« فهرست دروس
الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق
بحث الأصول

47/03/29

بسم الله الرحمن الرحيم

الدرس (مائتان وسبعة وثلاثون): جواب الإشكال الأول على الواجب المعلق

الموضوع: الدرس (مائتان وسبعة وثلاثون): جواب الإشكال الأول على الواجب المعلق

 

بيان الإشكال الأول بشكل موجز

وقبل بيان الجواب لا بأس ببيان الإشكال الأول بشكل موجز، ولنضرب مثالاً وهو وجوب الصوم، فالوجوب يتحقق بهلال غروب شهر رمضان، والقيد المبحوث هو طلوع فجر أول يوم من شهر رمضان.

وقد قال صاحب الفصول رحمه الله[1] بأن هذا القيد غير الاختياري وهو طلوع الفجر قد أُخذ قيداً في الواجب أي الصوم الواجب.

الشقّان والاحتمالان

وهنا نقول يوجد شقّان واحتمالان:

 

الاحتمال الأول: القيد مأخوذ في الوجوب والواجب معًا

أن يكون قيد طلوع الفجر كما أخذ في الواجب أخذ أيضاً في الوجوب، وبالتالي يكون بنحو الشرط المتأخر، فطلوع الفجر شرط متأخر لوجوب الصوم وشرط مقارن للصوم الواجب، فيكون الوجوب فعلياً والواجب استقبالياً.

هنا يقع البحث: فمن يرى استحالة الشرط المتأخر كالميرزا النائيني[2] يرى استحالة أن يكون قيد طلوع الفجر قيداً للوجوب والواجب معاً، ومن يرى إمكان الشرط المتأخر فلا يرى بأساً في أن يرجع قيد الفجر إلى الوجوب والواجب معاً ولو بنحو الشرط المتأخر، لكنه يقول: هذا ليس بشيء جديد، هذا نفس الواجب المشروط.

هذا تمام الكلام في الشق الأول: إما يلزم منه محذور الشرط المتأخر، أو إذا قبلنا بإمكانية الشرط المتأخر يلزم منه أنك لم تأتِ بمصطلح وبواجب في مقابل الواجب المشروط، هذا نفس وعين الواجب المشروط.

الاحتمال الثاني: القيد مأخوذ في الواجب فقط

أن يكون قيد طلوع الفجر قد أخذ في خصوص الصوم الواجب ولم يُؤخذ في الوجوب، فإذا لم يُؤخذ في الوجوب إذاً الوجوب مطلق، فبمجرد ثبوت هلال شهر رمضان يكون الوجوب مطلقاً وغير مقيد بطلوع فجر أول يوم من شهر رمضان.

فإذا كان الوجوب فعلياً فهو محرِّك، فهو يحرِّك نحو إيجاد طلوع الفجر، وإيجاد طلوع الفجر أمر غير اختياري، فيلزم منه الأمر بشيء غير اختياري وهو محال، واضح إن شاء الله؟

خلاصة الإشكال الأول

هذا القيد غير الاختياري كطلوع الفجر إن أخذ في الوجوب والواجب معاً فهو إما مستحيل بناءً على مبنى النائيني، وإما ممكن لكنه ليس بشيء جديد بل هو نفس الواجب المشروط.

وإن قلنا بأن قيد طلوع الفجر أخذ في خصوص الواجب دون الوجوب فالوجوب فعلي ومحرِّك نحو إيجاد القيد غير الاختياري، والأمر بأمر غير اختياري قبيح.

الجواب عن الإشكال الأول القيدان الموجودان

والجواب: يوجد عندنا في الحقيقة قيدان:

القيد الأول: قيد طلوع الفجر.

القيد الثاني: قيد القدرة على الصوم على تقدير طلوع الفجر، كوجود الحياة وعدم الممات وتوفر الصحة وعدم المرض، فالقيد الثاني مرجعه إلى قضية شرطية: يجب الصوم إن طلع عليك الفجر وأنت حي وأنت صحيح ولست بمريض.

إذاً القيد الثاني وهو القدرة على الصوم إن توفرت الحياة، الإيرانيين دائماً يقولون: «به شرط حيات» يعني إن توفر شرط الحياة والصحة، هذا القيد الثاني مرجعه إلى قضية شرطية.

ولا بد من أخذه قيداً في الوجوب ولو بنحو الشرط المتأخر، يعني يجب صوم شهر رمضان على المكلف إن طلع عليه الفجر وهو حي وسليم غير مريض، فالمولى ينشئ حكمه بنحو القضية الحقيقية ولا يمكنه أن يضمن للمكلفين ثبوت مثل هذا القيد خارجاً.

تحليل القيدين

إلى هنا ذكرنا قيدين:

القيد الأول: قيد نفس طلوع الفجر الذي هو أمر تكويني، وهذا ليس بقدرة المكلف.

