« فهرست دروس
الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق
بحث الأصول

46/10/16

بسم الله الرحمن الرحيم



16 شوال 1446
15 أبريل 2025

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدالله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهري

اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة وليًا وحافظًا وقائدًا وناصرًا ودليًلا وعينًا حتى تسكنه أرضك طوعًا وتمتعه فيها طويلًا برحمتك يا أرحم الراحمين.

الدرس (مائتان وسبعة وعشرون): محذور تأثير الشرط المتأخر موجود أيضاً في الشرط المتقدم

 

المقام الثالث: إن محذور تأثير الشرط المتأخر موجود أيضاً في الشرط المتقدم.

تطرقنا إلى أن الشرط المتأخر فيه إشكالات قابلة للحل، لكن ذهب صاحب الكفاية أعلى الله مقامه الشريف، إلى أن الإشكال الوارد في الشرط المتأخر يريد أيضاً في الشرط المتقدم.

يراجع "كفاية الأصول" حاشية الشيخ المشكيني، الجزء الأول، صفحة مئة وخمسة وأربعين.

تقرير الإشكال إن العلة يجب أن تكون متقدمة على المعلول بتمام أجزائها، والمراد من التقدم هو التقارن وليس التقدم الزمني، أي يوجد تقدم رتبي وتقارن زماني، فالعلة متقدمة على المعلول رتبة، لكن العلة للمعلول زماناً، فلا يجوز أن تكون العلة بتمام أجزائها كالشرائط متقدمة على المعلول بلحظة، ولا يجوز أن تكون متأخرة عنه أيضاً بلحظة.

إذاً قام البرهان الفلسفي على التقارن الزماني بين العلة والمعلول، ومن هنا يقع الإشكال في الشرط المتقدم حيث يُقال إنه لو كان مؤثراً في وجود المعلول رغم كونه جزء العلة، هذا الشرط المتقدم، إذاً للزم تأثير المعدوم في الموجود، إذ إن الشرط المتقدم معدوم حين وجود مشروطه المعلول.

إذن كما يوجد الإشكال في الشرط المتأخر، إذ حين وجود المعلول يكون الشرط المتأخر معدوماً كذلك يوجد نفس الإشكال بالنسبة إلى الشرط المتقدم، فحين وجود المعلول يكون الشرط المتقدم قد انعدم.

والجواب إن هذه المشكلة قابلة للحل بحسب لحاظ الملاك وبحسب لحاظ الواجب، وقد أجاب الشهيد الصدر رضوان الله عليه، على هذه المشكلة في المقام الثاني حينما تطرق إلى إشكال الشرط المتأخر، والجواب بإيجاز يقع بلحاظ مقامين:

الأول مقام الملاك، وهذا الإشكال إنما نشأ بسبب حذف حلقة من حلقات التسلسل السببي في الوسط، فحينما نتكلم بلحاظ الملاك، فالشرط المتقدم دائماً يؤثر في أمر مقارن له، وهذا الأمر المقارن يؤثر بمعية الشرط في المشروط المقارن له.

إذاً لا يوجد شرط متقدم ولا يوجد إشكال.

مثال ذلك في عالم التكوين: شرب الدواء المشروط بلحوق المشي أو بسبق المشي على شرب الدواء، ومثاله في عالم التشريع: غسل المستحاضة ليلة الأحد المأخوذ كشرطٍ في صحة غسل المستحاضة نهار السبت.

ولنوضح أصل الإشكال ثم حله، فيقال في عالم التكوين إن الشرط وهو شرب الدواء، والمشروط وهو شرب الدواء متقدم على الشرط وهو المشي بعد شرب الدواء، فيلزم تأثير المعدوم وهو المشي في الموجود وهو شرب الدواء.

وهكذا بالنسبة إلى عالم التشريع يُقال إن الشرط المتأخر وهو غسل المستحاضة ليلة الأحد مع صوم المستحاضة نهار السبت، فكيف يؤثر فيه؟

والجواب: إ شرب الدواء يؤثر في وجود حالة نفسية، وهذه الحالة النفسية التي هي معلول لشرب الدواء تبقى إلى زمان المشي، وباقتران الأمرين: الحالة النفسية والمشي، يتحقق الشفاء، فالمشي ليس شرطًا متأخراً عن الحالة النفسية بل هو مقارن لها، وإن تأخر المشي عن شرب الدواء، فهذه الحلقة مفقودة، وهي الحالة النفسية في سلسلة الأسباب، ومنشأ الإشكال عدم الالتفات إلى هذه الحلقة.

وهكذا بالنسبة إلى غسل المستحاضة، فإن الصوم يولد حالة نفسية، وهذه الحالة النفسية تبقى حتى بعد انتهاء نهار السبت، وتكون هذه الحالة النفسية مقارنة لغسل المستحاضة ليلة الأحد.

فالمشروط ليس هو الغسل المشروط، بل الحالة النفسية الناتجة من الغسل، وقد اقترن بالشرط وهو الغسل ليلة الأحد.

إذن بلحاظ عالم الملاك لا يوجد إشكال في الشرط المتقدم، فيُقال إن هذا الشرط المتقدم قد ولد حالة نفسية، وهذه الحالة النفسية قد اقترنت بالمشروط، فهناك تقارن بين الحالة النفسية المسببة عما سُمّي شرطًا وبين المشروط، فالشرط والمشروط حقيقة هو ماذا؟ المقارن الأمران المتقارنان وليس الأمر المسبب لأحدهما، فالشرط المتقدم أو المتأخر هو منتج الأثر، وهذا الأثر هو المقارن للمشروط أو الشرط، هذا بلحاظ عالم الملاك.

المقام الثاني أي الشرط المتقدم بلحاظ عالم الواجب، وقد اتضح بأن الشرط في الواجب إنما يكون بمعنى التحصيص والتضيق لا بمعنى المؤثرية، أي أن الواجب هو حصة خاصة من الشيء المقيد بهذا الشرط، فلا يراد بالشرط المؤثرية بل يراد به التحصيص والتضيق.

لكن الأصحاب لأنهم لا يرون مشكلة في الشرط المتقدم بحسب الوجدان العرفي وبحسب الوجدان الخارجي، بل بعضهم قَبلَ الشرط المتقدم ولم يقبل الشرط المتأخر، فقال باستحالة الشرط المتأخر وإمكان الشرط المتقدم.

ولكن بما أن المحقق الخراساني صاحب الكفاية طرح إشكال تأثير المعدوم في الموجود بصيغة فلسفية معقولة قابلة للتطبيق على الشرط المتقدم والشرط المتأخر معاً، فمن دون التفريق بين الشرط المتقدم والمتأخر توجد صيغة تأثير المعدوم في الموجود.

من هنا تصدى المحقق الأصفهاني في "نهاية الدراية"، الجزء الأول، صفحة مئتين وستة وسبعين، والمحقق الخوئي في "محاضرات الفيض"، الجزء الثاني، صفحة مئتين وخمسة، للجمع بين الوجدان العرفي وبين هذا البرهان الذي قال به صاحب الكفاية رحمه الله، فكيف يجمع بينهما؟

قال المحقق الأصفهاني رحمه الله: إن الشرط المتقدم معقول بشرط أن يكون فاقداً للمؤثرية، ومن هنا قسم المحقق الأصفهاني الشرط إلى قسمين:

القسم الأول: الشرط الذي يساهم في تكميل فاعلية الفاعل، والمقتضي للإعطاء، أو قابلية المقتضي والمحل للأخذ، وهذا معنى المؤثرية، يعني إما أن يساهم في فاعلية الفاعل أو قابلية القابل، فهنا الشرط بمعنى المؤثرية في الفاعلية أو القابلية.

القسم الثاني: الشرط الذي لا يكون خلاقاً لأمر حقيقي، فلا هو بنى حمو تتميم فاعلية المقتضي والفاعل، ولا هو جناح تتميم قابلية المقتضي والقابل، فالشرط ليس من قبيل تتميم فاعلية النار للإحراق، ولا من قبيل جفاف الورقة ويبوستها الذي يتمم قابلية المحل للاحتراق، هذا الشرط من القسم الثاني وظيفته أن يقرب المعلوم إلى مكان إمكان حصوله من ناحية علته.

إذاً، أثر الشرط من القسم الثاني هو إعطاء صفة للمعلول، وسلب صفة الامتناع عن المعلول من دون أن يخلق هذا الشرط شيئاً في النار، ومن دون أن يخلق هذا الشرط شيئاً في الورقة التي تحترق، وهذا ما يسمى بالمقدمات الإعدادية، كقرب النار من الورقة، فتقريب النار من الورقة لا يؤثر في كمال فاعلية النار للإحراق، ولا يؤثر في قابلية الورقة للاحتراق، وإنما هو مقدمة معدة مهيئة لإمكانية تحقق الإحتراق.

فمن مشى إلى الكرسي لكي يجلس عليه، فالخطوات التي يخطوها الإنسان نحو الكرسي هي شروط للوصول إلى الكرسي، وليست هي شروط للجلوس على الكرسي، فالخطوات نحو الكرسي لم تتمم فاعلية الفاعل، لأن فاعلية الفاعل وقدرة الإنسان على الجلوس تامة في حد نفس الإنسان إلا إذا كان الإنسان مشلولاً، كما أن الخطوات لم تتمم قابلية الكرسي للجلوس عليه، لأن الكرسي قد رتبته وهيأ قابليته للجلوس.

نعم، إن الخطوات نحو الكرسي هي مقدمات إعدادية، أي دخيلة في تقريب إمكان الجلوس من الفاعل، فهي تقرب الجلوس على الكرسي نحو الإمكان.

ومن هنا قال المحقق الأصفهاني إن الشرط المتقدم معقول في خصوص القسم الثاني، أي المقدمات الإعدادية، دون القسم الأول، أي الشرط المؤثر في فاعلية الفاعل أو قابلية القابل.

وقد اشتهر هذا الكلام، وهو تقسيم الشرط إلى قسمين: الشرط المؤثر فلا يعقل فيه الشرط المتأخر أو المتقدم، والشرط بمعنى المقدمات الإعدادية فيعقل فيه الشرط المتقدم.

لكن السيد الشهيد رضوان الله عليه، لم يتعقل هذا القسم الثاني الذي ذكره المحقق الأصفهاني وسار عليه المحقق الخوئي، وناقش في قول المحقق الأصفهاني رحمه الله أن هذا الشرط يقرب الشيء نحو الإمكان، فما معنى قوله: إن الشرط يقرب نحو الإمكان يعني نحو اللامتناع، فما المراد بالإمكان واللامتناع؟

توجد احتمالات ثلاثة، ويراجع ما ذكره الشهيد في بحوث في علم الأصول، تقرير الشيخ حسن عبد الساتر، الجزء الخامس، صفحة ثلاث وثلاثين وأربعة.

توجد احتمالات ثلاثة في معنى الإمكان واللامتناع:

الاحتمال الأول: الإمكان الذاتي، واللامتناع الذاتي مثل اجتماع نقيضين فهو مستحيل، فالماهية الممتنعة ذاتًا يستحيل أن تقترب نحو الإمكان، والماهية الممكنة ذاتًا لا معنى لتقريبها نحو الإمكان ما دامت ذاتها ممكنة.

إذاً يستحيل تبدل الذاتيات، فذاتيات الماهية الممكنة لا يمكن تقريبها نحو الإمكان ما دامت هي بنفسها ممكنة، وهذا خلف كونها ممكنة ذاتًا.

إذاً بناءً على الاحتمال الأول لا يمكن أن يكون المراد بالإمكان والامتناع الذاتي، هذا حاصل لا يحتاج إلى تحصيل.

الاحتمال الثاني: المراد الإمكان والامتناع بالغير لا بالذات، أي امتناع الشيء بسبب عدم وجود علته، كالشخص الذي لا يحرث الأرض ولا يبذرها ولا يسقيها، فيمتنع من جني الثمار منها، فعدم وجود العلة يعني أن المعلول أيضاً غير موجود، فإن أريد بالشرط الإعدادي كلام المحقق الأصفهاني بأنه يقرب نحو الإمكان المقابل للامتناع بالغير، فهذا معناه أنه يقرب نحو وجود العلة ووجود المؤثر، إذن لابد أن نبحث في المرتبة السابقة عن وجود مؤثر وعن وجود علة، لأن الامتناع بالغير يُزال بوجود العلة.

إذاً المقرب نحو الإمكان والمبعد عن الامتناع بالغير يعني هذا ما يكون محققاً لبعض أجزاء العلة، إذاً لا بدّ من البحث في مرتبة سابقة عن وجود علة مؤثرة.

إذاً إذا فرض أنه جزء العلة وأن له دوراً ما في إيجاد المعلول فهذا يعني أن وجود مقرب نحو الإمكان وعدم الامتناع بالغير، كلامنا يكون في هذا الدور، أنت تدعي أن الشرط ليس المؤثر ولكن له دور في تأثير المؤثر، هنا السؤال: كيف يكون دخيلاً في تأثير المؤثر وله دور في إيجاد المعلول، والحال أنه متقدم أو متأخر عن المعلول في الوجود؟!

إذاً بناءً على الامتناع بالغير أو الإمكان بالغير، أيضاً لا يتم أن تكون هذه المقدمة الإعدادية مؤثر بل هي خارج التأثير.

الاحتمال الثالث: أن يُراد بالشرط معنى ثالث، غير الإمكان الذاتي كما في الأول أو الإمكان بالغير كما في الثاني، بل يراد الإمكان الاستعدادي في المادة، كما في البيضة فإنه يمكن ذاتاً أن تتحول إلى دجاجة لكنها تحتاج إلى إمكان استعدادي كدرجة حرارة معينة ووضع معين، وحينئذٍ ينشأ فيها بالتدريج إمكان استعدادي، فإذا توفرت للبيضة درجة حرارة معينة ووضع معين، ينشأ فيها الإمكان الاستعدادي لتقبل صورة الفرخ.

فإذا قيل بأن المراد بالشرط والمقدمات الإعدادية هو هذا الإمكان الاستعدادي، هنا أيضاً لا يتم الكلام، إن كان المراد بالامتداد الاستعدادي هو هذا بأن نفترض أن الشرط المتقدم يعطي للشيء الإمكان الاستعدادي لإيجاد المصلحة خارجاً، فحينئذٍ نقول إن هذا الاستعداد والتهيئة توجد فيه احتمالان وفرضان:

الفرض الأول: أمر اعتباري.

الفرض الثاني: أمر حقيقي.

أما بناءً على الفرض الأول، فإنه أمر اعتباري، والاعتبار لا يغير من الواقع شيئًا، فلا يتم هذا الكلام، وأما بناءً على الفرض الثاني، فإنه أمر حقيقي وليس اعتبار، فنقول: هذا الأمر الحقيقي هو نفس التأثير فيكون الشرط مؤثرًا.

فإذاً لا معنى لأن تقول إن هذا شرط معد ولكن غير مؤثر، إذا يؤثر تأثيرًا حقيقيًا فهو مؤثر، وبالتالي تفصيل المحقق الإصفهاني لا يفيد في التخلص من الإشكال.

نعم، يمكن التخلص من الإشكال بما أفاده الشهيد الصدر رضوان الله عليه، من أن الشرط كغسل المستحاضة يولد أثرًا وهو حالة نفسية، هذه الحالة النفسية مقارنة للشرط المتأخر، وهو غسل المستحاضة ليلة السبت.

وكذلك شرب الدواء، هذا يولد أثرًا وهو درجة حرارة معينة، ودرجة الحرارة المعينة تكون مقارنة للمشي.

هذا تمام الكلام في المقام الثالث، وبه مسك الختام في الفصل الأول والأمر الأول من تقسيمات المقدمة، الفصل الثاني في تقسيمات الواجب يأتي عليه الكلام، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

logo