46/06/28
الدرس (مائتان وستة): الاعتراض الثاني للنائيني على صاحب الكفاية
الموضوع: الدرس (مائتان وستة): الاعتراض الثاني للنائيني على صاحب الكفاية
الاعتراض الثاني للميرزا النائيني على صاحب الكفاية
وهذا الاعتراض أيضاً، كالاعتراض الأول، اتفق فيه سيد أساتذتنا السيد الخوئي مع أستاذه الميرزا الشيخ محمد حسين النائيني. [1] [2]
توضيح الاعتراض:
النقض بسائر أحكام الطهارة، فعندنا قاعدة "لا صلاة إلا بطهور" التي أجرينا المقارنة بينها وبين أصالة الطهارة، ولكن توجد قواعد أخرى للطهارة، كاشتراط طهارة ماء الوضوء وطهارة الملاقي ونحو ذلك، فلا يظن بصاحب الكفاية، ولا بأي فقيه، أن يلتزم بطهارة الملاقي، أو بصحة الصلاة، أو بأي لازم من لوازم هذه الحاكمية الظاهرية.
فصاحب الكفاية رحمه الله يقول إن قاعدة الطهارة "كل شيء لك طاهر حتى تعلم أنه نجس" حاكمة على قاعدة "لا صلاة إلا بطهور".
فيكون عندنا مصداقان للطهور:
المصداق الأول الطهور الواقعي
المصداق الثاني الطهور الظاهري الذي يوجبه قاعدة الطهارة "كل شيء لك طاهر"، فتكون قاعدة الطهارة حاكمة على "لا صلاة إلا بطهور"، أي موسعة للطهور بحيث يشمل الطهور الواقعي والطهور الظاهري.
هنا النقد يقول: إذا التزمت يا صاحب الكفاية بأن قاعدة الطهارة حاكمة على "لا صلاة إلا بطهور"، ينبغي أن تلتزم بأن أصالة الطهارة حاكمة على جميع القواعد التي فيها شرط الطهارة من جهة، والقواعد الأخرى التي ذكر فيها النجاسة.
تفصيل هذا الاعتراض:
يوجد عندنا دليل "لا صلاة إلا بطهور"، ودليل "لا وضوء إلا بماء طاهر"، ودليل "ملاقي الطاهر طاهر"، وهكذا توجد عدة أدلة أخذ في موضوعها الواقعي عنوان الطاهر، فلو فرض أن دليل أصالة الطهارة ولسانه "كل شيء لك طاهر حتى تعلم أنه نجس" كان حاكماً على موضوع "لا صلاة إلا بطهور"، وينتج فرداً جديداً من الشرط وهو الطهارة، فيصير عندنا طهارة واقعية وطهارة منتجة من أصالة الطهارة.
فإذا كانت أصالة الطهارة حاكمة على الأدلة التي ذُكرت فيها عنوان الطهارة كـ"لا صلاة إلا بطهور"، فلتكن أصالة الطهارة أيضًا حاكمة على الأدلة التي ورد فيها عنوان النجاسة.
إذن فليكن دليل أصالة الطهارة حاكماً أيضًا على موضوع دليل "لا وضوء إلا بالماء الطاهر"، لينتج فرداً جديداً من الماء الطاهر، ومن المعلوم أن لازم هذا أنه لو توضأ بماء نجس جهلاً أو أجرى أصالة الطهارة في الماء المشكوك نجاسته، وتوضأ به، ثم انكشف له أن هذا الماء نجس قبل أن يصلي، فحينئذ يلزم على صاحب الكفاية أن يبني ويقول بصحة وضوءه حتى لو انكشف له نجاسة الماء قبل الصلاة.
كما يلزم على صاحب الكفاية أن يجيز صلاته بوضوءه بالماء النجس حتى قبل أن يصلي به.
والسر في ذلك أن دليل "لا وضوء إلا بالماء الطاهر" أصبح محكومًا لدليل "كل شيء لك طاهر"، وهكذا.
فهنا يوجد احتمالان بعد التسليم بأصل الحاكمية:
الاحتمال الأول أن تكون الحاكمية واقعية.
الاحتمال الثاني أن تكون الحاكمية ظاهرية.
يعني حكومة "كل شيء لك طاهر حتى تعلم أنه نجس" على مفاد الدليل الذي أخذ فيه عنوان الطهارة، وعلى مفاد الدليل الذي أخذ فيه عنوان النجاسة، فهذه الحكومة إما واقعية وإما ظاهرية، وعلى كلا الاحتمالين يترتب الأثر.
أما الاحتمال الأول، وهو أن تكون الحكومة واقعية، فلو لاقت اليد ماء نجساً وأجرينا فيه أصالة الطهارة، ثم انكشفت نجاسته، فإن اليد لا تتنجس بمقتضى إجراء أصالة الطهارة، لأن دليل "أن ملاقي الطاهر طاهر" قد وسع موضوعه، وكذلك دليل أصالة الطهارة جعل من الماء النجس الذي لاقته اليد، جعلته طاهراً واقعاً، فصارت اليد ملاقية للماء الطاهر، كل ذلك ببركة أصالة الطهارة، وببركة دليل "ملاقى الطاهر طاهر".
فإذا التزمنا بأن حاكمية دليل أصالة الطهارة وحاكمية دليل "ملاقى الطاهر طاهر" حاكمية واقعية، فحينئذ يجب إسراع هذه الحاكمية الواقعية إلى جميع الأدلة التي يفترض أنها محكومة، وقد جاء فيها عنوان الطاهر أو عنوان النجس، ولا يظن بصاحب الكفاية، أو بأي فقيه، أن يلتزم بهذه اللوازم، وهي الحكومة الواقعية لأصالة الطهارة على كل الأدلة الوارد فيها عنوان الطهارة أو النجاسة.
يعني إذا أجرى أصالة الطهارة وتوضأ بالماء، وقبل ما يصلي انكشف له أن هذا الماء نجس أو متنجس، بناءً على الحاكمية الواقعية، يجوز له أن يصلي بهذا الماء، ولا يلتزم صاحب الكفاية بهذا الكلام ولا غيره من الفقهاء.
هذا بناءً على الاحتمال الأول أن تكون الحاكمية حاكمية واقعية.
أما الاحتمال الثاني أن تكون حاكمية أصالة الطهارة على الأدلة المأخوذ فيها عنوان الطهارة أو النجاسة حاكمية ظاهرية، فحينئذ لا موجب للإجزاء، إذ أن الحكومة الظاهرية تتم إذا لم ينكشف الواقع، فإذا انكشف الواقع بالخلاف، انتفى الحكم الظاهري، لأن الحكم الظاهري ما أخذ في موضوعه الشك في الواقع، وقد قطعنا بالواقع، فانتفى موضوع الحكم الظاهري، فلا تتم الحكومة الظاهرية.
إذن، على أي حال سواء قلنا بالحكومة الواقعية أو الحكومة الظاهرية، إن قلنا بالحكومة الواقعية يلزم الالتزام بها، ولا وأن لا يمكن الالتزام بها، وهو جواز الصلاة بالوضوء بالماء النجس الذي انكشف قبل الإتيان بالصلاة، وإذا قلنا بالحكومة الظاهرية، فإن هذه الحكومة الظاهرية تنتفي بانكشاف الواقع.
[محاولة الشهيد الصدر في الدفاع عن صاحب الكفاية]
لكن الشهيد الصدر أعلى الله في الخلد مقامه، حاول أن يدافع عن صاحب الكفاية، وقال: يمكن لصاحب الكفاية أن يجيب على الاعتراض الثاني للمحقق النائيني والخوئي بفرضية أصولية يبقى تحقيقها وإثباتها صغيروياً إثباتاً أو نفياً في الفقه الإسلامي. يعني الفقيه حينما يستظهر الأدلة: هل هذا المبنى يمكن القول به أو لا؟ يعني تنقيحه ثبوتاً في علم الأصول وإثباتاً في علم الفقه.
[حاصل كلام الشهيد الصدر]
وحاصل هذا المبنى الغريب العجيب في علم الأصول هو أن أصالة الطهارة إنما توسع موضوع الحكم الذي أخذ فيه عنوان الطهارة أو عدم الطهارة فقط، ولا تتصرف أصالة الطهارة في الدليل الذي أخذ فيه عنوان النجاسة أو عدم النجاسة، فتختص حاكمية أصالة الطهارة في محكمية خصوص الأدلة التي أخذ فيها عنوان الطهارة إثباتاً أو نفياً، ولا تشمل الأدلة التي أخذ فيها عنوان النجاسة إثباتًا أو نفياً والأحكام تابعة للعناوين، فلا يتم الناقض على صاحب الكفاية بحاكمية أصالة الطهارة على القسم الثاني من الأدلة التي أخذ فيها عنوان النجاسة.
هذه زبدة وخلاصة جواب الشهيد الصدر.
وتفصيله:
إن أصالة الطهارة إنما توسع موضوع حكم أخذ فيه الطهارة، ولا تضيق موضوع حكم أخذ فيه النجاسة، لأن أصالة الطهارة توجد طهارة أخرى ظاهرية في مقابل الطهارة الواقعية، ولا تنفي النجاسة الواقعية، فإذا أمكن أن يثبت في الفقه أن الطهارة هي الشرط في الصلاة مع كون النجاسة مانعة من صحة الوضوء أو موجبة لتنجس الملاقي، فحينئذ يكون التفصيل بين الأثرين: الطهارة والنجاسة معقولًا.
تفصيل ذلك:
إن الدليل الذي نريد أن نجعله محكوماً لأصالة الطهارة على نحوين وفرضين:
الفرض الأول أن يكون يتكفل بحكم مترتب على العنوان الطاهر والطهارة التي هي أمر وجودي في مقابل النجاسة.
