46/07/05
الدرس (مائتان وعشرة): التقريب الثاني لإجزاء الحكم الظاهري عن الواقعي
الموضوع: الدرس (مائتان وعشرة): التقريب الثاني لإجزاء الحكم الظاهري عن الواقعي
التقريب الثاني لإجزاء الحكم الظاهري عن الواقعي
الدعوة السببية
أي أن أدلة الحجية من أمارات وأصول عملية تتكفل جعل الأحكام الظاهرية بنحو السببية لا بنحو الطريقية الصرفة.
[معنى السببية]
والسببية ذات معانٍ يجمعها مطلب واحد، وهو أن هذه الأعمال التي يؤتى بها على طبق الحكم الظاهري واجدةٌ للملاك، حتى لو كانت مخالفة للواقع، وهذا بخلاف ما إذا قيل بالطريقية الصرفة، فإنه إذا قلنا بأن حجية الأمارات والأصول العملية حجة بنحو الطريقية الصرفة والاستطراق للواقع، فهي طريق لمعرفة الواقع المجهود، فإذا انكشف الواقع خلاف هذه الأمارات والأصول، فحينئذ لا يجزئ العمل على وفقه.
إذن، من لم يصل إلى الواقع لا يحصل شيئاً أصلاً لأنه لم يصل إلى ذي طريق، بينما إذا قيل بالسببية وأن هذه الأعمال الظاهرية ذات ملاكات وواجدة للملاكات، فحينئذ يقال بالإجزاء على أساس أنه قد استوفي الملاك، ومع استيفاء الملاك الواقعي، لا موجب ولا مقتضي للإعادة ولا للقضاء.
[تحقيق الكلام]
وتحقيق الكلام بما يناسب هذه المسألة هو أن الاحتمالات بشكل بدوي في جعل الحجية في أدلة حجية الأمارات والأصول العملية، هذه الاحتمالات متعددة، وسنذكر سبعة احتمالات.
وسيتضح إن شاء الله تعالى أنه بناء على الاحتمال الأول والثاني يلزم التصويب والإجزاء، وبناء على الاحتمال الثالث والرابع والخامس والسادس لا يلزم الإجزاء ولا يلزم التصويب. أما الاحتمال السابع وهو للمحقق الأصفهاني، ففيه كلام وتفصيل وبيانات.
[بيان الإحتمالات السبعة]
ولنشرع في بيان هذه الاحتمالات السبعة التي تذكرنا بفرائد الأصول للشيخ الأنصاري[1] ، ففي الرسائل للشيخ مرتضى الأنصاري، تطرق إلى شبهة ابن قبة في الجمع بين الحكم الظاهري والحكم الواقعي. وأبرز شبهة هو أن من يعمل بالظاهر يفوت ملاكات الواقع. فكيف نحل هذه الشبهة؟ بحيث أن من يأتي بالحكم الظاهري ويلتزم بالعمل الظاهري لا يفوت ملاكات الحكم الواقعي.
[الإحتمالات في شبهة ابن قبة]
هنا توجد عدة احتمالات.
الاحتمال الأول: السببية الأشعرية، وهناك تأمل في نسبة هذا إليهم، فهل يقولون بذلك أو لا؟ ويمكن استفادة ذلك بمراجعة كتاب "مقالات الإسلاميين" لأبي الحسن الأشعريين[2] .
[خلاصة السببية الأشعرية]
وخلاصة السببية الأشعرية هي أنه لا يوجد حكم في الواقع، بل الحكم الواقعي هو ما أدت إليه الأمارات والأصول العملية، فمن هنا يلزم التصويب أولاً والإجزاء ثانياً.
أما التصويب فإن الأمارة والأصول دائماً تكون مصيبة؛ إذ إنها هي الواقع، فالأمارات والأصول العملية وأدلة الأحكام الظاهرية هي التي ترسم الأحكام الواقعية. فلا يوجد واقع ولا توجد أحكام واقعية. والحكم الواقعي يكون وفقاً لمؤديات الأمارات والأصول العملية.
فهنا يلزم التصويب أي أن الأمارة دائماً مصيبة ولا تخطئ. ويلزم أيضاً الإجزاء لأن ما يأتي به هو الواقع، فيجزئ ولا يوجد واقع آخر وراء وغير مؤدى الأمارات والأصول العملية.
