40/01/21
فضل القرآن
موضوع: فضل القرآن
يتناول المحقق السيد الخوئي “رحمه الله” تحت عنوان فضل القرآن أربعة أمور رئيسية:
الأمر الأول عجز الإنسان عن وصف القرآن فالمحدود لا يدرك عظمة غير المحدود وأنا للناقص أن يحيط بالكامل.
الأمر الثاني وجه عظمة القرآن.
الأمر الثالث من هم أعرف الناس بمنزلته وهم نظرائه أعني أهل البيت "عليهم السلام".
الأمر الرابع والأخير ذكر بعض الروايات الواردة في فضل القرآن ويذكر روايتين وفي الرواية الأولى يتناول السيد الخوئي ثلاثة مقاطع منها والرواية الثانية يتناول منها ثمانية مقاطع ويستعين على فهم معنى هذه المقاطع بروايات أخر.
هذه خلاصة درس اليوم فالأفكار العامة في هذه الدقائق المعدودة.
أما بالنسبة إلى الأمر عجز الإنسان عن وصف القرآن
فقد تناوله في أول فقرة إذا قال: من الخير أن يقف الإنسان دون ولوج هذا الباب إلى أن يقول وهل يصف المحدود إلا محدودا
فهذه الفقرة يشير فيها السيد الخوئي “رحمه الله” إلى عجز الإنسان عن وصف القرآن فالإنسان ناقص والقرآن كلام كامل الإنسان محدود والقرآن كلام الله تبارك وتعالى غير المحدود الإنسان متناهي والقرآن كلام غير المتناهي إذاً من المستحيل أن يحيط الإنسان الناقص المحدود العاجز عن فهم عظمة كلام الكامل القادر غير المحدود غير المتناهي وهو الله تبارك وتعالى.
النقطة الثانية
وجه عظمة القرآن وقد ذكر السيد الخوئي “رحمه الله” ثلاثة أمور:
الأمر الأول إن القرآن كلام الله وكلام العظيم عظيم.
الأمر الثاني القرآن معجزة النبي الخاتم وحسبه عظمة أن يكون معجزة النبي الخاتم.
الأمر الثالث والأخير القرآن كتاب هداية فإذا كان القرآن كتاب هداية لجميع البشرية فهذا يكشف عن عظمته إذ هو قادر على هداية البشرية.
قد يقول قائل نحن لا نجد الكيمياء أو الفيزياء أو الرياضيات أو الهندسة والحساب وغير ذلك في كتاب الله.
فيكون الجواب إن القرآن كتاب هداية وليس كتاب علمي تخصصي الوظيفة الأساسية لكتاب الله هي هداية البشر فالقرآن يذكر كل ما يتصل بهداية الإنسان وهداية البشرية بسم الله الرحمن الرحيم ﴿الم* ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين﴾[1] ، ﴿إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم﴾[2] ، ﴿كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بأذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد﴾[3] ﴿هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين﴾[4] .
السيد الخوئي “رحمه الله” أشار إلى النقطة الثانية عظمة القرآن بقوله صفحة 17:
وحسب القرآن عظمة وكفاه منزلة وفخرا أنه كلام الله العظيم هذا الأمر الأول ومعجزة نبيه الكريم هذا الأمر الثاني وأن آياته هي المتكفلة بهداية البشر في جميع شؤونهم وأطوارهم في أجيالهم وأدوارهم هذا الأمر الثالث.
إلى هنا انتهينا من بيان النقطة الثانية.
ونشرع في بيان النقطة الثالثة وهي أن من يفهم كلام الله هم نظرائه وهم أئمة أهل البيت "عليهم السلام".
يكفي للدلالة على ذلك حديث الثقلين قال رسول الله “صلى الله عليه وآله” (إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض)[5] ، إذاً لا يوجد افتراق بين القرآن والعترة وفي نقل آخر هناك زيادات مهمة (فلا تقدموهما فتهلكوا ولا تتأخروا عنهما) [6] في بعض الروايات (كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي)[7] وفي بعض الروايات (ولا تعلموهما فإنهما أعلم منكم)[8] روايات تحث على التمسك بالكتاب والعترة وروايات تدل على فضل الكتاب كقوله “صلى الله عليه وآله” (فضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه)[9] إذاً المسافة والفاصلة غير محدودة وكبيرة جدا.
ثم يتطرق السيد الخوئي إلى النقطة الرابعة وهي بيان بعض الروايات الواردة في فضل القرآن الكريم ويذكر روايتين الأولى عن الحارث الهمداني "رضوان الله عليه" ينقل عن أمير المؤمنين وأمير المؤمنين ينقل عن النبي “صلى الله عليه وآله” والثانية من روايات نهج البلاغة في وصف أمير المؤمنين للقرآن الكريم.
الحارث الهمداني هو من قبيلة همدان وهي قبيلة كبيرة في اليمن موالية لأمير المؤمنين إلى يومنا هذا وينسب إلى أمير المؤمنين “عليه السلام” أنه قال (يا حاري همدان من يمت يرني من مؤمن أو منافق قبلا)[10] يا حار يعني يا حارث وهو الحارث بن عبد الله الأعور الهمداني وتفصيل الكلام في سيرته وطعن الشعب فيه بغير حق موجود في التعليقة الثانية من تعليقات هذا الكتاب السيد الخوئي له تعليقات على تفسير البيان تبدأ التعليقات في هذه النسخة صفحة 501 التعليقة الأولى مصادر حديث الثقلين التعليقة الثانية ترجمة الحارث وافتراء الشعبي عليه السيد الخوئي "رضوان الله عليه" عنده ستة وعشرين تعليقة إن شاء الله تراجعون وتقرؤون التعليقة الأولى والتعليقة الثانية.
وهناك أيضا بيت شعر منسوب إلى أمير المؤمنين “عليه السلام” يقول:
ولو كنت بوابا على باب جنةلقلت لهمدان ادخلوا بسلامي
يشير إلى عظمة هذه القبيلة الآن الذي يقاتل السعودية والإمارات ويرد العدوان السعودي الإماراتي في اليمن قبيلة همدان هذه القبيلة الموالية لأمير المؤمنين "عليه أفضل صلوات المصلين".
الرواية التي ينقلها الحارث الهمداني سؤال ما الفرق بين همدان وهمذان؟ بعض الروايات أحيانا الراوي الحارث الهمداني بدون نقطة وأحيانا الهمذاني بالنقطة ما الفرق بينهما؟ الجواب بالنقطة همذان نسبة إلى مدينة همدان الإيرانية وأما همدان بدون نقطة نسبة إلى قبيلة همدان اليمنية العريقة في العروبة والولاء لأمير المؤمنين وأهل البيت "عليهم السلام".
روى الحارث الهمداني قال (دخلت المسجد فإذا أناس يخوضون في أحاديث فدخلت على علي “عليه السلام” فقلت ألا ترى أن أناس يخوضون في الأحاديث في المسجد قال قد فعلوها؟ قلت نعم قال علي “عليه السلام” أم أني قد سمعت رسول الله “صلى الله عليه وآله” يقول ستكون فتن قلت وما المخرج منها قال كتاب الله فيه نبع ما قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم والفصل ليس بالهزل هو الذي من تركه من جبار قصمه الله ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله فهو حبل الله المتين وهو الذكر الحكيم وهو الصراط المستقيم وهو الذي لا تزيق به الأهواء ولا تلتبس به الألسنة ولا تشبع منه العلماء ولا يخلق عن كثرة الرد ولا تنقضي عجائبه وهو الذي لم ينتهي الجن إذ سمعته إذ أن قالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا هو الذي من قال به صدق ومن حكم به عدل ومن عمل به أجر ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم خذها إليك يا أعور)[11] يعني ليس هو أعور وإنما هو الحارث بن عبد الله الأعور الهمداني لقبه الأعور، هذا الحديث فيه معاني عظيمة وجليلة السيد الخوئي “رحمه الله” سلط الضوء على ثلاثة مقاطع:
المقطع الأول قول رسول الله “صلى الله عليه وآله” (فيه نبأ ما كان قبلكم وخبر ما بعدكم) هذا المقطع يحتمل ثلاثة وجوه:
الوجه والمعنى الأول أن يكون المراد هو الإشارة إلى أخبار النشأة الأولى وعالم البرزخ وعالم الحساب والجزاء على الأعمال ففي قوله “صلى الله عليه وآله” (فيه نبأ ما قبلكم) يعني مبدأ حدوثكم ونشأتكم (وخبر ما بعدكم) يعني ما عادكم وإلى أين تصيرون (وحكم ما بينكم) أي الأحكام التي قررها الشارع المقدس لتعايشكم فيما بينكم.
