47/04/18
الدرس (مائتان وأربعة وأربعون): الجواب الخامس على مشكلة المقدمات المفوتة
الموضوع: الدرس (مائتان وأربعة وأربعون): الجواب الخامس على مشكلة المقدمات المفوتة
[ستة أمور كأصول موضوعية]
الجواب الخامس على مشكلة المقدمات المفوَّتة، ونفترض فيه ستة أمور كأصول موضوعية:
[الأصل الأول: نفي فعلية وجوب ذي المقدمة قبل الشرط]
الأول: عدم إمكان فعلية وجوب ذي المقدمة قبل تحقق الشرط بشكل من الأشكال، فلا توجد فعلية لوجوب الصوم ليلاً قبل تحقق شرط الوجوب وهو طلوع الفجر، فقبل طلوع الفجر لا توجد أي فعلية لوجوب الصوم، وهذا بخلاف الأجوبة الأربعة المتقدمة، فجميعها يبتني على وجود وجوب فعلي للصوم أدى إلى إيجاب المقدمات المفوَّتة كغسل الجنابة.
[الأصل الثاني: الشرط من قيود الترتب لا الاتصاف]
الثاني: إن الشرط ليس من قيود اتصاف الفعل بالمصلحة، وإنما هو من قيود ترتب المصلحة على الفعل، فطلوع الفجر ليس من قيود اتصاف فعل الصوم بالوجوب، بل إن هذا الشرط وهو طلوع الفجر من قيود ترتب المصلحة على فعل الصوم وليس من شروط أصل اتصاف الصوم بالمصلحة.
[الأصل الثالث: استحالة الواجب المعلّق]
الثالث: استحالة الواجب المعلَّق، فلا نؤمن بأن الوجوب فعلي في الليل والواجب استقبالي عند طلوع فجر اليوم الأول من شهر رمضان.
[الأصل الرابع: استحالة الواجب المشروط بالشرط المتأخر]
الرابع: استحالة الواجب المشروط بالشرط المتأخر، فلا نؤمن بوجود وجوب للصوم عند هلال شهر رمضان، لكن وجوب هذا الصوم الثابت ليلاً مشروط بشرط متأخر وهو عند طلوع فجر اليوم الأول من شهر رمضان.
[الأصل الخامس: فعلية الملاك والإرادة قبل تحقق الشرط]
الخامس: افتراض وجود ملاك وإرادة فعليين قبل تحقق الشرط، فقبل طلوع فجر اليوم الأول من شهر رمضان يستحيل توجه خطاب بالصوم للمكلف، أي يستحيل التكليف ويستحيل الجعل، لأن الجواب الخامس يرى استحالة الواجب المعلَّق واستحالة الواجب المشروط بشرط متأخر، فالمستحيل إنما هو خصوص الخطاب والجعل، واستحالة فعلية الخطاب والجعل لا تستلزم استحالة فعلية الملاك والإرادة، فملاك وجوب الصوم وإرادة المولى لإيجاد الصوم من قبل المكلف، هذا الملاك وهذه الإرادة موجودان بالفعل، أي أن الحكم وهو وجوب الصوم غير موجود، لكن مبادئ الحكم وهي الملاك والإرادة موجودان وفعليان، وهذا مربط الفرس.
[الأصل السادس: إبراز المولى لفعلية الملاك والإرادة]
السادس: أن يتصدى المولى لإبراز فعلية الملاك والإرادة ولو بنحو الإخبار.
[الطالب:] غير الجعل هذا؟
لا غير الجعل، الجعل اعتبار.
[الطالب:] كيف علم غيب يعني؟
لا... يُخبر تارة، تارة يقول المولى: أوجب عليك صيام شهر رمضان، هذا الخطاب إبراز للجعل والاعتبار. تارة لا يخاطب المكلفين لأنه هنا يستحيل الواجب المعلَّق والواجب المشروط بشرط متأخر، لكن النبي والإمام يقولون: الله عز وجل يحب الصوم، الله عز وجل يريد الصائمين...
هنا حصل التعرف على وجود ملاك فعلي ببركة الإخبار، الإخبار ليس بالضرورة أيضاً ليس بالضرورة الخطاب، قد يكون بإشارة في الموالي العرفيين، مثلاً يسألون العبد يسأل السيد: أنت لم تأمرنا لكن تحب ذلك؟ فحرك رأسه بالإيجاب، هنا حصل التعرف على وجود ملاك وإرادة فعليين وإن لم يصدر اعتبار وجعل وخطاب بالفعل، واضح إن شاء الله؟
نأتي هنا إلى حكم العقل: فالعقل يحكم بوجوب المقدمات المفوَّتة، لأن العقل يرى أن الملاك والإرادة اللذين اهتم المولى بإبرازهما بالقدر الممكن له من الاهتمام لا بد من إنجازهما خارجاً.
