آیةالله السید محمدسعید الحکیم
بحث الفقه
41/03/25
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: كتاب النكاح/ محرمات النكاح/ الرضاع
نص الأستاذ دام ظلهقوله قدس سره «أو كان خمس عشرة رضعة»
كما هو ظاهر المقنع[1] وصريح النهاية [2] [3] والمبسوط [4] والخلاف [5] والتهذيبين [6] [7] والسرائر [8] – فيما اختاره أخيراً عدولاً عما سبق منه من الاكتفاء بالعشر – والشرائع [9] والنافع[10] والإرشاد [11] والقواعد وجملة من شروحها [12] [13] والتذكرة [14] وغيرها [15] [16] [17] [18] ، وقيل [19] أنه المشهور بين المتأخرين. لموثق زياد بن سوقة ومرسل المقنع المتقدمين في التحديد بالزمن.
نعم في خبر عمر بن يزيد: " سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول: خمس عشرة رضعة [20] لا تحرم ". [21]
لكنه – مع غض النظر عن سنده – مهجور عند الأصحاب، لأن المعروف عندهم الخلاف بين الخمس عشرة رضعة والعشر رضعات، ولذا ذكر في المسالك [22] أنه لا قائل بما زاد على الخمس عشرة رضعة. ولعله لذا حمله الشيخ [23] على ما إذا كانت الرضعات متفرقة.
هذا وظاهر الوسيلة [24] والجامع [25] والتحرير [26] التردد بينها وبين عشر رضعات، وكذا في الغنية [27] حيث تعرض للخلاف وذكر أن العشر أحوط.
وجزم بالاكتفاء بعشر رضعات في المقنعة [28] والمراسم [29] والكافي [30] والمهذب [31] والمختلف [32] والإيضاح [33] واللمعة [34] ، وحكاه في السرائر [35] عن المرتضى، وفي المختلف [36] عن ابن أبي عقيل. وقيل [37] أنه المشهور بين القدماء.
لمعتبر الفضيل بن يسار – بناء على ما هو الظاهر من وثاقة محمد بن سنان – عن أبي جعفر عليه السلام: " قال: لا يحرم من الرضاع إلا المجبور أو خادم أو ظئر، ثم يرضع عشر رضعات يروي الصبي وينام. [38] [39]
ولا يضر مع ذلك رواية الصدوق بطريق صحيح عن الفضيل بن يسار عن أبي عبدالله عليه السلام: " قال: لا يحرم من الرضاع إلا ما كان مجبوراً. قال: قلت: وما المجبور؟ قال: أم تربي، أو ظئر تستأجر، أو أمة تشترى[40] ". [41]
فإنه وإن خلا عن ذكر العشر رضعات لا يقتضي اختلاف متن الحديث بنحو يوجب التعارض والتساقط أو ترجيح الثاني لدعوى أن الصدوق أضبط، لاختلاف الحديثين في المتن والمروي عنه، فهو في الأول أبو جعفر عليه السلام وفي الثاني أبو عبدالله عليه السلام، بل يتعين البناء على كونهما حديثين، كما لا يضر ما تضمنه صدره من اعتبار كون الرضاع مجبوراً مع عدم القائل بذلك. لإمكان التفكيك في الحجية بين فقرات الحديث الواحد.
ويدل على الاكتفاء بالعشر أيضاً موثق عمر بن يزيد: " سألت أبا عبدالله عليه السلام عن الغلام يرضع الرضعة والثنتين فقال: لا يحرم. فعددت حتى أكملت عشر رضعات فقال: إذا كانت متفرقة فلا [42]
حيث يدل بمفهومه على محرميتها مع عدم التفرق ونحوه صحيح مسعدة أو موثقه المتقدم عند الكلام في التحريم بإنبات اللحم وشد العظم.
وقد يستدل أيضاً بموثق عبيد بن زرارة عنه عليه السلام: " سألته عن الرضاع ما أدنى ما يحرم منه؟ قال: ما ينبت اللحم والدم. ثم قال: أترى واحدة تنبته؟ فقلت: إثنتان أصلحك الله؟ فقال: لا. فلم أزل أعد عليه حتى بلغت عشر رضعات [43] [44]
لكنه يشكل بعدم دلالته على إقرار الإمام عليه السلام بالعشر وأنها تنبت اللحم والدم، بل مقتضى السياق عدم تأثيرها، فيكون على العدم أدل. فالعمدة ما سبق.