يقول السيد الخوئي “رحمه الله” الاحتمال الأول هو أقرب الاحتمالات لوجود قرينة تدل عليه وهو حديث آخر لأمير المؤمنين "عليه أفضل صلوات المصلين" يصرح بلفظ المعاد وهو قوله “عليه السلام” في خطبته (فيه نبأ من كان قبلكم والحكم فيما بينكم وخبر معادكم)[12] وجه الشاهد قوله “عليه السلام” (وخبر معادكم) فتكون هذه الرواية قرينة على أن المراد بالرواية التي رواها أمير المؤمنين عن رسول الله “صلى الله عليه وآله” هو الاحتمال الأول الإشارة إلى النشأة الأولى والنشأة الأخرى وما بينهما.
الاحتمال الثاني أن تكون إشارة إلى المغيبات التي أنبأ عنها القرآن مما يقع في الأجيال المقبلة كما في قوله "عز من قائل" ﴿الم غلبت الروم وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر.....﴾[13] وقد نزلت قبل أن تحصل الحرب مع الروم وهناك علم خاص يقال له علم المنايا والبلايا وقد خص به رسول الله “صلى الله عليه وآله” مجموعة من الصحابة أبرزهم أمير المؤمنين "عليه أفضل صلوات المصلين" وحذيفة بن اليمان حذيفة بن اليمان كان يعرف أسماء المنافقين فكان لا يصلي خلف أي صحابي لأنه يعرف الصحابي الصادق من المنافق ومجموعة من الصحابة المعروفين بأن لديهم علم المنايا والبلايا كسلمان الفارسي المحمدي هذا أيضا ممن يعرف علم المنايا والبلايا.
المعنى الثالث أن يكون إشارة إلى حوادث الأمم السابقة وإنما جرى على الأمم السابقة يجري على هذه الأمة كما يقولون التاريخ يعيد نفسه إشارة إلى الآية الكريمة ﴿لتركبن طبقا عن طبق﴾[14] أي ما ورد في الحديث المأثور عن النبي “صلى الله عليه وآله” (لتركبن سنن من قبلكم)، هذا تمام الكلام في بيان المقطع الأول واتضح أن الاحتمال الأول هو الأقرب.
المقطع الثاني قوله “صلى الله عليه وآله” (من تركه من جبار قصمه الله)، استظهر السيد الخوئي من هذا المقطع لعل فيه ضمانا بحفظ القرآن عن تلاعب الجبارين فالجبار والطاغية قد يتلاعب بألفاظ القرآن أما التلاعب بمعاني القرآن فقد وقع وما أكثر المعاني التي حرفت واستدل عليها بكتاب الله لذلك أمير المؤمنين "سلام الله عليه" حينما بعث ابن عباس في التحكيم قال (احتج عليهم بسنة رسول الله ولا تحتج عليهم بكتاب الله فإنه حمال ذا وجوه)، إذاً لعل في هذا التعبير من تركه من جبار يعني من ساعد على ترك القرآن لأن الجبابرة والظالمين يهمهم ترك القرآن ﴿إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة﴾[15] وكذلك الظالم والجبار يهمه تغييب القرآن الكريم عن الناس أو التلاعب بالقرآن يعني بألفاظ القرآن ونص القرآن الرواية تقول (من تركه من جبار قصمه الله) فهذه إشارة إلى صيانة القرآن عن التحريف وإن الله قد تكفل بحفظه.
المقطع الثالث قوله “صلى الله عليه وآله” وهذا المقطع أيضا يمكن أن يكون قريب من هذا (لا تزيق به الأهواء) يعني الأهواء لا تغير القرآن يعني لا يمكن الإنسان حسب أهواء أن يغير لفظ كتاب الله وأما معاني القرآن قد تزيق بها الأهواء.
في الختام السيد الخوئي "رضوان الله عليه" يشير إلى المقاطع الأخيرة الواردة من دون أن يذكرها كقوله “صلى الله عليه وآله” (هو الذي من قال به صدق ومن حكم به عدل ومن عمل به أجر) يشير إلى آثار وبركات القرآن الكريم وأن الأمة لو رجعت إلى القرآن لأصبحت أفضل الأمم ولو أقامت حدود القرآن واتبعت إرشادات القرآن وأعطت الحق أهله وهم أهل البيت "عليهم السلام" لوصلت إلى الطريق المستقيم.
هذا تمام الكلام في بيان الرواية الأولى في فضل القرآن.
الرواية الثانية وقال أمير المؤمنين “عليه السلام” في صفت القرآن يأتي عليها الكلام.