« فهرست دروس
الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق
بحث الأصول

46/06/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الدرس (مائتان وواحد): إذا ارتفع العذر بعد خروج الوقت

الموضوع: الدرس (مائتان وواحد): إذا ارتفع العذر بعد خروج الوقت

 

المسألة الثانية: إذا ارتفع العذر بعد خروج الوقت، فهل يجب القضاء أم لا؟

قلنا: المسألة الأولى كانت فيما إذا ارتفع العذر في الأثناء، وكان قد صلى الصلاة الجلوسية والاضطرارية، فهل يجب عليه الإعادة والإتيان بالصلاة القيامية أم لا؟

وقد اتضح أن مقتضى الدليل الاجتهادي، كما أن مقتضى الأصل العملي، هو عدم وجوب الإعادة في المسألة الأولى التي بحثت ارتفاع العذر في أثناء الوقت.

الیوم:

المسألة الثانية: وهي فيما إذا استمر العذر تمام الوقت، ثم ارتفع العذر بعد خروج الوقت، فهل يجب عليه القضاء أم لا؟ ففي أثناء الوقت صلى من جلوس، وصلى بالتيمم إلى أن انتهى وقت الصلاة بالكامل، ودخل الوقت الآخر كغروب الشمس. فهل يجب عليه إعادة الصلاة مع الوضوء إذا وجد الماء، والإتيان بالصلاة القيامية إذا استطاع القيام أم لا؟

يقع الكلام في المسألة الثانية في ثلاثة مقامات:

المقام الأول: هل يوجد في الدليل الاجتهادي اقتضاء يدل على وجوب القضاء أم لا؟ فالدليل الاجتهادي هل يقتضي إثبات وجوب القضاء أو أنه لا يوجد من قبل الدليل الاجتهادي اقتضاء للقضاء؟.

المقام الثاني: لو افترضنا أن الدليل الاجتهادي قد دل على وجوب القضاء، فهل يوجد في مقابله اقتضاء لدليل الأمر الاضطراري على خلاف ذلك، فيكون دليل الأمر الاضطراري مقيداً لدليل وجوب القضاء؟ فتكون النتيجة: يجب القضاء إذا ارتفع العذر خارج الوقت، إلا إذا جاء بالفعل الاضطراري في أثناء الوقت، فلا يجب القضاء.

إذن، المقام الأول ناظر إلى المقتضي، هل دليل الأمر الظاهري يقتضي وجوب القضاء أم لا؟ والمقام الثاني ناظر إلى المانع والمقيد، فهل دليل وجوب القضاء يتقيد بمفاد دليل الفعل الاضطراري، فلا يجب القضاء إذا جاء بالفعل الاضطراري؟.

المقام الثالث: إذا انتفى المقام الأول والثاني، فلا يوجد اقتضاء في الدليل الاجتهادي يشير إلى وجوب القضاء، ولا يوجد اقتضاء في الأمر الاضطراري يدل على عدم وجوب القضاء. فما هو مقتضى الأصول العملية في المقام؟

فالأصل أصيل حيث لا دليل، فلا دليل على وجوب القضاء كما في المقام الأول، ولا دليل على عدم وجوب القضاء كما في المقام الثاني. فتصل النوبة إلى المقام الثاني: ما هو مقتضى الأصول العملية؟

 

مقامات ثلاثة نبحثها تباعاً:

المقام الأول: بعد أن فرضنا استمرار العذر واستيعابه لتمام الوقت، فحينئذ يكون دليل الأمر الواقعي الوقتي ساقطاً من أول الأمر، لأن أمر الصلاة مقيد بوقته، فإذا انتهى الوقت، سقط الأمر بالصلاة. فنبحث: هل يوجد أمر آخر بعد صلّ وهو اقض؟ إذاً، نحن نتعامل مع دليل وجوب القضاء.

المقام الثاني: فلابد أن نبحث هل دليل القضاء يشمل محل الكلام أم لا؟ ما هو محل الكلام؟ إذا جاء بالفعل الاضطراري وصلى من جلوس واستوعب العذر تمام الوقت، وبعد انتهاء الوقت ارتفع العذر، هنا لا يأتي خطاب صلّ، لأنه انتهى بانتهاء الوقت. فهل يوجد خطاب اقض؟

ومن الواضح أن وظيفة الأصول هي بيان الضوابط الكلية. وأما استظهارات الصيغ، فتبحث في الموارد المختلفة، فهي تقع على عاتق الفقيه.

