« قائمة الدروس
بحث الفقه الأستاذ مسلم الداوري

47/02/07

بسم الله الرحمن الرحیم

التعقیبات في الصلاة

الموضوع: التعقیبات في الصلاة

 

و هو الاشتغال عقيب الصلاة بالدُّعاء أو الذكر أو التلاوة أو غيرها من الأفعال الحسنة: مثل التفكّر في عظمة اللَّه، و نحوه، ومثل البكاء لخشية اللَّه أو للرغبة إليه، و غير ذلك.

 

الجهة الثانية: في تحديد معنى التعقيب

يظهر من كلامه+ أنه مركب من ثلاثة أمور:

الأول: أنه يقع بعد الفراغ من الصلاة.

ثانياً: أنه متصل بالصلاة لا مع الفصل.

الثالث: الاشتغال بالدعاء والذكر والقرآن أو غيرها من الأفعال الحسنة؛ لا أنه يقع بعد الصلاة بدون الاشتغال بشيء أو الاشتغال بغير ما ذكر كالخياطة والصنعة ونحوها من حرفته.

ويصرح بعد ذلك في اعتبار الأمور الثلاثة في مفهوم التعقيب حيث قال: "ويعتبر أن يكون متصلاً بالفراغ منها غير مشتغل بفعل آخر ينافي صدقه الذي يختلف بحسب المقامات من السفر والحضر، والاضطرار والاختيار. ففي السفر يمكن صدقه حال الركوب أو المشي أيضاً كحال الاضطرار، والمدار على بقاء الصدق والهيئة في نظر المتشرعة، والقدر المتيقن في الحضر الجلوس مشتغلاً بما ذكر من الدعاء ونحوه، والظاهر عدم صدقه على الجلوس بلا دعاء أو الدعاء بلا جلوس[1] إلا في مثل ما مر."

والظاهر عدم الخلاف في أمرين: وهما اتصال الدعاء والذكر عرفاً وعدم الفصل الطويل، والثاني: الاشتغال بالدعاء والذكر. وأما الامر الثالث و هو الجلوس بعد الصلاة فوقع فيه الكلام، فهو الظاهر من الماتن+ والمعلقين وجماعة من أهل اللغة كالمصباح والصحاح والقاموس والشيخ نجيب الدين في تفسيره أنه الجلوس بعد أداء الصلاة للدعاء والمسألة، وهذا ظاهر من كل من ذكر عن الصحاح ذلك من غير رد له كالمدارك وغيره.

ويظهر من الجماعة كالشهيد الثاني والمحقق الأردبيلي والفاضل الاصفهاني وغيرهم من متأخري المتأخرين كصاحب الجواهر والمحدث البحراني والمحقق الهمداني: الجلوس لا يشترط في التعقيب بل يصدق على الدعاء والذكر بعد الصلاة على أي حال كان: جالساً أو ماشياً أو راكباً أو غير ذلك كالساجد مثلاً، فيكون حينئذ كالطهارة والجلوس ونحوهما من وظائف كماله لا شروطه، وقد انهاها في محكي النفلية إلى عشرة.

واستدل على ذلك:

أولاً بإطلاق التعقيب[2] وإطلاق ما ورد من الأمر بالأذكار المخصوصة بعد الصلاة بعنوان التعقيب،

وثانياً: بما ورد في صحيحة الْوَلِيدِ بْنِ صَبِيحٍ[3] عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ× قَالَ: التَّعْقِيبُ أَبْلَغُ فِي طَلَبِ الرِّزْقِ مِنَ الضَّرْبِ فِي الْبِلَادِ.[4] يَعْنِي بِالتَّعْقِيبِ الدُّعَاءَ بِعَقِبِ الصَّلَاةِ. فقوله يعني: حجة سواء كان من الامام× او من الراوي[5] و لم يرد فيه الجلوس

و صحيحة هشام بن سالم قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ× إِنِّي أَخْرُجُ فِي الْحَاجَةِ وَ أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ مُعَقِّباً فَقَالَ إِنْ كُنْتَ عَلَى وُضُوءٍ فَأَنْتَ مُعَقِّبٌ.[6]

و رواية الفقيه قَالَ وَ قَالَ الصَّادِقُ× الْمُؤْمِنُ مُعَقِّبٌ مَا دَامَ عَلَى وُضُوئِهِ.[7]

و ما ورد من خبر حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ فِي حَدِيثٍ‌ أَنَّهُ قَالَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ× تَكُونُ لِلرَّجُلِ الْحَاجَةُ يَخَافُ فَوْتَهَا فَقَالَ يُدْلِجُ‌ وَ لْيَذْكُرِ اللَّهَ عَزَّوَجَلَّ فَإِنَّهُ فِي تَعْقِيبٍ مَا دَامَ عَلَى وُضُوئِهِ.[8]

ويمكن الخدشة في الاول اما الاطلاقات بانها مقيدة بما ورد من موثقة مسعدة بن صدقة في تفسير قوله تعالى: ﴿فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ وَ إِلى‌ رَبِّكَ فَارْغَبْ‌﴾[9] - إِذَا قَضَيْتَ الصَّلَاةَ بَعْدَ أَنْ تُسَلِّمَ وَ أَنْتَ جَالِسٌ فَانْصَبْ فِي الدُّعَاءِ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةِ فَإِذَا فَرَغْتَ مِنَ الدُّعَاءِ فَارْغَبْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ أَنْ‌ يَتَقَبَّلَهَا مِنْكَ‌.[10]

كما ان حقيقة التعقيب الجلوس بعد الصلاة وهو المنساق عند المتشرعة فالاطلاق ينصرف اليها و لا اقل من انها القدر المتيقن ويشهد لذلك ما ورد عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ× قَالَ: مَا عَالَجَ النَّاسُ شَيْئاً أَشَدَّ مِنَ‌ التَّعْقِيبِ‌.[11] لما فيه من الحبس للمرء

و لما تقدم من قول الامام× : التَّعْقِيبُ أَبْلَغُ فِي طَلَبِ الرِّزْقِ مِنَ الضَّرْبِ فِي الْبِلَادِ.[12] فهو يتكل على الله تعالى و يجلس مشغولا بالدعاء، اما طلب الرزق و الضرب في الارض فهو يكل الامور الى اسبابها

و اما قوله: يَعْنِي بِالتَّعْقِيبِ الدُّعَاءَ بِعَقِبِ الصَّلَاةِ. لم يذكر الجلوس فيه، و لكن عدم ذكر الجلوس لا يدل على عدم دخالته فيه بل يفهم من العرف و يشهد على ذلك ما ورد عن الصَّادِقُ× الْجُلُوسُ بَعْدَ صَلَاةِ الْغَدَاةِ فِي التَّعْقِيبِ وَ الدُّعَاءِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ أَبْلَغُ فِي طَلَبِ الرِّزْقِ مِنَ الضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ[13] .

اما المستفاد من ان يخرج في حاجته يخاف فوتها فهو بسبب الاضطرار، فهو في تعقيب بمعنى انه يعطى ثوابه لا انه واقعاً فيه، وقد يشهد بل يدل عليه ما ورد من صحيحة زُرَارَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ× يَقُولُ‌ الدُّعَاءُ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ أَفْضَلُ مِنَ الصَّلَاةِ تَنَفُّلًا فَبِذَلِكَ جَرَتِ السُّنَّةُ[14] . فلا تحسب النافلة تعقيباً فكيف اذا مشى في حاجته على وضوء

فالظاهر ان الجلوس شرط في التعقيب

 


[1] ـ كما لو كان مستلقياً.
[2] ـ وانه لم يشترط فيه الجلوس.
[3] ـ قال عنه النجاشي: كوفي ثقة الاستاذ.
[4] ـ الوسائل، ج6، ص:429، أبواب التعقيب ب1 ح1.
[5] ـ لان ما يفهمه الراوي و يرويه فهو حجة.
[6] ـ الوسائل، ج6، ص:457، أبواب القنوت ب17 ح1.
[7] ـ الوسائل، ج6، ص:457، أبواب القنوت ب17 ح2.
[8] ـ الوسائل، ج6، ص:457، أبواب القنوت ب17 ح3.
[9] ـ سورة الانشراح: الآية 7 ـ 8.
[10] ـ الوسائل، ج6، ص:431، أبواب التعقيب ب1 ح7.
[11] ـ الوسائل، ج6، ص:429، أبواب التعقيب ب1 ح2.
[12] ـ الوسائل، ج6، ص:429، أبواب التعقيب ب1 ح1.
[13] ـ الوسائل، ج6، ص:459، أبواب التعقيب ب18 ح3.
[14] ـ الوسائل، ج6، ص:437، أبواب القنوت ب5 ح1.
logo