« فهرست دروس
الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق
بحث التفسیر

40/06/11

بسم الله الرحمن الرحيم

عدم ثبوت مسخ آية المتعة في السنة، بل السنة تدل على جواز المتعة

موضوع: عدم ثبوت مسخ آية المتعة في السنة، بل السنة تدل على جواز المتعة

 

الثالث: إن ناسخها هو السنة فقد رووا عن علي "عليه السلام" أنه قال لابن عباس[1] إلى آخر الرواية.

كان الكلام في الآية الثالثة عشر وهي قوله "عز من قائل":

﴿فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة﴾[2]

فهل هذه الآية منسوخة؟

يمكن أن يدعى أن ناسخها أحد أمور أربعة:

الناسخ الأول والثاني آيتان من كتاب الله وقد مضى الكلام عليهما في الدرس السابق.

الناسخ الثالث الروايات

الناسخ الرابع الإجماع

اليوم إن شاء الله نشرع في الناسخ الثالث وهي الروايات التي ادعي أنها نسخت آية المتعة، هذه الروايات يمكن تصنيفها إلى طوائف ثلاث والمراد بالطائفة القسم وأقل شيء يحقق القسم رواية واحدة فإذا قيل طائفة من الروايات لا يراد مجموعة من الروايات وإنما يراد قسم من الروايات يعني مفاد معين ومحدد.

الطوائف الثلاثة للروايات الناسخة للآية:

الروايات التي يدعى أنها قد نسخت آية المتعة ﴿فآتوهن أجورهن فريضة﴾ على ثلاثة طوائف:

الطائفة الأولى ما روي عن علي "عليه السلام" من أن الآية قد نسخت،

الطائفة الثانية ما روي عن الربيع بن سبرة

والطائفة الثالثة ما روي عن سلمة بن الاكور

هذه الروايات الثلاث نقرأها إجمالا ونبين ملاحظات عليها بشكل إجمالي أيضا ثم بعد ذلك يتطرق السيد الخوئي "رضوان الله عليه" إلى هذه الطوائف الثلاث بشكل تفصيلي ويناقش كل طائفة من الطوائف الثلاث.

ويثبت أنه لا يوجد ناسخ من السنة الشريفة للآية الكريمة الدالة على جواز المتعة.

هذه الطوائف الثلاثة أو الروايات الثلاث كما يلي:

الرواية الأولى ما روي عن علي "عليه السلام" أنه قال لابن عباس (إنك رجل تائه لأن ابن عباس بقي على جواز المتعة إلى آخر عمره الشريف هذه الرواية يدعى أن أمير المؤمنين خاطب عبد الله بن العباس إنك رجل تائه يعني حيران إن رسول الله "صلى الله عليه وآله" نهى عن المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية لأن هناك حمر وحشية فرق بين الحمير الوحشية والحمير الأهلية إن رسول الله "صلى الله عليه وآله" نهى عن المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر[3] ).

الرواية الثانية ما روي عن الربيع بن سبرة عن أبيه قال (رأيت رسول الله "صلى الله عليه وآله" قائما بين الركن والباب وهو يقول ـ المراد باب الكعبة الشريفة يعني بين الركن الذي هو فيه الحجر الأسود وبين باب الكعبة ـ يا أيها الناس إني قد كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة فمن كان عنده منهن شيء فليخلي سبيله ولا تأخذه مما آتيتموهن شيئا[4] ) فهذه الرواية دالة على أنه كانت المتعة جائزة فمن كان عنده منهن شيء يعني كانت عنده متعة فليخلي سبيله.

الرواية الثالثة وروى سلمة عن أبيه قال رخص رسول الله "صلى الله عليه وآله" عام أوطاس في المتعة ثلاثة ثم نهى عنها[5] .

وجواب هذه الروايات الثلاث أو الطوائف الثلاث بشكل إجمالي في ثلاث نقاط:

النقطة الأولى إن النسخ لا يثبت بخبر الواحد إجماعا وقد تقدمت هذه المناقشة مرارا وتكرارا وهذه الروايات أخبار آحاد والمراد بالخبر الواحد كما ذكر في علم الدراية الخبر الذي لم يصل إلى حد التواتر يعني الخبر الظني وليس المراد بخبر الواحد الخبر الذي يرويه رجل واحد أو له سند واحد فالروايات المتواترة وهي التي تبلغ من الكثرة بحيث تقطع بعدم تواطأ المخبرين على الكذب فيها يقابل الخبر المتواتر وهو القطعي الخبر الظني وهو خبر الواحد الثقة.

لذلك يقسمون في علم الدراية خبر الواحد إلى ثلاثة أقسام الخبر القوي الخبر المستفيض وأولى الدرجات الخبر العادي الذي هو أدنى من الخبر القوي والخبر المستفيض هو الخبر الذي يبلغ من الكثرة لكنه لا يصل إلى درجة التواتر فهو من أقسام خبر الواحد الثقة.

النقطة الثانية لو ثبتت هذه الحرمة فمن قال إن هذه الحرمة قد ثبتت في نهاية عهد رسول الله "صلى الله عليه وآله" هذا أول الكلام قد تكون هذه الحرمة قد ثبتت في بداية التشريع ثم جاء الجواز بعدها فلو ثبتت الحرمة في زمن رسول الله "صلى الله عليه وآله" فهذا لا يكفي في الحكم بنسخ الآية الكريمة لجواز أن يكون هذا التحريم قبل نزول الآية الكريمة وقبل نزول وصدور الإباحة وقد استفاضت الروايات من طرق أهل السنة على حلية المتعة في الأزمنة الأخيرة من عهد رسول "صلى الله عليه وآله" إلى زمان خلافة عمر بل إلى أواخر خلافة عمر فإذا كان هناك ما يدل على حرمة المتعة في زمن رسول الله فهو مكذوب لأنه يخالف الروايات المستفيضة عند أهل السنة والصحيح أنه لم يثبت التحريم في عهد رسول الله لا في أول التشريع ولا في آخره.

النقطة الثالثة لو تنزلنا وسلمنا بمفاد الروايات الدالة على التحريم وقد ذكرنا الروايات الثلاث الذي رواها مسلم في صحيحه فهذه الروايات معارضة بالروايات الواردة عن أهل البيت "عليهم السلام" وهي روايات متواترة قطعية دلت على إباحة المتعة وأن النبي "صلى الله عليه وآله" لم ينهى عن المتعة أبدا.

ولمزيد من التبصرة نذكر جملة من الروايات وأكثرها مروي عن جابر بن عبد الله الأنصاري تدل على ثبوت المتعة في عهد رسول الله وأبي بكر وعهد عمر إلا أنها قد حرمت في نهاية خلافة عمر يذكر السيد الخوئي "رحمه الله" عشر روايات:

عشر روايات التي تدل على ثبوت المتعة في عهد رسول الله

الرواية الأولى روى أبو الزبير قال سمعت جابر بن عبد الله يقول كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام على عهد رسول الله "صلى الله عليه وآله" وأبي بكر حتى نهى عنه عمر ـ نهى عنه المقصود نكاح المتعة ـ في شأن عمرو بن حريث[6] .

هذه الرواية الأولى وكما تعلمون جابر بن عبد الله الأنصاري من صحابة النبي المعمرين وقد قال له رسول الله "صلى الله عليه وآله" (ستدرك حفيدي محمد الباقر وسيبقر العلم بقرا فأقرئه مني السلام)[7] وفي زمن الإمام الباقر وقد عاب عليه بعض العامة أنه يروي عن النبي "صلى الله عليه وآله" مباشرة مع أنه لم يدرك النبي "صلى الله عليه وآله" بل الإمام السجاد لم يدرك النبي "صلى الله عليه وآله" فأخذ الإمام الباقر يسند أحاديثه إلى جابر بن عبد الله الأنصاري لكي تكون رواياته عن النبي "صلى الله عليه وآله" مسندة لا مرسلة بنظر العامة وإن كان بناء على المبنى الإمامية الإمام الباقر لا يحتاج إلى إسناد إلى النبي "صلى الله عليه وآله" عنده مواريث الأنبياء والمرسلين عنده الجامعة عنده كتاب علي يأخذ العلم من أبيه الإمام السجاد عن جده سيد الشهداء عن علي عن النبي "صلى الله عليه وآله".

الرواية الثانية روى أبو نظرة قال كنت عند جابر بن عبد الله فأتاه آت فقال أبن عباس وابن الزبير اختلافا في المتعتين، طبعا عبد الله بن عباس مرضي عند الفريقين ثقة عند السنة والشيعة وأما عبد الله بن الزبير فهو من الحاقدين على أهل البيت والناصبين العداء لهم وقد جمع بعض بني هاشم وأراد إحراقهم في مكة وصلى أربعين جمعة يقول اللهم صلى على محمد وترا من دون أن يصلى على آل محمد وحينما قيل له لمَ لا تصلي على آل ولمَ لا تقول اللهم صلى على محمد وآل محمد؟ فقال إن له أهل بيت إذا ذكروا اشرأبت أعناقهم فمعروف بالعداء شكل الدولة الزبيرية وأمه أسماء ذات النطاقين بنت أبي بكر أخت عائشة وحينما أمير المؤمنين "سلام الله عليه" كبس الجيش وقطع أرجل الجمل ووقع ودخل على عائشة وكان عبد الله بن الزبير خلف الباب قال إن في بيتك لسخلا خلف الباب ولو شئت لقتله وزبير بن العوام والده يصير ابن عمة النبي وابن عمة أمير المؤمنين الزبير ابن العوام أمه صفية بنت عبد المطلب وقد ثبت الزبير مع أمير المؤمنين "عليه السلام" وكان احد أعضاء الشورى الستة الذين عينهم عمر بن الخطاب وكان مرشحا للخلافة واختار الإمام علي وكان الزبير بن العوام يقول فيه رسول الله "صلى الله عليه وآله" سيفه طالما كشف الهم والغم عن وجه رسول الله "صلى الله عليه وآله" من شجعان العرب حتى عبد الله بن الزبير من شجعان العرب وفي الرواية (ما زال الزبير منا بخير حتى ولد له ابنه المشئوم عبد الله)[8] فعبد الله بن الزبير ممن يرون حرمة المتعة وعبد الله بن العباس ممن يرون حلية المتعة.

روى أبو نظرة قال كنت عند جابر بن عبد الله فأتاه آت فقال أبن عباس وابن الزبير اختلفا في المتعتين متعة الحج ومتعة النساء فقال جابر فعلناهما مع رسول الله "صلى الله عليه وآله" ثم نهانا عنهما عمر فلم نعد لهما[9] .

الرواية الثالثة وروى أبو نظرة عنه أيضا عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال متعتان كانتا على عهد النبي "صلى الله عليه وآله" فنهانا عمر فانتهينا[10] .

الرواية الرابعة وروى أبو نظرة عنه أيضا جابر بن عبد الله بن الأنصاري تمتعنا متعتين على عهد النبي "صلى الله عليه وآله" الحج والنساء فنهانا عنهما عمر فانتهينا[11] .

الرواية الخامسة روى أبو نظرة عنه يعني عن جابر بن عبد الله قال قلت إن أبن الزبير ينهى عن المتعة وإن ابن عباس يأمر بها قال يقصد الذي قال جابر بن عبد الله الأنصاري على يدي جرى الحديث تمتعنا مع رسول الله "صلى الله عليه وآله" ومع أبي بكر فلما ولي عمر خطب الناس ـ تمتعنا مع رسول الله يعني في عهد رسول الله وليس المراد أن النبي تمتع وأن أبا بكر قد تمتع يعني مع عهد النبي ومع عهد أبي بكر ـ فلما ولي عمر خطب الناس فقال إن رسول الله "صلى الله عليه وآله" هذا الرسول وإن القرآن هذا القرآن وإنهما كانتا متعتان على عهد رسول الله وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما إحداهما متعة النساء ولا اقدر على رجل تزوج امرأة إلى اجل إلا غيبته بالحجارة[12] يعني ارجمه يعني عمر يقول من يتمتع ارجمه بالحجارة يعتبره سفاح ولا يعتبره نكاح.

الرواية السادسة وروى عطاء قال قدم جابر بن عبد الله معتمرا فجئناه في منزله فسأله القوم عن أشياء ثم ذكروا المتعة فقال نعم استمتعنا على عهد رسول الله وأبي بكر وعمر[13] واخرج ذلك احمد بن حنبل عن مسنده وزاد فيه حتى إذا كان في آخر خلافة عمر[14] .

إذن الروايات الست الأولى كلها مروية عن جابر بن عبد الله الأنصاري الرواية الأولى يروي عنه أبو الزبير والرواية السادسة يروي عنه عطاء وأما الروايات الأربعة الأخر من الرواية الثانية إلى الرواية الخامسة يروي عنه أبو نظرة.

الرواية السابعة روى عمران بن حصين قال نزلت آية المتعة في كتاب الله تبارك وتعالى وعملنا بها مع رسول الله فلم تنزل آية تنسخها ولم ينهى عنها النبي "صلى الله عليه وآله" حتى مات[15] وذكرها الرازي عند تفسيره الآية المباركة بزيادة ثم قال رجل برأيه ما شاء[16] يقصد عمر بن الخطاب.

الرواية الثامنة وروى عبد الله بن مسعود قال كنا نغزو مع رسول الله "صلى الله عليه وآله" ليس معنا نساء قلنا ألا نستخصي فنهانا عن ذلك ثم رخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل ثم قرأ عبد الله (يا أيها الذين أمنوا لا تحرموا ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين)[17] .

السيد الخوئي يعلق يقول أقول إن قراءة عبد الله الآية صريحة في أن تحريم المتعة لم يكن من الله ولا من رسوله وإنما هو أمر حدث بعد رسول الله "صلى الله عليه وآله"[18] يقصد أن عمر هو الذي احدث هذا التحريم وسيأتي الكلام أن عمر هل نسب التحريم إلى نفسه أم نسب التحريم إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله" من جملة المناقشات التي سيناقش فيها رواية ربيع بن سبرة يقول رأيت النبي بين الركن والمقام أو بين الباب والركن يحرم المتعة هذه لم يرويها إلا ابن سبرة ونسب التحريم إلى النبي وعمر بن الخطاب في الروايات عنه لم ينسب التحريم إلى النبي بل نسب التحريم إلى نفسه.

الرواية التاسعة روى شعبة عن الحكم بن عويينة قال سألته عن هذه الآية آية المتعة (فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة) الرواية صريحة سألته عن هذه الآية أمنسوخة هي؟ شعبة يروي عن الحكم بن عيينة يسأله قال لا قال الحكم قال علي لولا أن عمر نهى عن المتعة ما زنا إلا شقي[19] وروى القرطبي ذلك عن عطاء عن ابن عباس[20] أنه ما زنا إلا شقي لو لا تحريم عمر المتعة.

ما المراد بالشقي؟ السيد الخوئي يعلق أقول لعل المراد بالشقي في هذه الرواية هو ما فسر به هذا اللفظ في رواية أبي هريرة قال: (قال رسول الله "صلى الله عليه وآله" لا يدخل النار إلا شقي قيل ومن الشقي؟ قال الذي لا يعمل بطاعة ولا يترك لله معصية[21] ) يعني الحلال موجود بإمكانك تتزوجها لا يريد يزني بها.

الرواية العاشرة روى عطاء قال سمعت ابن عباس يقول رحم الله عمر ما كانت المتعة إلا رحمة من الله تعالى رحم بها أمة محمد "صلى الله عليه وآله" ولو لا نهيه لما احتاج إلى الزنا إلا شفا[22] ، الشفا في اللغة القليل يعني القليل الذي هم الأشقياء الحلال كله متوفر لديهم ولكنهم يعتادون الزنا.

هذا تمام الكلام في عرض عشر روايات من كتب السنة لا من كتب الشيعة تدل على جواز المتعة وأن المتعة كانت جائزة على عهد رسول الله.

إلى هنا تكلمنا عن الروايات الثلاث الدالة على حرمة المتعة عند السنة بشكل مجمل ويقع الكلام عن هذه الطوائف الثلاث بشكل مفصل وسيتضح أنها لا تدل على نسخ الآية الكريمة ثم إن الروايات التي استند إليها القائل بالنسخ على طوائف يأتي عليها الكلام.

 


logo