المقام الثالث: الفقيه فعلاً في الفقه يقوم بالاستظهارات المختلفة للصياغ بحسب الموارد المختلفة. ووظيفة الأصول أن يقرر للفقيه الضوابط الكلية والعامة. ومن هنا كان دليل وجوب القضاء يختلف اقتضاؤه وعدم اقتضائه بحسب تشخيص واستظهار ما هو الموضوع لوجوب القضاء في لسان الدليل.

فما هو موضوع وجوب القضاء في لسان الدليل؟

وجوب القضاء حكم. فما هو موضوعه؟

توجد ثلاثة احتمالات:

بناءً على الاحتمال الأول والثالث لا يجب القضاء، ويجب على الثاني.

الاحتمال الأول: أن يكون موضوع وجوب القضاء هو فوت الفريضة الفعلية والواجب الفعلي. ومن الواضح أن دليل وجوب القضاء لم يفته واجب فعلي، لأن الواجب الفعلي في حق هذا المكلف المعذور هو الصلاة الجلوسية، لا الصلاة القيامية، وعليه فلا اقتضاء في دليل القضاء على وجوب القضاء.

سؤال: ما الفرق بين فوت الصلاة وعدم الصلاة؟

الجواب: الفوت أمر وجودي والعدم أمر عدمي، وقد ذهب السيد الخوئي رحمه الله إلى أن موضوع القضاء الفوت، وهو أمر وجودي، وليس عدم الصلاة الذي هو أمر عدمي، إذاً بناءً على الاحتمال الأول موضوع الصلاة أمر وجودي وهو فوت الصلاة الفعلية.

الاحتمال الثاني: أن يكون الموضوع في دليل وجوب القضاء هو فوت الواجب الشأني، أي مطلق فوت الواجب الشأني الاقتضائي في نفسه بمقتضى الطبع لولا العوارض، فلا إشكال في إطلاق دليل القضاء حينئذٍ نظرًا لأن المكلف قد فاتته الصلاة القيامية، وهي واجب شأني لولا الطوارئ، فإذا قد تحقق موضوع دليل وجوب القضاء.

الخلاصة:

الاحتمال الثاني يكون موضوع دليل وجوب القضاء هو فوت الواجب الشأني لا الفعلي، كما في الاحتمال الأول، ومن الواضح أن المكلف من شأنه أن يصلي صلاة قيامية لولا العوراض والموانع، وقد استوعب العذر تمام الوقت ولم يصلي، إذا فاتته الصلاة القيامية الشأنية، فتحقق موضوع وجوب القضاء، فبناءً على الاحتمال الثاني وجب عليه القضاء.

الاحتمال الثالث: أن يكون موضوع دليل وجوب القضاء هو خسارة وفوت الملاك، وليس فوت الملاك الفعلي كما في الاحتمال الأول، وليس فوت الملاك الشأني كما في الاحتمال الثاني، بل الموضوع في الاحتمال الثالث هو خسارة الملاك، أي فوت الملاك القائم بالواجب.

فحينئذ يكون المقام شبهة مصداقية لدليل وجوب القضاء، لأننا نشك في الإجزاء وعدمه. فعلى فرض وتقدير الإجزاء، لم يفوت الملاك، لأنه قد جاء بالفعل الاضطراري، فمعنى الإجزاء استيفاء الملاك، ولا أقل أنه معنى الإجزاء في الصورة الأولى.

هذا على فرض الأجزاء، فيكون الملاك لم يفوت، لأن الفعل الاضطراري وهو الصلاة الجلوسية قد جاء بتمام الملاك في الصلاة القيامية.

الفرض الثاني: عدم الإجزاء

فعلى تقدير عدم الإجزاء فقد فات الملاك، وعليه ففوت الملاك أمر مشكوك، فبناءً على الإجزاء لم يفت الملاك، وبناء على عدم الإجزاء قد فات الملاك، إذا فوت الملاك وخسارة الملاك أمر مشكوك، فيكون ذلك شبهة مصداقية لدليل وجوب القضاء. ومن الواضح عدم جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.

