40/01/26
إعجاز القرآن
موضوع: إعجاز القرآن
إعجاز القرآن
بحث الإعجاز والمعجزة من أمهات المباحث في علوم القرآن ويقع الكلام في معنى الإعجاز في اللغة والاصطلاح.
أما اللغة فإن الإعجاز يطلق على عدة معان الفوت وجدان العجز إحداث العجز فيقال أعجزه الأمر الفلاني أي فاته ويقال أعجزت زيدا أي وجدته عاجزا أو جعلته عاجزا، إذاً الإعجاز في اللغة يطلق على الفوت أو وجدان العجز أو إحداثه.
وأما في الاصطلاح فهناك تعريف مشهور للإعجاز نطرحه ثم بعد ذلك نطرح ما ذكره السيد الخوئي “رحمه الله” وتعريف السيد الخوئي أدق، التعريف المشهور للمعجزة يقال الأمر الخارق للعادة الموافق لدعوى المدعي.
القيد الأول الأمر الخارق للعادة فالمعجزة لا تخرق الأمر العقلي فلا تأتي بالمستحيل عقلا ولكنها تأتي بالمستحيل طبعا فالمعجزة تخرق ناموس الطبيعة وما جرت عليه العادة ولكنها لا توجد المستحيل عقلا فالقيد الأول في التعريف الأمر الخارق للعادة يعني المستحيل طبعا عادة عرفا ولا تخرق المعجزة الأمر المستحيل عقلا هذا القيد الأول الأمر الخارق للعادة.
القيد الثاني الموافق لدعوى المدعي فقد يأتي الشخص بأمر خارق للعادة لكنه مخالف لدعوى المدعي كما حدث لمسيلمة الكذاب الذي أدعى النبوة وكان من بني حنيفة فجعل له بصبيان بني حنيفة فمسح على رؤوسهم وكل من مسح على رأسه أصبح أصلعا وحنكهم أي أنه أمر يده على حنكهم وكل من أمر يده على حنكه أصبح اثلغ والمراد بالأثلغ هو من يبدل الحرف مكانه حرف آخر الأغلط يعني من يبدل السين ثاء هذا يقال له اثلغ فكل من أمر يده على حنكه أسفل فكه أصبح اغلطا وأصبح يبدل حرفا مكان حرف.
وقيل له إن هذه البئر قليلة الماء فتفل فيها فنبض جميع الماء فهنا نبوض الماء وصلع الأطفال وغلط الأطفال هذا أمر خارق للعادة ولناموس الطبيعة ولكنه مخالف لأمر المدعي مسيلمة الكذابة أراد أن يثبت نبوته من خلال أن يفيض الماء وأن يفصح الصبي وأن يصبح شعره حريرا ناعما لكن ما جاء وكانت النتيجة هي مخالف لدعوى المدعي.
إلى هنا تم التعريف المشهور الأمر الخارق للعادة الموافق لدعوى المدعي.
وهناك قيد ثالث ينبغي أن يذكر في التعريف وهو يؤتى به شاهدا لدعوى النبوة أو يؤتى به شاهدا لمنصب إلهي فإذا قلنا المعجز الأمر الخارق للعادة الموافق لدعوى المدعي والذي يؤتى به كشاهد على صدق النبوة تكون المعجزة مختصة بخصوص الأنبياء وما يجري من الأمر المعجز والخارق للعادة على يد الأئمة "عليهم السلام" لا يكون معجزة وإنما يكون كرامة وأما إذا قلنا يؤتى به كشاهد على منصب إلهي فهذا كما يشمل النبي يشمل الإمام "عليه السلام" لأن الإمامة إلهية ومنصب إلهي فيكون مصطلح المعجزة كما يشمل النبي "صلى الله عليه وآله" يشمل الأئمة "عليهم السلام".
إذا تم هذا نأتي إلى التعريف الذي ذكره السيد الخوئي “رحمه الله” وقد تضمن هذه الأمور الثلاثة:
القيد الأول قال "قدس" أن يأتي المدعي لمنصب من المناصب الإلهية.
القيد الثاني بما يخرق نواميس الطبيعة ويعجز عنه غيره.
القيد الثالث شاهدا على صدق دعواه.
هذه القيود الثلاثة قد ذكرت في تعريف السيد الخوئي “رحمه الله”
القيد الأول أن يأتي المدعي لمنصب من المناصب الإلهية فكلام السيد الخوئي كما يشمل النبوة يشمل الإمامة فالنبوة منصب إلهي والإمامة أيضا منصب إلهي فيكون مصطلح المعجزة حسب هذا التعريف كما يشمل النبي المعصوم يشمل الإمام المعصوم "عليه السلام".
القيد الثاني بما يخرق نواميس الطبيعة ويعجز عنه غيره فالمعجزة تخرق الأمر المألوف عادة وهو ما يعبر عنه بنواميس الطبيعة ولا تخرق المعجزة الأمر المستحيل عقلا.
القيد الثالث شاهدا على صدق دعواه يعني المعجزة يؤتى بها كشاهد على صدق الدعوى فقد يأتي الإنسان بأمر خارق للعادة ولكنه لا يدعي النبوة ولا يدعي الإمامة فلا يقال لما جاء به معجز المعجزة الأمر الخارق لناموس الطبيعة إذا أتي به كشاهد لمنصب إلهي.
إذا اتضحت هذه القيود الثلاثة تتضح بعض الأمور:
الأمر الأول المراد بالمعجز ما يكون ممكنا عقلا أو شرعا وأما إذا كان مستحيلا شرعا أو عقلا ففي هذه الحالة لا تسمع هذه الدعوى مثال المستحيل عقلا أن يدعي شخص أنه شريك الباري تبارك وتعالى ويأتي لأمر خارق لناموس الطبيعة فهل تسمع دعواه؟ الجواب لا تسمع دعواه لماذا؟ لقيام البرهان العقلي القطعي على وحدانية الله “عز وجل” وأنه واحد أحد لا شريك له.
مثال المستحيل الشرعي أن يدعي أحد هذه الأيام أنه نبي مرسل وقد قام الدليل الشرعي القطعي على ختم النبوة بمحمد "صلى الله عليه وآله" فهنا من الناحية العقلية هل يمكن أن يبعث الله رسولا نعم يمكن ولكن من ناحية قيام الدليل الشرعي قام الدليل الشرعي القطعي على استحالة أن يبعث الله “عز وجل” نبيا بعد النبي محمد "صلى الله عليه وآله" هذا الأمر الأول.
الأمر الثاني شرحنا أنه الأمر الموافق لدعوى المدعي فيخرج ما خالف دعوى المدعي كما خرجت أفعال مسيلمة ودلت على كذبه.
الأمر الثالث ليس من الإعجاز أعمال الساحر والمشعوذ أو من يعلم ببعض العلوم النظرية الدقيقة أو من لديه خبرة بالطب في أمور بالغة الدقة يعجز عنها الكثيرون فتعريف المعجزة لا ينطبق عليه وإن عجز عنه غيره ولا يجب على الله “عز وجل” إبطال ما جاء به الساحر أو المشعوذ أو ذلك الطبيب لماذا؟ الجواب لأن هذه الأمور من المعلوم أن لها مقدمات تقود إلى هذه النتائج فمن يتعلم السحر أو الشعوذة أو الطب يعلم أن هناك مقدمات وهناك أذكار وهناك أفعال إذا قام بها ستحصل هذه النتيجة غاية ما في الأمر هذه المقدمات تخفى علينا ولا يعرفها بقية الناس فهذا الساحر أو المشعوذ أو الطبيب أو الذي لديه خبرة بعلوم دقيقة في الذرة وغيرها وإن جاء بشيء يعجز عنه الآخرون الآن كثير من الدول عندها أسرار بالنسبة إلى الحروب والأسلحة وتكتشف أسلحة وتخترع أسلحة يعجز عنها غيرهم لا يقال لهذه الأسلحة أنها معاجز لماذا؟ لأن هذه الأسلحة تتوقف صناعتها على علم هذا العلم غير متداول لدى بقية الناس لكن من المعلوم أن كل من حاز هذا العلم استطاع أن يأتي بهذه القنبلة أو بهذا السلاح فهذا لا يمثل خرقا لناموس الطبيعة وإنما هو عبارة عن معرفة الأشخاص بدقائق الأمور ودقائق المقدمات التي يعجز عن الوصول إليها غيرهم فلا يصدق عنوان المعجزة على ذلك ولا يجب على الله أن يبطل ذلك لأن هذا معلوم للناس أن هناك نتائج معينة تترتب على مقدمات معينة ومحددة هي خافية علينا.
في ختام هذا البحث بحث تعريف المعجزة يقول السيد الخوئي ليس من القبيح أن يختص الله “عز وجل” بعض عباده بمعرفة بعض الأشياء كما خص الشيخ البهائي “رحمه الله” حتى لو كانت دقيقة وبعيدة عن أيدي متناول الناس هذا ليس قبيحا ولكن القبيح أن يغري الجاهل بجهله وأن يجعل المعجزة على يد الكاذب فيضل الناس عن طريق الهدى هذا القبيح وأما أن يختص الله الناس بذلك فلا مانع من ذلك وما دام ذكرنا الشيخ البهائي لا بأس بهذه الخاطرة عن الشيخ البهائي.
الشيخ البهائي "رحمة الله عليه" كان يشرف على بناء حرم الإمام الرضا رزقنا الله وإياكم الوصول قال للبناء إذا رفعت الجدار إلى مقدار قامة فأوقف البناء حتى أرجع ولا ترفع البناء عند هذه الأبواب أبواب الحرم أكثر من قامة رجع الشيخ البهائي “رحمه الله” فرأى أن البناء قد رفع الجدار عن قدر قامة وشيد الأبواب فانزعج الشيخ البهائي قال لماذا لم تعمل بكلامي فقال البناء أنا توقفت فرأيت الرضا "صلوات الله وسلامه عليه" وقد أمرني برفع الجدار مرة مرتين ثلاث قلت هذا الأمر فيه شيء فرفعت الجدار فبكى الشيخ البهائي "رضوان الله عليه" قال أعلم أردت أن أضع حرزا عند أبواب الحرم بحيث لا يدخل العاصي والمذنب والمجنب إلى حرم الرضا "عليه السلام" ولكن الرضا "عليه السلام" الإمام الرؤوف أبت رأفته إلا أن تشمل الجميع فإذا لم يأتي العاصي إلى الرضا "عليه السلام" من يأتي وإلى من يفر هذا العاصي والمذنب، إلى هنا انتهينا من تعريف المعجزة.
النقطة الثانية لابد للنبي من إقامة المعجز وبعبارة أخرى يجب على الله “عز وجل” من باب ﴿كتب ربكم على نفسه الرحمة﴾[1] يعني ألزم نفسه بنفسه يجب على الله “عز وجل” أن يقيم المعجزة لماذا؟ لأن الناس وكل إنسان بل كل الكائنات تسير نحو كمالها النهائي كل الكائنات كما يقول الفلاسفة والعرفاء كل يسير نحو كماله ويتحرك نحو كماله المقصود وكل الناس تسعى نحو كمالها ونحو سعادتها الكبرى فإذا لم يكلفهم الله “عز وجل” ضلوا الطريق وما هو السبب في عدم تكليفهم
توجد ثلاثة احتمالات كلها غير تامة فيتعين أن يكلف الله “عز وجل” الناس للوصول إلى الهداية الكبرى والسعادة القصوى والكمال النهائي.
الاحتمال الأول أن يكون عدم تكليف الله “عز وجل” للناس لعدم علمه بحاجة الناس إلى التكليف وهذا نسبة للجهل إلى الله “عز وجل” العالم بكل شيء فهو محال.
الاحتمال الثاني الله “عز وجل” علم بحاجتهم ولكن لم يرد أن يصل الناس إلى كمالاتهم وهذا فيه نسبة البخل إلى الله وهو الغني المتعال وتعالى عن البخل عولا كثيرا.
الاحتمال الثالث الله “عز وجل” علم بحاجة الناس إلى التكليف وأراد أن يكلف الناس لكن لم يمكنه ذلك وهذا فيه نسبة العجز إلى الله العلي القدير القادر المطلق فتكون النتيجة النهائية إذا كان الله عالما بضرورة تكليف البشر ومريدا لتكليف البشر وكان تكليفهم ممكنا فتكون النتيجة يجب على الله “عز وجل” أن يكلف البشر فهذه من الضرورات لتحقق الهداية العظمى والسعادة الكبرى.
اكرر باختصار
هل يجب على الله أن يكلف البشر؟ نعم لماذا؟ لأن الناس يسعون لكمالاتهم ومن دون التكليف الإلهي لا يصلون إلى الكمال الحقيقي ما هو الدليل على ضرورة تكليفهم؟ الجواب توجد ثلاثة احتمالات إما أن الله لم يعلم بضرورة تكليفهم وهذا فيه نسبة الجهل إلى الله وإما أن الله قد علم لكنه لم يرد وهذا فيه نسبة البخل إلى الله والله هو الغني الجواد المطلق وإما أنه قد علم وأراد لكن لم يمكنه ذلك وهذا فيه نسبة العجز إلى الله القدير المطلق فتكون النتيجة هذه الأسباب الثلاثة منتفية يتعين أن يكلف الناس كيف يكلف الناس؟
الجواب يحتاج إلى مبلّغ من جنس البشر لا من جنس الملائكة تكون وظيفتهم وهم الأنبياء بيان التكليف الإلهي الذي خفي عليهم قال "عز من قائل" ﴿ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة﴾[2]
إذاً إلى هنا بينا أمرين:
الأمر الأول ضرورة التكليف الإلهي الأمر الثاني ضرورة إرسال الأنبياء والرسل بقي الأمر الثالث قد يختلط الأنبياء والرسل على الناس مع المشعوذين والسحرة لأن المنصب الإلهي يطمح إليه الجميع فتحصل الدعاوى المظلة المظللة فلابد من وجود أمر فارق ومائز واضح بين إلا وهو المعجزة فتكون النتيجة النهائية تجب المعجزة، إلى هنا ذكرنا ثلاث ضرورات وثلاث وجوبات الأمر الأول وجوب تكليف الناس وهدايتهم لكي يصلوا إلى كمالهم المقصود.
الأمر الثاني وجوب إرسال الأنبياء والرسل لهداية الناس.
الأمر الثالث وجوب إظهار المعجزة على يد الأنبياء والرسل لكي يتضح للناس النبي من مدعى النبوة ولكي يفرق الناس ذلك وهذه القاعدة قاعدة ضرورة إظهار المعجزة هذا أمر مضطرد في حياة الناس فلو أدعى احدهم أنه سفير السلطان الفلاني أو الملك الفلاني فإن الناس تطالبه بالدليل فإذا قال لهم الدليل أنهم في اليوم الفلاني وفي الساعة الفلانية سيأتي الملك ويقول هذا الكلام فإذا جاء الملك ولم يقل هذا الكلام فهذا تكذيب لمدعى السفارة وأما إذا جاء الملك وقال نفس الكلام الذي ذكره ذلك السفير فهذا إثبات بأحقية سفارته وهكذا مدعي النبوة مدعي النبوة إذا قال أنه سفير من قبل الله تبارك وتعالى فلابد أن يأتي بمعجزة ويجب على الله “عز وجل” أن يجري تلك المعجزة على يد النبي حتى لا يحصل إفساد للرعية ولعامة الناس قال الله “عز وجل” في حق نبيه محمد "صلى الله عليه وآله" ﴿ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين﴾[3] والمراد من الآية أن محمدا "صلى الله عليه وآله" الذي أثبتنا نبوته وأظهرنا المعجزة لتصديقه لا يمكن أن يتقول علينا بعض الأقاويل ولو صنع ذلك وحاشاه لأخذنا منه باليمين ولقطعنا منه الوتين فإن سكوت الله تبارك وتعالى عن أقاويل النبي إمضاء لها وإدخال للباطل للهدى.
في يوم من الأيام جاء عبد الله بن عمر بن العاص وسأل النبي "صلى الله عليه وآله" قال يا رسول الله إني اكتب كل ما تقول ولكن قريش وأهل مكة يقولون أوتكتب كل ما يقوله محمد "صلى الله عليه وآله" وهو بشر ينطق في الغضب والرضا فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله" يا عبد الله أكتب ثم فتح فمه المبارك قال فوالله ما خرج من في إلا الحق يعني ما يخرج من فمي إلا الحق) لذلك نشأت هذه الأمور أن النبي معصوم في خصوص التشريع لا الأمور العادية هذا هو القول المشهور عند أهل السنة والجماعة إن النبي معصوم في خصوص الأمور التشريعية دون حياته العادية إذا كان معصوم في خصوص التشريع الناس إذا رأته غير معصوم في الأمور العادية لم تثق به في الأمور الشرعية وسيأتي بحث هذا.
وبعبارة أخرى هناك حيثية حدوث وهناك حيثية بقاء، هناك حيثية البدء وهناك حيثية الاستمرار فعود الثقاب علة محدثة مسببة لحصول النار والاحتراق لكن وجود الأكسيجين عنصر مهم لاستمرار بقاء النار والاحتراق فمن هنا قال الفلاسفة هناك علة محدثة وهناك علة مبقية يعني هناك حيثية ابتداء وحدوث وهناك حيثية بقاء واستمرار والمعجزة فيها حيثية حدوث وفيها حيثية بقاء فالمعجزة مهمة للتصديق بدعوى النبوة ولكي يثبت هذا نبي يحتاج إلى إقامة الدعوى ولكي يستمر الناس في قبول دعوى النبي يحتاج إلى استمرار المعجزة لذلك يقول السيد الخوئي في نهاية هذا البحث لابد للنبي من إقامة معجزة أخر سطر يقول فيجب علينا حفظ الشريعة في مرحلة البقاء كما وجب علينا في مرحلة الحدوث والمراد يجب علينا يعني على الله “عز وجل” على الذات الإلهية.
هذا تمام الكلام في النقطة الثانية.
النقطة الأولى تعريف المعجزة لغة واصطلاحا
النقطة الثانية وجوب إقامة المعجزة على يد النبي "صلى الله عليه وآله"
النقطة الثالثة توقف دلالة المعجزة وصدقها على القول بالحسن والقبح العقليين خلافا للأشاعرة كما سيأتي إن شاء الله، بحث ارتباط المعجزة ببحث التحسين والتقبيح العقليين في قوله سيد الخوئي ولكن دلالة المعجز على صدق مدعي النبوة متوقفة على القول بأن العقل يحكم بالحسن والقبح يأتي عليه الكلام.