« قائمة الدروس
بحث الفقه الأستاذ مسلم الداوري

47/02/05

بسم الله الرحمن الرحیم

التعقيبات في الصلاة

الموضوع: التعقيبات في الصلاة

 

فصل في التعقيب و هو الاشتغال عقيب الصلاة بالدُّعاء أو الذكر أو التلاوة أو غيرها من الأفعال الحسنة: مثل التفكّر في عظمة اللَّه، ونحوه، ومثل البكاء لخشية اللَّه أو للرغبة إليه، و غير ذلك. و هو من السنن الأكيدة، و منافعه في‌ الدين‌ و الدُّنيا كثيرة، و في رواية: «من عقّب في صلاته فهو في صلاته» و في خبر: «التعقيب أبلغ في طلب الرِّزق من الضرب في البلاد» و الظاهر استحبابه بعد النوافل أيضاً، وإن كان بعد الفرائض آكد. و يعتبر أن يكون متّصلًا بالفراغ منها غير مشتغل بفعل آخر ينافي صدقه الّذي يختلف بحسب المقامات من السفر و الحضر، و الاضطرار و الاختيار. ففي السفر يمكن صدقه حال الركوب أو المشي أيضاً كحال الاضطرار، و المدار على بقاء الصدق و الهيئة في نظر المتشرِّعة، و القدر المتيقن في الحضر الجلوس مشتغلًا بما ذكر من الدُّعاء ونحوه، و الظاهر عدم صدقه على الجلوس بلا دعاء أو الدُّعاء بلا جلوس إلّا في مثل ما مرّ، و الأولى فيه الاستقبال و الطهارة والكون في المصلّى و لا يعتبر فيه كون الأذكار و الدُّعاء بالعربية، و إن كان هو الأفضل، كما أنّ الأفضل الأذكار و الأدعية المأثورة المذكورة في كتب العلماء، و نذكر جملة منها تيمّناً:

..........................................................

يذكر في البحث جهات ثمانٍ

الجهة الأولى: في حكمه، وهو من السنن الأكيدة بالإجماع بين المسلمين، إن لم يكن من ضروريات الدين كما في الجواهر، ويدل عليه الكتاب والسنة المتواترة.

أما الكتاب: فقوله تعالى «فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ وَ إِلى‌ رَبِّكَ فَارْغَبْ» فسره في المجمع: إذا فرغت من الصلاة المكتوبة فانصب إلى ربك في الدعاء و أرغب إليه في المسألة يعطك‌ و قال هو المروي عن أبي جعفر و أبي عبد الله×[1]

وفسره كثير من المفسرين مثل مجاهد و قتادة و الضحاك و مقاتل و الكلبي، بهذا التفسير، وقال الزهري: "إذا فرغت من الفرائض فادع بعد التشهد لكل حاجتك".

و قال الصادق× هو الدعاء في دبر الصلاة و أنت جالس‌[2]

وما ذكره قدس سره من الروايتين، وإن كانتا مرسلتين، ولكن وردت الأولى بسند معتبر فِي قُرْبِ الْإِسْنَادِ بسند معتبر عَنْ هَارُونَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ مَسْعَدَةَ بْنِ صَدَقَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ× قَالَ: كَانَ أَبِي يَقُولُ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى‌ ﴿فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ وَ إِلى‌ رَبِّكَ فَارْغَبْ﴾[3] - إِذَا قَضَيْتَ الصَّلَاةَ بَعْدَ أَنْ تُسَلِّمَ وَ أَنْتَ جَالِسٌ فَانْصَبْ فِي الدُّعَاءِ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةِ فَإِذَا فَرَغْتَ مِنَ الدُّعَاءِ فَارْغَبْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ أَنْ‌ يَتَقَبَّلَهَا مِنْكَ‌.[4]

وأما الثانية: فقد ورد الحث والتأكيد في الدعاء بعد الصلاة، كما ورد في صحيحة زُرَارَةَ قَالَ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ×‌ لَا تَنْسَوُا الْمُوجِبَتَيْنِ أَوْ قَالَ عَلَيْكُمْ بِالْمُوجِبَتَيْنِ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ قُلْتُ وَ مَا الْمُوجِبَتَانِ قَالَ تَسْأَلُ اللَّهَ الْجَنَّةَ وَ تَعُوذُ بِاللَّهِ‌ مِنَ‌ النَّارِ.[5]

وَ رَوَاهُ الشَّيْخُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ‌[6] وَ رَوَاهُ الصَّدُوقُ فِي مَعَانِي الْأَخْبَارِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ حَمَّادٍ مِثْلَهُ‌[7] .[8]

وكذلك في معتبرة حَمَّادِ بْنِ عِيسَى عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ× قَالَ: إِنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيْكُمُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ فِي أَفْضَلِ السَّاعَاتِ فَعَلَيْكُمْ بِالدُّعَاءِ فِي أَدْبَارِ الصَّلَوَاتِ.[9]

وفي التعقيب والدعاء بعد الصلاة، وردت روايات كثيرة في فضلها ومنافعها وآثارها الأخروية والدنيوية، ذكر الماتن& منها: أنه ورد أن "من عقب في صلاته فهو في صلاته"، وخبر أن "التعقيب أبلغ في طلب الرزق من الضرب في البلاد".

وأما الرواية الأولى: فقد ذكرها الشهيد في الذكرى مرسلة، ونقلها في الحدائق والمستند، ولكن ورد في الكافي عن مَنْصُورِ بْنِ يُونُسَ[10] عَمَّنْ ذَكَرَهُ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ× قَالَ: مَنْ صَلَّى صَلَاةً فَرِيضَةً وَ عَقَّبَ إِلَى أُخْرَى فَهُوَ ضَيْفُ اللَّهِ وَ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكْرِمَ ضَيْفَهُ.[11]

وروي أيضاً بسند معتبر عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ الْفَضْلِ الْبَقْبَاقِ[12] قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ× يُسْتَجَابُ الدُّعَاءُ فِي‌ أَرْبَعَةِ مَوَاطِنَ‌ فِي الْوَتْرِ وَبَعْدَ الْفَجْرِ وَ بَعْدَ الظُّهْرِ وَ بَعْدَ الْمَغْرِبِ.[13] أي بعد صلاة الفجر والظهر والمغرب بقرينة الوتر.

ووردت عدة روايات بأن "من أدى لله مكتوبة فله عند الله في أثرها دعوة مستجابة"

الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطُّوسِيُّ فِي الْأَمَالِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ الْفَحَّامِ عَنِ الْمَنْصُورِيِّ عَنْ عَمِّ أَبِيهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الْهَادِي عَنْ‌ آبَائِهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ|‌ مَنْ أَدَّى لِلَّهِ مَكْتُوبَةً فَلَهُ فِي أَثَرِهَا دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ.[14]

مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي الْمَجَالِسِ وَ الْأَخْبَارِ عَنْ جَمَاعَةٍ عَنْ أَبِي الْمُفَضَّلِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَامِرٍ الطَّائِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الرِّضَا عَنْ آبَائِهِ^ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ| مَنْ أَدَّى فَرِيضَةً فَلَهُ عِنْدَ اللَّهِ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ.[15]

أَحْمَدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَرْقِيُّ فِي الْمَحَاسِنِ عَنْ مُوسَى بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَخِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ‌اللَّهِ× قَالَ: مَا مِنْ مُؤْمِنٍ يُؤَدِّي فَرِيضَةً مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ إِلَّا كَانَ لَهُ عِنْدَ أَدَائِهَا دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ.[16]

وعن رَسُولِ اللَّهِ| مَنْ صَلَّى فَرِيضَةً فَلَهُ عِنْدَ اللَّهِ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ.[17]

وورد في صلاة الفجر انه ستر من النار مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ أَحْمَدَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنِ السَّكُونِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ× عَنْ أَبِيهِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ× أَنَّهُ قَالَ: مَنْ صَلَّى فَجَلَسَ فِي مُصَلَّاهُ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ كَانَ لَهُ سِتْراً مِنَ النَّارِ.[18] وغيرها من الرويات.