إذن مفاد السببية الأشعرية هو فرض أنه ليس لله تعالى أحكام واقعية محفوظة في المرتبة السابقة على ما تؤدي إليه الأمارة أو الأصل، بل حكم الله تعالى يدور مدار مؤدى الأمارات والأصول والحجج. وهذه أعلى مراتب السببية. أي أن الأمارات سبب في إحداث الواقع، الأدلة الظاهرية سبب في إيجاد الأحكام الواقعية، وهذه السببية بقطع النظر عن صحة نسبتها وعدمها إلى الأشعرية، فهي مساوقة مع الإجزاء والتصويب معًا، حيث إنها تُنكر أي حكم واقعي مجعول مسبقاً قبل مؤدى الأمارات والأصول.
وعليه لا مجال هنا للكلام حول إجزاء الحكم الظاهري عن امتثال الحكم الواقعي وعدم إجزائه، لأن الحكم الظاهري على مقتضى الأمارات هو حكم الله الواقعي.
وعليه فلا معنى للكلام حول إجزاء أمرٍ ظاهري عن أمرٍ واقعي؛ لا يوجد إلا أمر واحد، وهو ما كان على طبق الأمارة والأصول العملية، والحجج الظاهرية، فهي التي تثبت الحكم الواقعي.
إذن، بناء على الاحتمال الأول، يلزم التصويب ويلزم الإجزاء.
الاحتمال الثاني: السببية المعتزلية.
وبقطع النظر عن صحة نسبتها إلى المعتزلة أو عدم صحة نسبتها، فمفاد السببية المعتزلية أنه يوجد في الواقع حكم وأحكام واقعية، لكنها مقيدة بعدم قيام الأمارات والأصول العملية على خلافها، فإذا قامت الأحكام الظاهرية من أمارات والأصول العملية على خلاف الواقع، تبدل الواقع وتغير على وفق الأمارات والأصول العملية.
[الفرق بين السببية المعتزلية والأشعرية]
فالفارق بين السببية المعتزلية والسببية الأشعرية هو في أن السببية الأشعرية تنكر وجود أحكام واقعية، بينما السببية المعتزلية تؤمن بوجود أحكام واقعية.
[موطن الخلاف بين الشيعة والمعتزلية]
وموطن الخلاف بين الشيعة الإمامية والمعتزلة هو أن الشيعة الإمامية يرون أن الأحكام الواقعية مطلقة وغير مقيدة وغير مغياة بعدم قيام الحكم الظاهري على خلافها، بينما المعتزلة يرون أن الأحكام الواقعية مقيدة ولها غاية، وهي عدم قيام الحكم الظاهري على خلافها.
فإذا قام الحكم الظاهري على خلافها، تبدل الواقع وأصبح الحكم الواقعي على وفق الحكم الظاهري، وبناء على ذلك، يلزم التصويب والإجزاء، فإن الأمارات والأصول العملية دائماً مصيبة، فحتى لو خالفت الواقع، فإن الواقع يتبدل على وفقها وغرارها، كما يلزم الإجزاء إذ أنه جاء بالواقع إذا امتثل وأتى بمؤدى الأمارات والأصول العملية.
فبناء على الاحتمال الثاني، يلزم التصويب والإجزاء.
إذن، مفاد الاحتمال الثاني هو السببية المعتزلية ومفادها الإقرار بوجود أحكام واقعية مجعولة لله تعالى سابق على قيام الأمارة والأصل، لكن كل حكم واقعي سابق على قيام الأمارة هو مُغيا بعدم قيام الأمارة على خلافه، فهو حكم واقعي ما لم تقم أمارة أو أصل على خلافه، ولكن من حين قيام الأمارة أو الأصل على خلاف الحكم الواقعي، يسقط هذا الحكم الواقعي.
[السببية المعتزلية تستلزم التصويب والإجزاء]
وهذه السببية أيضاً تستلزم التصويب والإجزاء معاً، لأنه واضح أن كون معنى الحكم الواقعي مُغيا ارتفع هذا الحكم الواقعي وإلغاؤه من حين وجود الغاية أي قيام الأمارة أو الأصل على الخلاف، حيث لا يبقى حكم واقعي لله غير حكم الأمارة أو الأصل العملي.
