46/07/17
الدرس (مائتان وأربعة عشر): المقام الثاني إذا انكشف الواقع بخلاف الحكم الظاهري بواسطة التعبد الشرعي
الموضوع: الدرس (مائتان وأربعة عشر): المقام الثاني إذا انكشف الواقع بخلاف الحكم الظاهري بواسطة التعبد الشرعي
المقام الثاني
إذا انكشف الواقع بخلاف الحكم الظاهري بواسطة التعبد الشرعي.
وهنا توجد حالتان:
الحالة الأولى: أن ينكشف الخلاف بالأمارة
والحالة الثانية: أن ينكشف الخلاف بالأصل.
[إذا انكشف خلاف الواقع بأمارة]
الحالة الأولى: إذا انكشف خلاف الواقع بأمارة مثبتة للوازمها ولتمام آثارها.
مثال ذلك: من صلى صلاة الجمعة باستصحاب وجوبها، إذا أن صلاة الجمعة واجبة في عصر حضور الإمام المعصوم، فنشك في بقاء وجوبها بعد غيبة الإمام المعصوم «لا تنقض اليقين بالشك» فنستصحب بقاء وجوب صلاة الجمعة.
ثم انكشف الخلاف بحجة معتبرة، كما لو دلت رواية صحيحة السند على وجوب صلاة الظهر تعينًا في ظهر يوم الجمعة في عصر الغيبة.
فحينئذٍ لا شك ولا ريب أنه يترتب على هذا الانكشاف وجوب إعادة صلاة الظهر داخل الواقع وقضاء صلاة الظهر خارج الواقع، من دون فرق بين كون القضاء بالأمر الأول أو بالأمر الثاني. ومن دون فرق بين كون موضوع القضاء هو عدم الإتيان الذي هو أمر عدمي أو عنوان الفوت الذي هو أمر وجودي. لأن هذه الأمارة وهي خبر الثقة لو لم تكن موجودة من أول الأمر لكان مؤداها، وهو ما يخبر بها الثقة من وجوب صلاة الظهر تعينًا، ناظرًا إلى الحاضر والماضي والمستقبل.
فالأمارة تثبت الحكم مطلقًا بلحاظ الماضي والحاضر والمستقبل.
فإذا دلت الأمارة على وجوب صلاة الظهر تعينًا، فهي تدل على أنه في الماضي أيضاً كانت تجب صلاة الظهر، مما يعني أن الاستصحاب الذي جرى ليس في محله، فتجب الإعادة أو القضاء.
هذا تمام الكلام في الحالة الأولى، وهي إذا انكشف خلاف الواقع بالتعبد بالأمارة.
[إذا انكشف خلاف الواقع بالأصل]
الحالة الثانية:
إذا انكشف خلاف الواقع بالأصل، فله عدة حالات تقع في عدة صور:
[ثلاثة صور لإنكشاف الخلاف بالأصل]
الصورة الأولى: إذا انكشف الخلاف بالاستصحاب في الشبهة الموضوعية.
الصورة الثانية: إذا انكشف الخلاف بالاستصحاب في الشبهة الحكمية.
الصورة الثالثة: إذا انكشف الخلاف بمنجزية العلم الإجماعي.
وهذه الصور الثلاث نأخذها تباعًا.
الصورة الأولى: أن ينكشف خلاف الواقع بواسطة جريان الاستصحاب في الشبهة الموضوعية.
مثال ذلك: لو توضأ المكلف وشك في بعض أفعال الوضوء بعد الدخول في فعل آخر، كما لو غسل يده اليسرى وفي أثناء غسله ليده اليسرى شك في صحة غسل اليد اليمنى. فهنا يتمسك بإطلاق أدلة قاعدة التجاوز، أي أنه إذا تجاوزت محل الشيء وهو غسل الوجه ودخلت في غيره كغسل اليد اليمنى أو اليد اليسرى، فشكك ليس بشيء. فبنى على صحة وضوءه وصلى به، وبعد الصلاة بهذا الوضوء، إنكشف له الخلاف في الأثناء أو بعد خروج الوقت، فقد اتضح له اجتهادًا أو تقليدًا أن قاعدة التجاوز لا تجري في الوضوء، فهي تجري في الصلاة أو الحج، لكن خصوص الوضوء قد استثني نظرًا لوجود أدلة خاصة تخرج الوضوء من قاعدة التجاوز.