القيد الثاني: تمكن المكلف من الصوم إن طلع عليه الفجر وهو حي وسليم.

ولنبحث المسألة بناءً على القيد الأول وبناءً على القيد الثاني.

أما بالنسبة إلى القيد الأول (قيد طلوع الفجر)

فيمكن للمولى أن يضمن ثبوته للمكلفين خارجاً ما لم تقم القيامة، فالمولى يقول: كل يوم سيطلع الفجر ما لم يأتِ يوم القيامة، هذا مضمون. صحيح، قيد طلوع الفجر ليس بقدرة المكلف وليس بيده لكنه مضمون، إذ أن الفجر سيطلع دائماً وأبداً ما لم تقم القيامة، فهذا قيد مضمون خارجاً.

ومن هنا يجوز أن يُوجَب المقيد من دون أن يُؤخذ القيد قيداً للوجوب، ولا يلزم من ذلك التحريك نحو غير المقدور، أي أننا – التفت جيداً - إذا اخترنا القيد الأول قيد طلوع الفجر، نختار الشق الثاني من الإشكال:

الشق الأول: أن يُؤخذ هذا القيد في الوجوب والواجب معاً.

الشق الثاني: أن نأخذ هذا القيد في خصوص الواجب فيصير الوجوب فعلي، يلزم إشكال التحريك نحو غير المقدور.

والجواب: نختار الشق الثاني أن القيد هو طلوع الفجر وأن هذا القيد أخذ في خصوص الواجب ولم يُؤخذ في الوجوب، وعلى الرغم من ذلك لا يلزم التحريك نحو غير المقدور.

المقدمة الفلسفية

تحليل فلسفي: المقيد، القيد، التقيد

وهذا ما يتوقف على مقدمة مذكورة في الفلسفة كما يقول الملا هادي السبزواري: تقيد جزء وقيد خارجي[3] ، فعندنا ثلاثة أشياء: مقيد وقيد وتقيد.

مثال ذلك: وجوب الصوم المقيد بطلوع الفجر، هذا إذا قيدنا الوجوب، أو الصوم الواجب المقيد بطلوع الفجر، فما هو المقيد؟ الوجوب أو الواجب. وما هو القيد؟ طلوع الفجر. وعندنا لحاظ ذهني وهو تقيد الواجب بطلوع الفجر.

زيد جميل: زيد مقيد، الجمال قيد وصف، وعندنا لحاظ زيد أنه جميل، تقيد زيد بالجمال. هاي ثلاثة عناصر: مقيد وقيد وتقيد. إلى هنا واضح؟

القيد يكون في الخارج، وأما في القضايا الذهنية الداخل هو ماذا؟ المقيد والتقيد، يعني الصورة الذهنية لزيد موجودة في ذهني، وتقيد صورة زيد بالجمال هذا أيضاً موجودة في ذهني.

تطبيق المقدمة الفلسفية على المسألة

إذا اتضحت هذه المقدمة نقول: نختار القيد الأول. ما هو القيد الأول؟ قيد طلوع الفجر خارجاً وتكوينياً الذي هو مضمون ما لم تقم القيامة، ويمكن للمولى أن يضمن ثبوت هذا القيد للمكلفين في الخارج ما لم تقم القيامة، وبالتالي يجوز للمولى أن يوجب المقيد.

ما هو المقيد؟ الصوم الواجب، وأيضاً يشترط التقيد يعني تقيد الصوم الواجب بطلوع الفجر، ولكن لا يدخل القيد الذي هو طلوع الفجر شرطاً في الوجوب، يعني يصير الوجوب مطلق غير مقيد بطلوع الفجر، والواجب هو المقيد بطلوع الفجر.

جواب الإشكال: الفرق بين الأمر بالمقيد والتقيد دون القيد غير المقدور

هنا قد تشكل وتقول: إذاً الوجوب موجودٌ ومطلقٌ إذ هو غير مقيد بطلوع الفجر فيلزم منه التحريك نحو الأمر غير المقدور، التحريك نحو إيجاد طلوع الفجر.

فيكون الجواب: لا يلزم من ذلك التحريك نحو غير المقدور لأن الأمر بالمقيد لو كان في الحقيقة أمراً بذات المقيد والتقيد والقيد لزم هذا المحذور وهو التحريك نحو غير المقدور، لأن القيد غير مقدور، ومجرد ضمان تحققه لا يجعله مقدوراً ولا يصحح الأمر به.

لكننا نلتزم أن الأمر بالقيد هو في الحقيقة أمر بشيئين دون الثالث، أمر بذات المقيد الذي هو الصوم الواجب، وأمر بالتقيد يعني تقيد الصوم بطلوع الفجر، من دون الأمر بذات القيد.

