« فهرست دروس
الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق
بحث التفسیر

40/06/06

بسم الله الرحمن الرحيم

إبطال دعوى النسخ في المورد الحادي عشر

موضوع: إبطال دعوى النسخ في المورد الحادي عشر

 

المورد الحادي عشر من الموارد التي ادعي فيها النسخ الآيتان الكريمتان الخامسة عشر والسادسة عشر من سورة النساء وهي السورة الرابعة في القرآن الكريم قوله "عز من قائل":

﴿واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فامسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا﴾[1]

فقد دلت هذه الآية الأولى على أن من يأتي من النساء بفاحشة ويثبت ذلك يجب أن تحبس في البيت إلى أن تموت أو يجعل الله لها مخرجا أو سبيلا.

وأما الآية الثانية وهي الآية السادسة عشر فهي قوله تبارك وتعالى:

﴿واللذان يأتيانها منكم أي الفاحشة فأذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما إن الله كان توابا رحيما﴾[2]

فقد دلت الآية الثانية على أن من يأتي الفاحشة يجب إيذائه إلى أن يتوب ويصلح.

وتحقيق المسألة في أربع نقاط:

النقطة الأولى الأقوال في المسألة

وقد ذهب علماء أهل السنة في علوم القرآن إلى ثلاثة أقوال:

القول الأول إن الآية الأولى منسوخة بالآية الثانية فإن الآية الأولى قد دلت على أن من يأتي بفاحشة من النساء يجب أن تحبس حتى يتوفاها الله أو يجعل لها سبيلا بينما الآية الثانية دلت على وجوب إيذاء من يأتي بفاحشة فهي نسخت حكم لزوم الإمساك في البيوت حتى يتوفى الله من ارتكبت الفاحشة أو يجعل لها سبيلا.

وأما الآية الثانية التي أمرت بالإيذاء ويفهم منها مطلق الإيذاء فهي منسوخة بما دل على وجوب الجلد بالنسبة للبكر والرجم بالنسبة للثيب.

إذن الآية الأولى منسوخة بالثانية والآية الثانية منسوخة في البكر من الرجال والنساء إذا زنا بأن يجلد مئة جلدة وينفى عاما هذا بالنسبة إلى البكر وفي الثيب من النساء والرجال يجلد مئة ويرجم حتى يموت.

هذا القول الأول ذهب إليه عكرمة وعبادة بن الصامت في رواية الحسن عن الرقاشي عن عبادة بن الصامت

إذن القول الأول يرى النسخ غاية ما في الأمر أن الثانية نسخت الأولى ونسخت الثانية بما دل على جلد البكر ورجم الثيب إذا زنيا.[3]

القول الثاني إن الآية الأولى التي تأمر بوجوب إمساك من ارتكبت الفاحشة في البيت إلى أن تموت أو يجعل الله لها سبيلا إنما هي مختصة بالثيب. وأما الآية الثانية التي أمرت بالإيذاء فهي مختصة بالبكر وقد نسخت كلتاهما بحكم الجلد والرجم.

فتكون الآية الأولى ﴿واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فامسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا﴾ مختصة بالثيب وقد نسخت بما دل بالسنة القطعية على وجوب رجم الزاني المحصن.

وأما الآية الثانية ﴿واللذان يأتيانها منكم أي الفاحشة فأذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما إن الله كان توابا رحيما﴾ فهي مختص بالبكر وأمرت بإيذاء البكر وقد نسخت بقوله "عز وجل" ﴿الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مئة جلدة﴾[4] ذهب إلى هذا القول قتادة ومحمد بن جابر.

القول الثالث إن الآية الأولى التي تأمر بوجوب إمساك من ارتكبت الفاحشة إنما هي مختصة بالنساء مطلقا سواء كن من الأبكار أو كن ثيبات بينما الآية الثانية التي أمرت بإيذاء من يأتي الفاحشة مختصة بزنا الرجال سواء كان الرجل ثيبا أو بكرا. وقد نسخت كلتاهما بحكم الجلد والرجم يعني الآية الأولى مختصة بالنساء مطلقا ثيبا أو أبكارا ونسخت بحكم الجلد والرجم والآية الثانية مختصة بالرجال الزناة سواء كانوا من الأبكار أو الثيبات وأيضا قد نسخت هذه الآية بحكم الجلد أو الرجم.