فإذا كشف له أن قاعدة التجاوز مخصصة في المقام، وأن الوضوء بلحاظ صحيحة زرارة قد أخرج من إطلاق قاعدة التجاوز. وحينئذ يجري في حقه استصحاب عدم الإتيان بالفعل المشكوك، لأنه صار يشك في أنه هل غسل يده اليمنى أو لم يغسلها، والمفروض أن قاعدة التجاوز هنا مخصصة، فلا تشمل الوضوء، إذن يجري في حقه استصحاب عدم الإتيان بغسل اليد اليمنى.
[إذا انكشف الخلاف بالاستصحاب في داخل الوقت]
وهذا الاستصحاب، إن فرضناه أنه في داخل الوقت، فلا إشكال في كونه منجزًا للصلاة بالوضوء، والإتيان به مرة أخرى، فلابد من إعادة الوضوء والصلاة معاً. لأن المكلف حينما صلى بذلك الوضوء استنادًا إلى قاعدة التجاوز كان يعتمد على جريان قاعدة التجاوز في الوضوء. ثم تبين له إما اجتهادًا أو تقليدًا أن قاعدة التجاوز غير مجعولة في مراتب الوضوء نظرًا لكون قاعدة التجاوز مخصصة ولا تجري في الوضوء.
إذن فالمنجز في حقه هو إعادة الوضوء في داخل الوقت لاستصحاب عدم الإتيان بالجزء المشكوك من وضوءه.
هذا تمام الكلام، إذن انكشف الخلاف في أثناء الوقت.
[إذا انكشف الخلاف بالاستصحاب بعد انتهاء الوقت]
وأما إذا انكشف الخلاف بالاستصحاب بعد انتهاء الوقت، كما لو تخيل جريان قاعدة التجاوز في طول الوقت، فأجراها وصلى، ثم بعد خروج الوقت التفت إلى عدم جريان قاعدة التجاوز في موارد الوضوء لكونها مخصصة، فأجرى استصحاب عدم الإتيان بغسل اليد اليمنى.
فهنا لا إشكال في وجوب القضاء إذا كان وجوب القضاء بنفس الأمر الأول ولم يكن بأمر ثانٍ، إذ أن عدم الإتيان بغسل الوجه يثبت باستصحاب عدم الإتيان بالجزء المشكوك، وهو غسل الوجه أو اليد اليمنى.
فالأمر الأول بالوضوء وبغسل الوجه واليد اليمنى معلوم التوجه إلى المكلف، ويشك في امتثاله وعدم امتثاله، فكان على يقينٍ من عدم غسل الوجه واليد اليمنى، ثم شك لاحقًا بإتيانهما، فيستصحب عدم الإتيان بهما، وباستصحاب عدم الإتيان بغسل الوجه أو غسل اليد اليمنى، يثبت عدم الامتثال. إذن فلابد للمكلف من الإتيان بالوضوء وامتثاله.
هذا إذا قلنا أن القضاء بنفس أمر الأداء.
[إن كان وجوب القضاء بأمر ثان]
وأما إذا قلنا بأن القضاء إنما هو بأمر جديد، بأمر ثانٍ.
هناك أمران:
[الأمر الأول] أمر بأداء الصلاة والوضوء في الوقت.
[الأمر الثاني] وهناك أمر ثانٍ بقضاء الصلاة خارج الوقت والتوضؤ لها.
[هل موضوع القضاء أمر عدمي أو أمر وجودي؟]
فهنا مبنيان في موضوع القضاء، هل موضوعه أمر عدمي وهو عدم الإتيان، أو موضوعه أمر وجودي وهو الفوت، كما يقول السيد الخوئي على مبناه؟
[إن كان موضوع القضاء أمر عدمي]
فإن قيل بأن موضوع هذا الأمر الثاني هو عدم إتيان الصلاة في الوقت، أي أن من لم يأتي بالصلاة في الوقت يجب عليه القضاء، فحينئذ ينفع استصحاب عدم الإتيان بالوضوء الصحيح لتنقيح موضوع وجوب القضاء، لأن موضوع الاستصحاب أمر عدمي، وهو عدم الإتيان بالوضوء والصلاة الصحيحتين، فبالاستصحاب يثبت موضوع القضاء، وهو عدم الإتيان بالوضوء والصلاة الصحيحتين، فيحكم بوجوب القضاء.
هذا تمام الكلام إذا قلنا بأن القضاء بأمر ثانٍ، وأن الموضوع أمر عدمي.
[إن كان موضوع القضاء أمر وجودي]
وأما إذا قلنا بأن القضاء بأمر ثانٍ وموضوعه أمر وجودي، وهو الفوت والخسارة، ومن الواضح أن الفوت والخسارة لازم عقلي لعدم الإتيان، والاستصحاب إنما يثبت عدم الإتيان، ولا يثبت مثبتاته، أي لوازمه العقلية غير الشرعية، كعنوان الفوت والخسارة، فحينئذٍ يشكل إثبات وجوب القضاء باستصحاب عدم الإتيان، لأن استصحاب عدم الإتيان يكون فيه المستصحب هو عدم الإتيان بالوضوء، ولا يثبت عنوان فوت وخسارة الوضوء، فيكون الاستصحاب من ناحية الخسارة والفوت استصحابًا مثبتًا، والاستصحاب المثبت لا يثبت، كما هو مقرر في علم الأصول، أي أن الاستصحاب لا يثبت اللوازم العقلية واللوازم العادية غير الشرعية.
وبناء على هذا لا يثبت وجوب القضاء، بل يجري في حق هذا المكلف حينئذٍ أصالة البراءة عن وجوب القضاء.
وهذا هو إشكال المحقق المدقق السيد محمد كاظم الخراساني في كفاية الأصول؛ يراجع حاشية الشيخ المشكيني[1] .
[الإشكالان من ناحية فقهية]
لكن كلام صاحب الكفاية تامٌ من ناحية صناعية وعلمية، لكنه يبتلي بإشكالين من ناحية فقهية.
ويقع الكلام في بحث هذه الناحية الفقهية، وذلك أن دعوى الاستصحاب لا يثبت بها وجوب القضاء فيما إذا كان موضوع القضاء الفوات، فهذه الدعوى لا تختص بخصوص ما إذا جرى الاستصحاب بعد فوات الوقت لاحظ النقض الفقهي، بل تتم هذه الدعوى فيما لو جرى الاستصحاب في أثناء الوقت.
بيان ذلك وتوضيح النقض والإشكال:
لو فرض أن المكلف التفت قبل الغروب وقبل انتهاء الوقت وشك في أنه صلى أو لم يصلي، فهنا الأصل الجاري هو استصحاب عدم إتيان الصلاة، فيتنجز عليه وجوب الإتيان بالصلاة، فلو فرض أن هذا المكلف أهمل ولم يأتي بالصلاة إلى أن فات وقت الفريضة وخرج الوقت، وحينئذ سوف يشك أيضًا في توجه أمر جديد إليه، والمفروض أنه لا يمكنه إثبات موضوع القضاء بالاستصحاب لأن الاستصحاب مثبت، فالاستصحاب إنما يثبت عدم الإتيان بالصلاة، ولا يثبت عنوان الفوت والخسارة اللذين هما لازم من لوازم عدم الإتيان بالصلاة.
فحينئذٍ يشك في وجوب القضاء عليه، وهذا شك في التكليف، فتجري البراءة الشرعية في حقه، لأن هذا الاستصحاب لا يثبت الفوت والخسارة.
