40/06/28
حكمة تشريع صدقة النجوى و بطلان دعوى النسخ في الآية السادسة والثلاثين
موضوع: حكمة تشريع صدقة النجوى و بطلان دعوى النسخ في الآية السادسة والثلاثين
حكمة تشريع صدقة النجوى[1]
آية النجوى ورد فيها أمر ﴿فقدموا بين يدي نجواكم صدقة﴾[2]
وهذا الأمر يوجد فيه احتمالان:
الاحتمال الأول أن يحمل على الأمر الحقيقي.
الاحتمال الثاني أن يحمل على الأمر الصوري والامتحاني.
وعلى اختلاف هاذين الحملين تتضح الحكمة من تشريع صدقة النجوى ثم نسخها.
أما الاحتمال الأول وهو أن يحمل الأمر على الأمر الحقيقي.
وهذا الحمل هو الذي يقتضيه ظاهر كتاب الله وتدل عليه أكثر الروايات الشريفة من أن الله "عز وجل" حقيقة قد اوجب على المسلمين أن يدفعوا صدقة عند مناجاة النبي وأن الله تبارك وتعالى قد أمرهم جدا لا صوريا بدفع الصدقة عند مناجاة النبي "صلى الله عليه وآله".
فبناء على حمل الأمر على الأمر الحقيقي تظهر حكمة التشريع في نسخ هذا الحكم بعد وضعه وتنكشف منة الله تبارك وتعالى على عباده إذ بان عدم اهتمام المسلمين بمناجاة النبي الأكرم "صلى الله عليه وآله" وعرف مقام أمير المؤمنين "عليه أفضل صلوات المصلين" من بينهم.
إذن الحكمة بناء على الأمر الحقيقي بيان مقام أمير المؤمنين واتضاح منزلة أمير المؤمنين وتفوقه على سائر المسلمين هذا بناء على أن الأمر أمر حقيقي.
وأما بناء على أن الأمر أمر صوري امتحاني يعني الله "عز وجل" لم يرد منهم أن يقدموا صدقة عند المناجاة وإنما أراد أن يمتحنهم فهذا الأمر ﴿فقدموا بين يدي نجواكم صدقة﴾ إنما هو أمر امتحاني صوري شكلي فلم يرد رب العالمين جدا أن يقدموا صدقة وإنما أراد أن يختبرهم ويمتحنهم كما أمر إبراهيم الخليل أن يذبح ولده إسماعيل فلم يرد المولى جل وعلى جدا أن يذبح إسماعيل وإنما أراد أن يختبر إبراهيم هل يمتثل أم لا.
بناء على الحمل الثاني وهو حمل الأمر على الأمر الشكلي الصوري الامتحاني لا تكون الآية الثانية ﴿أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات﴾[3] ناسخة للآية الأولى ﴿إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة﴾.
سؤال فلا يصدق النسخ الاصطلاحي بناء على الأمر الامتحاني لماذا؟
الجواب لأن النسخ الاصطلاحي عبارة عن انتهاء أمد الحكم انتهاء مدة الحكم هنا الحكم ليس له مدة لأنه ليس حكما حقيقيا وإنما يتحقق الغرض بإصدار الأمر وبإصدار الحكم لأن الأمر امتحاني رب العالمين أراد أن يختبرهم يتحقق الاختبار بمجرد الأمر بدفع الصدقة عند مناجاة النبي "صلى الله عليه وآله" إذن النسخ الحقيقي وهو انتهاء أمد الحكم يصدق بناء على الحمل الأول وهو الحمل الحقيقي الأمر الحقيقي ولا يصدق النسخ الاصطلاحي انتهاء أمد الحكم بناء على الأمر الامتحاني الأمر الصوري والشكلي.
نعم يصدق النسخ اللغوي النسخ اللغوي بمعنى الإزالة تقول نسخت الشمس الظل يعني ازالة الشمس الظلة فتقول نسخت الآية الثانية الآية الأولى يعني ازالة الآية الثانية الآية الأولى يعني ازالة الأمر الامتحاني.
الخلاصة الأمر الوارد في الآية الكريمة ﴿فقدموا بين يدي نجواكم صدقة﴾ إما أن يحمل على الأمر الحقيقي أي أن الله "عز وجل" حقيقة أراد أن يدفعوا صدقة وإما أن يحمل على الأمر الامتحاني أي أن الله "عز وجل" لم يرد حقيقة أن يدفعوا صدقة وإنما أراد أن يختبرهم وأن يمتحنهم.
بناء على الأمر الحقيقي يصدق النسخ الاصطلاحي انتهاء أمد الحكم فتكون الآية الثانية تشير إلى انتهاء أمد الآية الأولى وأما بناء على الحمل الثاني الأمر الامتحاني لا يصدق النسخ الاصطلاحي انتهاء أمد الحكم وإنما يصدق النسخ اللغوي الإزالة وعلى كلا الحملين سواء حملنا الأمر على الأمر الامتحاني أو على الأمر الحقيقي فإن الحكمة تكون جلية وهي اتضاح مقام أمير المؤمنين "عليه أفضل صلوات المصلين".
ونقل الرازي عن أبي مسلم أنه جزم بكون الأمر امتحانيا لتمييز من آمن إيمانا حقيقيا عن من بقي على نفاقه فلا نسخ أي فلا نسخ اصطلاحي وقال الرازي وهذا الكلام حسن ما به بأس.[4]
ثم ينقل السيد الخوئي "رحمه الله" كلام الشيخ شرف الدين:
وقال الشيخ شرف الدين إن محمد بن العباس ذكر في تفسيره سبعين حديثا من طريق الخاصة والعامة تتضمن أن المناجي للرسول هو أمير المؤمنين "عليه السلام" دون الناس أجمعين إلى أن يقول ونقلت من مؤلف شيخنا أبي جعفر الطوسي هذا الحديث ذكره أنه في جامع الترمذي وتفسير الثعلبي بإسناده عن علقمة الانماوي يرفعه إلى علي "عليه السلام" أنه قال (بي خفف الله عن هذه الأمة لأن الله امتحن الصحابة فتقاعسوا عن مناجاة الرسول وكان قد احتجب في منزله من مناجاة كل أحد إلا من تصدق بصدقة وكان معي دينار فتصدقت به فكنت أنا سبب التوبة من الله على المسلمين حين عملت بالآية ولو لم يعمل بها أحد لنزل العذاب لامتناع الكل من العمل بها)[5] .
الآية الناسخة تدل على توبة الله على المؤمنين ﴿أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم﴾ ففي هذه الرواية يقول أمير المؤمنين أنا سبب توبة الله عليكم الكل لم يمتثل والكل لم يقدم الصدقة عند المناجاة بل لم يذهب إلى المناجاة.
السيد الخوئي يعلق يقول في جامع الترمذي أو صحيح الترمذي الموجود سنن الترمذي هذه الرواية غير موجودة وكذلك بالنسبة إلى تفسير الثعلبي ولا توجد عنده المخطوطات الآن هذا الأمر متاح يعني ينبغي على المحقق أن يحقق هذا الموضوع يدرجه في الحاشية ما أكثر المخطوطات.
السيد الخوئي يعلق أقول إن هذه الرواية لا وجود لها في النسخة المطبوعة من جامع الترمذي ولم اظهر بشيء من نسخه القديمة المخطوطة ولم اظفر أيضا بتفسير الثعلبي الذي نقل عنه في جملة من المؤلفات ولا أعلم بوجوده في مكان هذا من باب الأمانة العلمية.
وكيف كان فلا ريب في أن الحكم المذكور لم يبقى إلا زمننا يسيرا ثم ارتفع ولم يعمل به احد غير أمير المؤمنين "عليه السلام" وبذلك ظهر فضله سواء أكان الأمر حقيقيا أم كان امتحانيا.[6]
إذن خلاصة الحكمة من تشريع صدقة النجوى بيان فضل أمير المؤمنين "عليه أفضل صلوات المصلين" سواء حملنا الأمر على الأمر الحقيقي أم حملناه على الأمر الامتحاني.
للأسف الشديد أحيانا الرأي المذهبي يغلب النظرة الموضوعية فمهما أوتي الإنسان من علم إذا كان يتحكم فيه الرؤيا المذهبية أو التعصب فإن هذا التعصب يسلب منه المناقشة الموضوعية نحن نقرأ هذا الكلام، الفخر الرازي إمام المشككين يعتذر للصحابة بقوله إنه الصحابة لم يدفعوا الصدقة لأن دفع الصدقة إما أن يكون من الفقير وإما أن يكون من الغني من الفقير هذا ما يضيق بصدر الفقير لأنه لا يقدر على مثله من الغني هذا يوجب له الوحشة فدفع الصدقة يوجب الضيق للفقير والوحشة للغني وبالتالي صارت الصدقة سببا لحزن الفقراء ووحشة الأغنياء وبالتالي أيهما أولى ما يوجب الوحشة أو ما يوجب الألفة؟ الأولى هو ما يوجب الألفة فترك الصحابة دفع الصدقة لترك ما يوجب الوحشة نزولا إلى ما يوجب الألفة خصوصا أن المناجاة ليست واجبة ولا مستحبة لذلك تركوها فترك المناجاة لا يوجب الطعن، هذا خلاصة كلام الفخر الرازي نقرأه ثم نعقب عليه.
تعصب مكشوف
اعتذر الرازي عن ترك شيوخ الصحابة العمل بالآية المباركة إذا كانوا قد وجدوا الوقت لذلك ولم يفعلوا فقال ما نصه:
وذلك الإقدام على هذا العمل يعني دفع الصدقة عند المناجاة مما يضيق قلب الفقير فإنه لا يقدر على مثله فيضيق قلبه ويوحش قلب الغني ـ كيف يعني فيضيق قلبه الآية تقول ﴿إِنِ ٱسۡتَطَعۡتُمۡ﴾[7] يعني لاحظ هذا التبرير خلاف صريح الآية ، الآية تقول ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾[8] أصلا هو غير ملزم إذا فقير ما عنده صدقة هو غير ملزم ـ فإنه لما يفعل الغني ذلك وفعله غيره صار ذلك الفعل سببا للطعن فيمن لم يفعل فهذا الفعل لما كان سببا لحزن الفقراء ووحشة الأغنياء لم يكن في تركه كبير مضرة لأن الذي يكون سببا للألفة أولى من أن يكون سببا للوحشة وأيضا فهذه المناجاة ليست من الواجبات ولا من الطاعات المندوبة بل قد بينا أنهم إنما كانوا كلفوا بهذه الصدقة ليتركوا هذه المناجاة ولما كان الأولى بهذه المناجاة أن تكون متروكة لم يكن تركها سببا للطعن. [9]
تعقيب
هذا غريب عجيب نقول لو أغمضنا النظر عن الروايات التي تذم الصحابة على تركهم المناجاة وتشيد بأمير المؤمنين لدفعه الصدقة ومناجاته لرسول الله غضضنا النظر عن الروايات نفس الآية.
الآية فيها قرينتان:
القرينة الأولى ﴿أأشفقتم﴾ هذه فيها عتاب.
القرينة الثانية إن الله "عز وجل" قد تاب عليكم الله يتوب عليهم يعني علي على عمل جيد على عمل زين الله يتوب عليهم صريح الآية الآية فيها قرينتين، القرينة الأولى ﴿أأشفقتم﴾ القرينة الثانية ﴿تاب عليكم﴾ هذا إذا تمسكنا بالآيات.
وأما إذا أردنا أن ننقض من دون أن نتمسك بالروايات وبصريح الآيات نذكر نقضين:
النقض الأول لو صح ما ذكره الفخر الرازي من أن ترك هذا العمل لا يوجب الطعن ولأن هذا العمل فيه ضيق قلب الفقير ووحشة قلب الغني لصح ترك جميع الواجبات المالية كالخمس والزكاة فيكون تركها أولى من فعلها لأنه في دفع الخمس وفي دفع الزكاة وفي دفع الكفارات وكل الواجبات المالية هذا مما يضيق قلب الفقير ويوجب الوحشة لدى الغني فإذا التزمنا بما التزم به الفخر الرازي ولو صح ما ذكره الفخر الرازي لكان ترك جميع الواجبات المالية أولى من فعلها وهذا ما لا يلتزم به أحد بما فيهم الفخر الرازي هذا النقض الأول.
النقض الثاني لو صح ما ذكره الفخر الرازي لكان أمر الله "عز وجل" بالفعل يعني وجوب الصدقة عند المناجاة أمرا بما يحكم العقل بأولوية تركه وحاشا رب العالمين أن يأمر بما يحكم العقل بأولوية تركه.
ثم يعقب السيد الخوئي يقول وليس ببعيد أن يلتزم الرازي بهذا وبما هو أدهى منه لينكر فضيلة من فضائل علي "عليه السلام".
الخلاصة التعصب
هو الذي قاد إلى مثل هذا الرأي ومن المناسب هنا أن أنقل كلاما لنظام الدين النيسابوري قال ما نصه قال القاضي هذا يعني تصدق علي "عليه السلام" بين يدي النجوى هذا لا يدل على فضله على أكابر الصحابة لأن الوقت لعله لم يتسع للعمل بهذا الفرض والقاضي يقول وقد قال فخر الدين الرازي وسلمنا أن الوقت قد وسع إلا أن الإقدام على هذا العمل مما يضيق قلب الفقير الذي لا يجد شيئا وينفر الرجل الغني ولم يكن في تركه مضرة لأن الذي يكون سببا للألفة أولى أن يكون سببا للوحشة وأيضا الصدقة عند المناجاة واجبة أما المناجاة فليست بواجبة ولا مندوبة بل الأولى ترك المناجاة لما بينا من أنها كانت سببا لسآمة النبي "صلى الله عليه وآله".
الله يأمر بالصدقة عند المناجاة صار الأولى ترك المناجاة حتى لا يتأذى النبي ولا توجب له السآمة قلت من القائل نظام الدين النيسابوري كلامه في أنصار يقول يا أخي أنتم الآن لو تفضلون الأول أو الثاني أو الثالث على علي بن أبي طالب هذا لا يستلزم أن كل خصلة فيهم أفضل من علي بن أبي طالب يعني أن علي بن أبي طالب ما يفوق واحد منهم في خصلة من الخصال سبحانك هذا بهتان عظيم.
لاحظ كلام النيسابوري قلت هذا الكلام لا يخلو عن تعصب ما ومن أين يلزمنا أن نثبت مفضولية علي "رضي الله عنه" في كل خصلة لازم يصير مفضول طبعا مع أنهم يسلمون أن علي بن أبي طالب هو الفاضل لذلك يقول أبن أبي الحديد في مقدمة شرح نهج البلاغة الحمد لله الذي ... و قدم المفضول على الأفضل[10] يقصد المفضول الأول والثاني والثالث.
قلت هذا الكلام لا يخلو عن تعصب ما ومن أين يلزمنا مفضولية علي "رضي الله عنه" في كل خصلة ولمَ لا يجوز أن يحصل له فضيلة لم توجد لغيره من أكابر الصحابة [11]
فقد روي عن أبن عمر عبد الله بن عمر كان لعلي "رضي الله عنه" ثلاث لو كانت لي واحدة منهن كانت أحب إلي من حمر النعم تزويجه فاطمة "رضي الله عنها" وإعطاءه الراية يوم خيبر وآية النجوى وهل يقول منصف إن مناجاة النبي "صلى الله عليه وآله" نقيصة على أنه لم يرد في الآية نهي عن المناجاة وإنما ورد تقديم الصدقة على المناجاة فمن عمل بالآية حصل له الفضيلة من جهتين:
الأولى سد خلة بعض الفقراء.
الثانية ومن جهة محبة نجوى الرسول "صلى الله عليه وآله" ففيها القرب منه وحل المسائل العويصة وإظهار أن نجواه أحب إلى المناجي من المال[12] ، هذا تمام الكلام في آية النجوى واتضح أنها تامة بلا إشكال.
إذن الآية خمسة وثلاثين نسخها تام بلا إشكال من كلا الطريقين طريق السنة وطريق الشيعة.
الآية الأخيرة ستة وثلاثين[13] قوله تعالى:
﴿ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل﴾[14]
والفيء غير الخمس، الخمس يؤخذ من الغنائم إما من خصوص غنائم دار الحرب الذي تؤخذ في القتال أو من مطلق الفائدة كما عليه الشيعة الإمامية وأما الفيء فهو ما يصل النبي من دون قتال الغلات التي تكون للنبي البساتين عند فتح منطقة من دون قتال.