الخلاصة والنتيجة النهائية

من مجمل هذه الأقوال الثلاثة نستنتج أن علماء السنة ذهبوا إلى نسخ الآية الخامسة عشر والسادسة عشر من سورة النساء وقد ذكرا أبو بكر الجصاص صاحب كتاب أحكام القرآن أن الأمة لم تختلف في نسخ هذين الحكمين عن الزانيين. [5]

أي حكمين؟

الحكم الأول وجوب حبس المرأة وإمساكها في البيوت إلى أن تموت أو يجعل الله لها سبيلا

الحكم الثاني وجوب الإيذاء من يأتي الفاحشة

وقد نسخ هذان الحكمان بحكمين آخرين وهما وجوب حد الرجم على الزاني والزانية المحصنين ووجوب حد الجلد مئة جلدة على الزاني والزانية غير المحصنين.

هذا تمام الكلام في بيان الأقوال في المسألة عند أهل السنة.

واتضح أنهم قد اتفقوا على نسخ الآيتين الكريمتين في أقوالهم الثلاثة.

النقطة الثانية الصحيح في المسألة وهو قول الإمامية والحق أنه لا يوجد نسخ في الآيتين الكريمتين جميعا.

بيان ذلك

إن المراد بلفظ الفاحشة الوارد في الآية الكريمة هو ما تزايد قبحه وتفاحش.

وما تزايد قبحه وتفاحش على ثلاثة أصناف:

الصنف الأول ما قد يكون بين رجلين وهو اللواط.

الصنف الثاني ما قد يكون بين امرأتين وهو السحق.

الصنف الثالث ما قد يكون بين رجل وامرأة بين ذكر وأنثى وهو الزنا والعياذ بالله.

إذن ما تزايد قبحه وتفاحش هو عبارة عن ممارسة الجنس غير المشروع إما بين رجلين أو بين امرأتين أو بين رجل وامرأة ولا ظهور للفظ الفاحشة في خصوص الزنا لا وضعا ولا انصرافا.

فمن قال إن العرب قد وضعوا خصوص لفظ الفاحشة لخصوص الزنا والعياذ بالله فلا تدل اللغة العربية على أن لفظة الفاحشة قد وضعت لخصوص الزنا ولا يوجد دليل على انصراف لفظ الفاحشة إلى خصوص الزنا بأن يقال إن الفاحشة في اللغة تطلق على مطلق ما تفاحش وازداد قبحه.

ولكن نتيجة لكثرة استعمال لفظ الفاحشة في الزنا حصل انصراف بحيث متى ما أطلق لفظ الفاحشة فإنه ينصرف إلى الزنا.

إذن لا ظهور للفظ الفاحشة في خصوص الزنا لا من ناحية الوضع اللغوي في اللغة العربية ولا من ناحية ظهور اللفظ في خصوص هذا المعنى.

النتيجة النهائية في النقطة الثانية

الحق والصحيح في المسألة أنه لا يوجد نسخ لأن كلتا الآيتين يحمل لفظ الفاحشة فيهما على مطلق الفاحشة لا على خصوص الزنا ودعوى النسخ إنما تتم فيما إذا حملنا هاتين الآيتين على خصوص موضوع الزنا فيتم نسخهما بما دل على وجوب جلد الزاني غير المحصن ووجوب رجم الزاني المحصن.

هذا تمام الكلام في النقطة الثانية.

