< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

44/03/13

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - التنبيه السادس من تنبيهات الاستصحاب ( استصحاب الكلي والفرد المردد )- مبحث الاستصحاب - الأصول العملية.

النقطة السادسة: - أقسام استصحاب الكلي.

بعد أن عرفنا أنَّ الكلي لا مانع من جريان الاستصحاب فيه إذا كان يترتب عليه أثر يجدر أن نعرف أقسام استصحابه، والمعروف أنها ثلاثة وربما أضيف إليها رابع: -

القسم الأول: - أن يجزم بوجود الكلي ضمن فردٍ معيَّن ثم يشك في بقاء الكلي بسبب الشك في بقاء ذلك الفرد.

كما لو كنا نعلم بوجود الحيوان ضمن فردٍ من افراده كالدجاجة مثلاً ثم بعد ذلك شككنا في وجودها - هذا إذا كان يترتب أثر على وجودها كحرمة قتلها كما إذا لم تطعمها فماتت وقلنا بحرمة هذا - فهنا سوف يترتب أثر على استصحاب حياتها، فهنا نعلم بوجود الكلي ضمن فردٍ ونشك في بقاء ذلك الكلي بسبب الشك في بقاء ذلك الفرد وعدم بقائه فهنا لا إشكال في امكان جريان استصحاب الكلي إذا كان يترتب عليه أثر، كما لا إشكال في جريان استصحاب الفرد إذا كان يترتب عليه أثر ولا مانع من ذلك بعد فرض شمول اطلاق ( لا تنقض اليقين بالشك ) لاستصحاب الكلي ولاستصحاب الفرد، أما إذا لم يترتب أثر شرعي على بقاء الكلي فهنا الشارع لا يتعبّدنا ببقاء الكلي، لأنَّ التعبّد الشرعي ببقاء الكلي هنا يصير لغواً مادام، أو فرض أنَّ الكلي له أثر ولكن الفرد ليس له أثر فالأمر كذلك أيضاً فإنَّ الفرد لا يجري استصحابه لعدم ثبوت الأثر. فإذا يلزم أن نفترض وجود الأثر من هذه الناحية فنتمسك آنذاك باطلاق ( لا تنقض اليقين بالشك )، وهذا المقدار واضح.

ولكن هل يجري الاستصحاب في كليهما بحيث يوجد استصحابان أو أنه يجري في الكلي فقط أو أنه يجري في الفرد فقط؟

يظهر من الشيخ الخراساني(قده)[1] قابلية جريانه في كليهما حيث قال:- ( فإن كان الشك في بقاء ذلك العام من جهة الشك في بقاء الخاص الذي كان في ضمنه وارتفاعه كان استصحابه كاستصحابه بلا كلام ).

ونحن نضيف قيداً لم يذكر الشيخ الآخوند لعله لم يذكره لوضوحه: - وهو أنه يلزم وجود أثرٍ على بقاء الكلي ووجود أثرٍ على بقاء الجزئي وإلا فلا يجري الاستصحاب، فإذا لم يوجد أثر للكلي فلا يجري الاستصحاب وهكذا الحال إذا كان الفرد ليس له أثر، فحينما نقول يمكن جريان الاستصحاب في كليهما يلزم أن نفترض وجود أثرٍ لكل واحدٍ منهما حتى يجري الاستصحاب فيهما.

وقد يقال: - إذا استصحبنا الفرد وثبت بقاءه فأثر الفرد سوف يترتب وبالتالي سوف يثبت أثر الكلي أيضاً من دون حاجةٍ إلى استصحاب الكلي لأنَّ الكلي يوجد ضمن فرده، فإنَّ الأثر إذا كان ثابتاً للفرد فببقائه سوف يثبت بقاء الكلي وبالتالي سوف يترتب الأثر على الكلي أيضاً، وبالتالي يكون اجراء الاستصحاب في كليهما لغوا، فلا حاجة إلى اجرائه في كليهما بل لابد وأن يجري في واحد؟

والجواب: - إنَّ هذا الاشكال يتم فيما إذا فرض أنَّ أثر الفرد وأثر الكلي واحد، كما لو كنت ناذراً أنه إذا كان الفرد باقياً فحينئذٍ سوف أأتي بالتسبيح وإذا كان الكلي باقياً فسوف أأتي بالتسبيح أيضاً، ففي مثل هذه الحالة إذا كان الأثر واحداً كفى حينئذٍ استصحاب أحدهما لترتب هذا الأثر على الكلي وعلى الفرد أيضاً من دون حاجة إلى استصحابان، لأنَّ الكلي يوجد ضمن الفرد فحينئذٍ يجري أحد الاستصحابين ويكون الاستصحاب الثاني لغواً بعد فرض كون أثر الفرد هو أثرٌ للكلي.

والجواب:- يلزم أن نفترض أنَّ الأثر متغايراً وليس واحداً، فإن كان الفرد موجوداً فسوف أقرأ سورة التوحيد وإن كان الكلي موجوداً فسوف اقرأ سورة الناس، فهنا يوجد أثران وليس واحداً وباستصحاب الفرد يثبت أثر الفرد، فالاستصحاب يعبّدني ببقاء الفرد وبالتالي يعبّدني بأثر بقاء الفرد ولا يعبّدني ببقاء الكلي إلا بالملازمة العقلية فنحتاج إلى استصحابٍ ثانٍ للكلي كي يترتب أثر بقاء الكلي ولا يكفي الاستصحاب الواحد، لأنَّ كل استصحاب له أثره الخاص، ففي مثل هذه الحالة يترتب أثر لكلا الأمرين لبقاء الكلي ولبقاء الفرد.

والخلاصة: - إذا كان استصحاب الكلي من القسم الأول فيمكن جريان الاستصحاب في الفرد ويمكن جريانه في الكلي ويمكن اجراؤه في كليهما إذا كان الأثر مترتباً على بقاء كل واحدٍ منهما، أما إذا كان الأثر مترتباً على بقاء أحدهما دون الآخر فحينئذٍ يجري استصحاب الذي يترتب عليه الأثر دون الآخر.

وهناك كلام تعرض إليه الشيخ الخراساني(قده) في حاشيته على الرسائل[2] وهكذا تلميذه الشيخ الاصفهاني(قده) في نهاية الدراية[3] حاصله:- إنَّ استصحاب كل واحدٍ يكفي لإثبات أثر الآخر، فاستصحاب الكلي يكفي لإثبات أثر استصحاب الفرد والعكس بالعكس.

وفي مقام التعليق نقول:- بعدما كان كل واحدٍ منهما له أثر مغاير لأثر الآخر فالبحث عن أن أحد الاستصحابين يغني عن الاستصحاب الثاني يكون لغواً وبلا فائدة، بل يمكن اجراء الاستصحاب في كليهما، وإنما يكون هذا الكلام له فائدة فيما إذا قلنا بعدم امكان اجراء الاستصحاب في الفرد، فإذا لم يمكن اجراء الاستصحاب في الفرد - كما سوف نبيّن - فحينئذٍ يأتي هذا الكلام وهو أنَّ استصحاب الكلي هل يكفي في اثبات الفرد أو لا يكفي؟، فالكلام ينبغي أن يكون هنا، أما إذا كان الأثر يترتب على كليهما فحينئذٍ دعوى أن أحد الاستصحابين يكفي لإثبات الآخر لا يكون نافعاً إذ يمكن اجراء كلا الاستصحابين.


[2] حاشية فرائد الأصول، الآخوند الخراساني، ص202.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo