47/02/06
بسم الله الرحمن الرحیم
التعقیبات في الصلاة
الموضوع: التعقیبات في الصلاة
حيث ذكر في هذا الباب الحكم بكراهة الترك، وذكرنا سابقاً أن بناء صاحب الوسائل في جعل الأبواب يذكر الحكم إذا كان مشهوراً عند الفقهاء، وإلا لم يذكر الحكم بل يذكر مضمون الروايات، فيعلم أن الحكم بالكراهة موجود ولم نجده.
ولكن لم يتعرض في الجواهر والمصباح والحدائق والمستند والماتن للحكم بالكراهة.
يمكن الاستدلال على ما ذكر صاحب الوسائل بوجوه:
الأول: بأن الجلوس بعد الصلاة والاشتغال بذكر الله عز وجل نوع من التعظيم والشكر لما وفقه الله تعالى بهذا العمل العظيم وخير الأعمال، بخلاف الذهاب بعدها فهو نوع من عدم الاعتناء والتهاون والاستخفاف، وهو أمر مكروه بلا كلام. ويمكن المناقشة في الملازمة، ويقال: بأن الترفع والإجلال بالصلاة يتحقق بالشهادتين والتسليم، والتوجه وحضور القلب، فيمكن الاكتفاء بها ولا يلزم التهاون والاستخفاف.
الثاني: بما ورد عن الصدوق رحمه الله في العلل بسنده عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ× لِأَيِّ عِلَّةٍ يُكَبِّرُ الْمُصَلِّي بَعْدَ التَّسْلِيمِ ثَلَاثاً يَرْفَعُ بِهَا يَدَيْهِ فَقَالَ لِأَنَّ النَّبِيَّ| لَمَّا فَتَحَ مَكَّةَ- صَلَّى بِأَصْحَابِهِ الظُّهْرَ عِنْدَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ- فَلَمَّا سَلَّمَ رَفَعَ يَدَيْهِ وَ كَبَّرَ ثَلَاثاً وَقَالَ- لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ وَحْدَهُ أَنْجَزَ وَعْدَهُ وَ نَصَرَ عَبْدَهُ وَ أَعَزَّ جُنْدَهُ وَ غَلَبَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ فَلَهُ الْمُلْكُ وَ لَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَ يُمِيتُ وَ هُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ- ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ لَا تَدَعُوا هَذَا التَّكْبِيرَ وَ هَذَا الْقَوْلَ فِي دُبُرِ كُلِ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ فَإِنَّ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ بَعْدَ التَّسْلِيمِ وَ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ كَانَ قَدْ أَدَّى مَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ شُكْرِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى تَقْوِيَةِ الْإِسْلَامِ وَ جُنْدِهِ.[1]
فتدل بقوله عليه السلام: "لا تدعوا هذا التكبير نهي و هو يدل على الكراهة في المقام.
ويمكن المناقشة فيه دلالة وسنداً:
أما سنداً: جعفر بن محمد بن مالك الذي استثني من نوادر الحكمة، ومحمد بن الحسين الزيات لم يرد فيه شيء، ومحمد بن سنان الذي ضعف.
وأما دلالة: بأن متعلق النهي ترك الدعاء الخاص في التعقيب، لا عدم التعقيب مكروه؛ لقوله عليه السلام: "من فعل ذلك وقال هذا القول كان قد أدى ما يجب عليه من الله تعالى على تقوية الإسلام".
الثالث: مما ورد عن زُرَارَةَ قَالَ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ× لَا تَنْسَوُا الْمُوجِبَتَيْنِ أَوْ قَالَ عَلَيْكُمْ بِالْمُوجِبَتَيْنِ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ قُلْتُ وَ مَا الْمُوجِبَتَانِ قَالَ تَسْأَلُ اللَّهَ الْجَنَّةَ وَ تَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ النَّارِ[2] . فالنهي عن عدم ذلك يدل على الكراهة. والخدشة فيه بما تقدم في الرواية السابقة من جهة الدلالة.
الرابع: بما ذكره في الوسائل من سائر الروايات في باب 22 من أبواب التعقيب، منها معتبرة دَاوُدَ الْعِجْلِيِّ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ× يَقُولُ ثَلَاثٌ أُعْطِينَ سَمْعَ الْخَلَائِقِ الْجَنَّةُ وَ النَّارُ- وَ الْحُورُ الْعِينُ فَإِذَا صَلَّى الْعَبْدُ فَقَالَ اللَّهُمَّ أَعْتِقْنِي مِنَ النَّارِ وَ أَدْخِلْنِي الْجَنَّةَ- وَ زَوِّجْنِي مِنَ الْحُورِ الْعِينِ- قَالَتِ النَّارُ يَا رَبِّ إِنَّ عَبْدَكَ قَدْ سَأَلَكَ أَنْ تُعْتِقَهُ مِنِّي فَأَعْتِقْهُ وَ قَالَتِ الْجَنَّةُ يَا رَبِّ إِنَّ عَبْدَكَ قَدْ سَأَلَكَ إِيَّايَ فَأَسْكِنْهُ وَ قَالَتِ الْحُورُ الْعِينُ يَا رَبِّ إِنَّ عَبْدَكَ قَدْ خَطَبَنَا إِلَيْكَ فَزَوِّجْهُ مِنَّا فَإِنْ هُوَ انْصَرَفَ مِنْ صَلَاتِهِ وَ لَمْ يَسْأَلِ اللَّهَ شَيْئاً مِنْ هَذَا قُلْنَ الْحُورُ الْعِينُ إِنَّ هَذَا الْعَبْدَ فِينَا لَزَاهِدٌ وَ قَالَتِ الْجَنَّةُ إِنَّ هَذَا الْعَبْدَ فِيَّ لَزَاهِدٌ وَ قَالَتِ النَّارُ إِنَّ هَذَا الْعَبْدَ بِي لَجَاهِلٌ.[3]
أن "الزهد في الجنة والحور العين مكروه"
وكذلك رواية الْحُسَيْنُ بْنُ سَعِيدٍ فِي كِتَابِ الزُّهْدِ عَنِ النَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ دُرُسْتَ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ× قَالَ: لَوْ أَنَّ حَوْرَاءَ مِنْ حُورِ الْجَنَّةِ أَشْرَفَتْ عَلَى أَهْلِ الدُّنْيَا وَ أَبْدَتْ ذُؤَابَةً مِنْ ذَوَائِبِهَا (لَافْتَتَنَ بِهَا أَهْلُ الدُّنْيَا) وَ إِنَّ الْمُصَلِّيَ لَيُصَلِّي فَإِنْ لَمْ يَسْأَلْ رَبَّهُ أَنْ يُزَوِّجَهُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ قُلْنَ مَا أَزْهَدَ هَذَا فِينَا.[4]
ويمكن له ان يجبر الزهد في الجنة والحور العين بأدعية وأفعال حسنة أخرى، فلا يلزم الزهد المطلق فيهما حتى يقال بالكراهة.
والأولى التمسك بما ورد في الآية الشريفة من الأمر بالرغبة: "فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَىٰ رَبِّكَ فَارْغَبْ"، وترك التعقيب عدم اعتناء بالترغيب المأمور به بلا وجه مرجح، إذا صدر عن كسل وإهمال فهو مكروه لا محالة. وبذلك يمكن إثبات الكراهة. والله العالم.