وبناءً على ذلك، لا يجب عليه القضاء، وكون هذا الاستصحاب قد جرى في حقه قبل الغروب أو بعد الغروب لا دخل له في نكتة أن موضوع وجوب القضاء الواقعي هو عنوان الفوت والخسارة، وهو عنوان وجودي، والاستصحاب إنما يثبت الأمر العدمي، وهو عدم الإتيان.
فباستصحاب عدم الإتيان بالصلاة لا يثبت الفوات الواقعي للصلاة، لأنه استصحاب مثبت، فلا يجب القضاء.
مع أنه لا نظن بفقيه أن يلتزم بعدم وجوب القضاء لو التفت المكلف أو شك في عدم إتيانه بالصلاة في الوقت ولم يأتي بها، وإن التزم بعضهم بعدم وجوب القضاء لو كان جريان الاستصحاب في حقه بعد خروج الوقت، ولكن من حين كونه في الوقت كان مخاطبًا بخطاب "لا تنقض اليقين بالشك"، فحينئذٍ يجب عليه أن يصلي، وإذا خرج الوقت يجب عليه أن يقضي الصلاة، مع أنه مقتضى الصناعة عدم ماذا؟ عدم وجوب القضاء عليه.
فلا يظن بفقيه أن يلتزم بعدم وجوب القضاء في هذه الصورة، لكن هذه الصناعة العلمية التي ذكرت في عدم وجوب القضاء بعد خروج الوقت أيضًا تجري هنا. فهل يلتزم بعدم وجوب القضاء إذا التفت في أثناء الوقت؟
خلاصة المسألة: كلام صاحب الكفاية الصناعي الذي مفاده أنه بناءً على الأمر الثاني، وأن القضاء إنما يثبت بأمر ثانٍ، إذا التزمنا بأن موضوع القضاء هو عدم الإتيان، يثبت القضاء، وإذا التزمنا بأن الموضوع هو عنوان الفوات، فلا يجب القضاء. فإننا ننقض عليه بأنه لو التفت في الأثناء ولم يأتي بالصلاة، فهل يلتزم صاحب الكفاية بعدم وجوب القضاء إذا خرج الوقت؟ وبناءً على الصناعة التي جاء بها، وهي أن الاستصحاب يقتضي استصحاب عدم الإتيان بالصلاة، وهذا لا يثبت عنوان الفوات والخسارة الذي هو موضوع القضاء.
خلاصة المسألة:
إن كلام صاحب الكفاية غير تام بالنسبة إلى خارج الوقت، لأنه ينقض عليه بأنه يلزم بناءً على هذه الصناعة عدم وجوب القضاء حتى إذا انكشف الخلاف في الوقت، ولكنه لم يأتي بالصلاة حتى خرج الوقت. إذ سوف يشك أيضًا في توجه أمر جديد إليه، ولا يمكن إثبات موضوعه بالاستصحاب، فتجري في حقه البراءة.
وقد يقال: إن الاستصحاب إذا جرى في الوقت، فحينئذٍ نفس هذا الاستصحاب يحدث وجوبًا ظاهريًا، وهذا الواجب الظاهري الذي ثبت بالاستصحاب قد فات يقينًا، فيجب عليه قضاؤه، لأن كل ما فات يجب قضاؤه.
وهذا بخلاف ما إذا لم يجري الاستصحاب في حقه في أثناء الوقت، وإنما جرى الاستصحاب بعد خروج الوقت، فإنه حينئذ لم يفته شيء، لا الواجب الواقعي ولا الواجب الظاهري، لأنه لم يحرز فوت شيء.
أما الواجب الواقعي فلأن إثبات فوته باستصحاب عدم الإتيان، وهذا استصحاب مثبت، وهو لا يثبت.
وأما الواجب الظاهري فلأنه لم يكن في حقه وجوب ظاهري حينئذٍ، أي بعد خروج الوقت، لكي يحصل الفوت.
هذا تمام الكلام في بيان كلام صاحب الكفاية وما يمكن أن يجاب عليه.