والتقيد يكون مقدوراً في إحدى حالتين:

الحالة الأولى: أن يكون القيد مقدوراً، مثل: تقيد الصلاة بالوضوء، هنا يُعقل الأمر بالصلاة المقيدة بالوضوء.

الحالة الثانية: أن يكون القيد مضمون التحقق خارجاً، أمره بالصوم الواجب المقيد بطلوع الفجر، طلوع الفجر صحيح غير مقدور للمكلف، لكنه مضمون للمكلف ما لم تقم القيامة.

متى يلزم التحريك نحو غير المقدور؟

ما يلزم... ما يلزم التحريك نحو غير المقدور. متى يلزم التحريك نحو غير المقدور؟

إذا كان الواجب فورياً يعني من يهل هلال شهر رمضان ويتحقق الوجوب الفعلي للصوم يجب امتثاله فوراً، إذا يجب امتثاله فوراً وهذا الصوم مقيد بطلوع الفجر هنا يلزم التحريك نحو غير المقدور، لكن إذا هذا التحريك وهذا الوجوب غير فوري يقبل التراخي، يقبل الإمهال إلى طلوع الفجر الذي هو أمر مضمون، لا يلزم التحريك نحو غير المقدور.

خلاصة الحالتين

إذاً التقيد يعني تقيد الواجب بقيد يكون ممكناً ومقدوراً في إحدى حالتين:

الحالة الأولى: أن يكون القيد مقدوراً مثل الصلاة المقيدة بالوضوء أو الغسل.

الحالة الثانية: أن يكون القيد مضمون التحقق خارجاً، وقد فرضنا في المقام أنه مضمون التحقق، طلوع الفجر مضمون التحقق، فالواجب بلحاظ قيد القدرة على تقدير طلوع الفجر يرجع إلى الواجب المشروط.

جيد، هذا تمام الكلام بالنسبة إذا اخترنا القيد الأول طلوع الفجر.

ملخص الجواب عن القيد الأول

ما هو وجه الإشكال؟

وجه الإشكال: إذا القيد لم يؤخذ في الوجوب صار الوجوب فعلي مطلق، إذا الوجوب فعلي مطلق سيحرّك نحو إيجاد طلوع الفجر، طلوع الفجر غير مقدور للمكلف فيلزم التحريك نحو غير المقدور.

الجواب: هذا الإشكال يتم إذا الوجوب فوري أي من هلال شهر رمضان من الغروب يجب إيجاد طلوع الفجر، هنا يلزم التكليف بغير المقدور، أما إذا هذا الوجوب ليس فورياً يقبل التراخي - هذا أولاً - وثانياً هذا القيد مضمون التحقق معلوم التحقق إذ أنه سيطلع الفجر ما لم تقم القيامة، فحينئذٍ يمكن أن نلتزم أن قيد طلوع الفجر ليس دخيلاً في الوجوب وأن الوجوب فعلي، وهذا الوجوب الفعلي لا يلزم منه التحريك نحو غير المقدور لأنه لا يحرّك بنحو الفورية بل يحرّك بنحو التراخي ويحرّك نحو شيء مقطوع التحقق، في أشياء غير معلومة التحقق مثل الحياة مثل السلامة والمرض، قد يمرض وقد يكون سليم، قد يكون حي وقد يموت.

هذا بلحاظ للقيد الأول.

الجواب إذا اخترنا القيد الثاني

وأما لو اخترنا القيد الثاني، ما هو القيد الثاني؟ يكون القيد القدرة على الصوم على تقدير طلوع الفجر، سواء... مثلاً يعني أن يكون حياً أن يكون سليماً.

فإذا اخترنا القيد الثاني أي الواجب مقيد بلحاظ قيد القدرة على تقدير طلوع الفجر فهذا يرجع إلى الواجب المشروط، يصير هكذا: يجب عليك الصوم إن بقيت حياً عند طلوع الفجر، يجب عليك الصوم إن بقيت سليماً ولم تمرض عند طلوع الفجر.

ولا إشكال في ذلك، هذا يصير واجب مشروط، يصير الصوم الواجب مشروط بشرط الحياة والسلامة، ولا يلزم منه التحريك نحو غير المقدور.

خلاصة الجواب عن الإشكال الأول

هذا تمام الكلام في جواب الإشكال الأول وهو العمدة في المسألة، واتضح أنه سواء اخترنا القيد الأول قيد طلوع الفجر أو اخترنا القيد الثاني قيد التمكن من الصوم عند طلوع الفجر، لا يرد الإشكال على صاحب الفصول.

أصلاً منشأ الإشكال توهم الفورية، إذا حذفنا الفورية لا يلزم إشكال.

الإشكال الثاني

الإشكال الثاني يأتي عليه الكلام.


logo