النقطة الثالثة ما يتوقف عليه النسخ في الآية الأولى ومناقشته

الالتزام بدعوى تحقق النسخ في الآية الأولى وهي قوله "عز وجل":

﴿واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فامسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا﴾

دعوى النسخ في هذه الآية يتوقف على ثبوت أمرين وكلاهما مناقش وليس بتام:

الأمر الأول إن الإمساك في البيوت حد لارتكاب الفاحشة بحيث ارتفع هذا الحد الإمساك في البيوت وجاء مكانه حد آخر وهو حد الجلد أو الرجم.

الأمر الثاني أن يكون المراد من جعل السبيل في قوله "عز وجل" ﴿حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا﴾ أن يكون المراد بجعل السبيل هو ثبوت الرجم أو الجلد يعني هذه المرأة يجب حبسها في البيت إلى أن تموت إذا ارتكبت الزنا أو يجعل لها السبيل يعني ترجم أو تجلد ففي هذه الحالة يرتفع الحد الأول وهو وجوب الإمساك في البيت.

وكلا هذين الأمرين مناقش وليس بتام:

أما الأمر الأول وهو أن الإمساك في البيوت حد لارتكاب الفاحشة فإن الظاهر من الآية الكريمة أن إمساك المرأة في البيت إنما هو لتعجيزها لارتكاب الفاحشة مرة ثانية فمن اعتادت على ارتكاب الفاحشة والزنا والعياذ بالله. فإن إمساكها في البيت وحبسها في البيت يسهم في تعجيزها عن الإتيان بالفاحشة مرة أخرى وهذا من قبيل دفع المنكر.

وقد ثبت وجوب دفع المنكر بلا إشكال في عدة موارد وعلى عدة أقوال:

القول الأول يجوز حبس المرأة لدفع المنكر في خصوص الأمور المهمة والخطيرة كالشيء الذي يرتبط بالعرض والشيء الذي يرتبط بالنفس وهلاك النفس. هذه إذا تتركها تقتل روحها تنتحر يجب أن تحبسها لا تقتل روحها. هذه إذا تتركها تزني يجب أن تحبسها. ففي الأمور الخطيرة والمهمة يجب حبس المرأة هذا القول الأول.

القول الثاني يجب حبس المرأة في مطلق المنكرات لا في خصوص الأمور الخطيرة والمهمة جد.ا فلو مثلا أرادت أن تنزع حجابها أو ارتكاب عمل محرم معين.

طبعا هذا القول فيه خلاف أنه يجوز أن تمسك المرأة في البيت في مطلق المنكرات القدر المتيقن المتفق عليه أنه يجوز حبس المرأة في خصوص الأمور المهمة والخطيرة كالأمور المتعلقة بالعرض والنفس.

إذن الأمر الأول وهو ظهور الآية في أن الإمساك في البيوت حد للزنا ليس بتام بل ظاهر الآية الكريمة أن إمساك الزانية في البيت إنما هو من قبيل دفع المنكر لكي لا ترتكب الزنا والفاحشة مرة أخرى.

وأما الأمر الثاني وهو أن المراد من جعل السبيل للمرأة هو ثبوت حد الرجم أو الجلد فهذا من العجائب والغرائب ففرق بين السبيل للمرأة والسبيل على المرأة فالجلد والرجم سبيل للمرأة أو سبيل على المرأة هذا سبيل عليها والآية الكريمة تقول ﴿أو يجعل الله لهن سبيلا﴾ يعني إليهم طريق للخلاص. هذا ليس طريق للخلاص أن تجلدها أو تقتلها بالرجم.

فظاهر الآية من جعل السبيل للمرأة التي ارتكبت الفاحشة إنما هو جعل طريق للمرأة لكي تتخلص من عذاب الحبس في البيوت فكيف يكون التخلص من عذاب الحبس في البيوت الجلد أو الرجم وهل ترضى المرأة العاقلة التي أمسكت في بيت وحبست في بيت لكنها تعيش عيشة كريمة ومرفهة أن تجلد أو ترجم أنها تفضل البقاء في البيت محبوسة على أن تجلد أو ترجم وكيف يكون الجلد أو الرجم سبيلا للمرأة وإذا كان هذا سبيل للمرأة فما هو السبيل على المرأة.