وهذا هو معنى التصويب، أي إن الأصل أو الأمارة دائماً مصيبان، وهذا يساوق الإجزاء، حيث لا يبقى إلا أمر واحد بعد قيام الأمارة أو الأصل العملي، فلا يقع الكلام في إجزاء أمر عن أمر، بل يوجد أمر واحد وهو الأمر الواقعي على وفق مؤدى الأمارة أو الأصل العملي.
هذا تمام الكلام في الاحتمال الأول والثاني، وكلهما يستلزم التصويب ويقتضي إجزاء الحكم الظاهري عن الحكم الواقعي.
الاحتمال الثالث: الطريقية الصرفة، وهي نظرية التزاحم الحفظي للشهيد الصدر أعلى الله في الخلد مقامه.[3]
وخلاصتها: أنه توجد في الواقع ملاكات واقعية؛ فلحم الأرنب في الواقع عند الله إما حلال وإما حرام، لكن هذه الملاكات الواقعية خفيت علينا في الظاهر، فهنا الشارع المقدس ينشئ حكماً ظاهرياً للحفاظ على الملاك الأهم في الواقع.
فيقول في الظاهر: أيهما أهم ملاك الحرم أو ملاك الإباحة؟ فإن كان ملاك الحرمة هو الأهم، وأراد للمكلف أن يحتاط عن الوقوع في الحرام أو الشبهة، قال له: لحم الأرنب حرام. وإذا كان ملاك التوسع على المكلفين أهم من ملاك الاحتياط، قال له: حلال لك أكل لحم الأرنب.
[الحكم الظاهري طريق إلى الواقع]
فهنا الحلية أو الحرمة الظاهرية لأكل لحم الأرنب ليست سبباً أي أنها لا تجعل الحرمة أو الحلية الواقعية، بل هي طريق إلى الواقع، وليست طريق يكشف عن الواقع؛ فحلية أكل لحم الأرنب ظاهراً لا تكشف عن أن أكل لحم الأرنب في الواقع حلال، بل تكشف عن أن الملاك الأهم للحفاظ على أغراض المولى هو ملاك الإباحة والحلية.
وهكذا، ففي الظاهر يحصل تزاحم بين ملاك الإباحة وملاك الحرمة، فعند التزاحم هنا، المولى يريد أن يحفظ أي ملاك فيرجح الملاك الذي يريد حفظه.
[المراد من التزاحم الحفظي]
هذا ما يسمى بنظرية التزاحم الحفظي، يعني إذا تزاحمت وتضادت الملاكات الظاهرية، فإنه يقدم ما يحفظ الملاكات الواقعية، فهذه طريقية صرفة خالصة، يعني الأمارات والأصول العملية طريق إلى الواقع، يعني طريق لحفظ الملاكات الواقعية.
وبناءً على ذلك، لا يلزم التصويب لأن الأحكام الظاهرية لا تقول: "هذا هو الحكم الواقعي" ولا تقول إن الحكم الواقعي قد تبدأ، بل تقول: "اعمل بالحلية أو بالحرمة للحفاظ على الملاكات الواقعية"، كما لا يلزم الإجزاء، فهذا الحكم الظاهري لا يجزء عن الحكم الواقعي فيما لو كان مخالفاً له.
إذن الاحتمال الثالث مباين للاحتمالين الأول والثاني.
وحاصل الاحتمال الثالث هو الطريقية الصرفة في أدلة الأحكام الظاهرية، وأدلة الحجج والأمارات والأصول، وهو الاحتمال الذي حققه الشهيد الصدر ثبوتاً، واختاره في مقام الإثبات في مبحث الجمع بين الأحكام الواقعية والظاهرية.
وحاصل هذا الاحتمال هو أن نجعل الأحكام الظاهرية لم ينشأ إلا بداعي الحفاظ على الملاكات الواقعية المختلطة والمتزاحمة في مرحلة الحفظ، ظاهراً، بالقدر الممكن مع مراعاة الأهم فالأهم، فالمولى يقدم الملاك الأهم.