نعم هو معارض بذيل موثق زياد بن سوقة المتقدم في التحديد بالزمن وذيل صحيح علي بن رئاب المتقدم في التحديد بالأثر وموثق عبيد بن زرارة عن أبي عبدالله عليه السلام: " سمعته يقول عشر رضعات لا يحرمن شيئاً [45] [46] وقريب منه موثق ابن بكير المتقدم. [47] [48]
ودعوى [49] : أنه يمكن الجمع بين الطائفتين بحمل الثانية على صورة التفرق والأولى على صورة عدمه بقرينة حديثي عمر بن يزيد ومسعدة من نصوص الطائفة الأولى.
مدفوعة: بأن ذلك مخالف لظاهر نصوص الثانية، لعدم خصوصية العشرة في ذلك، بل موثق زياد بن سوقة يأبى ذلك جداً، لما تضمنه صدره من أخذ عدم التفرق شرطاً في محرمية الخمس عشرة رضعة.
الموضوع: كتاب النكاح/ محرمات النكاح/ الرضاع
«التقریر»بعد أن انتهى الكلام في التحديد بالأثر والتحديد بالزمن، يقع الكلام في التحديد بالعدد .
قال الماتن قدس سره «أو كان خمس عشر رضعة كاملة»
كما هو ظاهر المقنع [50] وصريح النهاية [51] [52] [53] والمبسوط [54] [55] والخلاف [56] [57] والتهذيبين [58] [59] [60] والسرائر [61] [62] [63] – والسرائر أول شيء أفتى بالعشرة [64] [65] [66] ثم في تتمّة كلامه عدل إلى الخمسة عشر – والشرائع [67] [68] والنافع [69] [70] والإرشاد [71] [72] والقواعد [73] [74] وجملة من شروحها والتذكرة [75] [76] وغيرها، وقيل أنه المشهور بين المتأخّرين .
لموثّق زياد بن سوقة المتقدّم، " قلت لأبي جعفر عليه السلام :هل للرضاع حدّ يؤخذ به؟ فقال: لا يحرّم الرضاع أقلّ من رضاع يوم وليلة أو خمس عشرة رضعة متواليات من امرأة واحدة مِن لبن فحل واحد لم يفصل بينهن رضعة امرأة غيرها … " فهذا صريح في المعيار وأنّ أقل من خمس عشرة لا تكفي، ومرسل الصدوق مثله .
نعم في خبر عمر بن يزيد قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: خمس عشرة رضعة لا تحرم. [77] [78] [79] [80]
فهذا قول ثالث وهو أنه حتى الخمس عشرة لا تحرم، ولكن هذه الرواية لم يظهر العمل بها، فإن الأصحاب بين العشر والخمس عشرة، وأما أن الخمسة عشر لا تؤثّر فإن هذا لا قائل به كما صرح في المسالك [81] [82] ، وعليه فهذا الحديث متروك ومعارض بالنصوص السابقة فحينئذ يتعين البناء على ذلك، فيبقى الإشكال بين العشرة والخمس عشرة - ومع غضّ النظر عن سند خبر عمر بن يزيد فإنه على الظاهر الرواية معتبرة فإنها عن صفوان عن حمّاد أو غيره والجماعة في هكذا حالة يقولون بالإرسال ولكن إرسال مثل صفوان لَيس شيئاً ظاهراً – لأن المعروف عندهم الخلاف بين الخمس عشرة رضعة والعشر رضعات، ولذا ذكر في المسالك بأنه لا دال على ما زاد على الخمسة عشرة رضعة، ولذا حمله الشيخ على صورة التفرق حتى يلتئم مع رواية زياد بن سوقة لأن رواية زياد بن سوقة تقول متواليات، فالتوالي أخذه شرطاً، فإن الشيخ رحمه الله على طريقته في محاولة الجمع بين النصوص مهما أمكن، فإذا ذاك نهى يعنى صرح بأن المتواليات محرمة وهذا يقول لا تحرم فحمله على غير المتواليات، ولكن المهم أن هذه الرواية لا قائل بها، وعليه فهذا دليل الشيخ في كتبه النهاية والخلاف والمبسوط والتهذيبين ومن تبعه كالسرائر ومن بعده، عدا من يأتي .