[إشكال: فرعية الوجوب الغيري على النفسي]
إشكال: قد يُقال: إن الوجوب الغيري فرع الوجوب النفسي، فثبِّت العرش ثم النقش، أولاً ثبت وجوب الصوم الذي هو واجب نفسي ثم ثبت وجوب الغسل قبل الصوم، هذه المقدمة المفوَّتة الذي هو واجب غيري، وفي الجواب الخامس نحن نلتزم باستحالة الواجب المعلَّق والمشروط بشرط متأخر، أي أننا ننكر أصل فعلية وثبوت الواجب النفسي وهو وجوب الصوم، لذلك ذكرنا من الأمور الستة عدم فعلية الوجوب، فإذا لم يثبت الواجب النفسي وهو وجوب الصوم، فكيف يثبت الواجب الغيري وهو وجوب غسل الجنابة هذه المقدمة المفوَّتة؟
[الجواب عن الإشكال]
والجواب: هذا الكلام ليس بصحيح، بل إن الوجوب النفسي كوجوب صوم شهر رمضان والوجوب الغيري كغسل الجنابة من المقدمات المفوَّتة معلولان لعلة ثالثة وهي الملاك والإرادة، فإذا ثبت أن ملاك الصوم وإرادة الصوم فعلي، فحينئذ يثبت الوجوب النفسي أولاً وهو وجوب صوم شهر رمضان، ثم يثبت الوجوب الغيري ثانياً وهو وجوب الغسل والمقدمات المفوَّتة. لكن على هذا المبنى لا يمكن القول بثبوت الوجوب النفسي لأننا نرى استحالة الواجب المعلَّق والواجب المشروط، لكن لا محذور من القول بوجوب غسل الجنابة والواجب الغيري.
[خلاصة الجواب الخامس]
الخلاصة: الواجب الغيري ليس معلولاً للواجب النفسي، الواجب الغيري معلول للملاك، وكذلك الواجب النفسي معلول للملاك، فإذا كان الملاك فعلياً يصبح الوجوب الغيري فعلياً. نعم، الوجوب النفسي لا يكون فعلياً لمحذور استحالة الواجب المعلَّق والواجب المشروط، واضح إن شاء الله؟
إذاً يمكن القول بترشح الوجوب الشرعي إلى المقدمة والواجب الغيري كوجوب غسل الجنابة، لأن الواجب الغيري والواجب النفسي معلولان لفعلية ملاك ذي المقدمة، وقد افترضنا أن الملاك فعلي من أول الأمر.
نعم، لم يؤثر في وجوب ذي المقدمة نظراً لاستحالة الواجب المشروط بشرط متأخر واستحالة الواجب المعلَّق، وهذا المحذور لا يوجد بلحاظ المقدمة، بلحاظ غسل الجنابة فالملاك فعلي هذه علة، فالمعلول يكون فعلياً وهو وجوب غسل الجنابة.
هذا تمام الكلام في الجواب الخامس.
[الفارق بين الجواب الخامس والأجوبة الأربعة]
ما الفارق بين الجواب الخامس والأجوبة الأربعة؟ الأجوبة الأربعة المتقدمة تثبت وجوب المقدمات المفوَّتة بسبب فعلية الوجوب، فعلية الجعل. الجواب الخامس يثبت وجوب المقدمة بسبب فعلية الملاك لا بسبب فعلية الوجوب، وهذا أيضاً ما يُستفاد منه في الجواب السادس.
إذاً الجواب الخامس تام.
[الجواب السادس: مبنى المحقق النائيني]
الجواب السادس
نفترض فيه أيضاً أموراً:
الأول: قبل الشرط لا يوجد ملاك ولا إرادة ولا خطاب، أي لا يوجد ملاك فعلي للحكم ولا يوجد حكم فعلي، لا يوجد وجوب.
الثاني: الشرط من قيود الاتصاف لا من قيود الترتب، فشرط طلوع الفجر شرط لاتصاف الصوم بالوجوب، وإذا لم يطلع الفجر لا يتصف الصوم بالوجوب، لذلك لا يكون الوجوب فعلياً نظراً لأن الشرط إنما هو من شروط الاتصاف لا من شروط الترتب.
الثالث: استحالة الواجب المعلَّق والواجب المشروط بشرط متأخر.
[إبداع المحقق النائيني]
عجيب! إذاً لا نؤمن بالواجب المعلَّق ولا بالواجب المشروط بشرط متأخر، ولا نؤمن بوجوب فعلي، ونؤمن إن الشرط من شروط الاتصاف لا من شروط الترتب، يعني لا يوجد وجوب فعلي ولا يوجد ملاك فعلي ولا توجد إرادة فعلية، ورغم ذلك تجب المقدمة المفوَّتة غسل الجنابة!
لاحظ إبداعات وابتكارات الميرزا النائيني! يقول الميرزا النائيني: نعم، ويجب غسل الجنابة على الرغم من عدم وجود ملاك وجوب الصوم وجعل واعتبار وجوب الصوم، ورغم ذلك يجب غسل الجنابة.
