« فهرست دروس
الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق
بحث التفسیر

40/02/26

بسم الله الرحمن الرحيم

حول سائر المعجزات

موضوع: حول سائر المعجزات

 

حول سائر المعجزات

إثبات المعجزات بالبراهين المنطقية

محاسبة المدارك التي استند إليها منكر تلك المعجزات

بشارة التوراة والإنجيل بنبوة محمد “صلى الله عليه وآله”

إسلام كثير من اليهود والنصارى

الدليل القطعي على إثبات هذه البشارة

معجزات النبي أولى بالتصديق من معجزات الأنبياء السابقين.

 

ذكرنا فيما سبق

أن القرآن الكريم هو معجزة النبي محمد “صلى الله عليه وآله” الخالدة وأن نبوة النبي “صلى الله عليه وآله” هي النبوة الخاتمة ولا يشك الباحث في التاريخ أن النبي “صلى الله عليه وآله” كانت له معجزات أخرى غير القرآن الكريم كشق القمر وتكليم الشجر وما شاكل ذلك مما هو مذكور في الكتب التاريخية إلا أن معجزة النبي “صلى الله عليه وآله” المتمثلة في القرآن الكريم فاقت بقية المعجزات وبما أن نبوة النبي هي النبوة الخاتمة وأن النبي “صلى الله عليه وآله” هو أفضل الأنبياء والمرسلين فلابد أن تكون معجزته هي أفضل المعجزات وأكبر المعجزات لذلك اتسمت بالبقاء والخلود بخلاف معجزات الأنبياء السابقين فإنها كانت مؤقتة بزمانهم وأما القرآن الكريم فهو المعجزة الخالدة التي لم تختص بزمن النبي “صلى الله عليه وآله” فقط بل استمرت من زمن النبي “صلى الله عليه وآله” إلى يومنا هذا إلى يوم يبعثون.

والخلاصة معجزة النبي “صلى الله عليه وآله” لا تختص بالقرآن الكريم فله معجزات أخر إلا أن معجزة النبي المتمثلة بالقرآن الكريم هي أفضل المعجزات وبما أن النبي خاتم الأنبياء وأفضل الأنبياء فلابد أن تكون معجزته هي أفضل معجزة وأقوى معجزة بل بمقتضى أفضليته “صلى الله عليه وآله” لابد أن يكون قادرا على الإتيان بجميع معجزات الأنبياء السابقين وزيادة فالطبيب إذا كان أفضل الأطباء فهذا يعني أنه يستطيع أن يأتي بما يأتي به الأطباء وزيادة ولا معنى لكون الطبيب أفضل الأطباء وأحذقهم وأدقهم والحال إن بعض الأطباء يستطيع أن يأتي بعملية لا يقدر عليها هذا الطبيب الذي ادعيت له هذه الأفضلية.

والدليل على أن النبي “صلى الله عليه وآله” كانت معجزته القرآن الكريم هي أفضل المعجزات وتفوق معجزات جميع الأنبياء على الرغم من قدرته بالإتيان بجميع معاجز الأنبياء إلا أن القرآن الكريم قد تفوق عليها

الدليل على ذلك أمران:

الأمر الأول أخبار المسلمين المتواترة

والدليل الثاني حكم العقل القطعي.

أما الدليل الأول

وهو أخبار المسلمين المتواترة على أن النبي “صلى الله عليه وآله” قد صدرت منه معجزات أخرى غير القرآن الكريم فقد ألف المسلمون على اختلاف مللهم ونحلهم كتبا في بيان هذه المعجزات ودونك كتاب مدينة المعاجز للعلامة الحجة السيد هاشم التوبلان البحراني "أعلى الله مقامه الشريف" ولعله سبعة أجزاء يذكر فيها كرامات ومعجزات النبي “صلى الله عليه وآله”.

والأخبار التي ذكرت في معاجز النبي فيها حيثيتان هامتان تجعل أخبار المسلمين متفوقة على أخبار أهل الكتاب.

الحيثية الأولى والجهة الأولى قرب الزمان

فإن المخبرين عن هذه المعجزات التي صدرت عن النبي “صلى الله عليه وآله” كانوا من الصحابة والمعاصرين للنبي “صلى الله عليه وآله” ومن الواضح أن إخبار المخبر بخبر قد وقع في زمانه إنما هو إخبار حسي وليس إخبارا حدسيا ولكما قرب الزمن كلما ضعف احتمال الاشتباه والخطأ.

الحيثية الثانية والجهة الثانية كثرة الرواة

فإن أصحاب النبي الذين رووا عن النبي “صلى الله عليه وآله” المعجزات وشاهدوها بلغوا من الكثرة ما بلغوا بخلاف بني إسرائيل والحواريين الذين آمنوا بعيسى والذين نقلوا لمعجزات موسى وعيسى "على نبينا وعليهما أفضل الصلاة والسلام" فإن الحواريين قلة على عدد الأصابع وهكذا كان المؤمنون من بني إسرائيل لموسى قلة فلو ادعي التواتر في نقل معجزة توراة موسى أو نقل معجزة إنجيل عيسى فإن الطبقة الأولى وهي الطبقة المعاصرة لموسى وعيسى لم تبلغ حد التواتر فلو سلمنا بوجود تواتر في نقل أخبار معجزات الأنبياء "عليهم السلام" فإن الطبقة المعاصرة للأنبياء لا يوجد فيها تواتر بخلاف طبقة أصحاب النبي “صلى الله عليه وآله” فإن إخبارهم يشكل أخبارا متواترة فإذا ادعي لسائر الأنبياء وجود تواتر في نقل معجزاتهم فمن باب أولى يثبت التواتر بالنسبة إلى نقل معجزات النبي “صلى الله عليه وآله” الأخرى غير القرآن الكريم ووجه الأولوية أن التواتر وحد التواتر متحقق في الطبقة المعاصرة للنبي “صلى الله عليه وآله” ولم يتحقق بالنسبة إلى الطبقة المعاصرة لموسى وعيسى "على نبينا وعليهما أفضل الصلاة والسلام"على أن السيد الخوئي "رحمه الله" ينكر وجود تواتر بالنسبة إلى نقل معجزات الأنبياء السابقين فهو لا يسلم بوجود تواتر في كل طبقة طبقة فإن فتوراة موسى وإنجيل عيسى "عليهما السلام" لم ينقلا بالتواتر بحيث في كل طبقة تبلغ من الكثرة بحيث يمتنع تواطئهم على الكذب.

ثم يقول لو سلمنا جدلا بوجود تواتر في نقل المعجزات ـ تواتر نقل المعجزات هذا أعم كما يشمل الإنجيل يشمل سائر معجزات عيسى "عليه السلام" كما يشمل التوراة يشمل سائر معجزات موسى "عليه السلام" يقول لو نقلت معجزات الأنبياء السابقين بالتواتر في كل طبقة لكانت دعوى التواتر بالنسبة إلى نقل معجزات النبي محمد “صلى الله عليه وآله” الأخرى من باب أولى ووجه الأولوية هو أن الطبقة المعاصرة للنبي “صلى الله عليه وآله” قد بلغت حد التواتر بخلاف الطبقة المعاصرة والمعاينة لمعجزات موسى ومعجزات عيسى لم تبلغ حد التواتر.

هذا تمام الكلام في الدليل الأول أخبار المسلمين المتواترة.

الدليل الثاني

ضرورة العقل فإن العقل يحكم لأنه إذا ثبت أن شخصا من الأشخاص هو أفضل الجميع فبمقتضى هذه الأفضلية يثبت ما للجميع من كمال لهذا الشخص وزيادة هذا هو مقتضى الأفضلية.

فإذا قيل أن الطبيب الفلاني هو احذق الأطباء فإن العقل بحكم ضرورته يقضي باستحالة أن يثبت لطبيب أمر ولا يثبت للطبيب الحاذق ونحن ندعي أن نبي الإسلام محمد بن عبد الله “صلى الله عليه وآله” قد اثبت للأنبياء السابقين معجزات كثيرة وأنه ادعى أنه أفضلهم وخاتمهم فإذا ثبتت خاتميته وأفضليته على جميع الأنبياء فهذا يقتضي صدور وإن كان صدور تلك المعجزات الثابتة للأنبياء السابقين على يديه على وجه أتم فلا يعقل أن يكون أفضل الأنبياء ولا يستطيع أن يأتي بمعجزة جاء بها الأنبياء السابقون عليه.

إذن الوجه الثاني الدليل الثاني الضرورة العقلية فإن العقل يحكم بضرورة إمكانية ثبوت جميع المعجزات السابقة للنبي “صلى الله عليه وآله”.

إذا لاحظنا هذه الجهة من الجيد أن نلتفت إلى جهة موجودة في المتنبئين ومدعي النبوة فإنهم سعوا إلى إنكار معجزات الأنبياء السابقين لأنهم لو سلموا أنها معجزة لطالبهم الآخرون بالإتيان بمثلها لكي تثبت نبوتهم لذلك صرفوا جهدا كبيرا لصرف الناس عن هذه المعجزات وتأويل هذه المعجزات واثبات أن هذه المعجزات ليست بمعجز وأن النبي “صلى الله عليه وآله” ليست له معجزة إلا القرآن الكريم حتى لا يطالبهم أحد آخر بغير القرآن فلو ادعى احدهم النبوة كمسيلمة الكذاب وقال إنه كما أن معجزة النبي محمد “صلى الله عليه وآله” القرآن معجزته شق القمر أيضا لقال له أنت أيضا شق القمر لذلك أكثر المتنبئين أنكروا المعجزات الأخرى للنبي “صلى الله عليه وآله” واستدلوا على دعواهم بآيات من كتاب الله.

استدلالهم على أن النبي لم تكن له معجزة إلا القرآن الكريم

اليوم إن شاء الله نأخذ الآية الأولى التي استدلوا بها على أن النبي لم تكن له معجزة إلا القرآن الكريم ولم يأتي بمعجزة أخرى غير كتاب الله.

الآية الأولى التي استدل بها على أن النبي لن يأتي بمعجزة أخرى غير القرآن قوله "عز من قائل" ﴿وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون وآتينا ثمود ناقة مبصرة فظلموا بها وما نرسل بالآيات إلا تخويفا﴾[1] .

تقريب الاستدلال

زعموا أن النبي “صلى الله عليه وآله” لم يأتي بمعجزة أخرى وبآيات أخرى غير القرآن الكريم والسر في ذلك والسبب في ذلك أن آيات الأنبياء السابقين من الأولين إلى ما قبل النبي قبل النبي أربعة آلاف سنة نبوة عيسى "عليه السلام" فالأمم السابقة قد كذبوا بهذه الآيات فشكل تكذيب الأمم السابقة لمعجزات الأنبياء السابقين مانعا للنبي من الإتيان لمثل تلك المعجزات لاحظ الآية الكريمة ﴿وما منعنا أن نرسل بالآيات﴾ يعني نحن لم نأتي بالآيات التي جاء بها الأولون ـ ﴿إلا أن كذب بها الأولون﴾ ـ يعني بسبب تكذيب الأولين نحن لم نأتي بالآيات والآيات يعني العلامات ـ ﴿وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها أنكروا وما نرسل بالآيات إلا تخويفا﴾.

إذن تقريب الاستدلال النبي “صلى الله عليه وآله” لم يأتي بمعجزات الأنبياء السابقين لأن قومهم قد كذبوهم فجاء معجزة أخرى لم يأتي بها الأنبياء السابقون وهي خصوص القرآن الكريم السيد الخوئي "رحمه الله" يجيب على هذا الاستدلال بثلاثة أجوبة رائعة:

الجواب الأول حلي في تفسير مفردة الآيات

والجواب الثاني نقضي

والجواب الثالث حلي عميق في بيان الآيات المخوفة وبيان المقتضي والمانع ولذلك سنترك الجواب الثالث إلى الدرس القادم لأنه عميق ودقيق وفيه تفصيل.

أما الجواب الأول

الآيات ما المراد بالآيات الآيات جمع آية والآية علامة هنا توجد ثلاثة وجوه بالنسبة إلى الألف واللام في الآيات:

الاحتمال الأول أن يراد به جنس الآية فإذا حملت أل على أل الجنسية فهذا يعني أن المنع يثبت لجنس الآية فيشمل كل الآيات لأن جنس الآية ينطبق على كل آية آية وكل فرد فرد من الآيات فيكون مدلول الآية أنه لم تقع معجزة أبدا ولم تقع آية أبدا يعني حتى القرآن الكريم ما وقع إذا حملنا أل في الآيات على أل الجنسية يعني نحن امتنعنا عن الإتيان بجنس أي آية فلم نأتي بأي فرد من أفراد الآيات وبالتالي ينتفي صدق مدعى النبوة إذا حملنا أل على أل الجنسية ينتفي صدق مدعى النبوة ويكون لازم ذلك أن يكون بعثة النبي والرسول لغوا وعبثا إذ لا توجد لديه آية ومعجزة وبالتالي يكون تكليف الناس بتصديق النبي من دون وجود معجزة تكليف بما لا يطاق وهو محال على الله تبارك وتعالى.

إذن الاحتمال الأول أن تحمل أل على أل الجنسية غير تامة.

الاحتمال الثاني أن يراد بال أل الاستغراقية فتشمل جميع الآيات وهذا التوهم أيضا فاسد لأن إثبات صدق مدعى النبوة يتوقف على صدق آية من الآيات ولا يتوقف صدق مدعى النبوة على إرسال النبي بجميع الآيات ومن قال أن النبي لابد أن يأتي بجميع المعجزات يكفي أن يأتي بمعجزة واحدة يعجز عنها الخلق بل إن نفس المناكثين لم يطلبوا أن يأتي النبي بجميع الآيات بل طلبوا أن يأتي بآية واحدة ولا معنى لحمل الآيات على جميع الآيات

إذن الاحتمال الثاني حمل أل على الاستغراقية ويراد بها جميع الآيات ليس بتام.

يبقى الاحتمال الثالث وهو أن يراد بالآيات آيات معهودة وآيات خاصة فنحمل أل على أل العهدية بعد هذه أقسام ألف اللغة العربية أل الجنسية وهو الاحتمال الأول وأل الاستغراقية وهي الاحتمال الثاني وأل العهدية وهي ما ندعيه وسيأتي الكلام فيه مفصلا في الجواب الثالث عندما نفرق بين الآيات التخويفية وبين آيات الهداية والرحمة فإن الله "عز وجل" بعث الأنبياء بآيتين وبقسمين من الآيات:

القسم الأول آيات تخويف وهي للمعاندين.

القسم الثاني آيات رحمة وإرشاد وهداية لمن أراد الهداية.

هذا تمام الكلام في الجواب الأول.

الجواب الثاني

وعادة عوام الناس الجواب النقضي يسكتهم لأن الجواب النقضي إسكاتي فيكون الجواب النقضي وقعا كبيرا على عوام الناس لكن الجواب النقضي لا يحل المشكلة يوسع دائرة المشكلة بخلاف الجواب الحلي فإنه يحل المشكلة.

الجواب الثاني لو كان تكذيب المكذبين يشكل مانعا من إرسال الآيات لكان تكذيب المعاندين شكل مانعا عند إرسال الرسول فإذا كان الامتناع عن الإتيان بالمعجزات بسبب تكذيب الناس لكان تكذيب الناس يشكل مانعا عن إرسال نفس الرسول إذ لا وجه لتخصيص المنع بخصوص الآيات ولو كان تكذيب الناس هو المانع الأساسي للإتيان بالمعجزات الأخرى غير القرآن لكان تكذيب الناس أيضا مانعا عن الإتيان بالقرآن لأن القرآن أيضا كذبوه فإذا كان المانع عن المعجزات الأخرى للنبي غير القرآن هو تكذيب الناس وشكل تكذيب الناس مانعا عن الإتيان بالقرآن الكريم لأن الناس أيضا قد كذبوا النبي “صلى الله عليه وآله” وقد كذبوا القرآن الكريم.

وقد أتضح فيما سبق أن القرآن الكريم أعظم المعجزات التي جاء بها جميع الأنبياء بل إن معجزات الأنبياء لم تثبت لدينا إلا من خلال حكاية القرآن لها ولو لم يذكر لنا القرآن معجزات الأنبياء السابقين لما وجدنا لها عينا ولا أثر في حياتنا وسيبقى القرآن خالصا مخلصا إلى يوم يبعثون ما دامت الليالي والأيام.

وسيتضح في الجواب الثالث أن المراد بالآيات الممنوعة آيات خاصة وليست مطلق الآيات وهي خصوص الآيات التخويفية أو الآيات الاقتراحية كما سيأتي لأن بعض المشركين كانوا يقترحون على النبي آيات ﴿سأل سائل بعذاب واقع﴾[2] يعني أنزل علينا ونارا من السماء عذبنا أهلكنا هذه الآيات الاقتراحية هي التي لم يأتي بها النبي بسبب تكذيبهم لأنهم معاندين حتى لو جاء بالآيات التي اقترحوا فإنهم سيزدادوا في الإنكار إذن الآية الكريمة التي استدل بها على أن معجزة النبي هي القرآن دون سائر الآيات الأخر أجنبية لأن الآية ناظرة إلى خصوص الآيات الاقتراحية ولا تشمل مطلق الآيات وهذا ما سيتضح عندما نتطرق إلى الجواب الثالث.

الثالث يأتي عليه الكلام.

 


logo