت حكماً على مستوى القضية الشرطية بينما الثانية تأتي وتقول مادامت المعاملة بين الوالد وولده فالربا ليس بموجود فتُقدَّم على الأولى من باب أنَّها تنفي موضوع الأولى.

ولكن يرد عليه: -

أولاً: - إنَّ قضية ( الربا حرام ) تثبت الحرمة لكل ربا حقيقةً، فإذا كان المورد ربا حقيقة وواقعاً فهي تثبت الحرمة له، وعلى هذا الأساس كل موردٍ يصدق فيه الربا حقيقة وواقعاً فسوف تثبت فيه الحرمة، والمفروض أنَّه يصدق الربا الحقيقي بين الوالد وولده وإذا كان هناك شيء منتفٍ فهو الحكم وهو الحرمة لا عنوان الربا - أي الموضوع - فعلى هذا الأساس نسلّم أنَّ دليل ﴿ وحرَّم الربا ﴾ يقول إن كان المورد ربا فهو حرام ولكن في نفس الوقت يقول أيضاً إذا كان المورد هو ربا حقاً وحقيقةً فهو حرام، وحيث إنَّ الربا بين الوالد والولد صادقٌ موضوعاً وحقيقةً فيلزم أن يكون حراماً وبالتالي تتحقق المعارضة بين الدليلين - بين دليل ( الربا حرام ) وبين دليل ( لا ربا بين الوالد وولده ) - والمقدار الذي ذكره العلمان لا يكفينا.

ثانياً: - إن تم هذا فهو يتم في الحكومة بلحاظ الموضوع ولا يتم في الحكومة بلحاظ المحمول - أي الحكم - مثل لا حرج ولا ضرر، فإنَّ لا حرج حاكم على الأدلة الأوّلية ولكنه يريد أن ينفي الحرمة لا أنه ينفي الموضوع، وبتعبيرٍ آخر: إنَّ دليل ( لا ربا بين الوالد وولده ) ينفي الموضوع أي ينفي الربا أما لا حرج فهو ينفي الموضوع فهو يريد أن يقول الحرمة ليست موجودة في مورد الحرج، فالحرج موجودٌ ولكن الحرمة مرتفعة، فلا ضرر ولا حرج يصير حاكماً لا بلحاظ الموضوع وإنما بلحاظ المحمول وما ذكره العلمان إن تم فهو يتم في الحكومة بلحاظ الموضوع ولا يتم في الحكومة بلحاظ المحمول، يعني هو يتم في مثل ( الربا حرام ) مع ( لا ربا بين الوالد وولده ) فإنَّ ( لا ربا ) ينفي الموضوع فيأتي ما ذكره العلمان، وأما إذا كانت الحكومة بلحاظ الحكم فلا يأتي ما ذكراه كما لو قال الدليل الأول (الصوم واجب) وكان يوجد حرج على المكلف في الصوم فيأتي لا حرج ويتصرَّف في الوجوب ويرفعه فيقول لا يوجد وجوبٌ، فهو ليس ناظراً إلى الموضوع حتى تصير حكومة وإنما هو ناظر إلى المحمول، وما ذكراه إن تم فهو يتم فيما إذا كانت الحكومة بلحاظ الموضوع دون المحمول.

والأنسب أن يقال: - إنَّ وجه تقدّم الحاكم على المحكوم هو النظر، فإنَّ دليل ( لا ربا بين الوالد وولده ) ناظر إلى دليلٍ آخر وهو ( الربا حرام )، فهو ينظر إلى هذا الدليل ويقول لا ربا بين الوالد وولده، ونفس النظر يكفي نكتةً لتقدّم الحاكم إلى المحكوم من دون حاجةٍ إلى التفتيش عن نكتةٍ أخرى كما صنع العلمان.


[1] نهاية الدراية، ج3، ص164.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo