46/06/30
الدرس (مائتان وثمانية): الاعتراض الرابع للنائيني على صاحب الكفاية
الموضوع: الدرس (مائتان وثمانية): الاعتراض الرابع للنائيني على صاحب الكفاية
الاعتراض الرابع للمحقق النائيني على صاحب الكفاية
ومفاده: كيف يذهب صاحب الكفاية إلى أن دليل أصالة الطهارة حاكم على دليل الشرطية مع أن مختار صاحب الكفاية في بحث الحكومة والتعادل والترجيح: أن الدليل لا يكون حاكمًا إلا إذا كان بلسانه اللفظ مبينًا ومفسرًا ومصرحًا بالحكومة، كأن يقول: "أعني" أو "أقصد" أو "أريد" كذا.
فالدليل الحاكم يشترط أن يكون ناظرًا إلى الدليل المحكوم، ويعرف هذا النظر بالتصريح اللفظي، كقوله: "أعني" أو "أقصد" أو "أريد".
فما لم يكن بلسانه اللفظ مبينًا ومفسرًا لا يكون حاكمًا عند صاحب الكفاية. وبهذا أنكر صاحب الكفاية حاكمية أدلة حجية الأمارات على أدلة الأصول العملية، لأن الأمارات لم تصرح في دليلها وبلسانها اللفظي ولم تفسر الأصول العملية.
فكيف يقول صاحب الكفاية بحاكمية دليل أصالة الطهارة ولسانه كل شيء لك طاهر حتى تعلم أنه نجس على دليل: "لا صلاة إلا بطهور"؟! مع أن دليل أصالة الطهارة دائمًا يذكر فيه لفظ: "أعني" أو "أقصد" أو "أريد".
فبناءً على مبنى صاحب الكفاية في الحكومة اللفظية لا تتم حكومة أصالة الطهارة على قاعدة: "لا صلاة إلا بطهور".
[جواب الإعتراض]
الجواب: جواب الإشكال الرابع يعلم من جواب الإشكال الثالث. وهو إن هذا الاعتراض من المحقق النائيني على صاحب الكفاية إنما يتم لو كان مراد صاحب الكفاية من حكومة أصالة الطهارة هو الحكومة العينية التنزيلية الإدعايية.
[الحكومة على قسيمن]
وقد ذكرنا في جواب الاعتراض الثالث للمحقق النائيني أن الحكومة على قسمين:
القسم الأول الحكومة بمعنى الورود، أي إيجاد أو نفي فرد حقيقي.
القسم الثاني الحكومة العينية الإدعايية بإيجاد أو نفي فرد إدعائي.
[مراد صاحب الكفاية من حكومة أصالة الطهارة]
وصاحب الكفاية ليس مراده من حكومة أصالة الطهارة الحكومة من القسم الثاني، أي الإدعايية العينية، بل مراده القسم الأول من الحكومة، أي الحكومة بمعنى الورود، وفي الورود لم يشترط صاحب الكفاية نظر الدليل الوارد إلى الدليل المورود.
ولهذا اختار صاحب الكفاية تقدم أدلة الأمارات على أدلة الأصول العملية بالورود، مع أن أدلة الأمارات لم يرد فيها لسان لفظي يفيد التوضيح والتفسير كقوله: "أعني" أو "أي" أو "أريد"، ونفس مبنى صاحب الكفاية وهو الورود الذي اختاره في تقدم الأمارات على الأصول نقول به هنا في تقدم أصالة الطهارة على كل شيء: "لا صلاة إلا بطهور".
إذن خلاصة جواب ودف الإشكال الرابع للمحقق النائيني على صاحب الكفاية: هو أن مراد صاحب الكفاية من حاكمية أصالة الطهارة على: "لا صلاة إلا بطهور" هو الورود، أي القسم الأول من الحكومة وليس القسم الثاني من الحكومة وهو الحكومة الإدعايية.
هذا تمام الكلام في جواب الإشكالات الأربعة للميرزا النائيني على صاحب الكفاية.
ومن هذا الجواب الذي هو جواب الإشكال الرابع، وأيضًا ذكرناه في جواب الإشكال والاعتراض الثالث، يمكن الجواب على الاعتراض الثاني للمحقق النائيني على صاحب الكفاية، ويكون الجواب هو الجواب والكلام هو الكلام.
[الرجوع إلى الإعتراض الثاني والجواب الشهيد الصدر]
فلنرجع إلى الاعتراض الثاني للميرزا النائيني[1] [2]
وجواب الشهيد الصدر هناك، ثم نأتي بجواب هو نفس هذا الجواب هنا.
الاعتراض الثاني كان هو عبارة عن ما يلي: وهو المقارنة بين أصالة الطهارة والأحكام التي موضوعها الطهارة، وبين الأحكام التي موضوعها النجاسة، فكان مفاد الاعتراض الثاني للميرزا النائيني على صاحب الكفاية هو النقض على صاحب الكفاية بالأدلة التي موضوعها النجاسة.
