« فهرست دروس
الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق
بحث التفسیر

40/03/02

بسم الله الرحمن الرحيم

مناقشة القسم الثاني من الآيات التي استدل بها على أن النبي (ص) لم يأت بمعجزة أخري غير القرآن

موضوع: مناقشة القسم الثاني من الآيات التي استدل بها على أن النبي (ص) لم يأت بمعجزة أخري غير القرآن

 

قال السيد الخوئي "رحمه الله" ومن الآيات التي استدل بها الخصم على نفي المعجزات للنبي غير القرآن قوله تعالى ﴿وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا﴾.

كان الكلام في الدعوى التي ادعت أن النبي محمد “صلى الله عليه وآله” لم يأتي بمعجزة غير القرآن الكريم فقد اختص رسول الله “صلى الله عليه وآله” بالقرآن الكريم ولم يستطع أن يأتي بمعجزة أخرى غير القرآن والسر في ذلك أن المعاجز الأخرى قد كذب بها الأولون وبالتالي لن يأتي بها رسول الله “صلى الله عليه وآله” لمكان تكذيب الأولين لهذه المعاجز.

استدل على هذه الدعوى بعدة آيات تكلمنا فيما سبق عن الآية الأولى التي استدل بها على هذه الدعوى وتمت مناقشتها.

اليوم إن شاء الله نتطرق إلى آيات أخر ادعي أيضا أنها تدل على أن النبي لم يتمكن من الإتيان بمعجزة أخرى غير القرآن الكريم هذه الآيات تضمنت ستة أمور ثلاثة من هذه الأمور غير ممكنة أصلا وثلاثة من هذه الأمور ممكنة إلا أن الإتيان بها لا يستلزم صحة دعوى النبوة والمراد بالمعجز الأمر الخارق للعادة الذي يؤتى به كشاهد على صدق دعوى النبوة هذه الآيات كما يلي:

قوله عز من قائل ﴿وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا﴾[1] إذن الأمر الأول تفجير ينبوع من الأرض.

الآية الثانية ﴿أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا﴾[2] هذه الآية الثانية أن تكون لك جنة بستان فيه من كل الثمرات ويجري النهر خلالها هذا أيضا أمر ممكن.

الآية الثالثة ﴿أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا أو تأتي بالله والملائكة قبيلا﴾[3] إذن الآية الثالثة إسقاط كسفا من السماء قطعا من السماء.

الآية الرابعة ﴿أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء ولم نؤمن لرقيك﴾[4] إذن الآية الرابعة الرقي والسماء.

الآية الخامسة ﴿ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرأه قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا﴾[5] هذا هو رد النبي “صلى الله عليه وآله”.

تقريب استدلال الخصم

إن المشركين قد دعوا النبي “صلى الله عليه وآله” إلى إقامة معجزة تكون شاهدة على صدق دعواه فذكروا له هذه الأمور الستة لكي تكون شاهدة على صدق دعواه لكنهم امتنعا عن الإتيان بالستة أو أحدها واعترف لهم بالعكس فقال سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا فهو لم يثبت لنفسه إلا البشرية وأنه بشر قد أرسل إلى الناس فالآيات دالة على نفي صدور المعجزة عن النبي “صلى الله عليه وآله”.

الجواب أولا وثانيا

الأمر الأول تقدم فيما سبق أن الآيات والمعاجز إما أن تكون ابتدائية يأتي بها النبي بها ابتداء كموسى "عليه السلام" ابتداء رفع يده فكانت بيضاء للناظرين وألقى عصاه وإذا هي حية تسعى والقسم الثاني الآيات والمعاجز الاقتراحية التي يقترحها القوم ﴿سأل سائل بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع من الله ذي المعارف﴾[6] هم يطلبون كما في ناقة صالح هم اقترحوا على صالح أن يخرج لهم الناقة من سفح الجبل ومن الواضح أن هذه الآيات الست والمعاجز الست التي ادعيت وذكرت في الآيات هي من الآيات الاقتراحية التي اقترحها قوم النبي “صلى الله عليه وآله” وليست من الآيات الابتدائية ومن الواضح أن الآيات الاقتراحية كانت في مقام العناد هذه الآيات الست الاقتراحية كانت في مقام العناد ويدل على أنها في مقام العناد أمران:

الأمر الأول لو كان تصديقهم للنبي “صلى الله عليه وآله” متوقفا على أحد هذه الأمور الست الذي اقترحوها ولو كانوا غير معاندين للحق لما حصروا أنفسهم بهذه الآيات الست ولو اكتفوا بأي آية تدل على صدق النبي “صلى الله عليه وآله” ولم تكن لهذه الأمور ستة خصوصية في قبول دعوة النبي “صلى الله عليه وآله” ولكنهم أصروا على هذه الستة وقالوا لم نؤمن لك حتى تأتي بواحد من هذه الأمور فلو كانوا يطلبون الرشاد والحقيقة لكتفوا أن يأتي النبي بآية تدل على صدق دعواه ولما قالوا لن نؤمن لك حتى تأتي بإحدى هذه الآيات إذن حصر مقترحاتهم في هذه الأمور الستة يكشف عن عنادهم هذا الأمر الأول.

الأمر الثاني الذي يكشف عنادهم قوله عز من قائل على لسانهم ﴿أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك﴾ يعني حتى تصعد للسماء لا نؤمن بك قيد رقي النبي إلى السماء ﴿حتى تنزل علينا كتابا نقرأه﴾ والمراد بالكتاب الذي يقرؤونه يعني كتاب بخط الله “عز وجل” وليس المراد كتاب يأتي به النبي كتاب يكتبه الله تبارك وتعالى هذه دعواهم فلو كانوا جادين ويطلبون الحقيقة لاكتفوا برقي النبي إلى السماء ولم يقيدوا رقي النبي لإنزال الكتاب فنفس الرقي إلى السماء آية على صدق النبي “صلى الله عليه وآله” فهذه التشكيكات التي يعبر عنها السيد الخوئي التشكيكات الباردة فيها دلالة واضحة على جدلهم وعنادهم وتمردهم على الحق.

إلى هنا تم الجواب الأول

الجواب الأول إن هذه الآيات آيات اقتراحية تكشف عن عناد القوم ولا يجب على النبي أن يستجيب لها يجب على النبي أن يأتي بالآيات الابتدائية التي تثبت صدق دعواه للنبوة ولا يجب عليه أن يجيب أي طلب يقترحونه حتى لو كان عن عناد فإن طلبهم فيه مؤنة زائدة الذي يجب على النبي إثبات صدق دعواه إثبات صدق دعواه يتحقق بالإتيان بالمعجزة حتى المعجزة التي لم يقترحوها وأما الاستجابة للآيات والمعاجز التي يقترحونها فهذا ليس بواجب على النبي “صلى الله عليه وآله” بل قد يكون الإتيان بها مستحيل أو لا يفيد وهذا ما سيأتي في الجواب الثاني.

الجواب الثاني تحليل لهذه الآيات الست المقترحة فهذه الآيات الاقتراحية الستة التي اقترحها المشركون ثلاثة منها مستحيل وثلاثة منها ممكن لكنه لا يثبت صدق دعوى النبوة.

فتكون النتيجة النهائية إن هذه الآيات الست لا تشكل معاجز لأن المراد بالمعجزة الأمر الخارق للعادة الموافق لدعوى المدعي الذي يؤتى بها كشاهد على صدق دعوى النبوة هذه الآيات ثلاثة منها مستحيلة الوقوع وثلاثة منها غير مستحيلة لكنها لا تدل على صدق المدعي للنبوة.

أما الثلاثة التي يستحيل وقوعها ليس المراد الاستحالة الذاتية وإنما استحالة الوقوع، الآية الأولى ﴿أن تسقط السماء عليهم كسفا﴾ فإن هذا يلازم خراب الأرض وانتهاء الدنيا وهلاك أهلها وهذا إنما يكون في الآخرة ولا يكون في الدنيا وقد اخبرهم النبي “صلى الله عليه وآله” عنها ويدل عليه قوله “عز وجل” ﴿كما زعمت﴾ قد تقول لا ملازمة بين سقوط كسف السماء عليهم وهلاك الدنيا فيمكن أن تسقط الكسف من السماء على منطقة فتبيد المنطقة فقط وهي مكة المكرمة آنذاك ولا تبيد المدينة المنورة والمناطق الأخرى فسقوط كسف السماء على منطقة لا يلازم هلاك جميع المناطق وإنما يستلزم هلاك خصوص المنطقة التي سقطت عليها كسف السماء.

