< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

44/04/17

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - التنبيه الثامن من تنبيهات الاستصحاب ( وجه تقدم الأمارات على الاستصحاب )- مبحث الاستصحاب - الأصول العملية.

ما هو الفارق بين الحكومة والتخصيص، فإنه كلاهما تخصيص في روحه ولكن ما الفارق بينهما؟

وفي الجواب نقول: - إنهما يشتركان في نقطةٍ ويختلفان في ثلاثة نقاط: -

أما نقطة الاشتراك: - فهي أنَّ الفرد لولا مجيء الدليل المخصّص أو الحاكم يكون مشمولاً لحكم العام ولكن حينما يأتي الدليل المخصّص أو الحاكم فسوف يخرجه من حكم العام، فهذا الفرد مشمولاً للدليل المحكوم ولولا مجيء المخصّص. فإذاً هما يشتركان في أنَّ الحكم للفرد واحدٌ لولا مجيء المخصّص أو الحاكم.

وأما نقاط الاختلاف: - فهي: -

الأولى: - إنه في باب الحكومة يوجد نظر، فإنَّ الدليل الحاكم ناظر إلى الدليل المحكوم، وأما في باب التخصيص فلا يوجد نظر، وهذا فارقُ حقيقي واقعي بين الحكومة والتخصيص.

الثانية: - إنَّ التخصيص يكون بإخراج بعض الأفراد من حكم العام فقط دون ادخال فردٍ في حكم العام، وهذا بخلاف الحاكم فإنه قد يدخل فرداً فتكون حكومة موسِّعة كما لو قال ( ابن الفقير فقير ) فيدخله في ( أكرم الفقير )، يعني هو مشمول للمساعدة، وقد يكون بإخراج فردٍ فتكون حكومة مضيِّقة بأن يقول ( الفقير الفاسق ليس بفقير )، أما التخصيص فوظيفته فقط هي الإخراج من العام دون اخال فردٍ فيه.

الثالثة: - إنَّ وجود الدليل الحاكم من دون وجود الدليل المحكوم هو لغوٌ، فلابد من وجود دليلٍ محكوم حتى يأتي الدليل الحاكم، فالدليل المحكوم مثل ( اكرم الفقير ) ثم يأتي دليل آخر ويقول ( ابن الفقير فقير ).

فالدليل الحاكم إذاً لا يتصوَّر ولا يمكن أن يتحقق إلا بوجود الدليل المحكوم ومن دون وجود الدليل المحكوم يكون وجود الدليل الحاكم لغواً، وهذا بخلافه في باب التخصيص فإنَّ وجود الدليل العام من دون الخاص ممكن مثل ( أكرم كل فقير ) فهذا عام من دون خاص، وقد يكون الخاص موجوداً من دون العام مثل ( لا تكرم الفقير الفاسق ).

ولا يشكل أحد ويقول: - كيف يصير خاصٌّ من دون عام فإنه لابد وأن يوجد العام حتى يوجد الخاص؟

ولكن الجواب واضح: - وهو أنَّ المقصود من الخاص هنا هو ذات الخاص مثل ( لا تكرم الفقير الفاسق )، فهذا يمكن أن يوجد وهو خاص من دون الحاجة إلى وجود العام الذي مثل ( أكرم كل فقير ). فإذاً يمكن تصوّر ذات الخاص من دون العام كما يمكن تصور العام من دون الخاص أيضاً.

وبعد اتضاح هذه المقدمات والتوضيحات نرجع إلى المطلب الأساسي: - وهو لماذا يقدّم الدليل الحاكم على الدليل المحكوم؟ ولماذا يقدّم الدليل الوارد على الدليل المورود؟

والجواب: -

أما تقديم الدليل الوارد على المورود:- فجوابه واضح، فإنه بمجيء الدليل الوارد لا يبقى مجال للدليل المورود لأن الدليل الوارد سوف يرفع موضوع الدليل المورود فيزول الدليل المورود بسبب انتفاء موضوعه، كما هو الحال في مثل دليل حجية الامارة مع دليل الأصل بناءً على أنَّ المجعول في باب الأمارة هو العلمية وموضوع الأصل هو الشك فإنه بناءً على هذا يكون دليل حجية الأمارة موجباً لصيرورتها علماً غايته أنه علم بالتعبّد فإنَّ الشارع قد يعبّدنا بأنها علم وأن نتعامل معها معاملة العلم فهو يجعل العلمية في موردها تعبّداً، فإذا صارت الأمارة علماً انتفى موضوع الأصل وهو الشك.

والخلاصة: - انَّ الدليل الوارد يزيل موضوع الدليل المورود حقيقةً وإذا زال فحينئذٍ يبقى الدليل الوارد وحده.

وأما بالنسبة إلى التخصَّص فالأمر فيه أوضح: - فلو قيل مثلاً ( أكرم العالم ) فإنه في مثله يكون زيد الجاهل خارجاً موضوعاً بالتخصّص من دليل ( أكرم العالم ) فيتقدَّم الحكم العام، والتعبير بلفظ التقديم فيه مسامحة فهو أصلاً ليس بعالمٍ أصلاً فلا يجب اكرامه من باب أنه خارج موضوعاً، فالخاص أصلاً ليس فيه معارضة للعام إذ المفروض أنَّ زيداً جاهل، فإذا كان جاهلاً فهو خارج موضوعاً من ( أكرم العالم )، وإذا كان الخروج موضوعي فيتقدّم ا( كرم العالم ) لعدم وجود مزاحمة بنيهما، فتقدّمه من باب عدم وجود مزاحمةٍ ومنافاةٍ بينهما.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo