46/06/27
الدرس (مائتان وخمسة): الاعتراض الأول للنائيني على صاحب الكفاية
الموضوع: الدرس (مائتان وخمسة): الاعتراض الأول للنائيني على صاحب الكفاية
[الإعتراض الأول على صاحب الكفاية]
الاعتراض الأول للنائيني على صاحب الكفاية وهو مما اتفق عليه الميرزا النائيني مع تلميذه الوفي السيد أبو القاسم الخوئي.[1] [2]
وحاصل هذا الاعتراض:
أن حكومة أدلة الأحكام الظاهرية على الواقع إنما هي حكومة ظاهرية وليست حكومة واقعية، لأن الحكم الظاهري في طول الحكم الواقعي ومتأخر عنه رتبة، فلا يعقل توسعة الحكم الظاهري للحكم الواقعي إلا ظاهراً، فهو يذكر الحكم في مقام الوظيفة العملية، وهذه الوظيفة العملية التي يحددها الحكم الظاهري إنما ترتفع من كشاف خلاف الواقع.
فدليل أصالة الطهارة "كل شيء لك طاهر حتى تعلم أنه نجس" إنما هو حكم ظاهري وإن كان حاكماً على دليل "لا صلاة إلا بطهور" بمعنى أن أصالة الطهارة توجد فرداً من الطهارة وهي الطهارة الظاهرية، ولكن هذه الحكومة حكومة ظاهرية وليست واقعية.
وحيث إنها حكومة ظاهرية، فمن المستحيل أن تكون موسعة أو مضيقة لمفاد الدليل الواقعي المحكوم، فالحكم الظاهري لا يؤثر ولا يغير في الحكم الواقعي سعةً وضيقاً.
توضيح ذلك:
إن الدليل الحاكم مع المحكوم على قسمين:
القسم الأول أن يكون الدليل الحاكم في عرض الدليل المحكوم وليس بينهما طولية ولا ترتب بل بينهما عرضية.
مثال ذلك: دليل "لا صلاة إلا بطهور" مع دليل "الطواف في البيت صلاة"، فإن دليل الطواف بالبيت صلاة يكون حاكماً على دليل "لا صلاة إلا بطهور" لأنه أوجد فرداً جديداً من الصلاة وهو الطواف.
إذن هناك فردان للصلاة: صلاة حقيقية وهي الكيفية الخاصة من ركوع وسجود، وصلاة اعتبارية وهي الطواف. وهذه الحاكمية هنا بين الدليلين العرضيين إنما تكون بين دليلين في عرض بعضهما وفي مقابل بعضهما ولا يتفرع أحدهما على الآخر.
إذن لا يوجد تأخر رتبي لأحد الدليلين على الآخر، فإذا لا يوجد تأخر رتبي ولا يتفرع أحدهما على الآخر، تكون الحاكمية حينئذ حاكمية واقعية وليست حاكمية ظاهرية، بمعنى أن دليل الطواف بالبيت صلاة يكون موسعاً حقيقةً وواقعاً لدليل "لا صلاة إلا بطهور"، فتكون النتيجة كما يشترط الطهور في الصلاة المعهودة والمعروفة كذلك يشترط الطهور في الطواف لأنه فرد من الصلاة.
هذا تمام الكلام في القسم الأول وهو وجود عرضية بين الدليل الحاكم والمحكوم.
القسم الثاني من الحاكمية وجود طولية بين الدليل الحاكم والمحكوم، أي يكون الدليل الحاكم في طول وفرع الدليل المحكوم، وذلك بأن يكون الدليل الحاكم مفاده حكماً ظاهرياً، والحكم الظاهري أخذ في موضوعه الشك في الأحكام الواقعية. ولا شك أن الحكم الظاهري في طول وفرع الدليل الحكم الواقعي أي الحكم الظاهري ما أخذ في موضوعه الشك في الحكم الواقعي.
إذن ثبت العرش ثم النقش، أولاً ثبت الحكم الواقعي ثم ثبت الشك في الحكم الواقعي لكي يتحقق موضوع الحكم الظاهري، فإذا كان الحكم الظاهري في طول الحكم الواقعي باعتبار أنه قد أخذ الشك في الواقع في موضوع الحكم الظاهري، فيكون الحكم الظاهري متأخراً عن الشك في الواقع، وبالتالي يكون متأخراً عن الواقع، وتكون بينهما طولية، يعني تفرع أي الحكم الظاهري فرع ثبوت الحكم الواقعي. فإذا انتفى الواقع، انتفى الحكم الظاهري.
إذا كان الأمر كذلك، فحينئذ مثل هذه الحاكمية يستحيل أن تكون حاكمية حقيقية بحيث يتسلط الدليل الحاكم على مفاد الدليل المحكوم فيوسعه أو يضيقه، لأن دليل الحاكم متأخر رتبة عن الدليل المحكوم، فأولاً يثبت الدليل المحكوم وهو الواقع، ثم يحصل الشك فيه، ثم يحصل الدليل الحاكم. فكيف يؤثر الدليل الحاكم المتأخر رتبة عن الدليل المحكوم؟
فما يكون متأخراً رتبته عن شيئين يستحيل أن يكون مؤثراً في إيجاد أو توسعة أو تضييق الشيء المتقدم.
إذن لا توجد حكومة وحاكمية، بل توجد صورة لحاكمية. فمفاد الدليل المحكوم يبقى على حدوده الأولية والواقعية دون أن يكتشف سعة أو ضيقة من مفاد الدليل الحاكم وهو دليل الحكم الظاهري.
وإنما يتمحور دور الدليل الظاهري الحاكم في الحاكمية إنما هو في مقام العمل وفي مقام الجري العملي خارجاً، فما دام الشك موجوداً، يجرى على طبق هذا الحكم الظاهري، وإذا ارتفع الشك يرجع إلى الواقع لا محالة، وهذا معنى كون الحكومة ظاهرية في مقابل الحكومة الواقعية.
مثال ذلك: دليل أصالة الطهارة "كل شيء لك طاهر حتى تعلم أنه نجس" مفاده حكم ظاهر وهو إثبات طهارة ظاهرية. إذا شككنا في الحكم الواقعي، شككنا في الواقع، توجد نجاسة أو طهارة، فيجري الحكم الظاهري.
إذاً محل كلامنا هو من القسم الثاني: فأصالة الطهارة في طول أدلة الأحكام الواقعية لأنه قد أخذ في موضوع أصالة الطهارة الشك في الواقع، فيكون في طول الواقع، وحينئذ يستحيل أن يكون مؤثراً في دليل الحكم الواقعي سعةً وضيقاً، بل تكون الحاكمية حاكمية ظاهرية، مرجعها إلى مقام الجري والعمل.
يعني أيها المكلف في مقام العمل، وجري العمل رتب آثار الطهارة، لكن إذا شككت في الواقع، لكن إذا قطعت بالواقع، فحينئذ لا تجري على وفق هذا الحكم الظاهري.
[مفاد قول صاحب الكفاية]
إذا ما أفاده صاحب الكفاية رحمه الله من أنه لو قطعنا بخلاف الواقع فإن الحكم الظاهري من أصول وأمارات، إن كان لسانه لسان إحراز الواقع فهذا لا يفيد الإجزاء، لأنه انكشف الواقع خلاف هذا الحكم، وإن كان مفادها الجري العملي أو جعل الحكم المماثل فإنها تفيد الإجزاء، فإنه وإن انتفي الحكم الواقعي، لكن مفاد أصالة الطهارة هو الجري العملي على وفق الطهارة.
[مفاد اعتراض النائيني]
لكن هذا غير مقبول عند السيد الخوئي وأستاذه الميرزا النائيني، لأن أصالة الطهارة تفيد طهارة ظاهرية، وهذه الطهارة مأخوذ فيها وفي موضوعها الشك في الحكم الواقعي، فإذا انكشف الواقع حينئذ لا تصل النوبة إلى الحكم الظاهري.