نقل عن قتادة أن هذه الآية منسوخة وأنه قال الفيء والغنيمة واحد وكان في بدوء الإسلام تقسيم الغنيمة على هذه الأصناف الستة لله واحد اثنين وللرسول ثلاثة ولذي القربى أربعة واليتامى خمسة والمساكين ستة وابن السبيل ولا يكون لمن قاتل عليها شيء إلا أن يكون من هذه الأصناف يعني هذا المقاتل إذا كان من المساكين كان من ذوي القربى كان من اليتامى إذا لم يكن من الأصناف الستة لا يعطى شيئا ثم نسخ الله هذا الحكم في سورة الأنفال فجعل لهؤلاء الخمس وجعل الأربعة أخماس لمن حارب قال تعالى ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ﴾[15] [16] نسخ الحكم كان ما أفاء الله لهم ثم نسخ صار إليهم أربعة أخماس وخمس للمقاتلين.
وقد رفض المحققون هذا القول لأن كلا الآيتين موضوعهما مختلف فموضوع الآية الأولى التي يدعى أنها منسوخة هو الفيء وموضوع الآية الثانية هو آية الخمس التي يدعى أنها ناسخة موضوعها الخمس والخمس هو ما يصل المسلمين عن طريق الغنيمة إما خصوص غنائم دار الحرب كما عليه أهل السنة وإما مطلق التكسب أو الفائدة كما عليه الشيعة الإمامية على خلاف فيما يتكسب والفائدة التي تحصل من دون تكسب إذن الموضوع مختلف موضوع الفيء ما يصل إلى النبي من دون قتال بخلاف موضوع الخمس ما يصل إلى النبي بقتال فلا يوجد تنافي بين الآيتين لكي تكون آية الخمس ناسخة إلى آية الفيء هذا أولا.
السيد الخوئي "رضوان الله عليه" يعلق يقول:
ما أفاده المحققون تام لا ينبغي الجدال فيه.
ويؤيده أمران:
الأمر الأول لم ينقل من سيرة النبي "صلى الله عليه وآله" أنه خص بالغنائم نفسه وقرابته دون المجاهدين مع أنه في آية الفيء لله وللرسول ولذي القربى لكن الرسول "صلى الله عليه وآله" أعطى المجاهدين من الغنائم.
الأمر الثاني الذي يدل على بطلان النسخ ما قيل من أن سورة الأنفال نزلت قبل سورة الحشر وبالتالي لا أقل من الشك في ذلك ولا ريب في أن الناسخ لابد أن يتأخر عن المنسوخ.
وبالتالي كيف يكون الناسخ متقدما على المنسوخ لأن سورة الأنفال التي فيها آية الفيء ما قيل من أن سورة الأنفال نزلت قبل نزول سورة الحشر ويشترط تقدم المنسوخ وتأخر الناسخ بالتالي هذه قرينة لو ثبت فعلا أن سورة الأنفال نزلت قبل سورة الحشر سورة الأنفال التي هي ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ﴾[17] نزلت قبل سورة الحشر التي هي فيها آية الفيء ﴿ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى﴾.
النتيجة النهائية لم يثبت نسخ الآية 36 وخلاصة هذا البحث في النسخ أن الآيات التي أدعي نسخها كثيرة ذكر النحاس في كتاب الناسخ والمنسوخ مائة وثمانية وثلاثين آية والمهم منها والذي يحتاج إلى بحث علمي 35 آية تطرق إليها السيد الخوئي واتضح أنه لم يثبت النسخ إلا في خصوص آية النجوى وهي آية رقم 35 من هذه الآيات وأما الآيات من الآية الأولى إلى الآية رقم 36 فلم يثبت النسخ فيها وبذلك نختم البحث في النسخ في القرآن الكريم.
قلنا الفارق بين النسخ والبداء أن النسخ يكون في التشريعيات والبداء يكون في التكوينيات ومن باب الكلام يجر الكلام ينتقل السيد الخوئي إلى بحث هام وهو البداء في التكوين يأتي عليه الكلام.