الفرض الثاني أن يفرض أن الدليل الذي نريد أن نجعله محكوماً يتكفل حكماً مترتباً على النجاسة وعدمها.
فمثلاً: لو فرضنا أن دليل شرطية الطهارة في الصلاة أخذ في موضوعه أن يكون طاهراً أو أن لا يكون طاهراً، كما في قوله عليه السلام: "لا صلاة إلا بطهور"، يعني أن الصلاة مع الطهور صحيحة، ومع عدم الطهور ليست صحيحة، فميزان المطلب وموضوع الحكم بالصحة والبطلان هو الطهارة إثباتًا أو نفيًا.
وهناك صورة أخرى وفرضية ثانية، أن نفرض أن دليل بطلان الوضوء بالماء النجس كان لسانه "لا تتوضأ بالماء النجس"، فيكون مفاده أن الوضوء بالماء النجس باطل، والوضوء بما لا يكون نجسًا صحيح. فالموضوع لصحة الوضوء والبطلان هو النجاسة إثباتًا أو نفيًا.
وحينئذٍ، إذا فرقنا بين عنوان النجاسة وعنوان الطهارة، يمكن لصاحب الكفاية، إذا تمت هذه الفرضية، أن يقول من ناحية الاستظهارات العرفية: إذا ثبت ذلك، يمكن أن يقول أصوليًا إن الحاكمية التي ندعيها لأصالة الطهارة إنما ندعيها على خصوص الأدلة المحكومة التي يكون مفادها حكمًا مترتبًا على عنوان الطهارة إثباتًا أو نفيًا.
والسر في ذلك:
إن أصالة الطهارة تثبت الطهارة، وبالتالي يوجد فرد من الطهارة في المقام، فيكون دليل أصالة الطهارة حاكمًا على دليل "لا صلاة إلا بطهور".
والصحيح أن النجاسة الواقعية موجودة إلى جنب هذه الطهارة، لأن أصالة الطهارة لا تتصرف في مفاد الدليل الواقعي، فعندنا نجاسة في الواقع، وعندنا طهارة استنتجناها بإجراء قاعدة أصالة الطهارة، فالنجاسة موجودة، والثوب نجس واقعًا وطاهر ببركة أصالة الطهارة، لكن الدليل الواقعي الثاني يقول: "هذا طاهر". إذاً، هذا طاهر، وإن كان أيضًا هو نجس في نفس الوقت جمعت النجاسة والطهارة، والدليل يقول: "هذا طاهر". فإذا الأصل في كون النتيجة هي ماذا؟ الحاكمية.
هذا بالنسبة إلى أدلة الطهارة التي أخذ فيها عنوان الطاهر، بخلاف دليل الحكم الواقعي الذي مفاده حكم شرعي قد أُخذ فيه عنوان النجاسة، وترتب الحكم على النجاسة واللا نجاسة، لا أن الحكم يترتب على الطهارة واللا طهارة، بأن يقال:
إن الوضوء بالماء النجس باطل حينئذٍ، حتى لو فرض أننا أجرينا أصالة الطهارة في هذا الماء، لكن النجاسة هنا واقعية وتبقى على حالها.
إذاً، هذا الماء اجتمع فيه أمران:
أحدهما الطهارة الظاهرية في حق الشاك،
والآخر النجاسة الواقعية.
فإذا دليل "لا تتوضأ بالنجس" يشمله كونه نجسًا، ولا يستطيع دليل أصالة الطهارة أن يخرج الماء من موضوع "لا تتوضأ بالماء النجس" إلا إذا استطاع دليل أصالة الطهارة أن يغير النجاسة الواقعية، والمفروض أن دليل أصالة الطهارة لا يغير النجاسة الواقعية.
إذن، يوجد فرق بين دليل أصالة الطهارة من حيث إدخاله فردًا جديدًا تحت موضوع "لا صلاة إلا بطهور"، وبين دليل أصالة الطهارة من حيث إخراجه فردًا جديدًا من موضوع "لا تتوضأ بالماء النجس". فأصالة الطهارة قادرة على الأول الذي جاء فيه عنوان الطهارة، وغير قادرة على الثاني الذي جاء فيه عنوان النجس.
هذه الفرضية معقولة ثبوتًا، وإذا تمت إثباتًا في الفقه، فلو إدعاها صاحب الكفاية، فحينئذٍ يمكن له أن يدفع الاعتراض الثاني الذي هو اعتراض نقضي.
هذا تمام الكلام في الاعتراض الثاني، طبعًا جوابه مجرد فرضية قد لا يمكن الالتزام بها.
الاعتراض الثالث للميرزا النائيني، واختص به، مهم جدًا، وهذا الاعتراض الثالث حلو ودفع أحلى يا حلو، يأتي عليه الكلام.