ثبت العرش ثم النقش، العرش هو الحكم الواقعي وما ينقش عليه أي ما يترتب عليه هو الحكم الظاهري الذي موضوعه الشك في الحكم الواقعي.
هذا تمام الكلام في اعتراض السيد الخوئي والميرزا النائيني على صاحب الكفاية.
[الشهيد الصدر يرد إعتراض النائيني]
لكن الشهيد الصدر رحمه الله يرى أن هذا الاعتراض لا يرد على صاحب الكفاية بعد أن نميز في أدلة الأحكام الواقعية بين دليل ودليل.
وخلاصة ما أفاده الشهيد الصدر هو: أن ما يقابل دليل أصالة الطهارة "كل شيء لك طاهر حتى تعلم أنه نجس" إنما يكون في مقابله دليلان واقعيان، أحد هذين الدليلين بينه وبين أصالة الطهارة طولياً، والدليل الآخر بينه وبين أصالة الطهارة عرضية، وإذا بينهما عرضية إذن لا توجد حكومة، وموطن بحثنا هو الصورة الثانية، إذا توجد عرضية بين أصالة الطهارة ودليل الحكم الواقعي، فإذا لا توجد حكومة في هذه الحالة، يعني كلاهما واقعي ويمكن أن يؤثر في الآخر.
تفصيل ذلك:
يوجد دليلاً واقعياً في مقابل أصالة الطهارة:
الدليل الأول: دليل "إن الثوب إذا أصابه البول يتنجس"، وهنا توجد طولية بين أصالة الطهارة وهذه الشرطية "إن الثوب إذا أصابه البول يتنجس"، فمفاد الدليل الذي هو الحكم بالنجاسة ينطبق على هذا الثوب المشكوك الذي أجرينا فيه أصالة الطهارة، لأنه في علم الله قد أصيب هذا الثوب بالنجاسة، فهو مشمول لإطلاق الدليل القائل "كلما أصاب البول الثوب النجس تنجس".
الدليل الثاني: دليل وجوب الصلاة في الطاهر، وبين هذا الدليل وأصالة الطهارة عرضية، فهذا الدليل هو دليل آخر على حكم واقعي، والنسبة بين الحكم الواقعي الثاني وهو دليل وجوب الصلاة في الطاهر، والحكم الواقعي الأول أن الثوب إذا أصابه البول يتنجس هو نسبة الحكم إلى الموضوع، فالحكم هو وجوب الصلاة في الطاهر، والموضوع هو أن الثوب إذا أصابه البول يتنجس.
إذن، مفاد الدليل الواقعي الثاني، وجوب الصلاة في الطاهر، غير مفاد الدليل الواقعي الأول "الثوب إذا أصابه البول يتنجس"، لأن مفاد الدليل الأول هو نفي الطهارة وإثبات النجاسة، بينما مفاد الدليل الثاني عبارة عن الحكم بوجوب إيقاع الصلاة مع الطهارة.
إذن، نسبة مفاد الدليل الثاني إلى الدليل الأول هي نسبة الحكم إلى الموضوع.
وحينئذ، فلو فحصنا نسبة أصالة الطهارة إلى هذين الدليلين، نجد أن مفاد أصالة الطهارة متأخر رتبة عن مفاد الدليل الأول من هذين الدليلين، لأنه أخذ في موضوع أصالة الطهارة عدم العلم بالقذارة، فأصالة الطهارة تقول: "كل شيء لك طاهر ونظيف حتى تعلم أنه نجس وقذر".
إذن، موضوع أصالة الطهارة هو الشك في النجاسة والقذارة، أي يعني الشك في مفاد الدليل الأول.
وعليه إذاً يكون مفاد دليل أصالة الطهارة يكون في طول دليل الحكم الواقعي الأول.
[نسبة القاعدة الطهارة بالدليل الأول]
إذن، توجد حكومة ظاهرية بين أصالة الطهارة وبين الدليل الأول، الذي هذا الدليل الأول بمثابة الموضوع للدليل الثاني.
[نسبة القاعدة الطهارة بالدليل الثاني]
أما بالنسبة للدليل الثاني الذي دل على وجوب إيقاع الصلاة مع الثوب الطاهر، فأصالة الطهارة في عرضه وليست متفرعة عليه، إذ لم يؤخذ في موضوع دليل أصالة الطهارة الشك في أن الطهارة شرط أو ليست بشرط، وإنما الذي أخذ في موضوع أصالة الطهارة هو الشك في النجاسة الواقعية.
إذن، لا موجب للافتراض أن يكون دليل أصالة الطهارة مفاداً في طول مفاد الدليل الثاني، وإنما هو في طول مفاد الدليل الواقعي الأول دون الثاني.
إذن، صاحب الكفاية لا يريد أن يقول إن دليل أصالة الطهارة حاكم على الدليل الأول ومحدث للنجاسة الواقعية. حينئذ، وموسع لدائرة الطهارة الواقعية حقيقةً، وإلا لورد عليه الإشكال تصير حكومة ظاهرية، إذ كيف يوسع الحكم الظاهري الحكم الواقعي وهو في طوله؟!
[توضيح مدعى صاحب الكفاية]
لكن مدعى صاحب الكفاية أن دليل أصالة الطهارة حاكم وموسع لموضوع الدليل الواقعي الثاني، وهو "دليل لا صلاة إلا بطهور"، ومن الواضح أنه لا توجد طولية بين أصالة الطهارة وبين "لا صلاة إلا بطهور". لماذا؟ لأنه لم يأخذ الشك في مفاد الدليل الثاني في موضوع أصالة الطهارة.
وعليه، فهذا الاعتراض غير وارد، لأن ما يدعى كونه محكوماً لدليل أصالة الطهارة ليس الشك فيه، لم يؤخذ في موضوع أصالة الطهارة، وما أخذ الشك فيه في موضوع أصالة الطهارة لا يدعى فيه الحاكم.
هذا تمام الكلام في جواب الشهيد الصدر رحمه الله على اعتراض الميرزا النائيني والسيد الخوئي رضوان الله عليهما.
نعم، لو ادعى مدعي بأن أصالة الطهارة أخذت في موضوعها الشك في الدليل الأول وكذلك في الدليل الثاني، فحينئذ تكون أصالة الطهارة حاكمة على الدليل الأول والثاني ومتفرعة عنهما، وهذا هو نفسه مدعى الميرزا النائيني والسيد الخوئي، إذ الحكم الثاني الواقعي هو "لا صلاة إلا بطهور"، وموضوع أصالة الطهارة قد أخذ فيه الشك في الطهارة الواقعية، فإذا أجريناها تكون أصالة الطهارة قد أحدثت الطهارة ظاهرية، فيكون هناك فردان للطهارة: "لا صلاة إلا بطهور" واقعي أو ظاهر، فيكون إشكال الميرزا النائيني والسيد الخوئي تاماً، إذ إن أصالة الطهارة إنما توجد وتحدث طهارة ظاهرية وليست واقعية، وموضوعها الشك في الطهارة الواقعية. فيكون دليل أصالة الطهارة ظاهراً حاكماً على دليل "لا صلاة إلا بطهور"، فيستحكم إشكال الميرزا النائيني والسيد الخوئي رحمة الله عليهما، ولا يتحقق دافع الشهيد الصدر لإشكالهما.
فإذا تبين الواقع وانكشف بالخلاف بشكل قطعي، لا تصل النوبة إلى أصالة الطهارة، لأن موضوعها الشك في الواقع، والواقع لا نشك فيه، بل قطعنا به.
هذا تمام الكلام في الاعتراض الأول، الاعتراض الثاني يأتي عليه الكلام.