46/11/05
الدرس (مائتان واثنان وثلاثون): القيود الدخيلة في وقوع المصلحة خارجاً
الموضوع: الدرس (مائتان واثنان وثلاثون): القيود الدخيلة في وقوع المصلحة خارجاً
القسم الثاني: القيود الدخيلة في وقوع المصلحة خارجًا.
[التمهيد]
كان الحديث في إمكان الوجوب المشروط، والحديث عن إمكان الوجوب المشروط تارة يكون في مقام الثبوت، وتارة يكون في مقام الإثبات.
]مراحل البحث في مقام الثبوت[
وفي مقام الثبوت، يُبحث في ثلاث مراحل:
المرحلة الأولى مرحلة الملاك.
المرحلة الثانية مرحلة الإرادة.
المرحلة الثالثة مرحلة الاعتبار والجعل.
وقد اتضح إمكان الوجوب المشروط في عالم الملاك وعالم الإرادة، وبقي الكلام عن إمكان الوجوب المشروط في عالم الجعل والاعتبار.
] أقسام القيود في مرحلة الاعتبار [
وتحدثنا عن الشروط والقيود التي قد تؤخذ في الوجوب أو الواجب في مرحلة الاعتبار، فقسمنا هذه القيود إلى قسمين:
القسم الأول: قيود الاتصاف، أي القيود الدخيلة في تحقق الملاك، مثال ذلك: البرودة بالنسبة إلى الحاجة إلى المدفأة، فإذا كان الجو حارًا، لا يوجد ملاك للتدفئة، وهكذا الحرارة بالنسبة إلى المكيف، فوجود الحرارة قيد دخيل في تحقق المصلحة وتحقق الحاجة إلى تشغيل المكيف.
إذاً: الحرارة بالنسبة إلى المكيف والبرودة بالنسبة إلى المدفأة، هذه شروط اتصاف.
القسم الثاني: شروط ترتب المصلحة، كإغلاق النوافذ وإغلاق الباب لكي لا تخرج برودة الغرفة عند تشغيل المكيف، ولكي لا تخرج حرارة الغرفة عند تشغيل المدفأة، هذه قيود اتصال، فوجود الحرارة قيد لاتصاف المكيف بالمصلحة، ووجود البرودة قيد لاتصاف المدفأة بالمصلحة، لكن إغلاق النوافذ وإغلاق الباب ليس قيدًا لاتصاف المكيف أو المدفأة بالمصلحة، ولكن المصلحة المترتبة على تشغيل المكيف، وهي البرودة، والمصلحة المترتبة على تشغيل المدفأة، وهي الحرارة، لا تترتب إلا بإغلاق النوافذ والباب.
إذاً في بحث إمكان الواجب المشروط، نبحث الشروط، وهي على قسمين:
القسم الأول: شروط الاتصاف.
القسم الثاني: شروط ترتب المصلحة.
وكلا هذين القسمين ينقسم إلى قسمين: قيود اختيارية وقيود غير اختيارية، وذكرنا بالنسبة إلى قيود الاتصاف، وهو القسم الأول، أنه لا يمكن سحب قيود الاتصاف من الوجوب إلى الواجب.
أما بالنسبة إلى القسم الأول، وهو القيود الاختيارية، فلعدم المقتضي، وأما بالنسبة إلى القسم الثاني، وهو القيود غير الاختيارية، فلعدم المقتضي ولوجود المانع.
[درس اليوم]
[القيود الدخيلة في تحقق المصلحة خارجًا]
هذا ما ذكرناه بالتفصيل في الدرس السابق، اليوم إن شاء الله نأتي لدراسة القسم الثاني من القيود، وهي القيود الدخيلة في تحقق المصلحة خارجًا.
وهي على قسمين:
القسم الأول: القيود الاختيارية.
القسم الثاني: القيود غير الاختيارية.
[القيود الاختيارية الدخيلة في تحقق المصلحة خارجًا]
نبدأ أولًا في بيان القيود الاختيارية، ونقول: هذه القيود الاختيارية لا تؤخذ في الوجوب بل تؤخذ بشكل محض وخالص في خصوص الواجب، لأن المقتضي موجود والمانع مفقود، أما كون المقتضي موجودًا، فنظرًا لأخذ المصلحة في ملاك الواجب، فشروط ترتب المصلحة ليست مأخوذة في الوجوب، والمأخوذ في أصل الوجوب هو شروط أصل الاتصاف، فالمقتضي موجود لأخذ ترتب شروط ترتب المصلحة في الواجب، لأن ملاك الوجوب إذا تحقق، فإن هذا الوجوب يحرك نحو الواجب.
مثال ذلك: لو تحققت الاستطاعة، وهي شرط في أصل اتصاف الحاج بالوجوب، فحينئذٍ وجب الحج. فإذا وجب الحج، فإنه يدعو نحو إيجاد الواجب والمقيد بقيود، والدعوة إلى المقيد، دعوة إلى القيد، وإمكان تحقق الحج خارجًا رهن بالسفر والمسير إلى الحج، فحينئذ يدعو وجوب الحج إلى إيجاد وإيجاب السفر والتحرك إلى الحج، فشروط ترتب المصلحة دخيلة في ترتب المصلحة، لكن بعد فرض فعلية اتصاف الفعل بالمصلحة، فيكون التحريك نحو قيود ترتب المصلحة موافقًا مع المقتضي المولوي في نفس المولى.
إذاً المقتضي موجود، يعني مقتضي إيجاب قيود ترتب المصلحة موجود، وهو فعلية الوجوب، والمانع من إيجابها مفقود، فالمانع، إنما هو لزوم التحريك نحو أمر غير اختياري، والمفروض أن هذا النوع من القيود اختياري، لأننا نتكلم في القسم الأول من قيود ترتب المصلحة، والقسم الأول هو الشروط الاختيارية.
إذاً لا يلزم التحريك نحو أمرٍ غير اختياري إذا كان المقتضي موجودًا والمانع مفقودًا.
[نتيجة بشأن القيود الاختيارية]
تكون النتيجة أن القسم الأول من شروط ترتب المصلحة، وهي القيود الاختيارية، مأخوذة في الواجب، ولا تؤخذ في الوجوب، وما يؤخذ في الوجوب هو شروط اتصاف الفعل بالمصلحة، وما في الواجب هو شروط ترتب المصلحة.
[القيود غير الاختيارية الدخيلة في تحقق المصلحة خارجًا]
القسم الثاني: الشروط غير الاختيارية، فلو فرض أن طلوع النهار من شهر رمضان أخذ كقيد في ترتب مصلحة الصوم، ولم يؤخذ في أصل وجود المصلحة والملاك في صوم شهر رمضان، فإذا طلوع الفجر أخذ في ترتب المصلحة والثمرة من الصوم، ولم يؤخذ طلوع الفجر في أصل اتصاف صوم شهر رمضان بأنه ذو مصلحة، فطلوع النهار من شهر رمضان ليس قيدًا اختياريًا، بل هو قيد وشرط غير اختياري، كما أنه لم يؤخذ في اتصاف الصوم بأنه ذو مصلحة، بل أخذ في ترتب المصلحة خارجًا وانطباقها على الصوم.
في مثل هذا الفرض لا يعقل سحبه من دائرة الوجوب وأخذه محضًا في الواجب، فهذا القيد غير الاختياري لترتب المصلحة أولًا لا يؤخذ كقيد في الوجوب محضًا خالصًا، وثانيًا لا يؤخذ كقيد في الواجب محضًا وخالصًا، بل يُؤخذ كقيد في الوجوب والواجب معًا.
إذاً قيد ترتب المصلحة غير الاختياري يكون دخيلًا في وجوب الواجب معًا، ولا يكون قيدًا في الواجب فقط أو في الوجوب فقط بشكل خالص ومحض.
والسر في ذلك: إنه لا يُعقل إطلاق الوجوب من ناحية القيد غير الاختياري؛ فحتى لو كان مقتضى إطلاق الوجوب موجودًا، لكن لا يمكن إطلاق الوجوب لأن هذا المفروض أن هذا القيد ليس دخيلاً في اتصاف الفعل بكونه ذا مصلحة، يعني ليس من القسم الأول، وليس من شروط الاتصاف، نظراً لوجود مانع هناك، وهو أن هذا القيد قيد غير اختياري، فكيف يعلق الوجوب الخالص والمحض على قيد غير اختياري؟!
إذاً الوجوب مطلق من ناحيته، سيكون محركًا نحو المقيد، وإذا حرك نحو المقيد، فإنه سيحرك نحو القيد، والحال إن هذا القيد غير اختياري، فكيف يحرك الوجوب نحو قيد غير اختياري؟ هذا غير معقول، وهذا تكليف بغير المقدور.