تقريب الاعتراض: إن دليل أصالة الطهارة نسبته إلى دليل شرطية الطهارة في الصلاة، ودليل شرطية الطهارة في ماء الوضوء، ودليل شرطية الملاقاة في طهارة الملاقي على حدٍّ واحد، فإذا بنينا على الحاكمية في الدليل الأول، أي الأحكام التي أخذ في موضوعها الطهارة، يلزم الالتزام بحاكمية أصالة الطهارة في الدليل الثاني الذي أخذ في عنوانه وفي موضوعه النجاسة.
فإذا التزمنا بالإجزاء فيما أخذ في موضوعه الطهارة، يجب أن نلتزم بالإجزاء فيما أخذ في موضوعه النجاسة، فلو توضأ بالماء النجس بعد أن أجرى فيه أصالة الطهارة، ثم انكشفت له نجاسة الماء واقعًا قبل أن يصل، فبناءً على الحاكمية ينبغي أن يلتزم بثبوت الطهارة وجواز الصلاة بهذا الوضوء، مع أن صاحب الكفاية والفقهاء لا يلتزمون بصحة الصلاة، بل يقولون: مادام قد انكشف الواقع وهو نجاسة الماء فلا يجوز الصلاة بهذا الوضوء من ذلك الماء حتى لو أجريت أصالة الطهارة.
وقد أجاب الشهيد الصدر على الاعتراض الثاني للمحقق النائيني بأنه يمكن لصاحب الكفاية أن يفرق بين الأدلة التي أخذ في موضوعها الطاهر فيلتزم بحاكمية أصالة الطهارة، وبين الأدلة التي أخذ في موضوعها عنوان النجاس فيلتزم بعدم الحاكمية وعدم الإجزاء.
فيقال: دليل أصالة الطهارة حاكم على الأدلة التي أخذ فيها عنوان الطاهر، وليس بحاكم على الأدلة التي أخذ فيها عنوان النجاس.
لكن هذا الجواب قد يبتلى بإشكال، وهو إن لأصالة الطهارة مدلول مطابق وهو الطهارة، ومدلول التزام وهو عدم النجاسة.
بيان ذلك:
أصالة الطهارة إما أن نقول بأن مدلولها الطهارة فقط، هذا الاحتمال الأول، ويوجد احتمال ثاني وهو أن نقول بأن مدلول أصالة الطهارة الواقعي هو الطهارة، فهذا مدلول مطابقي، وله مدلول التزام عرفي وهو عدم النجاسة.
فأصالة الطهارة تتعبد بمدلولين:
الأول: مدلول مطابق وهو الطهارة،
الثاني: ومدلول التزام وهو عدم النجاسة،
فإن قال صاحب الكفاية بالاحتمال الأول وهو أن مدلول أصالة الطهارة هو الطهارة فقط من دون وجود مدلول التزامي، فإنه يعترض عليه: كيف يصحح صاحب الكفاية الوضوء الذي أجرى في مائه قاعدة الطهارة مع أن دليل أصالة الطهارة لا ينفي النجاسة الواقعية؟
وبناءً على ذلك يكون الوضوء باطلاً لأنه قد تم بماء نجس في الواقع، وصحة الوضوء منوطة بعدم النجاسة، لا بوجود الطهارة.
والمفروض أن دليل قاعدة الطهارة يثبت الطهارة فقط، ولا ينفي النجاسة.
إذًا بناءً على الاحتمال الأول لا يوجد ما يعبرنا بنفي النجاسة، فيلزم على صاحب الكفاية أن لا يجيز في حالة الشك الوضوء بهذا الماء المشكور، مع أنه لا إشكال في صحته.
هذا على الاحتمال الأول، أن نستفيد من أصالة الطهارة الطهارة فقط.
وأما على الاحتمال الثاني وهو الالتزام بأن قاعدة الطهارة: "كل شيء لك طاهر حتى تعلم أنه نجس"، يكون لها مدلولان تعبديان:
المدلول الأول التعبد بالطهارة وهو مدلول مطابق.
المدلول الثاني التزامي وهو التعبد بعدم النجاسة.
وهذان التعبدان متلازمان عرفيًا، ولا انفكاك بينهما حتى بحسب عالم التعبد، حينئذٍ يفترض على صاحب الكفاية بأنه في حالة الشك يجوز لنا أن نتوضأ بهذا الماء، لأن قاعدة الطهارة تعبدنا بعدم نجاسته.
وحينئذٍ نسأل صاحب الكفاية: لماذا لا تقول بحاكمية دليل الطهارة على دليل "لا تتوضأ بالنجس"؟
الجواب: لأن دليل "لا تتوضأ بالنجس" موضوعه النجاسة، ودليل أصالة الطهارة مدلوله فردان:
أحدهما إثبات الطهارة حسب المدلول المطابق،
والآخر مدلول التزامي وهو أن هذا ليس بنجس.
فبلحاظ المفاد الأول يكون حاكمًا على دليل "لا صلاة إلا بطهور"، وبحسب المفاد الثاني يكون حاكمًا على دليل "لا تتوضأ بالنجس".
وإن كانت الحاكميتان مختلفتين، فإن حاكمية أصالة الطهارة على دليل "لا صلاة إلا بطهور" تكون بإيجاد فرد من الطهارة، ويكون بالمدلول المطابق، أي بتوسعة دائرة الشرطية.