هذا وظاهر الوسيلة [83] [84] والجامع [85] [86] والتحرير [87] [88] التردّد بينها وبين العشر رضعات، بل حتى الغنية [89] لأنه تعرّض للخلاف وقال الأحوط العشرة، فمعنى ذلك أن العشر ليست فتوى وإنما مقتضى الاحتياط ويبدو منه التوقف في الفتوى، لكن صرح بالاكتفاء بالعشر في المقنعة [90] [91] والمراسم [92] [93] والكافي [94] [95] والمهذّب [96] [97] والمختلف [98] [99] والإيضاح [100] [101] واللمعة [102] [103] وحكاه في السرائر عن المرتضى [104] [105] وفي المختلف [106] عن ابن أبي عقيل، ولذا قيل أنه المشهور بين القدماء، والدليل على هذا معتبر الفضيل بن يسار بناء على ما هو الظاهر من وثاقة محمد بن سنان .
محمد بن سنان، عن حريز، عن الفضيل بن يسار، عن أبي جعفر عليه السلام قال: لا يحرم من الرضاع إلا المجبور أو خادم أو ظئر ثم يرضع عشر رضعات يروى الصبي وينام.[107] [108] [109] [110]
وعندنا رواية أخرى للصدوق تقدّمت بطريق صحيح عن الفضيل بن يسار عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " لا يحرم من الرضاع إلا ما كان مجبورا، قال: قلت: وما المجبور؟ قال: أم تربي، أو ظئر تستأجر، أو أمة تشترى " . [111] [112] [113]
ورواية الفضيل الصدوق يرويها بلا ذيل أي بلا ذكر عشر رضعات، والجماعة يروونها مع يرضع عشر رضعات حتى يرتوي وينام، فقد يتوهم أن هذه الرواية فيها اضطراب باعتبار أن هذا الذيل لم يروه الصدوق والبقية روَوه، فقد يقال بأن الصدوق أضبط، وعليه إما يقدّم أو يكون عندنا تعارض، باعتبار أن الصدوق لم يذكر الذيل والجماعة ذكروه، فهذا يعتبرونه نوعاً من الاضطراب في الرواية .
ولكن هذا ليس اضطراباً، وأوضح شيء هو أن الروايتين تختلفان في المرويّ عنه باعتبار أن المرويّ عنه في الرواية الأولى عن أبي جعفر عليه السلام، والرواية الثانية وهي الخالية عن الذيل عن أبي عبدالله عليه السلام، وعليه فيكون عندنا روايتان للفضيل رواية عن أبي عبدالله عليه السلام خالية عن الذيل ورواية عن أبي جعفر عليه السلام مشتملة على الذيل، فحينئذٍ بناءً على هذا، الأولى مشتملة على الذيل فتصلح لأن تكون دليلاً، والثانية غير مشتملة على الذيل فلا تكون دليلاً ، وليست هي رواية عن إمام واحد حتى يقال بأن هذه الزيادة توجب اضطراباً في الرواية .
يبقى عندنا شيء وهو أنه لا يحرم من الرضاع إلا ما كان مجبوراً، وهذا لا يوجد أحد قائل به، فإنه لا يوجد عندنا هكذا قول وهو أن تكون المرأة مستأجرة وما يشبه ذلك بحيث يوجد حالة إلزام عرفي أو شرعي، فإنه لا يوجد أحد قائل بهذا، غايته هذه الفقرة لا نعمل بها، لكن المحرم هو الرضاع نفسه فنعمل في المحرّم وهو الرضاع، والشرط المذكور في المرضعة نهمله، فاشتمال المعتبر على العشر رضعات ليس له معارض، واعتبار كون المرضعة مجبورة يهمل، وعليه فيتعين العمل بهذه الرواية وتصلح لأن تكون دليلاً للمقنعة ومن تبعه .
ويدل على الإكتفاء بالعشر أيضاً، موثق عمر بن يزيد قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الغلام يرضع الرضعة والثنتين فقال: لا يحرم فعددت عليه حتى أكملت عشر رضعات فقال: إذا كانت متفرقة فلا. [114] [115] [116] [117] [118]
فمقتضى المفهوم أنها إن كانت متوالية وليست متفرقة فتحرم، فمفهوم هذه الرواية ومنطوق تلك الرواية يكون دليلاً للجماعة .ونحوه صحيح مسعدة أو موثّقه [119] المتقدّم في باب التحريم بالأثر بإنبات اللحم وشدّ العظم، فالمفهوم في هذه الروايات دالٌّ على التحريم مع عدم التفرّق، والمنطوق في رواية الفضيل أيضاً دالٌّ على التحريم بعشر رضعات، فيكون دليلاً للجماعة .