[الحالة الاستثنائية لأخذ القيد غير الاختياري في الوجوب فقط]
نعم، توجد حالة واحدة، يمكن أن يؤخذ فيها هذا القيد غير الاختياري في الوجوب فقط، ولا يؤخذ في الواجب، وهو فيما إذا أحْرز المولى نفسه أن القيد قطعاً سوف يوجد خارجًا في حق جميع المكلفين الذين جُعل الخطاب لهم ووجه إليهم، فالمولى يعلم أن الفجر قطعاً سيخرج، وأن هؤلاء سيبقون أحياء، فطلوع الفجر شرط وقيد غير اختياري للمكلفين الأحياء، لكنه متحقق قهراً، فحينئذٍ، لا مانع من أخذ هذا القيد غير الاختياري كقيد في الوجوب.
فلما كان المولى بنفسه يعلم بوجود هذه القيود غير الاختيارية وتحقيقها، فحينئذٍ لا بأس بجعل قيود ترتب المصلحة وجعل الوجوب مطلقًا من ناحيتها، وإن كانت غير اختيارية، لأن إطلاق الوجوب من ناحيتها غاية ما يلزم منه هو محركية الوجوب نحو المقيد بقيد غير اختياري، لكن المقيد بقيد غير اختياري سيكون وجوده اختياريًا، وإنما يكون القيد غير الاختياري غير اختياري عندما لم يُضمن ولم يُقطع بوجود وتحقيق القيد غير الاختياري، لكن في حال الضمان بوجود القيد غير الاختياري، حينئذ يكون المقيد به اختياريًا، فلا يلزم محذور من إطلاق الوجوب من ناحية القيد غير الاختياري.
خلاصة البحث:
اتضح إمكان الوجوب المشروط في عالم الملاك أولًا، وفي عالم الإرادة ثانيًا، وفي عالم الجعل والاعتبار ثالثًا، وقد فصلنا في عالم الجعل وقلنا إن الشروط والقيود على قسمين:
[الشروط والقيود على قسمين:]
القسم الأول: شروط الاتصاف، وهي على قسمين، اختيارية وغير اختيارية. وقد اتضح إمكان الوجوب المشروط في كليهما، وأن القيود والشروط إنما ترجع إلى الوجوب ولا ترجع إلى الواجب.
أما بالنسبة إلى القيود الاختيارية من شروط الاتصاف، فلعدم المقتضي، وأما بالنسبة إلى القيود غير الاختيارية فلعدم المقتضي ووجود المانع في تقييد الواجب بالقيود غير الاختيارية.
إذاً، بالنسبة إلى شروط الاتصاف، ترجع شروط الاتصاف الاختيارية وغير الاختيارية إلى الوجوب للواجب، وأحيانًا ترجع إلى الوجوب والواجب، ولا مانع يعني لا يشترط أن يكون الوجوب محضًا، قد ترجع إلى الوجوب والواجب، ولكن لا يمكن أن ترجع إلى الواجب محضًا لعدم المقتضي بالنسبة للشروط الاختيارية، وعدم المقتضي ووجود المانع بالنسبة إلى الشروط غير الاختيارية.
وأما القسم الثاني: وهو شروط ترتب المصلحة، فهي أيضًا على قسمين: شروط اختيارية، وهذه ترجع إلى الواجب محضًا، لا إلى الوجوب.
والقسم الثاني، وهو شروط ترتب المصلحة غير الاختيارية، فإنها ترجع إلى الوجوب والواجب، وأحيانًا ترجع إلى الواجب محضًا إذا كان القيد غير الاختياري متحققًا قهراً.
النتيجة النهائية: الواجب المشروط ممكن في عالم الجعل والاعتبار.
الشروط والقيود إنما تكون للوجوب في ثلاثة موارد:
الأول: شرط الاتصاف الاختياري.
الثاني: شرط الاتصاف غير الاختياري.
الثالث: شرط ترتب المصلحة غير الاختياري.
وترجع إلى الواجب محضًا في مورد واحد، وهو الشرط الاختياري من شروط الاتصال، وبهذا يتم الكلام عن الواجب المشروط في عالم الثبوت، أي عالم الملاك والإرادة والاعتبار والجعل، يبقى الكلام في المرحلة الثانية، عالم الإثبات، عالم الخطاب والإبراز، تتمة الحديث تأتي.