ومن هنا فليست الأحكام الظاهرية إلا طرقاً موصلة إلى الأحكام الواقعية، ومجعولة بقصد حفظ ملاكات الأحكام الواقعية.
بناءً على نظرية التزاحم الحفظي، هذا يساوق عدم الإجزاء وعدم التصويب، لوضوح أنه في مورد المخالفة مع الواقع، الواقع يتنجز ويكون الحكم الواقعي محفوظاً في نفسه. وبمقتضى إطلاق دليل الحكم الواقعي فإنه باقٍ وفعلي، وبالتالي تجب الإعادة، وبمقتضى إطلاق دليل القضاء يجب القضاء لأنه لم يحصل في الوظيفة الظاهرية استيفاء للحكم الواقعي. حينما جاء بمؤدى الأمارة أو الأصل لم يستوفِ الحكم الواقعي، فيجب عليه الإعادة ويجب عليه القضاء.
[نكتة جعل الطريقية]
إذ إن نكتة جعل الطريقية هي الاستطراق إلى الواقع، وإيصال الشاك إلى الواقع، والمفروض أن النكتة قد تخلت، والشاك لم يصل ولم يستوفِ ملاك الواقع، ومعناه هذا لزوم الإعادة وعدم الإجزاء ولزوم القضاء.
هذا تمام الكلام في الاحتمال الثالث.
الاحتمال الرابع: الالتزام بوجود الملاكات في مؤديات الحكم الظاهري.
فأدلة الحجج والأمارات والأصول العملية تثبت وجود مصالح وملاكات في مؤدى الأمارات والأصول العملية، حفاظاً على ظهور الأمر بسلوكها في كونه أمراً حقيقياً لنشوئه من مصلحة حقيقية في مؤدى هذه الأمارات والأصول.
وذلك في مقابل كونه أمراً طريقياً، بدعوى أنه كما أن ظاهر الأمر أنه نفسي في مقابل الغير وأنه عيني في مقابل الكفائي وأنه تعييني في مقابل التخييري، فهو كذلك ظاهر في أنه حقيقي في مقابل الطريقي.
إذاً فهو ناشئ من مصالح قائمة بمتعلقه، لا أنه مجرد خادم وموصل إلى أمر آخر.
لاحظ الفارق بين الرابع وما تقدم:
الأول: لا توجد أحكام واقعية (السببية الأشعرية).
الثاني (السببية المعتزلية) يرى وجود واقع يتبدل على وفق الأمارة.
الثالث يرى أن الأمارة مجرد طريق للحفاظ على الملاكات الواقعية.
[الإختلاف في موطن المصلحة]
الاحتمال الرابع والخامس والسادس يرى السببية، لا يرى الطريقية. يرى السببية، يعني يرى أن الأمارة أو الأصل العملي (أي الحكم الظاهري) يسبب وجود ملاك يحدث مصلحة، يختلف الرابع عن الخامس عن السادس في موطن المصلحة وموطن الملاك.
فالاحتمال الرابع يرى أن المصلحة والملاك في مؤدى الأمارة، والاحتمال الخامس يرى أن المصلحة والملاك في نفس الجعل، والاحتمال السادس يرى أن المصلحة في سلوك هذا الجعل.
إذاً، الخلاف بين الرابع والخامس والسادس في موطن المصلحة والملاك.
فالرابع والخامس والسادس يشتركان في السببية، أي إن الحكم الظاهري يسبب وجود مصلحة. لكن هذه المصلحة هل هي في نفس جعل الحكم كما في الاحتمال الخامس، أو في مؤدى الحكم المجعول كما في الاحتمال الرابع، أو في فعل المكلف، يعني سلوك المكلف وفعل المكلف على وفق هذا الحكم الظاهري؟
إذاً، الاحتمال الرابع والخامس والسادس يشتركون في السببية لكنها تختلف في موطن ومكان جعل المصلحة والملاك. هل الملاك في مؤدى الأمارة أو في نفس جعل الأمارة أو في سلوك الأمارة؟
فكلها تشترك في السببية وتشترك في وجود حكم واقعي. ثلاثتهم يقولون: الواقع يبقى على ما هو عليه، لا يتبدل. يعني وجود مصلحة في المؤدى أو في الجعل أو في السلوك لا يغير الواقع ولا يبدله، كما يقول الاحتمال الثاني، فلا يلزم التصويب.
