40/02/12
رد ما جاء به صاحب حسن الإيجاز في مقابل سورة الكوثر
موضوع: رد ما جاء به صاحب حسن الإيجاز في مقابل سورة الكوثر
قال السيد الخوئي "رحمه الله" صفحة 99 من تفسير البيان وذكر في معارضة سورة الكوثر.
كان الكلام في النقطة الأخيرة من بحث أوهام حول إعجاز القرآن فبعد أن تطرق السيد الخوئي "رحمه الله" إلى تسعة أوهام واعتراضات حول إعجاز القرآن ختم بعنوان سخافات وخرافات وتطرق إلى كاتب رسالة حسن الإيجاز الذي أدعى أنه استطاع أن يأتي ببعض الصور التي تقابل القرآن الكريم بل أدعى أن من جاء به أكثر إيجازا من سور القرآن.
وتطرق السيد الخوئي "رحمه الله" إلى ما ذكره صاحب حسن الإيجاز وادعاه من مقابلة سورة الحمد وسورة الكوثر ومن هنا وقع الكلام في مقامين:
المقام الأول ما ذكره في مقابل سورة الحمد وقد تطرقنا إليه في الدرس السابق.
المقام الثاني ما ذكره صاحب رسالة حسن الإيجاز في مقابلة سورة الكوثر وبها مسك الختام في بحث سخافات وخرافات وبالتالي يتم الكلام حول الأوهام التي ذكرت حول إعجاز القرآن الكريم واتضح أنها ترهات وسخافات بل من نافلة القول الرد عليها.
صاحب حسن الإيجاز ذكر هذه الكلمات في مقابل سورة الكوثر إنا أعطيناك الجواهر فصلي لربك وجاهر ولا تعتمد قول ساحر.
السيد الخوئي "رحمه الله" تطرق إلى ثمان ملاحظات وبعد أن أتم الملاحظات الثمان حول هذه الكلمات وبين وهنها تطرق إلى الآيات الثلاث لسورة الكوثر وبين معانيها السامية فاتضح بجلاء علو شأن سورة الكوثر في سماء الألفاظ والمعاني الراقية ودنو شأن كلام صاحب حسن الإيجاز في مستنقع الكلمات السخيفة التي تدل على بلاهة.
الملاحظات الثمان كما يلي:
الملاحظة الأولى
إن صاحب حسن الإيجاز يقلد القرآن في نظمه وتركيبه فقام بتغير بعض ألفاظ القرآن وأوهم الناس أنه يعارض القرآن وقد اتضح أن المعارضة الحقيقية هي الإتيان ببيان آخر وبأسلوب آخر وبتركيب آخر لكنه يتحد مع القرآن الكريم في جهة من الجهات أو غرض من الأغراض ويفوق القرآن الكريم هكذا تكون المعارضة وأما أن تأتي بنفس أسلوب القرآن وبنفس كلمات القرآن وبنفس تركيب القرآن غاية ما في الأمر تغير بعض المفردات وبعض الكلمات فهذا لا يصدق عليه معارضة وأنه مقابلة لسور القرآن الكريم.
الملاحظة الثانية
كلمات صاحب حسن الإيجاز في مقابل سورة الكوثر إنما هي كلمات مسروقة من كلمات مسيلمة الكذاب فقد ذكر أن مسيلمة الكذاب كان يقول إنا أعطيناك الجماهر هنا قال الجواهر فصلي لربك وهاجر هنا قال فصلي لربك وجاهر وإن مبغضك رجل كافر صاحب حسن الإيجاز ولا تعتمد قول ساحر، إذن الملاحظة الثانية كلمات صاحب حسن الإيجاز في مقابل سورة الكوثر هي كلمات مسروقة ممن ادعى النبوة وجاء بكلمات مضحكة وهو مسيلمة الكذاب حينما قال إنا أعطيناك الجماهر فصلي لربك وهاجر إن مبغضك رجل كافر.
الملاحظة الثالثة
إن صاحب حسن الإيجاز قد توهم أن مجرد المشابهة في السجع بين الكلاميين تقتضي المشاركة في البلاغة وهذا من عجائب الدهر إذ أنه بمجرد الاشتراك في السجع والتركيب والمحسنات البديعية لا يقتضي الاتحاد في البلاغة وقوة البيان.
الملاحظة الرابعة
لم يلتفت إلى أن إعطاء الجواهر والمجوهرات لا يترتب عليه إقامة الصلاة والمجاهرة بها فما الرابط بين إعطاء الجواهر وبين الصلاة والمجاهرة بالصلاة بخلاف ما سيأتي في سورة الكوثر إنا (أعطيناك الكوثر) يعني الخير الكثير فصلي لربك وأنحر يعني كبّر وصلي لربك شكرا له على هذا الخير الكثير وأما هنا مجرد الجواهر قد لا تكون خيرا كثيرا قد تكون وبالا على صاحبها ونقمة عليه.
الملاحظة الخامسة
إن الله تبارك وتعالى قد انعم على عباده بنعم كبيرة ووفيرة أعظم من نعمة المال كنعمة الحياة ونعمة العقل ونعمة الإيمان فالإنسان المؤمن يشكر الله "عز وجل" على أن أنعم عليه بنعمة الحياة ونعمة الإيمان ونعمة العقل ونعمة الهداية فكيف يكون السبب الموجب للصلاة هو إعطاء المال والجواهر دون هذه النعم العظيمة والوفيرة.
السيد الخوئي يأتي بكلمات لاذعة يقول ولكن الذي يستأجر بالمال للتبشير ـ يعطوه المال لكي يبشر مبادئ المسيحية المحرفة ـ يكون المال قبلته التي يصلي إليها وهدفه الذي يسعى إلى تحصيله وغايته التي يقدمها على كل غاية وكل إناء بالذي فيه ينضح ويشير، هذا تمام الكلام في الملاحظة الخامسة.
الملاحظة السادسة
ما المقصود بالجواهر التي جاء بها صاحب حسن الإيجاز؟
يوجد احتمالان وعلى كلا الاحتمالين لا تتحقق البلاغة:
الاحتمال الأول أن تكون أل في الجواهر أل العهدية.
الاحتمال الثاني أن تكون أل في الجواهر أل الاستغراقية
وعلى كلا الاحتمالين تنتفي البلاغة:
أما على الاحتمال الأول وهو أن يكون المراد بالألف واللام الألف واللام العهدية فلا توجد قرينة تعين هذه الجواهر المقصودة والمعهودة فيبقى الكلام مجملا ومبهما لأن العهد كما قرأنا في النحو إما عهد ذكري بحيث يذكر في اللفظ فنرجعه إلى مرجعه في عالم الألفاظ وإما عهد ذهني وهنا لا يوجد عهد ذهني ولا يوجد عهد لفظي فإذا حملنا الألف واللام على أل العهدية لا يمكن تعيين المقصود بالجواهر فيصبح الكلام مبهما غامضا وهذا مناف للبلاغة.
وأما الاحتمال الثاني أن يكون المراد بأل الألف واللام الاستغراقية يعني تستغرق جميع مصاديق الجواهر يعني إنا أعطيناك جميع الجواهر الموجودة في الدنيا وهذا كذب صريح لأنه لم يعط جميع الجواهر الموجودة في الدنيا إذن بناء على كلا الاحتمالين أل العهدية وال الاستغراقية تنتفي البلاغة من هذه الكلمات.
الملاحظة السابعة
ما هو وجه المناسبة بين الجملتين السابقتين وبين قوله ولا تعتمد قول ساحر فعبارة ولا تعتمد قول ساحر قد تقدم عليها عبارة فصلي لربك وجاهر وقبلها عبارة إنا أعطيناك الجواهر فلا يوجد ترابط بين المفردة الأولى إنا أعطيناك الجواهر وبين المفردة الثانية فصلي لربك وجاهر والمفردة الثالثة ولا تعتمد قول ساحر ولو أمكن الترقيع في الترابط بين الجملة الأولى والثانية أنه بسبب أعطاء الجواهر صلي لربك وجاهر لكن لا يوجد ترابط بين إعطاء الجواهر وبين المجاهرة بالصلاة وبين عدم الاعتماد على قول الساحر.
الملاحظة الثامنة والأخيرة
ما المراد من لفظ ساحر وما المراد بعدم الاعتماد على قول الساحر؟
احتمالات ثلاثة هذه الاحتمالات الثلاثة كلها غير تام.
الاحتمال الأول ولا تعتمد قول ساحر تشير إلى ساحر معين وقولا مخصوصا من أقواله لأنهما نكرتان في سياق النهي وقد درسنا في اللغة العربية أن النكرة في سياق النهي أو النفي تدل على العموم، تقول لا رجل في الدار تنفي وجود رجل في الدار فهذا يدل على العموم أنه لا يوجد أحد في الدار، هنا لا تعتمد نهي قول هذه نكرة ساحر هذه أيضا نكرة فلفظ القول ولفظ الساحر نكرة والنكرة في سياق النهي أو النفي تدل على العموم وبالتالي إذا أريد بهذا المعنى أنه لا تعتمد كل قول لكل ساحر ففي هذه الحالة يلزم اللغو في الكلام لأنه لا يوجد سبب معقول لرد أي كلام لأي ساحر حتى في الشؤون العادية فإذا قال ساحر كلاما في شأن من شؤون الحياة الاعتيادية واطمأننت لكلامه فعلى أي أساس لا يجوز أن تأخذ بكلامه هذا غير صحيح، إذن مفاد النكرة في سياق النهي أو النفي العموم يعني لا تعتمد قول أي ساحر في أي شيء حتى لو كان أمرا عاديا هذا لا يمكن المساعدة عليه هذا الاحتمال الأول والذي جعله السيد الخوئي احتمالا ثانيا.
الاحتمال الثاني أن لا يتمسك بالنكرة في سياق النهي وإنما يقال أراد به ساحرا معينا وقولا معينا فيكون الجواب أنه لا توجد قرينة تدل على هذا التعيين، تعيين الساحر وتعيين القول ولا يوجد في عبارات صاحب حسن الإيجاز ما يدل على هذا التعيين، هذا الاحتمال الثاني والذي جعله السيد الخوئي احتمالا أولا.
الاحتمال الثالث أراد أن لا يعتمد قول الساحر بما هو ساحر أي أنه لأنه ساحر لا تعتمد قوله هذا غلط لأن الساحر لا يؤخذ بقوله وإنما الساحر يأتي بأفعال ولا يأتي بأقوال الساحر عنده حركة خفية يقوم بها ولذلك كثير من السحرة أو الذين عندهم حركات خفية أصلا لا يتكلم يجعلون في هذه الأزمنة موسيقى والناس يتفرجون عليه لأنه لا يتكلم مثلا يضع المنديل يرفعه تطير حمامة أو أرنب وهذه ليست أقوال وإنما أفعال فالساحر بما هو ساحر لا قول له وإنما يسحر أعين الناس ويفسد عليهم حالهم بحيله وأعماله.
إذن الشقوق الثلاثة التي ذكرها السيد الخوئي لكلام صاحب حسن الإيجاز غير تامة، نرتبها بناء على السيد الخوئي
الاحتمال الأول أن يريد ساحرا معينا قولا معينا ولا قرينة على ذلك
الاحتمال الثاني أن يريد العموم لا تعتمد أي قول لأي ساحر وهذا ليس بصحيح إذ أنه الساحر في الأمور الاعتيادية لماذا لا يؤخذ بقوله
الاحتمال الثالث أراد أن لا تعتمد على قول الساحر لأنه ساحر والجواب الساحر بما هو ساحر لا يؤخذ بأقواله وإنما تكون له أعمال وأفعال وحيل يسحر بها أعين الناس، هذا تمام الكلام في الملاحظات الثمان التي ذكرها السيد الخوئي على ما جاء به صاحب حسن الإيجاز.
ثم يتكلم السيد الخوئي "رضوان الله عليه" عن سورة الكوثر والتي نزلت في من شنأ رسول الله يعني ابغض رسول الله "صلى الله عليه وآله" فقال إن النبي أبتر وسيموت وينقطع دينه وأسمه وقد أشار القرآن إلى ذلك بقوله تعالى ﴿أن يقولون شاعر نتربص به ريب المنون﴾[1] وانزل الله تبارك وتعالى ﴿إنا أعطيناك الكوثر﴾ ومن المعلوم تاريخيا أن من شنأ النبي وقال أنه ابتر وأنه سيموت من دون ذرية هو العاص بن وائل ومن الغريب أن ينسب عمر بن العاص إليه فداهية العرب عمر بن العاص ينسب إلى العاص بن وائل والحال إن القرآن قد صرح بأن مبغض النبي الذي قال إن النبي أبتر هو الذي سيكون ابترا وهذا بحث تاريخي الكثير من الباحثين في التاريخ والتفسير ينفون نسبة عمر بن العاص إلى العاص بن وائل لأن العاص بن وائل قد نص القرآن على أنه ابتر وسينقطع نسله.
الآية الأولى بسم الله الرحمن الرحيم ﴿إنا أعطيناك الكوثر﴾ الله "عز وجل" يمن على النبي يقول له إنا نحن الذات الإلهية قد مننا عليك بالكوثر والمراد بالكوثر الخير الكثير كما في اللغة العربية الخير الكثير له مصاديق في الدنيا وله مصاديق في الآخرة من مصاديقه في الدنيا شرف الرسالة هداية الخلق زعامة المسلمين كثرة الأنصار النصر على الأعداء وكثرة الذرية من بضعته الصديقة فاطمة الزهراء "سلام الله عليها" وقد نص القرآن إلى أن هذه الذرية وإن الله أعطاها الخير الكثير إن شاء الله تبقى هذه الذريعة إلى يوم يبعثون، ما شاء الله اليوم السادة من نسل النبي إلى يوم يبعثون إن شاء الله فما دامت الدنيا باقية فإن نسل النبي من فاطمة سيبقى وأما الخير الكثير في الآخرة الشفاعة الكبرى وأنه يشفع اشفع تشفع والجنان العالية والحوض الذي لا يشرب منه إلا النبي وأوليائه وغير ذلك من النعم التي انعم الله بها على نبينا محمد "صلى الله عليه وآله".
﴿فصل لربك وأنحر﴾ الفاء تفيد التعقيب والترتيب يعني جزاء لإعطائك الكوثر صلي وأنحر والصلاة معروفة ذات الكيفية الخاصة وأنحر اختلف فيها فقيل أن المراد بانحر يعني أنحر بمنى ويوم النحر يوم العيد العاشر من ذي الحجة وقيل نحر الأضحية لأن الأضحية غير الهدي، الهدي هو النسك الخاص في الحج جزء من النسك يوم العيد ذبح الهدي أو نحره الذبح يكون للغنم والبقر والنحر يكون للإبل والجمال أما نحر الأضحية الأضحية في يوم الأضحى قد تكون في منى وقد تكون في غير منى في كل البلدان الإسلامية يوم العيد الأضحى يسمونه يوم القربان يتقربون إلى الله بذبح الشياة ونحر الإبل وقيل المراد رفع اليدين إلى المنحر في تكبيرة الإحرام، تكبيرة الإحرام لما ترفع تضع سبابتين بحذاء بأسفل الأذنين البعض يشتبه يضع الإبهامين هكذا ليس المراد وضع إبهامي اليدين تحت أسفل الأذنين وإنما المراد سبابتين يعني بداية أصابع الكف فتكون اليد حينئذ مع المنحر ﴿فصل لربك وأنحر﴾ يعني كبّر عند نحرك استقبال القبلة بالنحر الاعتدال بالقيام رفع اليدين إلى النحر في تكبيرة الإحرام وجميع هذه الأمور مما يناسب الشكر.
الآية الأخيرة ﴿إن شانئك هو الأبتر﴾ إن شانئك يعني إن مبغضك هو الأبتر وهو العاص بن وائل، فلا يبقى للعاص بن وائل اسم ولا رسم وتكون عاقبة هؤلاء الشانئين لرسول الله "صلى الله عليه وآله" ما اخبر عنهم القرآن الكريم وفعلا إذا نلاحظ نسلهم يومنا هذا لا يوجد نسلهم الذين ادعى يعني أين نسل عاص بن وائل ما موجود ولكن نسل النبي من فاطمة موجود.
إلى هنا اتضح أن ما جاء به مسيلمة الكذاب سابقا وصاحب حسن الإيجاز لاحقا يشير إلى جهلهم الفاحش وأنا لهم أن يعارضوا كتاب الله "عز وجل" في بلاغته وإعجازه، هذا تمام الكلام حول إعجاز القرآن أولا ورد الأوهام حول إعجاز القرآن ثانيا
يبقى الكلام في بحث مهم حول سائر معجزات النبي غير القرآن الكريم، حول سائر المعجزات يأتي عليه الكلام.