46/08/13
الدرس (مائتان وأربعة وعشرون): محذور أخذ الشرط المتأخر فيما إذا كان شرطاً للواجب
الموضوع: الدرس (مائتان وأربعة وعشرون): محذور أخذ الشرط المتأخر فيما إذا كان شرطاً للواجب
]المقام الثاني: فيما إذا كان شرطاً للواجب[
المقام الثاني محذور الشرط المتأخر فيما إذا كان شرطاً للواجب.
مثال ذلك: غسل المستحاضة في ليلة الأحد الذي هو شرط في صحة صوم يوم السبت.
ومحذور الشرط المتأخر في الواجب يتصور في موقعين:
الموقع الأول بلحاظ الواجب.
الموقع الثاني بلحاظ الملاك.
]الموقع الأول: محذور الشرط المتأخر بلحاظ الواجب[
أما الموقع الأول بلحاظ الواجب، فمن الواضح أن المشروط متقدم وهو صوم يوم السبت، والشرط متأخر وهو غسل المستحاضة ليلة الأحد، مع أن الشرط من أجزاء العلة للمشروط، ويستحيل تأخر الشرط عن المشروط استحالة تأخر العلة عن معلولها.
]جواب الإشكال في الموقع الأول[
وجواب هذا الإشكال هو أن نغسل المستحاضة ليلة الأحد، وإن كنا نسميه شرطاً كما نسمي صوم يوم السبت مشروطاً، ولكن هذا الشرط والمشروط ليسا من باب العلة والمعلول، بل إن غسل ليلة الأحد ليس له دخل في وجود صوم يوم السبت، لبداهة أن المستحاضة يمكنها أن تصوم يوم السبت من دون أن تغتسل في ليلة الأحد، إذ ليس صوم يوم السبت منوطاً أو ناتجاً عن الغسل ليلة الأحد، وإنما نسمي الغسل بالشرط للصوم بمعنى آخر من الشرطية، غير معنى الشرطية التي ترجع إلى التأثير والعلية.
]توضيح معنى الشرطية ومعانيها المتعددة[
توضيح ذلك:
إن الشرط له معنيان:
المعنى الأول الشرطية بمعنى المؤثرية.
المعنى الثاني الشرطية بمعنى التخصيص والتقييد.
]المعنى الأول: الشرطية بمعنى المؤثرية[
فهي تعني كون شيء دخيلاً في علة وجود شيء آخر، كاقتراب النار من الورقة وملاقات النار للورق، فهذا شرط في إحراق النار للورقة، وهذه الشرطية بمعنى المؤثرية، فملاقات النار للورقة دخيلاً في علة وقوع الاحتراق خارجاً.
إذن المعنى الأول للشرطية هو المؤثرية، أي كون الشرط جزء العلة التامة.
]المعنى الثاني: الشرطية بمعنى التخصيص والتقييد[
المعنى الثاني للشرطية هو الشرطية بمعنى التخصيص والتقييد للمفهوم المأخوذ في متعلق الأمر، فإنه يقيد ويخصص ويحصص في عالم اللحاظ والتصور بشرط من الشروط.
مثال ذلك مفهوم الإنسان، يمكن أن نتصور الإنسان بشكل مطلق، ويمكن أن نتصوره بشرط العلم، فالعالم هنا صار شرطاً في موضوع الإنسان، والعلم أصبح قيداً ومخصصاً ومضيّقاً لمفهوم الإنسان. وحينئذٍ يقال إن المفهوم كما يمكن تحصيصه وتقييده بقيد مقارن أو متقدم، كذلك يمكن تحصيصه وتقييده بقيد متأخر، وجميع هذه القيود معقولة، سواء كانت متقدمة أو متأخرة أو مقارنة، وإن سمي القيد هنا بالشرط والمقيد بالمشروط، فإنه لا يلزم منه تأثير المتأخر في المتقدم.
]نتيجة الموقع الأول: انتفاء المحذور[
وهنا حينما نقول إن صوم يوم السبت مشروط بغسل الاستحاضة ليلة الأحد، أي أن مفهوم وجوب غسل يوم السبت مقيد ومخصص ومحصص بخصوص المستحاضة التي تغتسل ليلة الأحد، فمحذور الشرط المتأخر بالإحاذ الواجب، وهو تأثير المعدوم في الموجود وتأثير المتأخر في المتقدم، إنما يرد ويلزم بناءً على المعنى الأول للشرط، وهو أن يراد بالشرط المؤثر دون المعنى الثاني وهو المحصص والمخصص والمقيد.
]خلاصة الموقع الأول[
فبناءً على ذلك، ينتفي الإشكال في الموقع الأول بالإحاذ الواجب، فيقال إن غسل المستحاضة في ليلة الأحد شرط في صوم يوم السبت، وهو شرط إنما هو بالمعنى الثاني، أي مخصص ومقيد في عالم اللحاظ والمفاهيم، دون المعنى الأول، أي المؤثر تكويناً، لإمكان أن يحدث الصوم نهار السبت دون غسل ليلة الأحد.
فهنا، المراد بالشرط هو المعنى الثاني المحصص والمقيد، فيكون غسل ليلة الأحد قيداً محصصاً للصوم بخصوص الحصة المقيدة، لا إنه شرط دخيل في إيجاد الصوم.
هذا تمام الكلام في الموقع الأول، واتضح أن إشكال الشرط المتأخر بالحاذ الموقع الأول، وهو الواجب، ليس بواردٍ، لأن وروده بناءً على المعنى الأول للشرط، وهو التأثير، ويستحيل تأثير المتأخر في المتقدم أو تأثير المعدوم في الموجود، لكن مرادنا من الشرط هو المعنى الثاني، أي المقيد والمخصص والمحصص، ولا مانع من كون المقيد متأخراً والمقيد متقدماً، إذ كلامنا في عالم لحاظ المفاهيم وليس في عالم التأثير والتكوين.
]الموقع الثاني: محذور الشرط المتأخر بلحاظ الملاك[
الموقع الثاني محذور الشرط المتأخر بلحاظ الملاك، حيث يكون غسل ليلة الأحد شرطاً باعتباره كفيلاً في ترتب وإيجاد المصلحة التي هي ملاك وجوب الصوم.
والإشكال هنا يستحكم بناءً على أن المراد من الشرط هو المعنى الأول، أي التأثير، ففي عالم الملاك، لا نلحظ التخصيص والتقييد والتحصيص الذي هو المعنى الثاني للشرط، بل في عالم الملاك إنما نلحظ خصوص المعنى الأول للشرط، وهو التأثير، إذ إن الملاك يؤثر في إيجاد الحكم.
]التمييز بين شرط الوجوب وشرط الواجب في عالم الملاك[
وقد تقدم أن مقدمة الواجب وشرطه يختلف عن شرط الوجوب بحسب عالم الملاك والتأثير، وذكرنا أن شرط الوجوب، كـبرودة الجو، يكون مؤثراً في الاحتياج، كالاحتياج إلى التدفئة، فشرط الوجوب يكون مؤثراً تكويناً في اتصاف الفعل بكونه ذا مصلحة، من قبيل مجيء الشتاء الذي يوجب اتصاف النار بكونها ذا مصلحة.
وهذا بخلاف شرط الواجب، كإغلاق النوافذ للاحتفاظ بالتدفئة، فهو دخيل في وقوع المصلحة خارجياً، فشرط الواجب كإغلاق النوافد دخيل في ترتب المصلحة على مقتضيها، فلكي تترتب المصلحة وتحصل التدفئة في الغرفة، لابد من إغلاق النوافذ، فسَدّ منافذ البيت دخيل في ترتب مصلحة الدفء على النار خارجياً.
]تطبيق ذلك على غسل ليلة الأحد[
فإذا لاحظنا غسل ليلة الأحد، وهو متأخر بالنسبة إلى مصلحة يوم السبت، وهذا متقدم، ولاحظنا الأثر الذي يترتب على هذا الصوم، فحينئذٍ ستكون نسبته إليه نسبة الشرط بالمعنى الأول إلى مشروطه.
لأننا نلحظ المعنى الأول، وهو الشرط بمعنى التأثير، أي أن غسل يوم السبت مؤثر ومعلول لعلة وملاك في غسل ليلة الأحد، فصار غسل ليلة الأحد مؤثراً، وهو متأخر، وصوم يوم السبت مؤثر ومعلول، وهو متقدم.
فيكون حينئذٍ من قبيل سد المنافذ بالنسبة إلى الدفء، فكما أن الدفء معلول إجمالاً لسد المنافذ، فكذلك شرطية الغسل، إذا أضيفت إلى المصلحة، تكون شرطية بالمعنى الأول، أي المؤثر، ويكون الغسل دخيلاً ومؤثراً في إيجاد تلك المصلحة وترتبها على ذيها بالمصلحة.
غاية الأمر أن دخل الشرط هنا يكون بنحو الشرطية لا بنحو الاقتضاء، كما لو فرضنا أن المقتضي للمصلحة هو الصوم، والشرط في إيجادها وترتبها على مقتضيها هو الغسل.
وهنا نشبه المصلحة بالإحراق، والصوم نشبهه بالنار، أي بمقتضي الإحراق، والغسل نشبهه بالملاقات أو جفاف الورق الذي هو شرط في ترتب الإحراق على النار.
إذن نسبة الغسل إلى المصلحة نسبة الجفاف والملاقات إلى الإحراق، فلو كان الغسل متأخراً عن ترتب المصلحة، كما في غسل ليلة الأحد المتأخر عن صوم نهار السبت، فحينئذٍ نقول يستحكم الإشكال، لأنه يوجد فرضان:
]الفرض الأول: تحقق المصلحة في نهار السبت[
الفرض الأول أن تكون المصلحة قد ترتبت في نهار السبت، إذن يلزم تأثير المتأخر في المتقدم، لأن المصلحة المترتبة في نهار السبت وهي متقدمة ومتأثرة ومتولدة من غسل ليلة الأحد، وهو متأخر، فيكون قد أثر المتأخر، وهو غسل ليلة الأحد، في المتقدم، وهو صوم نهار السبت، فيكون هذا من القبيل أن يُقال إن احتراق الورقة في نهار السبت كان بتأثير ملاقات الورقة للنار ليلة الأحد، وإن كانت المصلحة.
هذا الفرض الأول، إذا ترتبت المصلحة في نهار السبت.
]الفرض الثاني: تحقق المصلحة بعد نهار السبت[
الفرض الثاني إذا كانت المصلحة لم تترتب نهار السبت وإنما ترتبت ليلة الأحد وعند الغسل، فحينئذٍ لا يكون الغسل مؤثراً قبل وجوده، بل يكون مؤثراً حين وجوده.
]المشكلة في الفرض الثاني[
وهنا نسأل: كيف وجدت المصلحة بعد انعدام المقتضي لها؟ إذ سبق وفرضنا أن المقتضي للمصلحة إنما هو الصوم، والشرط لها إنما هو الغسل، فالغسل ليس بمقتضي، هذا واضح أن العلة التامة تتألف من ثلاثة أجزاء: المقتضي والشرط وعدم المانع، فالمقتضي للإحراق هو النار، والشرط هو دنو النار من الورقة، وعدم المانع، أي عدم وجود بلل ورطوبة على الورقة، فالمقتضي للإحراق ليس هو عدم الرطوبة، وليس هو الذنوب، المقتضي هو نفس النار، لأن النار فيها قابليّة، وإلا لو دنّا الثلج من الورقة لما احترقت، فالدنو شرط وليس بمقتضي، هنا قلنا في مثالنا مقتضي المصلحة هو الصوم، وشرط هذا المقتضي هو الغسل.
فهنا لو حصل تقارون وقلنا إن المصلحة لا توجد في نهار السبت، يعني الصوم، لكن هذه المصلحة ترتبت عند الغسل بعد انتهاء صوم يوم السبت، فهنا صحيح يوجد تقارب بين المصلحة وغسل ليلة الأحد، لكننا نقول: هذه المصلحة من أين جاءت؟ الغسل إنما هو شرط وليس بمقتضي، وصوم نهار السبت هو المقتضي.
إذن هذا الفرض الثاني: لو افترضنا أن المصلحة لم تترتب في نهار السبت وإنما ترتبت ليلة الأحد وعند الغسل، فحينئذٍ لا يكون الغسل مؤثراً قبل وجوده، بل يكون الغسل مؤثراً عند وجوده، لكننا نسأل: كيف وجدت المصلحة بعد انعدام المقتضي لها، إذ بانعدام يوم السبت تنعدم المصلحة، لأن الصوم إنما يكون في نهار السبت، إذ سبق وفرضنا أن المقتضي للمصلحة هو نفس الصوم في نهار السبت، والشرط للمصلحة إنما هو الغسل.
فإذا فرضنا أن المصلحة لم توجد في زمان الصوم يوم السبت وإنما وجدت في الليل، مع أن الصوم هو المقتضي للمصلحة، إذن فيلزم أن يكون المقتضي قد وجد بعد انعدام المقتضي، إذ أن مقتضي المصلحة هو الصوم وقد وجدت المصلحة، وهي مقتضى ومعلول بعد انعدام المقتضي والعلة، وهي صوم نهار السبت.
إذن هذا من قبيل ما إذا كانت النار يوم السبت وجفاف الورقة حصل في ليلة الأحد، والمفروض أن النار كانت قد انطفأت ليلة السبت، فكيف يحصل الاحتراق ليلة الأحد عند تحقق الشرط، وهو جفاف الورقة، لكن بعد زوال العلة والمقتضي، وهي النار، فهذا غير معقول.
واضح إن شاء الله إشكال الشرط المتأخر بناءً على الموقع الثاني، أكرره بشكل ملخص.
]النتيجة الكلية للموقع الثاني[
كلامنا في عالم الملاك وبما أننا نتكلم في إشكال الشرط المتأخر بحسب لحاظ عالم الملاك، فإن لفظ الشرط يحمل على المعنى الأول، أي المؤثر، ولا يحمل على المعنى الثاني، وهو المخصص.
وهنا نقول: يوجد فرضان:
الفرض الأول تحقق المصلحة في نهار السبت.
الفرض الثاني تحقق المصلحة بعد نهار السبت وعند حلول ليلة الأحد.
وعلى كلا الفرضين يوجد محذور.
أما على الفرض الأول، وهو أن المصلحة قد تحققت في نهار السبت، فهنا يلزم تأثير المتأخر، وهو غسل ليلة الأحد، في المتقدم، وهو صوم نهار السبت، فيلزم تأثير المعدوم، وهو ليلة الأحد، إذ أنها معدومة عند نهار السبت الموجود.
إذن على الفرض الأول، وهو وجود المصلحة في نهار السبت، يلزم محذور تأثير المتأخر في المتقدم، والمعدوم في الموجود.
وأما على الفرض الثاني، وهو أن المصلحة لا تتحقق في نهار السبت، بل تتحقق في ليلة الأحد، فيكون غسل المستحاضة ليلة الأحد مقارناً للمصلحة، فينتفي إشكال الشرط المتأخر، فيكون الغسل مؤثراً حين وجوده، ولا يكون مؤثراً عند عدمه، فينتفي هذا الإشكال الذي أُشكل به على الفرض الأول.
لكن ينبثق إشكال آخر، وهو أن هذه المصلحة من أين وجدت، لأن غسل المستحاضة ليلة الأحد ليس مقتضياً للمصلحة، بل هو شرط لفعلية مقتضى المصلحة، والمقتضي للمصلحة هو نهار السبت وصوم نهار السبت. فكيف وجدت المصلحة ليلة الأحد، وهي مقتضى وهي معلوم، بعد عدم المقتضي والعلة وهو صوم نهار السبت؟
]خاتمة الكلام في المقام الثاني[
فلابد من الإجابة على إشكال الشرط المتأخر بلحاظ عالم الملاك، وبالنظر إلى كل الفرضين.
وقد تصدّى المحقق الخراساني في كفاية الأصول للإجابة على هذا الإشكال، يأتي عليه الكلام.