هذا تمام الكلام في مناقشة المقدمتين التين يتوقف عليهما ثبوت النسخ في الآية الكريمة.

ويقع الكلام في النقطة الرابعة وهي ما هو المراد بالفاحشة في الآيتين الكريمتين وتفصيل ذلك.

أنه في المراد بالفاحشة في الآيتين يوجد عدة احتمالات:

الاحتمال الأول أن يكون المراد من الفاحشة في الآية الأولى خصوص المساحقة كما أن المراد بالفاحشة في الآية الثانية خصوص اللواط هذا الاحتمال الأول والسيد الخوئي "رحمه الله" يميل إلى هذا الاحتمال الأول.

الاحتمال الثاني أن يكون المراد بالفاحشة في الآية الأولى ما هو أعم من المساحقة والزنا لأن الآية الأولى واضحة في النساء واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم ما يدخل اللواط ففي الآية الأولى يراد الأعم من المساحة والزنا والآية الثانية يراد خصوص اللواط.

وعلى كلا هذين الاحتمالين يكون الحكم هو وجوب إمساك المرأة التي ارتكبت الفاحشة في البيت حتى يفرج الله عنها.

فيجوز لها الخروج في موارد:

المورد الأول إذا تابت توبة صادقة يؤمن معها من ارتكاب الفاحشة مرة ثانية.

المورد الثاني إذا سقطت المرأة عن قابلية ارتكاب الفاحشة لكبر سنها ومرضها ونحو ذلك صارت مقعدة.

المورد الثالث إذا مالت المرأة إلى الزواج وتزوجها رجل يتحفظ عليها.

المورد الرابع غير هذه الثلاثة من الأسباب التي يؤمن معها من ارتكاب الفاحشة.

فيكون هذا الحكم وهو لزوم ووجوب حبس المرأة في البيوت حكم مستمر وباق وهذا الحكم يختلف عن حكم الآخر وهو حكم الجلد أو الرجم فحكم الجلد والرجم شرع لتأديب مرتكبي الفاحشة بينما حكم الحبس في البيوت شرع للوقاية عن ارتكاب فاحشة أخرى فلا يكون حكم الجلد والرجم ناسخا لحكم الحبس في البيوت.

وبتعبير آخر إن الحكم الأول وهو الحبس في البيوت حكم وقائي وقد شرع للتحفظ عن الوقوع في الفاحشة مرة أخرى بينما حكم الجلد والرجم وهو الحكم الثاني هذا حكم عقابي شرع للتأديب على الجريمة الأولى وصونا لباقي نساء المجتمع عن ارتكاب مثل هذه الفاحشة.

فلا تنافي بين الحكمين لينسخ الأول بالثاني أو الثاني بالأول فإن الحكم الأول وهو الحبس في البيوت هذا حكم وقائي لكي لا ترتكب الفاحشة مرة أخرى بينما الحكم الثاني وهو الجلد أو الرجم هذا حكم تأديبي على الجريمة الأولى على الفاحشة الأولى.

نعم إذا ماتت المرأة بالرجم أو الجلد جلدوها ما تحملت ماتت رجموها ماتت ارتفع وجوب الإمساك في البيوت لتحقق غايته.

ما هي غاية الإمساك في البيوت؟

الوقاية من وقوع الفاحشة فإذا ماتت انتفى الموضوع بعد وقاية المرأة التي ارتكبت الفاحشة فإذا المرأة التي ارتكبت الفاحشة ماتت فطست ففي هذه الحالة يرتفع وجوب الإمساك وفيما سوى ذلك وهو بقائها على قيد الحياة يبقى الحكم الأول على ما هو عليه وهو وجوب إمساك المرأة وحبسها في البيت.

