« فهرست دروس
الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق
بحث الأصول

46/07/04

بسم الله الرحمن الرحيم

الدرس (مائتان وتسعة): مناقشة الشهيد الصدر لمبنى صاحب الكفاية في الإجزاء

الموضوع: الدرس (مائتان وتسعة): مناقشة الشهيد الصدر لمبنى صاحب الكفاية في الإجزاء

 

مناقشة الشهيد الصدر لمبنى صاحب الكفاية في الإجزاء

تقريب المناقشة:

إن قاعدة الطهارة تقول: "كل شيء طاهر حتى تعلم أنه نجس"، ويواجه ويقابل دليلين واقعيين، وهما:

[قاعد الطهارة يواجه دليلين]

الدليل الأول، وهو دليل نجاسة الشيء، أي دليل نجاسة ملاقي البول مثلاً في الواقع، في حال كون المكلف لا يعلم بذلك، فأجرى المكلف قاعدة الطهارة في هذا الملاقى.

الدليل الثاني هو دليل اشتراط الصلاة بالطهارة، "لا صلاة إلا بطهور"، فلنجس لا تجوز الصلاة فيها.

وفي تشخيص مفاد قاعدة الطهارة يوجد بحث:

البحث الأول

[نسبة قاعدة الطهارة إلى دليل النجاسة]

في نسبة قاعدة الطهارة إلى الدليل الأول، وهو دليل أصل النجاسة الواقعية القائل بأن كل ما لاقى البول فهو نجس، فهنا يُبحث في أن دليل قاعدة الطهارة: "كل شيء طاهر حتى تعلم أنه نجس"، هل يمكن أن يكون مخصصاً لذلك الدليل الواقعي أو لا يمكن أن يكون مخصصاً؟ وفي هذا البحث، لا معنى للحاكمية؛ لأن كلا من الدليلين: دليل النجاسة ودليل قاعدة الطهارة في عرض الآخر.

[المثال] فدليل قاعدة الطهارة يقول: "هذا طاهر"، ودليل ملاقي النجس يقول: "هذا نجس"، فالدليل الأول يقول: "هذا الثوب نجس واقعًا لأنه لاقى البول"، وقاعدة الطهارة تقول: "هذا الثوب طاهر ظاهراً". فالدليلان عرضيان وليس أحدهما محققاً لموضوع الآخر. فلو كان هناك شيء، فهو التخصيص لا الحاكمية.

[هل القاعدة الطهارة مخصص لدليل النجاسة؟]

ويقع الكلام حينئذٍ في أن دليل قاعدة الطهارة: "كل شيء طاهر حتى تعلم أنه نجس"، هل هو مخصص لدليل النجاسة، فيقيد دليل النجاسة ويخصصه بصورة العلم، مثلاً، فتكون النتيجة هكذا: من لا يعلم بالنجاسة فلا نجاسة واقعًا في حقه، كما هو مبنى صاحب الحدائق الشيخ يوسف البحراني رحمه الله، فتكون النجاسة الواقعية مقيدة بصورة العلم بها، فلا يدخل في عهدتك النجاسة الواقعية إلا إذا علمت بها.

وبناءً عليه، لو فرضنا التخصيص في المقام، فحينئذ تصبح قاعدة الطهارة حكماً واقعياً وتنشئ طهارة واقعية لا طهارة ظاهرية. والصلاة بهذه الطهارة تكون صلاة واقعية وليست صلاة ظاهرية،

[النتيجة] وبناءً على ذلك، لا إشكال في الإجزاء.

[الشهيد الصدر: قاعدة الطهارة ليست مخصصا]

وقد ذكر الشهيد الصدر السيد محمد باقر رحمه الله، في الجزء الثاني من شرح العروة الوثقى بأنه لا يمكن استظهار كون قاعدة الطهارة مخصصة لدليل النجاسة في المقام. وهذا يُبحث في الفقه.[1]

إذن، فلا بد من أخذ عدم التخصيص أصلاً موضوعياً؛ لأننا نتكلم في الأحكام الظاهرية، فلو قلنا بالتخصيص، لصارت الأحكام واقعية، ولما صارت أصالة الطهارة حكماً ظاهرياً، بل صارت قاعدة الطهارة حكماً واقعياً.

إذن، فلا بد في المقام من أخذ عدم التخصيص، أي أن قاعدة الطهارة لا تخصص دليل النجاسة الواقعي، فدليل النجاسة حكم واقعي باقٍ ومفروغ عنه، ودليل الطهارة حكم ظاهري، فحينئذٍ ننتقل إلى البحث الثاني.