فلو قال المولى: "أكرم العالم"، فلا يجوز إكرام زيد ونحن نجهل كون زيد عالماً أو جاهلاً.

إذن، لا يصح التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، ولا يجوز التمسك بدليل وجوب القضاء، فلا يجب قضاء الصلاة بناءً على الاحتمال الثالث.

نعم، يمكن إحراز موضوع دليل وجوب القضاء بالأصل الموضوعي كالاستصحاب، إذا جرى الاستصحاب الموضوع، ففيه يكون التمسك تمسكًا بالاستصحاب لا بإطلاق دليل وجوب القضاء، لأن فوت الملاك تارة يراد به مجرد الأمر العدمي، وهو عدم تحصيل الملاك، وأخرى يراد به عنوان الخسارة المنتزعة من الأمر العدمي. والخسارة أمر وجودي أو عدم؟ أمر وجود، والفوت أمر وجودي.

إذن، موضوع دليل القضاء: هل هو فوت الصلاة وخسارة الملاك، وفوت الملاك الذي هو أمر وجودي؟ أو عدم الملاك الذي هو أمر عدمي؟

يوجد احتمالان:

الاحتمال الأول: أن يكون فوت الملاك بمعنى الأمر العدمي، وهو عدم تحصيل الملاك. فحينئذٍ، يمكن إجراء الاستصحاب. فيقال: هذا المكلف قبل أن يصلي الصلاة الجلوسية لم يكن قد حصل ملاك الصلاة، وهو المعراجية. وبعد أن صلى الصلاة الجلوسية وارتفع العذر خارج الوقت، نشك هل حصل الملاك أم لا؟. فنستصحب عدم تحصيل الملاك وعدم تحصيل المعراجية إلى آخر الوقت، ويتنقح بهذا الاستصحاب موضوع دليل وجوب القضاء. فحينئذٍ، يثبت الأمر القضائي بالاستصحاب.

الاحتمال الثاني: إذا كان فوت الملاك بمعنى الخسارة المنتزعة من عدم الإتيان، لا مجرد عدم الإتيان. ومن الواضح أن الخسارة مدلول التزامي لعدم الصلاة، ومدلول التزامي لعدم الملاك، فالخسارة لازم عقلي ثبوتي لعدم الإتيان بالملاك، فباستصحاب عدم الإتيان، يثبت عدم الملاك، ولكن لا تثبت الخسارة التي هي لازم عقلي للمستصحب، وهو عدم الملاك.

ومن الواضح أن هذا استصحاب مثبت، والاستصحاب المثبت لا يثبت، أي أن الاستصحاب له لوازم، والمستصحب له لوازم شرعية وعقلية، وبالاستصحاب تثبت اللوازم الشرعية دون العقلية، فلان غاب خمسين سنة، وهو عمره يوم: يغيب خمسين سنة، الآن هو حي أم ميت؟ كنا على يقين من حياته، شككنا، فنستصحب الحياة. إذا نستصحب الحياة، تثبت الآثار الشرعية، ما تقسم ورثته، هو حي، تبقى زوجته على ذمته.

لكن الآثار التكوينية ما تثبت إليه. مثلاً: لو غاب وعمره عشر سنوات، وليس فيه لحية ولا شارب، وغاب خمسين سنة، نقول: الآن فيه شارب ولحية أم ليس فيه؟ نستصحب عدم نبات اللحية، وعمره الآن خمسون سنة أو ستون سنة.

إذن، الخسارة مدلول عقلي التزامي، هذا لازم عقلي لعدم الملاك، والاستصحاب لا يثبت اللوازم العقلية، فلا يجب القضاء بناءً على الاحتمال الثاني.

إذن، لا يمكن إثبات موضوع دليل وجوب القضاء، والتمسك بدليل وجوب القضاء لابتداءً وجدانا، ولا تعبدًا بل لحاظًا لدليل الاستصحاب.

هذا تمام الكلام في المقام الأول.

واتضح أنه توجد فيه ثلاثة احتمالات: بناءً على الاحتمال الأول والثالث، لا يجب القضاء. بناءً على الاحتمال الثاني، يجب القضاء.

المقام الثاني يأتي عليه الكلام.

logo