< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

44/04/10

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - التنبيه السابع من تنبيهات الاستصحاب ( وحدة القضية المتيقنة والمشكوكة )- مبحث الاستصحاب - الأصول العملية.

ثم إنه بعد اتضاح عدم جريان الاستصحاب في مورد عدم وحدة الموضوع يتضح الحال فيما إذا فرض الشك في وحدة الموضوع: - مثل العنب فإنه طاهر ولكن بعدما بقي فترة من الزمن وصار حامضاً فسوف نشك هل هو باقٍ على الحلّية أو لا فهنا قد يقال باستصحاب بقاء الحليّة.

ولكن في مقام التعليق نقول:- قد يقال إنَّ الموضوع قد تغيّر هنا، فسابقاً هذا يقال له عنباً أما بعد مضي فترةٍ عليه وصار فيه شيء من الحموضة وشككنا هل هو باقٍ على الحلّية أو لا فهنا لا يجري الاستصحاب لأننا نشك في وحدة الموضوع، فأولاً كان عنباً والآن نشك في صدق عنوان العنب عليه ويكفي الشك في عدم جريان الاستصحاب إذ يصير المورد من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، إذ نشك أنَّ الموضوع إذا كان بَعدُ واحداً - وهو العنب - فيلزم الحكم ببقاء الحلّية وإلا يلزم نقض اليقين بالشك، وأما إذا شككنا أنه بَعدُ عنباً أو لا فحينئذٍ لا يمكن تطبيق عموم ( لا تنقض اليقين بالشك ) لأنه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، لاحتمال أنَّ هذا المورد هو من باب نقض اليقين باليقين وليس من باب نقض اليقين بالشك، إنما يصير من باب نقض اليقين بالشك فيما إذا فرض أنه بَعدُ يصدق عليه العنب فإذا لم نحكم بالحيلّة هنا يلزم نقض اليقين بالشك، وأما إذا فرضنا تغيّر الموضوع فلا يصدق حينئذٍ نقض اليقين بالشك فإنَّ شرط التمسك بعموم نقض اليقين بالشك هو وحدة الموضوع.

كما يتضح من خلال هذا عدم جريان الاستصحاب في موارد الشك في الشبهة المفهومية: - كما لو فرض أنَّ شخصاً كان عالماً فيشمله حينئذٍ عموم أكرم العالم أو عموم وجوب تقليده أو غير ذلك ثم بعد ذلك شككنا في زوال اجتهاده وأنَّ مفهوم المجتهد شامل له أو لا ففي مثل هذه الحالة لا يمكن التمسك بالاطلاق لوجوب اكرامه لأنه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية - أو المفهومية - وهو لا يجوز.

ورب قائل يقول: - لنتمسك بالبديل وهو الاستصحاب، فإنه قبلاً كنّا نشير إليه ونقول هذا يجب اكرامه والآن نشك في وجوب اكرامه فيثبت وجوب اكرامه بالاستصحاب، فيقوم الاستصحاب مقام التمسك بالعموم.

قلنا: - إنَّ شرط صحة التمسك بالاستصحاب وحدة الموضوع وبقاءه، والموضوع لوجوب الاكرام ليس هو ذات زيد وإنما عنوان العالم أو المجتهد وهذا العنوان نشك في بقائه، فعلى هذا الأساس لا يمكن التمسك لإثبات وجوب اكرامه أو تقليده بالاستصحاب فإنَّ شرط التمسك بالاستصحاب بقاء الموضوع، وهنا الموضوع لا نحرز بقاءه، إذ الموضوع ليس ذات هذا الانسان وإنما الموضوع هو ذلك العنوان وذلك العنوان نشك في صدقة وبالتالي لا يجري الاستصحاب لأنه يجري في موارد النقض، وهنا إذا لم نحكم بوجوب اكرامه يشك في كون ذلك نقضاً لليقين السابق.

ثم إنه يوجد في هذا المجال تمرين قد اشير إليه في الكتب الأصولية لا بأس بالالتفات إليه ولعله يستفاد منه:- وهو أنه لو فرض أنه يوجد عندنا أحد الفلزات مذاباً كالفضة وفرض أنَّ يد الصائغ جرحت فأصابت ذرّة من الدم لهذه الفضة المذابة فتنجست بأجمعها - لأنَّ المائع يتنجّس بالشيء القليل من النجاسة - ثم صيغت خاتماً، وغسلنا السطح الظاهري للخاتم فهنا يطهر ثم لبسناه وبعد فترة احتملنا حصول احتكاكٍ للسطح الظاهري لهذه الفضة بمعنى أنه برز الباطن وصار ظاهراً ففي مثل هذه الحالة هل يجري استصحاب بقاء الطهارة السابقة أو نقول يجب أن يغسل السطح الظاهر من جديد؟

قد يقال بعدم جريان الاستصحاب، والوجه في ذلك هو أنَّ هذا السطح الموجود الآن إن كان من الظاهر فهو طاهر سابقاً وإن كان هو من الباطن فهو متنجّس جزماً، وعليه فيدور الأمر بين يقينين ولا يوجد شك في البين حيث نشير إلى هذا الخاتم ونقول إن كان هذا السطح الظاهر هو نفس السطح الظاهر السابق فهو متيقن الطهارة وإن كان هو الباطن فهو متيقن النجاسة، وبالتالي لا يجري استصحاب الطهارة.

والأنسب أن يفصّل ويقال: - تارةً نفترض أنَّ الخاتم كانت فضته متنجّسة بأجمعها وطهّرنا الظاهر وشككنا في زوال الظاهر، وأخرى يفترض أنّ الباطن كان متنجّساً من البداية والظاهر كان طاهراً من البداية كما لو تم طلي الباطن المتنجّس بفضَّة طاهرة، أما الحالة الأولى فيمكن أن نشير إلى الخاتم ونقول إنَّ هذا الخاتم كان متنجّساً والآن نشك في بقاء تلك النجاسة - لاحتمال زوال السطح الخارجي - فيجري استصحاب تلك النجاسة، وهذا بخلافه في الحالة الثانية فإنه لا يجري الاستصحاب لأنه لا يمكن أن نشير إلى الخاتم ونقول هذا كان طاهراً والآن نشك في طهارته إذ المفروض أنه كما كان طاهراً هو متنجّس أيضاً فإنَّ القسم الداخلي منه متنجّساً والقسم الظاهري طاهراً فالاستصحاب يكون قابلاً للجريان لكلا السطحين الظاهر والباطن معاً فلا يجري شيء منهما للتعارض وتصل النوبة آنذاك إلى أصلٍ آخر وهو أصل الطهارة ونحكم بالطهارة لأجله لا للاستصحاب.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo