« قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

33/02/30

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع / التنبيه الثالث / تنبيهات / العلم الإجمالي / أصالة الاشتغال / الأصول العملية

 الموضوع / التنبيه الثالث / تنبيهات / العلم الإجمالي / أصالة الاشتغال / الأصول العملية.
 الوجه الخامس:- السيرة العملية القطعية ببيان:- أن سيرة المسلمين المتشرعة قد جرت على ذلك - أي على عدم الاكتراث بالعلم الإجمالي في الشبهة غير المحصورة - فأحدنا إذا دخل بلداً من البلدان تراه يذهب إلى بعض مطاعمه ويأكل ويشرب والحال أنه نتمكن أن ندعي وجود علم بأن بعض مطاعم هذا البلد الكبير ونفترضه بلداً كبيراً كبغداد مثلاً يشتمل على لحم محرَّم أما أنه غير مذكى أو مسروق أو مغصوب فانه لا يتوقف من الأكل من ذلك المطعم ومن توقف عُدَّ شاذاً وموسوساً ، وكذلك إذا أردنا حاجة كالمناديل الورقية فانا نشتريها من أصحاب المحلات والحال أن بعض المحلات في هذا البلد يُجزَم بأنه يحتوي على محرمات من مسروق أو مغصوب ، وإذا قال شخص:- انه لا يحصل العلم بوجود محرَّم في بعض محلات بغداد وإنما هناك شك وليس علم ، قلت:- لنأخذ العراق ككل ونقول العراق ككل حتماً بعض محلاته تشتمل على حرام فإذا لم نعلم في خصوص بغداد فنعلم بلحاظ العراق ككل . إذن السيرة القطعية قد جرت على عدم الاكتراث بالعلم الإجمالي في الشبهة غير المحصورة . وهذا ينبغي أن يكون مطلباً واضحاً.
 وفيه:- إنا نسلم تحقق العلم الإجمالي والتشكيك في أصل تحققه لا نراه وجيهاً ، كما نسلم أن السيرة قد جرت على عدم الاكتراث ولكن نقول ان السيرة المذكورة هي دليل مجمل فلعل نكتة عدم اكتراث المتشرعة هي مسألة الاضطرار أو العسر والحرج أو الاطمئنان بعدم انطباق ذلك المعلوم بالإجمال على هذا المشكوك أو غير ذلك من الاحتمالات ، ان منشأ سيرة المسلمين لعله أحد الأمور المذكورة وبذلك سوف لا يعود هذا الوجه وجهاً مستقلاً في مقابل الوجوه السابقة المتقدمة فانا نريد وجهاً جديداً يغاير ما سبق وهذا يحتمل رجوعه إلى ما سبق وليس شيئاً جديداً.
 الوجه السادس:- التمسك ببعض الروايات من قبيل:-
 الرواية الأولى:- صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام ( كل شيء فيه حلال وحرام فهو لك حلال أبداً حتى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه ) [1] بتقريب أنها دلت على أن كل شبهةٍ إذا كانت تشتمل على بعض الأطراف المباحة وبعض الأطراف الأخرى المحرَّمة فيحكم بحليّة كل طرف إلى أن يُعلم الحرام بعينه وهي بإطلاقها تعم الشبهة غير المحصورة ولا تختص بالشبهة البدوية وعليه يثبت عدم منجزية العلم الإجمالي في الشبهة غير المحصورة بمقتضى الروية المذكورة.
 
 وفيه:-
 أولاً:- ما أشرنا إليه في أبحاث سابقة من أن دليل الأصل منصرف عرفاً عن مورد العلم الإجمالي فان العرف يرى المناقضة بين الحكم بإباحة هذا وذاك ... وذاك ...... مع العلم في نفس الوقت بحرمة واحد ، انه يرى المناقضة بين المطلبين الأمر الذي يسبب انصراف اللسان المذكور في نظره إلى خصوص الشبهة البدوية.
 وثانياً:- هناك قضية أشرنا إليها في مبحث الإطلاق ، وهي أنه لو كان للإطلاق مرتبة وسيعة وتعذر الأخذ بها لسبب وآخر وفرض وجود مراتب أخرى بعضها أضيق من البعض الآخر فهل نصير إلى المرتبة الثانية من الإطلاق - أي الذي تكون درجة سعته متوسطة - أو ننتقل إلى أضيق المراتب ؟ ومثال ذلك مقامنا فان مقتضى الإطلاق الشمول للشبهة المحصورة والشبهة غير المحصورة والشبهة البدوية والمفروض أن هذا الإطلاق لا يمكن الأخذ به بعرضه العريض إذ الشبهة المحصورة لا يمكن الحكم بإباحة كلا طرفيها وإلا يلزم - مضافاً إلى قضاء الوجدان - أنه متى ما كان عندنا شيء حرام فنخلطه بالحلال ، يعني الإناء النجس نضعه إلى جنب الإناء الطاهر بشكل لا يتميز أو إناء الخمر نضعه بجنب الإناء الطاهر بحيث لا يتميز فيصيران معاً حلالاً ، ان هذا شيء غير محتمل ، فالإطلاق بعرضه العريض شيء نسلم بطلانه فيدور الأمر بين أن نصير إلى لمرتبة الثانية وهي الشمول لشبهة البدوية والشبهة غير المحصورة وبين أن نصير إلى المرتبة الأخيرة أعني الاختصار على خصوص الشبهة البدوية ، ان تحقيق هذه المسألة شيء مهم إذ كثيراً ما نواجه اطلاقات من هذا القبيل.
 ويمكن أن نقول:- ان مدرك حجية الإطلاق هو السيرة وهي قد انعقدت على الأخذ به عند إمكان ذلك ، أما إذا لم يمكن فالجزم بانعقادها على الأخذ بالمرتبة الثانية وحمله على ذلك شيء مشكل أي أن دعوى السيرة شيء مشكل - ونبقى من هذه الناحية في تردد وتصير النتيجة هي لزوم الاقتصار على القدر المتيقن - أعني خصوص الشبهة البدوية - وعليه فالحديث لابد من حمله على خصوص الشبهة البدوية إما للانصراف - وهذا ما ذكرناه أوَّلاً - أو لأجل أن العمل بإطلاقه بعرضه العريض أمر غير ممكن وحمله على خصوص المرتبة الثانية شيء لا نجزم به بمقتضى السيرة العقلائية فيصير الدليل مجملاً فنقتصر على القدر المتيقن وهو الاختصاص بالشبه البدوية ، وهذا بيان ظريف فني انتهينا من خلاله الاختصاص بالشبهة البدوية.
 الرواية الثانية:- موثقة سماعة ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أصاب مالاً من بني أمية وهو يتصدق منه ويصل منه قرابته ويحج ليغفر له ما اكتسب ويقول ان الحسنات يذهبن السيئات ، فقال أبو عبد الله عليه السلام :- ان الخطيئة لا تكفر الخطيئة وان الحسنة تحط الخطيئة ، ثم قال:- ان كان خلط الحرام حلالاً فاختلطا جميعاً فلم يعرف الحرام من الحلال فلا بأس ) [2] ، بتقريب أنه عليه السلام قال ( ان كان قد خلط الحرام حلالاً فاختلطا فلم يعرف الحلال من الحرام فلا بأس ) وهذا معناه أن العلم الإجمالي ليس منجزاً والحمل على خصوص الشبهة البدوية ليس ممكناً لأن المفروض هو الجزم بأن الحلال قد اختلط بالحرام فهما موجودان معاً بنحو الجزم فما ذكرناه من جواب بلحاظ الرواية السابقة لا يأتي هنا.
 وفيه:- ان الرواية المذكورة لو تمت فهي تختص بخصوص باب الأموال ولا تعم الأشياء الأخرى التي هي ليست من قبيل الأموال كأن اختلط الماء النجس بالماء الطاهر أو الخمر بغيره ان هذه الرواية لا تشمل مثل ذلك وإنما تختص بباب الأموال ولعل للأموال خصوصية باعتبار أنه قد حصل ذلك المال من خلال العمل مع الظلمة وحيث أن أصحاب المال ليسوا معلومين فيصير المورد من موارد مجهول المالك فبعد الاختلاط يصير المجموع مصداقاً لمجهول المالك والمرجع فيه هو إلى الإمام عليه السلام فانه قد ورد في بعض الروايات ( والله ما له صاحب غيري ) وهو عليه السلام قد أجاز التصرف.
 ان قلت:- إذا كان الأمر كذلك فلماذا احتيج إلى افتراض أن المال الحرام قد اختلط بالحلال فانه حتى إذا لم يختلط فهو بالتالي سوف يكون مجهول المالك فان المال الذي حصل عليه من خلال العمل من بني أمية هو مال حرام وحيث لا يعُرف أصحابه فيكون للإمام عليه السلام سواء اختلط مع غيره أم لا.
 قلت:- هذا صحيح ولكن من حق الإمام عليه السلام أن يقول :- إذا لم يختلط هذا المال الحرام بالمال الحلال فهو يرجع لي وأنا لا أجيز لك التصرف فيه بل عليك ان تتصدق به بأجمعه على الفقراء أما إذا اختلط بالحلال فرحمة بك أجيزك التصرف به بأجمعه.
 والخلاصة:- ان الرواية بعد كون موردها هو مجهول المالك لا يمكن أن نستفيد منها التعميم لكل حرام إذا اختلط بالحلال.


[1] الوسائل 17 87 4 ابواب ما يكتسب به ح1.
[2] الوسائل 17 88 4 ابواب ما يكتسب به ح2.
logo