40/01/27
إثبات أن تصديق من جاء بالمعجزة يتوقف على قبول الحسن والقبح العقليين
موضوع: إثبات أن تصديق من جاء بالمعجزة يتوقف على قبول الحسن والقبح العقليين
قال السيد الخوئي "رحمه الله" في تفسير البيان صفحة 39:
ولكن دلالة المعجز على صدق مدعي النبوة متوقفة على القول بأن العقل يحكم بالحسن والقبح.
كان الكلام في المعجزة وأن النبي لابد أن يقيم المعجز وصلنا إلى هذه المسألة:
وهي إن دلالة المعجز على صدق مدعي النبوة تتوقف على القول بالحسن والقبح العقليين.
فقد ذهبت العدلية وهم الشيعة الإمامية والمعتزلة إلى القول بالتحسين والتقبيح العقليين وخالفهم في ذلك الاشاعرة أتباع أبي الحسن الأشعري فقالوا بالتحسين والتقبيح الشرعيين.
الأشاعرة يقولون الحسن ما حسنه الشارع والقبيح ما قبحه الشارع المقدس والعقل لا يستقل بادراك الحسن والقبل بمعزل عن الشريعة الغراء فالله "عز وجل" يستطيع أن يدخل الصادق النار ويدخل الكاذب الجنة لأنه لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ولا قبح في إدخال الصادق النار والكاذب الجنة إذ انه لا يوجد حسن للصدق وقبح للكذب وراء الشارع المقدس والعقل لا يستقل ولا يدرك قبح الصدق وقبح الكذب بمعزل عن الشارع المقدس.
خلافا للشيعة الإمامية والمعتزلة فقالوا بالتحسين والتقبيح العقليين فحتى لو لم توجد شريعة ولو لم يعتقد الإنسان بدين فإنه يدرك حسن الصدق والأمانة وقبح الكذب والخيانة لأن العقل يستقل بإدراك حسن بعض الأشياء وقبح بعض الأشياء نعم الشارع المقدس يمضي الحسن العقلي والقبح العقلي ويرشد إلى حسن الصدق والأمانة ويرشد إلى قبح الكذب والخيانة هذا بحث معروف هل نقول بالحسن والقبح العقلي كما عليه المعتزلة والإمامية أو نقول بالحسن والقبح الشرعي فقط دون العقلي كما عليه الأشاعرة.
السيد الخوئي "رضوان الله عليه" يقول إن بحث المعجزة ودلالة المعجز على صدق مدعي النبوة أو صدق مدعي المنصب الإلهي يتوقف على القول بأن العقل يدرك حسن الأشياء وقبح الأشياء وأما من ينكر أن العقل يدرك حسن الأشياء وقبح الأشياء ففي هذه الحالة لابد لهم من سد باب التصديق بالنبوة وهذه النكتة إحدى منبهات فساد قول الاشاعرة القائلين بالحسن والقبح الشرعيين دون الحسن والقبح العقليين فيلزم من قولهم سد باب التصديق بالنبوة.
أما لماذا دلالة المعجز على صدق مدعي النبوة تتوقف على القول بالحسن والقبح العقلية؟
يقول لأن العقل إنما يكون دليلا على صدق النبوة المعجز لأن المعجزة إنما يكون على صدق النبوة إذا قبح في نظر العقل أن تظهر المعجزة على يد الكاذب ويحكم العقل بوجوب أن تظهر المعجزة على يد الصادق وقبح أن تظهر المعجزة على يد الكاذب وأما إذا قلنا بالحسن أو القبح الشرعيين فإن الله لا يسأل عما يفعل وهم يسألون فإذا أراد الله أن تظهر المعجزة على يد الكاذب لا قبح في ذلك وإذا أراد الله أن لا تظهر المعجزة على يد الصادق فلا قبح في ذلك لأنه لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، إذاً دلالة المعجزة على صدق مدعي النبوة تتوقف على القول بالتحسين والتقبيح العقلي وإن العقل يحكم بقبح أن تظهر المعجزة الصادقة والحقيقية على يد الكاذب فإذا ظهرت المعجزة على يد رجل كشف ذلك عن صدق مدعاه وعن صدق نبوته وعن صدق المنصب الإلهي الذي ادعاه.
إذاً بحثنا اليوم حول توقف دلالة المعجزة على صدق مدعي النبوة على مسألة قبول التحسين والتقبيح العقليين طبعا.