وقد يستدلّ أيضاً بموثّق عبيد بن زرارة، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: سألته عن الرضاع ما أدنى ما يحرّم منه، قال: ما ينبت اللحم والدم، ثم قال: أترى واحدة تنبته؟ فقلت: اثنتان أصلحك الله؟ فقال: لا، فلم أزل أعدّ عليه حتى بلغت عشر رضعات. [120] [121] [122]
فكأنه بعضهم يعتبر أنه عندما قال فلم ازل أعد عليه حتى بلغت عشر رضعات أن الإمام عليه السلام أمضى العشر رضعات، ولكن الرواية ليس فيها أنه أمضى وإنما يحرم، فبمقتضى السياق أنه حتى العشرة لا تحرم فهو على المنع أدلّ، فالعمدة ما سبق وهو رواية الفضيل بمنطوقها ورواية عمر بن يزيد بمفهومها، وأيضاً تلك الروايات بمفهومها .
فإلى هنا نحن بين طائفتين من الروايات، هذه الطائفة وهي ثلاث روايات واحدة بمنطوقها واثنتان بمفهومهما تدلّ على التحريم بالعشر، ورواية زياد بن سوقة والتي تقول " لا يحرّم الرضاع أقلّ من يوم وليلة أو خمس عشرة رضعة متواليات من امرأة واحدة " وما جرى مجراها وهو مرسل الصدوق والذي قد يكون عينها أوغيرها، فالأساس رواية زياد بن سوقة ويقابلها رواية الفضيل ومفهوم الروايات الثلاث .
والآن جئنا للمعارضة، فإنّ موثق زياد بن سوقة صريح في المعارضة فإنه يقول " لا يحرّم الرضاع أقلّ من يوم وليلة أو خمس عشرة رضعة " وعندنا أيضاً صحيح عليّ بن رئاب " قلت لأبي عبدالله عليه السلام ما يحرّم من الرضاع؟ قال: ما أنبت اللحم وشدّ العظم، فقلت: فيحرّم عشر رضعات، قال : لا، لأنّه لا ينبت اللحم ولا تشدّ اللحم عشر رضعات "، فهذا أيضاً معارض لرواية العشر، وقريب منه موثق بن بكير " عشر رضعات لا تحرم " ، فمعنى ذلك أنه أصبح عندنا تعارض بين الروايات .
بعضهم قد يدّعي أنه يمكن الجمع بين الروايات بأن عشر رضعات متفرقات لا تفيد، بقرينة روايات المفهوم، وهو أن العشر رضعات المتفرقات لا تفيد إلا إذا كانت خمس عشرة رضعة، فيكون الجمع بين الروايات بحمل الطائفة المانعة من العشر على صورة التفرّق، والروايات المثبتة للعشر على صورة عدم التفرّق، هذا احتمال قد يذكر في المقام .
ولكن هذا الاحتمال إذا تأمّلنا به نرى أنه لا مجال للبناء عليه، وذلك لأنه حتى قضيّة التفريق في الخمسة عشر رضعة لا تفيد فإنّ التوالي لازم للكل، فإنه كما التفرقة لا تفيد في العشر رضعات وكذلك في الخمس عشرة رضعة لا تفيد، ففرض التفرّق خارج عن الكلّ وليس داخلاً في ضمن النصوص المتعارضة، فالنصوص التي عندنا والدالّة على العشر لا بدّ أن نحملها على صورة عدم التفرّق وأيضاً الخمس عشرة رضعة لا بد أن تكون غير متفرّقة وهو صريح موثق زياد بن سوقة، فمعنى ذلك أن الجمع بالتفرّق ليس له معنى.
نعم تارة الخمس عشرة المتفرّقات تفيد حينئذ يأتي التفصيل بأن العشر إذا كانت متواليات تفيد وإذا كانت متفرّقات لا تفيد وإنما لا بدّ من الخمس عشرة رضعة، ولكن لا يوجد هكذا شيء فإن موثق زياد بن سوقة واضح بأنه لا بدّ أن تكون الرضعات متواليات، فالتوالي شرط في التحريم سواء في العشر رضعات أو الخمس عشرة رضعة، فمع فرض التوالي يوجد اختلاف في النصوص، روايات تقول مع العشر المتواليات محرّم، والروايات تقول إلا أن يكون عندنا خمس عشرة رضعة متواليات، فمعنى ذلك أن التعارض على حاله.