[السر في ذلك: التفويت الاختياري للملاك]
والسر في ذلك: أنه لو ترك الغسل قبل الفجر إلى أن طلع الفجر، فهو في هذه الحالة لم يعصِ إذ لا خطاب بالصوم لكي يعصيه، فلا يوجد خطاب بوجوب الصوم قبل طلوع الفجر لأن طلوع الفجر شرط اتصاف الصوم بالوجوب، فلو لم يغتسل فحينئذ لم يعصِ وجوب الصوم، وعند طلوع الفجر هو عاجز، ويستحيل تكليف العاجز.
إذاً لاحظ الفذلكة الحلوة يا حلو، حلو، يا حلو! قبل طلوع الفجر لا ملاك للصوم ولا اعتبار للصوم، وبعد طلوع الفجر يوجد ملاك ويوجد اعتبار، لكن المكلف عاجز لأنه لم يغتسل، فلا يتوجه إليه الخطاب بوجوب الصوم ولا يصدق عليه أنه عصى خطاب الصوم لأنه لا خطاب بوجوب الصوم. لكن بالإمكان افتراض فعلية الملاك حين العجز، ولو كان عاجزاً عن الصوم، فإذا ترك الغسل فحينئذ يكون قد فوَّت الملاك.
والسر في ذلك: أن الخطاب والتكليف مشروطٌ بالقدرة، وأما الملاك والمحبوبية والمبغوضية فليسا مشروطين بالقدرة، فيمكن أن يُقال - لاحظ التفكير لوين يوصل - يمكن أن يُقال: إن الله عز وجل يحب الصائمين سواء استطاعوا أن يأتوا بشرطه كالغسل أو لم يستطيعوا أن يأتوا بشرطه.
[الفرق بين الجعل والملاك]
إذاً لاحظ النكتة الفارقة: الجعل والتشريع والخطاب مشروط بالقدرة، وأما الملاك فهو فعلي وغير مشروط بالقدرة، فملاك وجوب الصوم مطلق يشمل القادر ويشمل العاجز، فالملاك ليس من الضروري اشتراطه بالقدرة كالخطاب، وبالتالي إذا ترك الغسل، كان قادر على الغسل وما اغتسل، فقد صدر منه تفويت الملاك، وتفويت الملاك لا يجوز لمجموع مقدمتين: صغرى وكبرى.
إلى الآن قبل ما ندخل في المقدمتين، لاحظ النكتة المهمة التي توصلنا إليها وهي أنه لا يوجد خطاب بوجوب الصوم لأن الوجوب مقيد بالقدرة، لكن يوجد ملاك مطلق بوجوب الصوم، هذا الملاك غير مقيد بالقادر، يشمل القادر ويشمل العاجز، هذا الملاك إذا فعلي، هذا الملاك الفعلي هو الذي يوجب المقدمات المفوَّتة، واضح إن شاء الله؟
وهذا الملاك الفعلي يوجب المقدمات المفوَّتة لمجموع مقدمتين:
المقدمة الأولى (الصغرى): وهي أن هذا تفويت اختياري للملاك، فإنه وإن كان حين طلوع الفجر عاجزاً عن الصوم الصحيح بسبب تركه للغسل، لكن هذا العجز نشأ بالاختيار، هو اختار أن لا يغتسل غسل الجنابة، والامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار. إذاً الصغرى مفادها: هذا امتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار.
المقدمة الثانية (كبرى): ومفادها أن التفويت الاختياري للملاك الملزم الذي تصدى المولى لإبرازه بالقدر الممكن قبيح كالتفويت الاختياري للخطاب الملزم. إذاً مفاد الكبرى: كل تفويت اختياري للملاك قبيح، كما أن التفويت الاختياري للخطاب قبيح، يعني يجب عليه أن يحافظ على الملاك كما يجب عليه أن يحافظ على الخطاب، ومخالفة الملاك الفعلي قبيحة كما أن مخالفة الخطاب الفعلي أيضاً قبيحة.
النتيجة النهائية: تجب المقدمات المفوَّتة، فيجب عليه أن يغتسل قبل طلوع الفجر، والذي أوجب الغسل قبل طلوع الفجر هو ماذا؟ هو وجود ملاك فعلي ومطلق يشمل العاجز والقادر.
[المقارنة بين الجواب الخامس والسادس]
سؤال: بماذا يشترك الجواب الخامس مع السادس وبماذا يفترقان؟
الجواب: يشتركان في أن الذي أوجب المقدمات المفوَّتة هو الملاك. الجواب الأول والثاني والثالث والرابع يرون أن الذي أوجب المقدمات المفوَّتة هو فعلية الوجوب. يشترك الجواب الخامس والسادس في أن الوجوب ليس بفعلي لكن الملاك فعلي. يختلفان في أن الجواب الخامس يرى أن الشرط من شروط الترتب، بينما الجواب السادس يرى أن الشرط هو من شروط الاتصاف.
هذا تمام الكلام في بيان الجواب السادس الذي ذهب إليه المحقق النائيني. يُراجع[1] [2] .
تتمة الحديث تأتي.