40/01/28
القرآن معجزة الهية خالدة
موضوع: القرآن معجزة الهية خالدة
القرآن معجزة إلهية
قد علم كل عاقل بلغته الدعوة الإسلامية أن محمدا “صلى الله عليه وآله” بشر جميع الأمم بدعوتهم إلى الإسلام وجاء بالقرآن وقد تحداهم بالقرآن فرسول الله “صلى الله عليه وآله” لم يتحدى خصوص العرب وإنما تحدى جميع البشرية على امتداد عمود الزمان منذ أن بعث “صلى الله عليه وآله” إلى يومنا هذا وإلى يوم يبعثون فتحداهم أن يأتوا بمثله فلم يستطيعوا إلى يومنا هذا ثم تحداهم أن يأتوا بعشر سور مثله مفتريات فلم يفلحوا ثم تحداهم أن يأتوا بسورة واحدة فلم يفلحوا والمهم هو التحدي الذي أدى إلى عجزهم بل لم يأتوا بكلمة واحدة أو عبارة واحدة أو آية واحدة من آيات كتاب الله.
وكان الجدير بالعرب وهم أهل الفصاحة والبلاغة أن يأتوا بمثله لو كان القرآن صناعة بشرية لكن القرآن صناعة إلهية أنزله رب العالمين على قلب النبي الأمين “صلى الله عليه وآله” بل كانت المقتضيات تستدعي أن يأتوا بمثله لأن من يتحدى ويأتي بما هو مثل القرآن أو أفضل من القرآن.
هذا يؤدي إلى سمو المكانة وعلو الشرف بل ربما يصبح سيدا للعرب من يأتي بمثل ذلك لكنه لم يحدثنا التاريخ أن أحدا قد جاء بمثل القرآن أو ما يشبه القرآن من هنا انبثق فريقان الفريق الأول آمن بالقرآن كلبيذ صاحب المعلقة من المعلقات السبع أو العشر وقال ألا إن كل شيء ما خلا الله باطل وكل نعيم لا محالة زائل وآمن بالنبي “صلى الله عليه وآله” وأسلم وهناك من عاند وعدل عن المقارعة بالبيان إلى المقارعة بالسنان وقاتل رسول الله “صلى الله عليه وآله” وما أسوأها من عاقبة.
إشكال قد يدعى ويقال إن العرب قد أتت بمثل القرآن وعارضت القرآن بالحجة غاية ما في الأمر أن هذه المعارضة قد اختفت ولم تصل إلينا لطول عمود الزمان.
والجواب لو كان لبان وحيث لم يبن إذاً لم يكن فهذه المعارضة لو كانت قائمة لأعلنتها العرب في أنديتها واشتهرت هذه المعارضة لسمو شرف من يستطيع المعارضة إلا أنه لم ينقل التاريخ أن أحدا قد جاء بمثل القرآن والقرآن الكريم لم يتحدى خصوص العرب ولا غيرهم من البشر بل تحدى العالمين أي الإنس والجن أجمعين قال "عز من قائل" ﴿قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا﴾[1] بل إننا نجد اليهود والنصارى والمشركين يبذلون غاية الوسع للطعن في الإسلام وفي نبي الإسلام والقرآن لكنهم إلى يومنا هذا لم يستطيعوا معارضة القرآن قال "عز من قائل" ﴿يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون﴾[2] .
ويحدثنا التاريخ أن الكندي وهو معاصر للإمام أبي محمد الحسن العسكري "سلامه الله عليه" كان يعكف على كتابة مؤلف فأرسل له الإمام العسكري "صلوات الله وسلامه عليه" أحد الرجال وقال له قل له ماذا تفعل لو اكتشفت يوما من الأيام أنك مشتبه فذهب ذلك الرجل إلى الكندي وقال له هذا الكلام فتفاجئ وكان الكندي يعكف على كتابة كتاب يبرز فيه متناقضات القرآن وكان يدعي أن القرآن فيه متناقضات فتراجع عن هذا المشروع وعن هذه الكتابة ببركة برقية الإمام العسكري “عليه السلام” إذ قال له ماذا ستفعل لو اكتشفت في يوم من الأيام أنك مشتبه أي أنك تدعي أن القرآن فيه متناقضان فإذا تبين الاشتباه ماذا ستفعل بهذا الكلام الذي قد يؤدي إلى الارتذال فتراجع الكندي وهداه الله ببركة الإمام أبي محمد الحسن العسكري "صلوات الله وسلامه عليه".
وفي ختام هذا البحث يقول السيد الخوئي الإنسان إذا مارس كلاما بليغا وبالغ في ممارسته زمانا فحينئذ يمكنه أن يأتي بمثله أو قريب منه.
جاء رجل أبي تمام وكما تعلمون أن الذين يتنافسون على قصب العلو في الأدب العربي في العصر الإسلامي هم أبو الطيب المتنبي وأبو تمام صاحب ديوان الحماسة وبعضهم يقول البحتري وبعضهم يرجح المتنبي وبعض الآخر يرجح أبا تمام ونحن نميل إلى أن المتنبي متنبي.
جاء رجل إلى أبي تمام قال له إني أريد أن انشد الشعر فقال له أبو تمام أذهب وأحفظ ما شئت من كلام العرب ومن شعر العرب وبعد مدة جاء هذا الرجل إلى أبو تمام وقال إني أحفظ كذا بيت من الشعر فقال أنشدني فاخذ ينشد وبعد أن ذكر عدة أشعار قال له أبو تمام الآن أذهب وأنسى ما حفظت فهو يشير إلى أنك الآن قد حصلت على مخزون شعري وأدبي فحاول أن تألف أشعارا جديدة ليست كمثل الأشعار التي جئت بها لأنك الآن تحفظها فلابد من ابتكار جديد أبو تمام قيل له لم تقول ما لا يفهم فقال ولم لا تفهم ما يقال فلابد أن يرتفع مستواك العلمي والذهني والأدبي حتى تفهم كلامي وليس مضطرا أبو تمام أن ينزل إلى مستوى هذا الرجل الذي مستواه الأدبي متدني أو متوسط.
الخلاصة
يقول أحد الأدباء الكبار وهو الجاحظ حفظت سبعين خطبة من خطب الأصلع يقصد أمير المؤمنين ”صلوات الله وسلامه عليه" ـ لأن الجاحظ ناصبي ـ ففاضت ثم فاضت فهو يقر أن خطب أمير المؤمنين "عليه أفضل صلوات المصلين" هي التي أفاضت عليه الحس الأدبي والذوق الفني وهناك بحث يبحث في الأدب العربي وفي الشعر العربي يقال له التجربة الشعورية وهو أن الأديب يمر بتجربة معينة وبحدث معين في ظل بيئة معينة كأن يقع في حب وغرام امرأة ثم تعرض عنه فينشد الشعر فإذا من أراد أن يحصل على مستو أدبي فابمكانه ذلك وكل من يقرأ الكلام البليغ والفصيح ويعنا بكتب الأدب العربي يمكنه أن ينشد الشعر.
ولكن الملاحظ أن جميع الأدباء وقد اطلعوا على القرآن الكريم وتعمقوا فيه ولكنهم لم يستطيعوا أن يأتوا بمثله لأنه من كلام رب البشر لا من كلام البشر ولو كان القرآن من كلام رسول الله “صلى الله عليه وآله” لوجدنا آيات القرآن في بعض كلام النبي “صلى الله عليه وآله” لكننا نلحظ المائز والفارق بين كلام النبي “صلى الله عليه وآله” وبين كلام الله "عز وجل" بل نلحظ الكلام الفارق بين الحديث القدسي وهو كلام الله وبين القرآن الكريم وهو كلام الله أيضا، إذاً على الرغم من بلاغة كلام النبي “صلى الله عليه وآله” وكلام وصيه أمير المؤمنين "عليه أفضل صلوات المصلين" إلا أن كلامهما يختلف ويتميز بشكل كامل عن طريقة القرآن الكريم على أن الأدباء قد برئوا في جهة أو جهتين أو ثلاث جهات فبعضهم قد برع في الحماسة كأبي تمام وبعضهم قد برع في الحكمة كالمتنبي وبعضهم قد برع في الوصف كمرؤ القيس ولكن القرآن بارع من جميع الجهات فالنكات البلاغية والأدبية والفصاحة موجودة في القرآن من أوله إلى آخره لجهات متعددة أنه بحق معجزة إلهية، هذا تمام الكلام في أن القرآن معجزة إلهية.
القرآن معجزة خالدة
فنتحدث عن حيثية خلود القرآن الكريم وقد تبين أن طريقة تصديق بالنبوة والإيمان بالنبوة ينحصر بالمعجز الذي يأتي به النبي شاهدا لدعواه.
ولما كانت النبوات السابقة مختصة بزمانها كانت معجزات أولئك الأنبياء مختصة بزمانهم فشريعة موسى “عليه السلام” كان لبني إسرائيل ولم تكن للعرب ولم تكن خالدة إلى يومنا هذا من هنا كانت معجزته مختصة بزمانه وهي العصا وأن يخرج يده بيضاء للناظرين.
وهكذا شريعة عيسى “عليه السلام” كانت مختصة ببني إسرائيل في ذلك الزمان وبالتالي كانت معجزته مختصة بذلك الزمان وهي إبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى بإذن الله "عز وجل".
إذاً النبوة المحدودة بزمان معين أو مكان معين مقتضى ذلك أن تكون معجزة ذلك النبي مختصة بذلك الزمان أو المكان وبعض الأنبياء قد بعث لأهل بيته فقط.
ولكن شريعة رسول الله “صلى الله عليه وآله” هي للأولين والآخرين هي الشريعة الخالدة خاتمة الرسالات فمقتضى خلود شريعة النبي “صلى الله عليه وآله” إلى يوم القيامة أن تستمر معجزته إلى يوم القيامة فلو كانت معجزة النبي شق القمر فقط أو تسبيح الحصى فقط أو تكلم الشجرة فقط فإنها محدودة بذلك الزمان فحيث إنها محدودة بذلك الزمان ففي هذه الحالة ربما لا تنقل إلينا بالتواتر فإذا لم تصل إلينا بالتواتر لم تكون حجة في حقنا بخلاف القرآن الكريم فإن القرآن الكريم قد نقل إلى مختلف الأجيال بالتواتر فالتواتر متحقق في كل طبقة طبقة نقلت القرآن الكريم منذ عهد رسول الله “صلى الله عليه وآله” وإلى يومنا هذا وإلى يوم يبعثون.
إذاً لو كلف الله "عز وجل" العباد بالإيمان بنبوة نبي قد مضى وكانت معجزته محدودة بأمد معين وانتهت لكان تكليف الله العباد بالإيمان بذلك النبي وبتلك المعجزة من باب التكليف بالممتنع والتكليف بالممتنع مستحيل على الله "عز وجل" فكيف يؤمن من جاء في وقت متأخر ولم يصله خبر تلك المعجزة التي انتهت أو ربما وصله خبروها لكن لم تنقل إليه بالتواتر كيف يؤمن بها فهذا يمتنع عليه أن يؤمن بها وتكليفه بوجوب الإذعان بنبوة ذلك النبي وبوجوب التصديق بمعجزة ذلك النبي كان تكليفا بالممتنع والتكليف بالممتنع مستحيل على الله "عز وجل".
إذاَ فلابد للنبوة الدائمة المستمرة من معجزة إلهية دائمة مستمرة وهكذا انزل الله "عز وجل" المعجزة الخالدة ألا وهي القرآن الكريم ليكون برهان صدق على خلود رسالة النبي “صلى الله عليه وآله” وليكون الحجة على السلف والخلف فالقرآن كما هو حجة على من عاصر رسول الله “صلى الله عليه وآله” هو حجة على من جاء من بعده إلى يوم القيامة.
والخلاصة
توصلنا إلى أمرين مما تقدم:
الأمر الأول تفوق القرآن على معجزات جميع الأنبياء السابقين بل تفوق القرآن على جميع معجزات النبي “صلى الله عليه وآله” كتسبيح الحصى وشق القمر وتكلم الشجرة لان القرآن هو المعجزة الخالدة وبقية معاجز النبي الأخرى غير القرآن وبقية معاجز الأنبياء السابقين لم يكتب لها الخلود فالحجة الخالدة هو القرآن الكريم فقط وهو متفوق على جميع المعجزات السابقة.
الأمر الثاني إن الشرائع السابقة منتهية منقطعة والدليل على انتهائها هو انتهاء أمد حجتها وبرهانها وانتهاء وقت معجزتها فبانقطاع زمان المعجزة نستكشف انقطاع تلك النبوة.
وهناك تعليقة بالتعليقة الرابعة محادثة علمية جرت بين السيد الخوئي "رحمه الله" وبين حبر يهودي نقرأها لحلاوتها جدا حلوة، التعليقة الرابعة صفحة 508.
التعليقة رقم أربعة
محادثة بين المؤلف وحبر يهودي
يقول السيد الخوئي:
وقد جرت محادثة بيني وبين حبر من أحبار اليهود تتصل بموضع انتهاء شريعتهم بانتهاء أمد حجتها وبرهانها قلت له هل التدين بشريعة موسى “عليه السلام” يختص باليهود أو يعم من سواهم من الأمم فإذا اختصت شريعته باليهود لزم أن نثبت لسائر الأمم نبيا آخر فمن هو ذلك النبي؟ وإن كانت شريعة موسى عامة لجميع البشر فمن الواجب أن تقيموا شاهدا على صدق نبوته وعمومها وليس لكم سبيل إلى ذلك فإن معجزاته ليست مشاهدة للأجيال الآخرين ليحصل لهم العلم بها وتواتر الخبر بهذه المعجزات يتوقف على أن يصل عدد المخبرين في كل جيل إلى حد يمنع العقل من تواطئهم على الكذب يعني حد التواتر وهذا شيء لا يسعكم إثباته وأي فرق بين إخباركم أنتم عن معاجز موسى “عليه السلام” وإخبار النصارى عن معاجز عيسى “عليه السلام” وإخبار كل أمة بمعاجز أنبيائها الآخرين فإذا لزم على الناس تصديقكم بما تخبرون به فلم لا يجب على الناس تصديق المخبرين الآخرين في نقلهم عن أنبيائهم وإذا كان الأمر على هذه الصورة فلم لا تصدقون الأنبياء الآخرين؟
فقال ذلك الحبر إن معاجز موسى ثابتة عند كل من اليهود والنصارى والمسلمين وكلهم يعترفون بصدقها وأما معاجز غيره ـ يعني معاجز عيسى والنبي محمد “صلى الله عليه وآله” ـ فلم يعترف بها الجميع فهي لذلك تحتاج إلى الإثبات.
فقلت له إن معجزات موسى “عليه السلام” لم تثبت عند المسلمين ولا عند النصارى إلا بإخبار نبيهم بذلك لا بالتواتر فإذا لزم تصديق المخبر عن تلك المعاجز وهو يدعي النبوة لزم الإيمان به والاعتقاد بنبوته وإلا لم تثبت تلك المعاجز أيضا هذا شأن الشرائع السابقة.
أما شريعة الإسلام فإن حجتها باقية تتحدى الأمم إلى يوم القيامة وإذا ثبتت هذه الشريعة المقدسة وجب علينا تصديق جميع الأنبياء السابقين لشهادة القرآن الكريم ونبي الإسلام العظيم.
وإذاً فالقرآن هو المعجزة الخالدة الوحيدة الباقية التي تشهد لجميع الكتب المنزلة في الصدق ولجميع الأنبياء بالتنزيل.
نحن لم نعرف الأنبياء السابقين ومعجزاتهم والكثير من تفاصيل حياتهم إلا بمقدار ما ذكره القرآن الكريم وأما بقية التفاصيل لم تصل إلينا ربما ذكرها بعض المؤخرين لكنها لم تصل إلينا بطريق التواتر وإنما بأخبار الآحاد وأخبار الآحاد في التاريخ أكثرها مرسل وضعيف السند فلا يمكن التعويل عليها.
وهناك خصوصية أخرى للقرآن الكريم وهو أنه قد تكفل بهداية جميع البشر والقرآن هو كتاب هداية إذا أردت أن تعرف القرآن هل هو كتاب رياضيات أو فيزياء أو كتاب علمي أو كتاب فقهي أو أصولي أو رجالي.
الآن أنت تدرس في الحوزة علم الكلام والفلسفة والفقه والأصول فإذا سألك السائل القرآن كتاب فلسفي أو عقائدي أو فقهي تقول القرآن كتاب هداية يذكر ما يتصل بهداية البشر ويكفي للتدليل على قوة هداية القرآن أنه جاء إلى قوم يعبدون الأصنام ويتنازعون فيما بينهم ويرتكبون الفاحشة فجعلهم من أرقى الأمم وجعلهم يستميتون حتى الموت ويبذلون الغالي والرخيص من أجل الإسلام ويكفي للتدليل على ذلك كلمة المقداد لرسول الله “صلى الله عليه وآله” حين شاور المسلمين في الخروج إلى بدر قال المقداد يا رسول الله أمضي لي ما أمرك الله فنحن معك والله لا نقول كما قالت بنو إسرائيل لموسى ﴿أذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون﴾[3] ولكن أذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون فهو الذي بعثك في الحق لو سرت بنا إلى برك الغماد ـ يعني مدينة الحبشة الآن أثيوبية ـ لجالدنا معك ـ لجالدنا يعني صبرنا ـ من دونه حتى تبلغه فقال له رسول الله “صلى الله عليه وآله” خيرا ودعا له بالخير.
هذا واحد من المسلمين يعرب عن عقيدته وعزمه وتفانيه في إعلاء الحق، إذا تراجع التاريخ وخصوصا الحواريين الذين كانوا مع عيسى “عليه السلام” تجد أن بعضهم قد خذل عيسى “عليه السلام” وخذلوا الأنبياء السابقين لما رأوا الموت ولكن القرآن اثر في أصحاب النبي “صلى الله عليه وآله” بحيث صنع منهم هذه المعجزات.
إلى هنا انتهينا
أولا أن القرآن معجزة إلهية أولا ومعجزة خالدة
ثانيا يبقى الكلام في حيثيات وخصوصيات ذكرها السيد الخوئي للقرآن الكريم.
الخصيصة الأولى القرآن والمعارف يأتي عليها الكلام.