بينما حاكمية أصالة الطهارة على قوله: "لا تتوضأ بالنجس" تكون بتضيق دائرة البطلان، فكأنه يقول: إن هذا ليس بنجس، وبالتالي يلتزم بالإجزاء في كل منهما، هذا إذا كانت الحاكمية واقعية.
ولكن إذا كانت الحاكمية ظاهرية، يلتزم بعدم الإجزاء في كل منهما نظرًا لانكشاف الواقع، فاتضح أن الواقع خلاف الظاهر.
وهذا إشكال على جواب الشهيد الصدر على الاعتراض الثاني رضوان الله عليه.
من هنا يذكر الشهيد الصدر أن الجواب الذي ذكرناه على الاعتراض الرابع وعلى الاعتراض الثالث يصلح أيضًا للجواب على الاعتراض الثاني، كيف يكون هذا الجواب؟
الجواب: إن مقصود صاحب الكفاية من الحكومة هو الورود، وليس مقصوده هو الحكومة العنائية الإدعايية، أي النحو الأول من الحاكمية إلى النحو الثاني. فدليل "لا صلاة إلا بطهور" الذي هو الدليل المحكوم، حيث إن موضوعه طبيعي الطهور، فيقال إن أصالة الطهارة: "كل شيء لك طاهر حتى تعلم أنه نجس"، له مدلولان: الأول التعبد بالطهارة، والثاني التعبد بنفي النجاسة، فهو بلحاظ المدلول الأول، التعبد بالطهارة، يكون واردًا على دليل "لا صلاة إلا بطهور"، أي أن كل شيء لك طاهر حتى تعلم أنه نجس يوجد فردًا حقيقيًا للطهارة، وهي الشرط في الدليل الثاني "لا صلاة إلا بطهور".
فإذا أصالة الطهارة توجد فردًا من موضوع دليل الشرطية، فتكون النتيجة إن أصالة الطهارة: "كل شيء لك طاهر حتى تعلم أنه نجس" تكون وارده على دليل الشرطية "لا صلاة إلا بطهور" هذا بلحاظ المدلول المطابق.
وأما بلحاظ المدلول الالتزامي، المدلول الثاني وهو التعبد بعدم النجاسة، فهذا لا يعقل أن يكون واردًا على دليل "لا تتوضأ بالنجس"، لأن التعبد الثاني، وهو عدم النجاسة، أي المدلول الالتزامي، لو كان يلغي النجاسة الواقعية، لكان مفاده حكمًا واقعيًا لا حكمًا ظاهريًا، وهو خلف، فلابد من فرض أن الطهارة لا تلغي النجاسة الواقعية.
خلاصة الجواب: أصالة الطهارة لها مدلول أول مطابقي وهو إثبات الطهارة، ومدلول ثاني التزامي وهو عدم النجاسة، أصالة الطهارة بلحاظ المدلول الأول تكون واردة على دليل "لا صلاة إلا بطهور"؛ لأن أصالة الطهارة توجد فردًا من الطهور، فتكون واردة ولا تحتاج إلى نظر، لكن أصالة الطهارة بلحاظ مدلولها الثاني، وهو المدلول الالتزامي، أي التعبد بعدم النجاسة، فهي لا توجد عدم النجاسة الواقعية، بل توجد عدم نجاسة ظاهرية، يعني تتعبد ظاهراً بعدم النجاسة، فإذا انكشف الواقع بخلاف ذلك، إذا انكشف فعلاً أن هذا الماء نجس، فتصير هذه القاعدة "لا تتوضأ بالنجس" لا يرد عليها التعبد بعدم النجاسة؛ لأن التعبد بعدم النجاسة ليس واقعياً ولا يتصرف في الواقع.
إذًا جواب الاعتراض الرابع والاعتراض الثالث يمكن أيضًا الجواب على الاعتراض الثاني النقضي للميرزا النائيني، إذ نقض بالأدلة التي أخذ في موضوعها النجاسة على الأدلة التي أخذ في موضوعها الطهارة.
والجواب: أصالة الطهارة واردة على الأدلة التي أخذ في موضوعها الطهارة، وليست واردة على الأدلة التي أخذ في موضوعها النجاسة، والله العالم.
هذا تمام الكلام في بيان الاعتراضات الأربعة التي اعترض بها الميرزا النائيني على الإجزاء الذي قال به صاحب الكفاية، وتبين أن هذه الاعتراضات الأربعة ليست تامة، فهل نلتزم بالإجزاء الذي ذهب إليه صاحب الكفاية؟ وكلامنا في المورد الأول: لو قطعنا بالواقع وكان الواقع خلاف الحكم الظاهري، فهل نحكم بالإجزاء أم لا؟
صاحب الكفاية قال: نحكم بالإجزاء في خصوص الأدلة التي تحددت الوظيفة الظاهرية العملية، لكن الشهيد الصدر ناقش صاحب الكفاية ولم يقبل هذا الإجزاء.
مناقشة الشهيد الصدر لصاحب الكفاية يأتي عليها الكلام.