وأيضاً لا يلزم الإجزاء، لأن وجود مصلحة في المؤدى كما في الاحتمال الرابع، أو في نفس الجعل كما في الاحتمال الخامس، أو في سلوك هذا الجعل كما في الاحتمال السادس، لا يغير الواقع على ما هو عليه.
فإذا انكشف الواقع خلاف نفس هذا الجعل أو المؤدى أو السلوك، فإن الواقع يتنجز ويجب الإعادة ويجب القضاء.
إذاً، بناءً على الاحتمال الرابع والخامس والسادس، لا يلزم التصويب ولا يتحقق الإجزاء.
[الإحتمال الرابع نحو من السببية دون أن يلزم منه التصويب أو الإجزاء]
إذاً، الاحتمال الرابع هو الالتزام بأن أدلة الحجج والأمارات توجد مصالح وملاكات في مؤدياتها، حفاظاً على ظهور الأمر بسلوكها.
والإدعاء كون أدلة الأمارة والأصول والحجج أنها ناشئة من مصالح وملاكات في متعلقاتها، لإعطاء الأمر الظاهري صفة الأمر الحقيقي مقابل الأمر الطريقي، مثل هذا نحو من السببية، لكن دون أن يلزم منه تصويب أو إجزاء، لوضوح أن غاية ما يقتضيه ظهور الأمر في الحقيقة في موارد الأمارات في مقابل الطريقية، هو أن هناك مصلحة بالاتيان بما أخبر به الثقة عن وجوبه، دون أن يثبت بذلك أن المصلحة الكائنة في مؤدى الأمارة والأصل هي من سنخ المصلحة الكائنة في الحكم الواقعي، حيث يستوفى بها ملاك الواجب الواقعي.
مثال ذلك: لو فرض أن الواجب الواقعي هو صلاة الجمعة، فأخبرت الأمارة عن وجوب صلاة الظهور، وفرضنا أن خطاب صدق العادل يكشف عن وجود مصلحة في صلاة الظهور. إلا أن وجود مصلحة في صلاة الظهور لا يقتضي أن تكون هذه المصلحة في مؤدى الأمارة هي عين المصلحة والملاك في الحكم الواقعي القائم في صلاة الجمعة.
وعليه، فلا استيفاء للملاك الواقعي، فنتمسك بمقتضى إطلاق دليل الواجب الواقعي لبقاء خطابه وملاكه، فتجب الإعادة، وهذا معناه عدم التصويب وعدم الإجزاء.
الاحتمال الخامس: هو القول بالسببية، لكن الملاك لا يكون في مؤدى الأمارة، وإنما يكون في نفس جعل الأمارة والأصول.
بمعنى وجود مصالح في نفس جعل الأحكام الظاهرية من أجل دفع شبهة ابن قبة القائلة بأن تفويت المصلحة والإلقاء في المفسدة قبيح عقلاً على المولى، فلأجل أن لا يكون في جعل الأحكام الظاهرية تفويت والإلقاء في المفسدة، يلتزم بوجود مصلحة في نفس جعل الأحكام الظاهرية، دون متعلقات الأحكام الظاهرية كما في احتمال الرابع. فيكون نفس جعل الحكم الظاهري لمصلحة في هذا الجعل، يتدارك بها قبح تفويت المصلحة الواقعية.
بناءً على هذا الاحتمال لا إجزاء ولا تصويب، ليُوضح أن هذه المصلحة القائمة بنفس جعل الحكم الظاهري ليست مصلحة استيفائية، فهي لا تستوفي ملاك الحكم الواقعي القائم في الأحكام الواقعية. فبمقتضى إطلاق دليل الحكم الواقعي لابد من الإعادة لإحراز استيفاء ملاك الحكم الواقعي.
فبناءً على احتمال الخامس: لا تصويب ولا إجزاء.
الاحتمال السادس: السببية بمعنى المصلحة السلوكية. يعني المصلحة في فعل المكلف، وليس في نفس جعل الحكم ولا في مؤدى الحكم المجعول.
الاحتمال السادس سيأتي عليه الكلام.