والجواب ليس هذا هو منظوره بل منظورهم فناء الدنيا والقرينة الدالة على ذلك نسبتهم ذلك إلى النبي كما زعمت يعني أنك زعمت أنه تفنى الدنيا وتأتي الآخرة فالآية الكريمة تقول هكذا ﴿أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا أو تأتي بالله والملائكة قبيلا﴾ فمرادهم إما أن تحظر لنا الله والملائكة وإما أن تسقط علينا السماء كسفا كما زعمت لو لم يذكروا قيد كما زعمت يصير هذا الاحتمال وارد أن تنزل كسف من السماء على مكة فتبيد مكة وتبقى المناطق الأخرى لكن من قولهم كما زعمت إشارة لما ذكره النبي من آيات كثيرة حول هلاك الدنيا وبدء النشأة الأخرى كقوله عز من قائل ﴿إذا السماء انشقت﴾ ﴿إذا السماء انفطرت﴾ ﴿إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفا من السماء﴾ والمراد هلاك وخراب الدنيا.

ومن الواضح إن حكمة الله “عز وجل” تقتضي بقاء الخلق إلى أن يأتي اليوم الموعود وليس من حكمة الله “عز وجل” أن يفني الدنيا ويهلك الجميع بسبب اقتراح قوم معتوهين لا يشخصون صالحهم من طالحهم إذن الآية الأولى التي ادعوها يستحيل وقوعها لأنها تستلزم هلاك الدنيا وزوال الدنيا.

الآية الثانية واضحة استحالتها أن يقابلوا الله وأن يأتي إليهم الله “عز وجل” وينظروا إلى الله “عز وجل” وهذا ممتنع لأن الله “عز وجل” لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار الله “عز وجل” ليس محدودا بجهة وليس بجسم يرى بالعين المجردة وليس له لون أو طعم أو رائحة وغير ذلك تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا لذلك ما سيأتي في الآيات سبحان الله يعني ينزه الله عن ما ذكرتهم.

الآية الثالثة التي يستحيل وقوعها تنزيل كتاب من الله ووجه الاستحالة أنهم أرادوا أن يأتيهم النبي بكتاب كتبه الله “عز وجل” بيديه وليس مرادهم أن ينزل كتاب ما فقد يقول هذا كتابك يا محمد وإنما أرادوا كتاب من الله يعني كتبه الله “عز وجل” بيديه وهذا غير معقول لأن الله “عز وجل” ليس بجسم ولا يحد بحد ولو كان مرادهم أي كتاب وكان بالإمكان أن يؤتى لهم بكتاب أرضي ولا داعي إلى هذا الطلب إذن الطلب الذي طلبوه وهو أن يأتي لهم بكتاب كتبه الله “عز وجل” هذا أيضا مستحيل لأنه يستلزم أن يكون الله جسما ذا جارحة والله “عز وجل” منزه عن الجوارح وتعالى عن ذلك علوا كبيرا، هذا تمام الكلام في الأمور الثلاثة المستحيلة.

وهناك أمور ثلاثة ليست مستحيلة يمكن أن تقع وهذه الأمور الثلاثة يمكن أن تقع لأي إنسان مليونير ملياردير يمكن أن تقع له هذه الأمور الثلاثة ما هي ولا تدل على صدق مدعى النبوة:

الأمر الأول أن يفجر الينبوع من الأرض يمكن واحد يحفر بئر ويخرج الماء ممكن هذا.

الأمر الثاني كون النبي “صلى الله عليه وآله” مالك لجنة من نخيل وعنب مفجرة الأنهار يعني حدائق عنب وبينها الأنهار.

الأمر الثالث كون النبي يملك بيتا من زخرف بيت مزخرف.

هذه الأمور الثلاثة تفجير الينبوع والعين أن تكون له جنة أن يكون له بيتا مزخرفا لا يرتبط بدعوى النبوة وكثيرا ما تتحقق على يد كثير من الناس تجار ملوك بل بعض المتمكنين وإن لم يعد من الطبقة الأولى من الأثرياء وتحصل للمؤمن ولغير المؤمن ولا ترتبط بإثبات صدق دعوى النبوة وبالتالي الإتيان بها من قبل النبي يشكل عبثا ولغوا لا طائل من وراءه.

إشكال قد يقال هذه الأمور الثلاثة الإتيان بها لا يثبت صدق دعوى النبوة إذا جيء بها بالطرق العادية والمألوفة كما لو عمل القصر أو الينبوع أو الجنة بيده أو بأمواله وإنما الكلام فيما إذا عملت هذه الأمور بطرق غير طبيعية كما لو دعا فتفجر الماء ودعا على الصحراء فأصبحت جنة خضراء أو دعا في أرض فأصبحت قصرا منيعا مشيدا ففي هذه الحالة لا شك ولا ريب إنها تدل على صدق دعوى النبي وتدل على صدق دعوى النبوة.

الجواب هذا الكلام صحيح إذا النبي جاء بهذه الأمور الثلاثة أو أحدها بطريق غير طبيعي فهذا يدل على صدق دعواه ولكن ليس هذا هو مطلوب المشركين مطلوب المشركين أن تحصل النتيجة بأي طريق اتفق يعني أن يأتي بجنة خضراء سواء بأمواله وتمكنه وبالطرق العادية أو بطرق اعجازية والقرينة على ذلك أنهم في آيات أخر كانوا يستنكرون أن يكون النبي فقيرا فكان نظرهم أن النبي لابد أن يكون من علية القوم ومن المتمولين فذكروا هذه الأمور الثلاثة لأنها تشير إلى تمكن الرجل أن يكون لديه بناء مزخرف أن تكون له جنة أن يكون له نبع ماء عادة المتمول وعزيز قومه أو الشخص الثري أو الشخص الوجيه تكون له هذه الأمور.

القرينة على ذلك قوله “عز وجل” على لسانهم ﴿وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم﴾[7] والمراد بالعظمة هنا الثراء أن تكون له مكانة ويقال في التاريخ قلما ساد فقير وقد ساد أبو طالب وهو فقير عادة الذي يصبح سيد القوم عنده أموال الفقير ما يصير سيد قومه نعم أبو طالب والد الإمام علي "سلام الله عليه" كان سيد البطحاء سيد قريش مع فقره والده عبد المطلب كان سيد البطحاء لكن ما كان فقيرا لكن أبو طالب كان سيد البطحاء وكان فقيرا.

الشاهد هنا كانوا ينظرون إلى أن الذي يأتي ويدعي النبوة لابد أن يكون ذا مال كثير ويدلنا على ذلك أنهم قيدوا طلبهم بأن تكون الجنة والبيت من الزخرف للنبي دون غيره يعني يختص بهذا الشيء لاحظ الآية الكريمة ﴿أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك إلى آخر الآية الكريمة﴾ أن يكون لك بيت في التقديم تارة يقول بيت لك وأحيانا لك بيت التقديم هنا يدل على الاختصاص مثل ﴿إياك نعبد﴾ لم يقل نعبد إياك نعبد إياك تنسجم مع عبادة غيره ولكن إياك نعبد يعني نحصر العبادة بك ونحصر الاستعانة بك ﴿وإياك نستعين﴾ فهنا من حصرهم للبيت المزخرف بالنبي هذا يدل على أنهم يرون أنه لابد أن يكون ثريا متميزا عن غيره.

الآية الكريمة في الأخير تنزه الله “عز وجل” ﴿قل سبحان الله ربي هل كنت إلا بشرا رسولا الله﴾ “عز وجل” في هذه الآية الكريمة على لسان النبي “صلى الله عليه وآله” ﴿قل سبحان ربي﴾ التسبيح والتنزيه ينزه رب الأرباب عن التجسيم وينزهه عن أنه غير قادر على أي أمر ممكن وأنه منزه عن الرؤية والمقابلة ومنزه من أن يحكم عليه بحكم بسبب اقتراح المقترحين وأن النبي “صلى الله عليه وآله” محكوم بأمر الله وليس محكوم بأمر هؤلاء التافهين، هذا تمام الكلام في القسم الثاني من الآيات التي استدل بها على حصر معجزة النبي بالقرآن الكريم وعدم استطاعته الإتيان بمعاجز أخرى فتضح أنها لا تدل على المدعى.

القسم الثالث من الآيات ومن الآيات التي استدل بها القائلون لنفي المعجزات للنبي عدا القرآن قوله تعالى ﴿لولا انزل عليه آية من ربه﴾[8] يأتي عليها الكلام.

 


logo