خلاصة النقطة الرابعة

المراد بالفاحشة في الآية الأولى يختلف عن المراد بالفاحشة في الآية الثانية:

فالآية الأولى إما مختصة بالمساحقة أو الأعم من المساحقة والزنا بينما الآية الثانية ناظرة إلى خصوص اللواط وإذا تأملنا في وجوب الإمساك ووجوب الجلد أو الرجم يتضح أن الحكم الأول وهو وجوب الإمساك حكم وقائي

بينما الحكم الثاني وهو وجوب الجلد أو الرجم هو حكم تأديبي فلا يوجد ما يوهن تحقق النسخ سواء تقدمت الآية الأولى على الثانية أو الثانية على الأولى.

هذا تمام الكلام في النقطة الرابعة.

النقطة الخامسة والأخيرة ما يتوقف عليه النسخ في الآية الثانية ومناقشته:

أما القول بالنسخ في الآية الثانية وهي قوله "عز وجل":

﴿واللذان يأتيانها منكم فأذوهما فإن تابا وأصلحها فاعرضوا عنهما إن الله كان توابا رحيما﴾ فقد يقال إن الأمر بالإيذاء قد نسخ بحكم الجلد والرجم. فيكون النسخ في الآية الثانية يتوقف على أمرين:

الأمر الأول أن يراد بالضمير في قوله تعالى يأتيانها هو خصوص فاحشة الزنا لأن حكم الجلد والرجم هذا حد للزنا وليس حد للواط حد اللواط الضرب بالسيف أو الإحراق أو يلقى من شاهق أو يهدم عليه جدار بينما حد الزنا هو الرجم أو الجلد.

الأمر الثاني أن يراد بالإيذاء الشتم والسب والتعيير وغير ذلك ولا يراد بالإيذاء خصوص الجلد أو الرجم فلا تكون الآية منسوخة.

إذن لكي يثبت النسخ في الآية الثانية لابد من ثبوت أمرين:

الأول أن يراد بالضمير في قوله تعالى يأتيانها الزنا

والثاني أن يراد بالإيذاء الشتم والسب والتعيير وغير ذلك مما عدى الجلد والرجم.

وكلا هذين الأمرين مناف لظهور الآية الكريمة مع أنه لا دليل عليهما ولكن هناك منافاة للظهور.

بيان ذلك في ثلاث نقاط:

النقطة الأولى تكرر ضمير الجمع المخاطب ثلاث مرات نسائكم منكم منكم اثنان تكررا في الآية الأولى والثالث في الآية الثالثة فلابد أن يكون المراد من هذه الثلاثة أمرا واحدا.

الآية الاولى لاحظ الآية حتى نرى ضمير الجمع المخاطب ﴿واللاتي يأتين الفاحشة من نساءكم﴾، نسائكم ضمير جمع مخاطب هنا من نسائكم موجه إلى الرجال هذا الضمير الأول ﴿فاستشهدوا عليهن أربعة منكم﴾، منكم من الرجال وإلا لقال منكن هذا الضمير الثاني.

إذن في الضميرين الأوليين واضح الرجال ﴿فإن شهدوا فامسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا﴾.

الآية الثانية ﴿واللذان يأتيانها منكم هنا منكم﴾ هذا ضمير الجمع المخاطب

هل يراد به الرجال أو يراد به النساء؟

بقرينة وحدة السياق ضمير الجمع المخاطب في الأمور الثلاثة شيء واحد فإذا ثبت أن ضمير الجمع المخاطب في المورد الأول من الآية الأولى والمورد الثاني من الآية الأولى ثبت أن المخاطب هو الرجال في هذه الحالة لابد أن يكون المراد بالثالث هو نفس المراد من الأول والثاني ومن الواضح أنه في المورد الأول والثاني هو خصوص الرجال فيكون المراد من الاسم الموصول في الآية الثانية ﴿واللذان يأتيانها منكم﴾ إذا منكم رجال يصير واللذان هذا الاسم الموصول يصير المراد به الرجال ﴿واللذان يأتيانها منكم﴾ إذا صار رجال الاسم الموصول فتصير الآية ناظرة إلى اللواط واللذان كلاهما يعني الرجلين اللذان يأتيانها يعني يأتيان الفاحشة منكم فيكون المراد بالفاحشة في الآية الثانية خصوص اللواط ولا يراد بالفاحشة في الآية الثانية ما يعم الرجل والمرأة حتى يصير الأعم من اللواط والزنا.