البحث الثاني

[نسبة دليل قاعدة الطهارة إلى دليل الشرطية]

وهو نسبة دليل قاعدة الطهارة إلى دليل الشرطية: "لا صلاة إلا بطهور". وحينئذٍ يقع البحث في أن مفاد قاعدة الطهارة: "كل شيء طاهر حتى تعلم أنه نجس"، بعد الفراغ عن كونه عدم كونه مخصص لدليل النجاسة، هل مفاده طهارة ظاهرية تنزيلية والدعائية لا واقعية، أو لا؟

فيقع الكلام في أن تنزيل مشكوك الطهارة منزلة الطاهر الواقعي بأي لحاظ قد أخذ.

إذن، الآن فرغنا عن أن أصالة الطهارة تنشئ حكماً ظاهرياً ولا تنشئ حكماً واقعياً؛ لأن هناك أصل موضوعي وهو أن أصالة الطهارة لا تخصص دليل النجاسة، فأصالة الطهارة تنشئ حكماً ظاهرياً. وفي مقابلها يوجد حكم واقعي: "لا صلاة إلا بطهور"، فما هي النسبة وما هي اللحاظ بين "كل شيء طاهر حتى تعلم أنه نجس" (وهو أصالة الطهارة) مع دليل الاشتراط "لا صلاة إلا بطهور"؟

يوجد لحاظان:

اللحاظ الأول: أن يكون تنزيل الطاهر الظاهري مشكوك الطهارة منزلة الطاهر الواقعي بلحاظ موضوعية الطاهر الواقعي للأحكام الشرعية المجعولة من قبل الشارع، والتي منها الشرطية.

ومقتضى ذلك حينئذ إسراء الأحكام الشرعية الواقعية المترتبة على الطاهر الواقعي إلى الطاهر الظاهري، وبهذا تتم حاكمية صاحب الكفاية، فتتحقق الحكومة، فتفيد أصالة الطهارة الحكومة الواقعية والتوسع في الحقيقية للشرطية: "لا صلاة إلا بطهور"، وهذا الطهور إما واقع أو طهور تحديثه أصالة الطهارة، فأصالة الطهارة أحدثت الطهارة الظاهرية، لكن هذه الطهارة الظاهرية تقوم مقام الطهارة الواقعية، فيتم الإجزاء.

اللحاظ الثاني: أن يكون تنزيل الطاهر الظاهري مشكوك الطهارة منزلة الطاهر الواقعي بلحاظ موضوعية الطاهر الواقعي للجري العملي والوظيفة العملية في عالم الجعل وعالم الامتثال والعصيان.

وعليه، فلا يكون هذا التنزيل بلحاظ موضوعية الطاهر الواقعي للأحكام الشرعية المجعولة من قبل الشارع ومنها الشرطية.

إذن، لا معنى لدعوى حكومة دليل الطهارة على دليل الشرطية بناءً على اللحاظ الثاني؛ لأن لسان دليل الطهارة قاصرٌ عن توسعة الدليل الشرطي.

إذن، دليل أصالة الطهارة غير ناظر إلى تنزيل الطاهر الظاهري منزلة الطاهر الواقعي، وإنما يقول: أنت في مقام العمل، وظيفتك العملية أشخصها لك، فعند شكك وحيرتك رتب آثار الطاهر.

إذن، فرق بين أن تكون أصالة الطهارة ناظرة إلى مجرد الوظيفة العملية والجري العملي، فتقول: أنت ظاهريًا إذا شككت في النجاسة الواقعية رتب آثار الطهارة ظاهريًا، ففي مقام العمل والوظيفة العملية، تكليفك الشرعي أن تجري عملياً على وفق الطهارة، هذا الجري العملي والوظيفة العملية لا يوسع دليل "لا صلاة إلا بطهور".

بخلاف اللحاظ الأول، إذا أصالة الطهارة تُنزل الطاهر الظاهري منزلة الطاهر الواقعي الذي هو موضوع للأحكام الشرعية، صار الطاهر الظاهري يقوم مقام الطاهر الواقعي، فتتحقق الحكومة.

إذن، بناءً على اللحاظ الأول تتحقق الحكومة والإجزاء، وبناءً على اللحاظ الثاني لا تتحقق الحكومة ولا يتحقق الإجزاء، فجل وظيفة أصالة الطهارة بحسب اللحاظ الثاني هو تشخيص الوظيفة العملية للمكلف عند شكه وحيرته، وبناءً على هذا لا يثبت الإجزاء؛ لأن الواقع لم يتغير ولم يسقط بمجرد التأمين العملي في حالة الشك.

[جوهر القضية]

إذن، جوهر القضية هو أن نعرف: أن مفاد دليل قاعدة الطهارة هو تنزيل الطاهر الظاهري منزل الطاهر الواقعي بلحاظ موضوعيته للأحكام الشرعية المجعولة من قبل الشارع، والتي منها الشرطية، أو بلحاظ موضوعيته للجري العملي في مقام الشك والتردد؟

وحينئذٍ يُقال بأن كون هذا التنزيل أخذ في موضوعه الشك يجعله يختلف عن التنزيلات الأخرى التي لم يؤخذ في موضوعها الشك، مثال ذلك: التنزيل في مثل: جارك قريبك، والصلاة في البيت، والصلاة في البيت طواف، فهذه موارد لم يؤخذ في موضوعها الشك، فتصير في مقابلة بعضها.