هناك مبحث آخر التحسين والتقبيح العقلائيين وهذا موجود في كلمات المحقق الأصفهاني الكمباني "رضوان الله عليه" وهذا بحثه في مكان آخر هل التحسين والتقبيح عقليان أو عقلائيان عقلائيان يعني تبانا عليهما العقلاء لا أن العقل النظري يدرك ذلك أو العقل العملي يدرك ذلك.
رد الأشاعرة عن الإشكال: الفضل بن روزبهان من علماء الاشاعرة أجاب على هذا الإشكال قال نحن لا نلتزم بالتقبيح والتحسين العقليين ونلتزم بالتحسين والتقبيح الشرعيين وبالتالي فعل القبيح ممكن على الله "عز وجل" وممكن أن يظهر رب العالمين المعجزة على يد الكاذب وهذا ليس بقبيح لأن القبيح ما قبحه الله والحسن ما حسنه الله ولكن عادة الله قد جرت على إظهار المعجزة على يد الصادق دون الكاذب فإذا ظهرت المعجزة على يد رجل ادعى النبوة فإننا نصدقه في دعواه النبوة لا لأن العقل يستقل بقبح ظهور المعجزة على يد الكاذب بل لأن عادة الله جرت على ظهور المعجزة على يد الصادق دون الكاذب فلا يلزم من إنكار التحسين والتقبيح العقليين سد باب التصديق بالنبوة على قول الاشعريين.
الجواب عن الرد: السيد الخوئي "قدس" يقول وهذا الجواب بين الضعف متفكك العرب ويذكر أربعة وجوه لضعفه:
الوجه الأول إن عادة الله التي يخبر بها ابن روزبهان ليست من الأمور المحسوسة حتى ندركها بالحس فليست هذه القضية من الأمور التي يقع عليها السمع أو البصر أو اللمس حتى ندركها بالحواس الخمس فينحصر طريق العلم بهذه العادة بطريق العقل وإذا أنتبع على العقل أن يحكم بالحسن والقبح كما هو مبنى الاشاعرة لم يكن لأحد أن يعلم باستقرار هذه العادة على الله "عز وجل".
إذاً يابن روزبهان من أين علمت أن عادة الله قد جرت على ذلك هل أخبر رب العالمين بذلك؟ لا يوجد خبر هل ينفع العقل أنت لا تلتزم بأن العقل يستقل بذلك هل ينفع الحس لا مجال لذلك لأن هذه العادة ليست من الأمور الحسية، إذاً لا دليل على ثبوت هذه العادة فهذه دعوى بدون دليل.
الأمر الثاني العادة تحصل من التكرار وبالتالي الإيمان بهذه العادة تتوقف على تصديق الأنبياء السابقين الذين جاءوا بالمعجزات حتى نعلم أن عادة الله قد جرت على إظهار المعجزة على يد الصادق فإذا جاءنا رجل ينكر النبوات السابقة فحينئذ لم تثبت هذه العادة لأن العادة إنما تحصل بالتكرار وبالإيمان بالنبوات السابقة.
إذاً ما ادعاه ابن روزبهان من أن عادة الله قد جرت على إظهار المعجزة على يد الصادق دون الكاذب لا يتم عند المشككين بالنبوات السابقة فلا تقوم الحجة عند المشككين بناء على المبنى الذي ذكره ابن روزبهان.
المناقشة الثالثة إذا تساوى الفعل والترك في نظر العقل إذ أن العقل لا يحكم بقبح ولا بحسن بناء على مبنى الأشاعرة فما المانع من أن الله يغير عادته فلو سلمنا أن عادة الله قد جرت على إظهار المعجزة على يد الصادق فما المانع من أن يغير الله هذه العادة ويجري المعجزة على يدي الكاذب الذي يدعي النبوة كذبا والله "عز وجل" هو القادر المتعال الذي لا يسأل عن ما يفعل وهم يسألون فيظهر المعجزة على يد الكاذب.
المناقشة الرابعة إن العادة إنما تحصل من تكرر العمل على امتداد عمود الزمان فهي تحتاج إلى وقت ومضي زمان فإذا لاحظنا النبوة الأولى وهي نبوة آدم "على نبينا وعليه الصلاة والسلام" ونبوته ليست مسبوقة بزمن بل ليست مسبوقة بأوادم الإنسان هو أبو البشر فكيف نثبت صدق نبوة نبينا آدم "عليه السلام" وصدق معجزته وهكذا في الأنبياء السابقين كشيث "على نبينا وعليه الصلاة والسلام" وإدريس وشيخ الأنبياء نوح هؤلاء أنبياء متقدمون فإذا لم تسبقهم نبوات سابقة أو معاجز كثيرة ولم يمضي زمان لا تحقق هذه العادة خصوصا بالنسبة إلى نبينا آدم وشيث وإدريس "عليهم السلام"، إذاً هذه العادة لم تستقر ولا تثبت بالنسبة إلى الأنبياء السابقين.
هذا تمام الكلام في بحث أن دلالة المعجز على صدق مدعي النبوة تتوقف على القول بأن العقل يحكم بالحسن والقبح.
البحث الآخر
خير المعجزات ما شابه أرقى فنون العصر
هذا البحث يركز على نكتة مهمة قد تطرقنا إليها في الدرس السابق وهي أن العالم والخبير بدقائق الأمور يعلم أن توفر مقدمات معينة ومحددة يؤدي إلى توفر نتائج معينة ومحددة وبالتالي فإن عامة الناس إذا رأوا شخصا قد جاء بأمر خارق لناموس الطبيعة فإنهم قد يؤمنون به لأنهم لا يدركون هذه المقدمات وقد يشككون في صدق دعواه النبوة إذ يقولون نحن لا علم لنا ولكنه لربما يعلم بهذه المقدمات فتكون النتائج طبيعية فهي بالنسبة لنا نحن عوام الناس تمثل معجزة وخرق لنواميس الطبيعة ولكن بالنسبة إلى العلماء المتخصصين تكون هذه النتيجة حتمية وبديهية إذ أن المجيء بمقدمات معينة يؤدي إلى تحقق نتائج معينة ومحددة.
ومن هنا فإن الأولى بتصديق معاجز الأنبياء هم أهل الاختصاص فإن أهل الاختصاص هم الذين يشخصون بدقة أن ما جاء به النبي هل هو عبارة عن مجيء العالم بمقدمات معينة تقود إلى نتائج معينة أو أن ما جاء به أمر معجز لا يستطيع أي أحد أن يأتي به إلا بتسديد من الله "عز وجل".
لذلك أول من آمن بموسى "عليه السلام" هم السحرة عامة الناس رأوا سحر السحرة ورأوا معجزة موسى "عليه السلام" ولم يفرقوا بينهما لكن السحرة الذين لديهم خبرة بالسحر يعرفون أن مقدمات معينة في السحر تؤدي إلى نتائج معينة في السحر ويعلمون أن ما جاء به موسى "عليه السلام" من انقلاب العصا إلى ثعبان ومن أنه يخرج يده من جيبه فتخرج بيضاء للناظرين هذا أمر معجز وليس عبارة عن مقدمات محددة تقود إلى نتائج محددة.
من هنا كانت معجزة كل نبي ما شاع في عصره فقد شاع العصر والشعوذة في عصر موسى "عليه السلام" فبعث الله بمعجزة العصا التي تنقلب ثعبانا ويخرج يده من جيبه بيضاء للناظرين وقد شاع الطب في زمن عيسى "على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام" لأن السيد المسيح ولد في فلسطين وسوريا وفلسطين في ذلك الوقت كانتا مستعمرات لليونان وقع شاع الطب اليوناني فانتقل الطب اليوناني إلى سوريا وفلسطين فكان من معجزاته "عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام" أنه أبرء الأكمه وهو الأعمى الذي هو أعمى منذ ولادته وهذا يصعب على الطب أن يعيد إليه النظر إذا ولد الإنسان أعمى فكان من عيسى "عليه السلام" أن أبرء الأكمه والأبرص الذي يتغير لون جلده وفيه بقع بيضاء بل أحيا الموتى وقد علم الأطباء أن هذا خارج عن قدرة البشر.
وأما القدرة الخالدة فهي لنبينا "صلى الله عليه وآله" فإن العرب قد برعت في البلاغة والبيان والفصاحة وبلغوا الذروة في ذلك فجاء النبي "صلى الله عليه وآله" بالقرآن الكريم وتحداهم أن يأتوا بمثله فلم يستطيعوا ثم تحداهم أن يأتوا بعشر سور من مثله مفتريات فلم يتمكنوا ثم تحداهم أن يأتي بسورة أو آية فلم يتمكنوا وهذا التحدي قائم منذ بعثة النبي محمد "صلى الله عليه وآله" إلى يومنا هذا ولم يستطيع أي أحد أن يأتي بسبك كلام مماثل للقرآن الكريم.
القرآن له سبك وطريقة خاصة حتى كلمات النبي "صلى الله عليه وآله" وكلمات أمير المؤمنين والأئمة على بلاغتها وفصاحتها لكنها متمايزة تماما عن القرآن الكريم وإلا فكلمات النهج البلاغة بالغة البلاغة والفصاحة ولكن طريقة أمير المؤمنين "عليه السلام" في خطب وكلمات نهج البلاغة تختلف تماما عن طريقة وسبك القرآن الكريم.
ويدل على هذه الحقيقة أن الله بعث النبي بالقرآن في مقابل فصاحة وبلاغة قريش إذ أن قريش كانوا يعقدون سوق عكاظ وسوق عكاظ للمباراة بين الشعراء وكان الذي قصيدته تعلق بالقلوب يعلقونها على جدار الكعبة ويقال سميت المعلقات بالمعلقات لأنها تعلق في القلوب مباشرة فبمجرد أن يسمعونها لأول مرة تعلق في القلوب وقيل إن المعلقات السبع أو العشر سميت معلقات لأنها كانت تكتب بماء الذهب وتعلق في الكعبة الشريفة فكانوا يكتبون المعلقات بماء الذهب في القباطي.
فما المراد بالقباطي؟
القباطي ثوب من الكتان أبيض يصنعه المصريون آنذاك فكانوا قباطي من الأقباط أقباط مصر فالثوب الذي يصنعه الأقباط في ذلك الوقت من الكتان الأبيض يقال له قباطي فيكتبون المعلقات بماء الذهب في القباطي في الثوب الأبيض الكتاني الذي يصنعه الأقباط.
رواية عن ابن السكيت أنه قال لأبي الحسن الرضا "عليه السلام" لماذا بعث الله موسى بن عمران "عليه السلام" بالعصا ويده البيضاء وآلة السحر وبعث عيسى بآلة الطب وبعث محمد "صلى الله عليه وآله" وعلى جميع الأنبياء بالكلام والخطب فقال أبو الحسن "عليه السلام" إن الله لما بعث موسى "عليه السلام" كان الغالب على أهل عصره السحر فأتاهم من عند الله بما لم يكن بوسعه مثله وما أبطل به سحرهم واثبت به الحجة عليهم وإن الله بعث عيسى "عليه السلام" في وقت قد ظهرت فيه الزمانات يعني الأمران واحتاج الناس إلى الطب فأتاهم من عند الله بما لم يكن عندهم مثله وبما أحيا لهم الموتى وأبرئ الأكمه والأبرص بإذن الله واثبت به الحجة عليهم وإن الله بعث محمد "صلى الله عليه وآله" في وقت كان الغالب على أهل عصره الخطب والكلام وأظنه قال الشعر هذا كلام الراوي وهو ابن السكيت فأتاهم من عند الله من مواعظه وحكمه ما أبطل به قولهم وأثبت بهم الحجة عليهم. [1]
وقد كانت للنبي "صلى الله عليه وآله" معاجز أخرى غير القرآن الكريم كشق القمر وتكلم الثعبان.
وبنظر القاصر الفاتر من أعظم معجزات النبي محمد "صلى الله عليه وآله" صناعة شخصية علي بن أبي طالب أن تأتي بشخص وتصنعه وتجعل له شخصية كشخصية علي بن أبي طالب هذا أمر معجز هذه من المعجزات التي ربما نجهل أسرارها وسيأتي بحث للسيد الخوئي حول معجزات النبي غير القرآن الكريم ولكن معجزة النبي القرآن الكريم هي المعجزة الخالدة لأنها مستمرة معجزة موسى مختصة بزمانه العصا ومعجزة عيسى مختصة بزمانه وهي الطب ولكن معجزة النبي محمد "صلى الله عليه وآله" كشق القمر وتكلم الثعبان هذا في زمانه وربما لا تنتقل إلينا بالتواتر فإذا لن تلقى المعاجز الأنبياء السابقين إلى الناس اللاحقين بالتواتر ربما ينكرون هذه المعاجز الآن ما هي معجزة النبي آدم ما هي معجزة النبي إدريس ما هي معجزة النبي شيث لم تنقل إلينا تنقل إلينا ما ذكره القرآن الكريم طوفان نوح عصا موسى طب عيسى "عليهم السلام" ولكن القرآن الكريم قد وصل إلينا بالتواتر وهو موجود بين ظهرائينا فهو معجزة النبي الخالدة، القرآن معجزة إلهية يأتي عليه الكلام.