النقطة الثانية لو قلنا إن تثنية الضمير اللذان يأتيانها لم تقل والذين يأتونها واللذان يأتيانها لو قلنا إن تثنية الضمير لا يراد به الرجلان في هذه الحالة لا يوجد للآية وجه صحيح وكان الأولى لو أريد الجمع أن يعبر بما عبر في الآية الأولى ﴿واللاتي يأتين الفاحشة﴾ فلو لم يرد الرجال من التثنية لكان إما أن يعبر إذا مجموعة رجال يقول واللذين يأتونها وإذا مجموعة نساء واللاتي يأتين فإذا كان المراد من الضمير التثنية ليس الرجال فلابد أن يكون تعبير الآية الثانية كتعبير الآية الأولى ﴿واللاتي يأتين الفاحشة﴾.

وفي اختلاف التعبير بين الآية الأولى واللاتي يأتين الفاحشة وفي الآية الثانية واللذان يأتيانها منكم دلالة قوية على أن المراد من الفاحشة في الآية الثانية هو خصوص اللواط لا خصوص الزنا ولا الأعم من الزنا واللواط بل يراد بالآية الثانية خصوص اللواط.

إذا تم هذا المعنى وهو أن موضوع الآية الثانية خصوص اللواط حكم اللواط وحد اللواط هو الضرب بالسيف أو الإلقاء من شاهق أو الإحراق بالنار وليس حكم اللواط هو الجلد أو الرجم.

فإذا تم هذا الكلام في الآية الثانية وهو أن الموضوع هو اللواط فلا يتم النسخ لأن صار موضوع الآية أجنبي صارت الآية الأولى تتكلم عن زنا النساء أو مساحقة النساء الآية الثانية تتكلم عن اللواط. إذا الآية الثانية تتكلم عن اللواط لا معنى لنسخ حد اللواط بحد الزنا الموضوع مختلف الآية الثانية موضوعها اللواط والحد موضوعه الزنا وهما موضوعان مختلفان.

هذا تمام الكلام في النقطة الثانية.

النقطة الثالثة لو سلمنا دخول الزاني في موضوع الحكم في الآية بأن حملنا الآية على مطلق الفاحشة سواء كانت زنا أو لواط أو سحاق واللذان يأتيانها يعني يأتين الفاحشة مطلقا في هذه الحالة لو حملنا الفاحشة في الآية الثانية على مطلق الفاحشة ودخل فيها الزاني فلا دليل على إرادة إيذاء خاص في هذه الآية فآذوهما فيها إطلاق يعني مطلق الأذى ومطلق الأذى يشمل الرجم ويشمل الجلد فإن الجلد إيذاء للزاني والرجم إيذاء للزاني فلا نقول إنما دل على حد الرجم أو حد الجلد ناسخ للآية التي أمرت بالمطلق الإيذاء إلا إذا دل دليل خاص على إرادة إيذاء خاص ولا دليل على ذلك إلا ما روي عن ابن عباس أن المراد بالإيذاء التعيير وضرب النعال[6] . وهذا ليس بحجة لأنه خبر واحد وخبر الواحد لا يثبت به النسخ.

فالظاهر حمل اللفظ على ظاهره.

ما هو ظاهر اللفظ؟

مطلق الإيذاء ثم تقييد ظاهر اللفظ ومطلق الإيذاء بما دل على الجلد وهي آية الزنا وما دل على الرجم وهو السنة المتواترة القطعية الدالة على رجم الزاني غير المحصن.

الخلاصة لا موجب للالتزام بالنسخ في الآيتين الكريمتين إلا أحد سببين:

الأول التقليد المحض

الثاني الاعتماد على أخبار الآحاد التي لا تفيد علما ولا عملا

الآية الثانية عشر التي ادعي نسخها يأتي عليها الكلام.

 


logo