لكن مورد بحثنا: "كل شيء طاهر حتى تعلم أنه نجس" أخذ في موضوعه الشك، ففي موارد أخذ الشك في موضوع التنزيل، إن لم يكن هناك قرينة أو استظهار ولو من نفس أخذ الشك والتردد في لسان الدليل على إرادة اللحاظ الثاني، أي لحاظ عالم الجري العملي، ولو بحسب مناسبات الحكم والموضوع العرفية الارتكازية، فلا أقل من أنه يوجب الإجمال.

وإذا ورد الاحتمال، بطل الاستدلال.

فإما أن نستظهر اللحاظ الأول أو نستظهر اللحاظ الثاني، وإذا لم نستظهر أيًّا منهما، يبقى اللحاظ الأول محتملًا واللحاظ الثاني أيضًا محتمل، وإذا ورد الاحتمال، بطل الاستدلال، فلا يحصل ظهور في التنزيل باللحاظ الأول، وهذا ينافي إمكان إثبات الإجزاء بملاك التوسع الواقعية في اللحاظ الأول، بل في مورد بحثنا توجد قرينة تؤيد اللحاظ الثاني.

أي أن الطاهر الظاهري نزل منزلة الطاهر الواقعي بلحاظ الجري العملي عند الشك، لا بلحاظ موضوعية الطاهر الواقعي للأحكام الشرعية، كما في اللحاظ الأول. بل توجد قرينة تؤيد أنه بحسب اللحاظ الثاني، أي الطاهر الظاهري يقوم مقام الطاهر الواقعي بلحاظ الجري العملي عند الشك.

[القرينة المؤيدة لإرادة اللحاظ الثاني في القاعدة]

والقرينة المؤيدة لإرادة اللحاظ الثاني في القاعدة، وهو كون التنزيل في المقام بلحاظ الجري العملي، ذيل موثقة عمار، حيث يقوم: "إذا علمت فقد قذرت"، وهذا يعني أن مجرد العلم بالقذارة يوجب نفوذ آثار القذارة من الآن، يعني من حين العلم.

ولكن مقتضى دليل الإنفاذ أنه ينفذ من أول الأمر، يعني من أول حصول النجاسة، وليس من أول حصول العلم، يعني زمان الإنفاذ الآن حين العلم، هذا زمان الإنفاذ، لكنه ينفذ ويكون نافذًا بلحاظ تمام مدلوله، يعني من الآن يحكم بتمام آثار النجاسة السابقة على العلم بها، والتي منها بطلان العمل السابق ولزوم الإعادة، وهذا معناه أن الشرطية لم تتوسع حقيقة، تبقى "لا صلاة إلا بطهور" واقعي على ما هي عليه، ولو بقيت الشرطية على واقعيتها ولم يحصل توسع فيها، فحينئذٍ لا توجد حاكمية.

إذن، الشرطية لم تتوسع حقيقة، وإلا لو توسعت حقيقة لما نفذ العلم من الآن بلحاظ تمام مدلوله.

وعليه، فإذا استظهرنا من ذيل الموثقة أن المولى في مقام إثبات هذه العناية، وهي عناية إنفاذ العلم من حين حدوثه بلحاظ تمام مدلوله، حيث يكون للعلم أثر قبلي، فهذا بنفسه يكون قرينة على أن التنزيل في صدر الموثقة تنزيل ظاهري صوري وبلحاظ مقام الجري العملي.

واحتمال استظهار مدلول هذا الإطلاق كافٍ في سريان الإجمال إلى صدر الموثقة، فبهذا يتبين أن هذا التقريب للإجزاء غير صحيح.

هذا تمام الكلام في التقريب الأول لإجزاء الحكم الظاهري عن الواقع، وهو تقريب صاحب الكفاية، وكان كلامنا أنه إذا انكشف الخلاف إما أن يكون بشكل قطعي وإما أن يكون بحكم ظاهري آخر.

كلامنا في المقام الأول فيما لو انكشف الواقع بخلاف الظاهر بشكل قطعي، فهل الحكم الظاهري يجزي عن الواقع أم لا؟

قلنا يوجد تقريب أول لصاحب الكفاية وذكرنا أربعة إشكالات للميرزا النائيني وتم مناقشتها، والمناقشة الخامسة للشهيد الصدر، واتضح أنه إذا جاء المكلف بالعمل الظاهري وانكشف الواقع بخلافه، فهنا لا إجزاء فنحكم بوجوب الإعادة أو القضاء.

هذا تمام الكلام في التقريب الأول، واتضح أنه ليس بتام.

التقريب الثاني يأتي عليه الكلام.


logo