 

و اما الثانية

ورد في صحيحة الْوَلِيدِ بْنِ صَبِيحٍ[19] عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ× قَالَ: التَّعْقِيبُ أَبْلَغُ فِي طَلَبِ الرِّزْقِ مِنَ الضَّرْبِ فِي الْبِلَادِ.[20]

وورد في تعقيب صلاة الفجر روايات متعددة: عن الصَّادِقُ× الْجُلُوسُ بَعْدَ صَلَاةِ الْغَدَاةِ فِي التَّعْقِيبِ وَ الدُّعَاءِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ أَبْلَغُ فِي طَلَبِ الرِّزْقِ مِنَ الضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ[21] .

وعن حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ× يَقُولُ‌ لَجُلُوسُ الرَّجُلِ فِي دُبُرِ صَلَاةِ الْفَجْرِ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ أَنْفَذُ فِي طَلَبِ الرِّزْقِ مِنْ رُكُوبِ الْبَحْرِ الْحَدِيثَ.[22]

وَ فِي الْخِصَالِ عَنْ عَلِيٍّ× فِي حَدِيثِ الْأَرْبَعِمِائَةِ قَالَ: الْجُلُوسُ فِي الْمَسْجِدِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ أَسْرَعُ فِي طَلَبِ الرِّزْقِ مِنَ الضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ[23] .

فلا إشكال في الحكم، بل يمكن استفادة الحكم بالكراهة لمن لا يعقب ويذهب بعد الصلاة بدون تعقيب، كما سمى في الوسائل الباب الثاني و العشرين بَابُ اسْتِحْبَابِ الْمُوَاظَبَةِ بَعْدَ كُلِّ صَلَاةٍ عَلَى سُؤَالِ الْجَنَّةِ وَ الْحُورِ الْعِينِ وَ الِاسْتِعَاذَةِ مِنَ النَّارِ وَ الصَّلَاةِ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ وَ كَرَاهَةِ تَرْكِ ذَلِك‌[24]

 


[1] ـ مجمع البيان في تفسير القرآن، ج‌10، ص: 772.
[2] ـ مجمع البيان في تفسير القرآن، ج‌10، ص: 772.
[3] ـ سورة الانشراح: الآية 7 ـ 8.
[4] ـ الوسائل، ج6، ص:431، أبواب التعقيب ب1 ح7.
[5] ـ الوسائل، ج6، ص:464، أبواب التعقيب ب22 ح1.
[6] ـ التهذيب، 2- 108- 408.
[7] ـ معاني الأخبار، 183.
[8] ـ وسائل الشيعة، ج ‌6، ص:465.
[9] ـ الوسائل، ج6، ص:431، أبواب التعقيب ب1 ح6.
[10] ـ روى كتابه ابن أبي عمير، وورد في التفسير ثقة الاستاذ.
[11] ـ الوسائل، ج6، ص:430، أبواب التعقيب ب1 ح5.
[12] ـ من الاجلاء الاستاذ.
[13] ـ الوسائل، ج6، ص:430، أبواب التعقيب ب1 ح4.
[14] ـ الوسائل، ج6، ص:431، أبواب التعقيب ب1 ح10.
[15] ـ الوسائل، ج6، ص:432، أبواب التعقيب ب1 ح11.
[16] ـ الوسائل، ج6، ص:432، أبواب التعقيب ب1 ح12.
[17] ـ الوسائل، ج6، ص:433، أبواب التعقيب ب1 ح15.
[18] ـ الوسائل، ج6، ص:458، أبواب التعقيب ب18 ح1.
[19] ـ قال عنه النجاشي: كوفي ثقة الاستاذ.
[20] ـ الوسائل، ج6، ص:429، أبواب التعقيب ب1 ح1.
[21] ـ الوسائل، ج6، ص:459، أبواب التعقيب ب18 ح3.
[22] ـ الوسائل، ج6، ص:461، أبواب التعقيب ب18 ح11.
[23] ـ الوسائل، ج6، ص:461، أبواب التعقيب ب18 ح10.
[24] ـ وسائل الشيعة، ج‌6، ص: 464.
logo