46/05/16
الدرس (مائة واثنان وتسعون): التعليق الثاني والثالث للشهيد الصدر على كلام المحقق النائيني
الموضوع: الدرس (مائة واثنان وتسعون): التعليق الثاني والثالث للشهيد الصدر على كلام المحقق النائيني
التعليق الثاني والثالث للشهيد الصدر على كلام المحقق النائيني والسيد الخوئي في إجزاء الأمر الاضطراري.
قلنا:
البرهان الذي أقامه الميرزا النائيني والسيد الخوئي على إجزاء الأمر الاضطراري وتقييد الأمر الاختياري بالاضطراري، قائمٌ على افتراض شقوق ثلاثة للأمر الاضطراري على فرض الصورة الرابعة من الصور الأربع الممكنة ثبوتاً.
والصورة الرابعة تنتج عدم الإجزاء، والصورة الثلاث الأول تنتج الإجزاء، فإذا أبطنا الصورة الرابعة من خلال إبطال الفروض الثلاثة وهي:
[افتراض شقوق ثلاثة للأمر الاضطراري]
الفرض الأول أن يجب الفعل الاضطراري معيناً على الشخص.
الفرض الثاني أن يكون المكلف مخيراً بين المتباينيين.
الفرض الثالث أن يكون المكلف مخيراً بين الأقل والأكثر.
وهذه الفروض الثلاثة تشترك في أن الأمر واحد وليس متعدداً.
فهذا الأمر:
إما هو معين على الشخص
وإما على نحو التخيير بين المتباينيين
وإما على نحو التخيير بين الأقل والأكثر
فهذه الفروض والشقوق الثلاثة تشترك في أن الأمر الاضطراري واحد، وليس متعدداً فإذا بطلت هذه الفروض الثلاثة.
[الفرض الرابع وهو تعدد الأمر]
قال السيد الخوئي رحمه الله بأن الصورة الرابعة تبطل، والحال إنه يوجد فرض رابع وشق رابع، وهو تعدد الأمر.
بيان ذلك:
يوجد أمران ونفترض وجود أمرين:
الأمر الأول يتعلق بالجامع بين الفعل الاختياري والاضطراري، وهو الذي نسميه بالأمر الاضطراري، فالأمر الأول يتعلق بالصلاة من قيام، والصلاة من جلوس.
الأمر الثاني يتعلق بخصوص العمل الاختياري، أي يتوجه الأمر إلى خصوص الصلاة من قيام.
فإن لم يعمل المكلف ولم يصلي إلى أن ارتفع العذر في الوقت، ثم أتى بالفعل الاختياري بأن صلى من قيام، فحينئذٍ بإتيانه بالصلاة القيامية يكون قد امتثل كلا الأمرين، لأنه جاء بالصلاة الاختيارية، وهي الصلاة من قيام، وهي موجودة في الأمر الثاني إذ تعلق بخصوص العمل الاختياري، وموجودة في الجامع الذي يخير فيه بين الصلاة من قيام، والصلاة من جلوس.
وإن أتى المكلف بالعمل الاضطراري بأن صلى من جلوس، ثم بعد ذلك ارتفع العذر، واستطاع أن يصلي من قيام في أثناء الوقت. فحينئذٍ يكون قد امتثل الجامع إذ أن الجامع يشمل العمل الاختياري والاضطراري، وقد جاء بالعمل الاضطراري فقد جاء بالجامع، فقد امتثل حينئذٍ الأمر الأول المتعلق بالجامع، لكنه لم يمتثل الأمر الثاني وهو الأمر بخصوص العمل الاختياري، فإذا لم يأتي بالصلاة من قيام، فحينئذٍ الصلاة من جلوس لا تجزء عن الصلاة من قيام.
والسر في ذلك: أنه حينما جاء بالعمل الاضطراري وصلى من جلوس عند العذر يكون قد أسقط الأمر الأول وهو المتعلق بالجامع بين الصلاة القيامية والصلاة الجلوسية، لكنه لم يمتثل الأمر الثاني الذي قد تعلق بخصوص الصلاة الاختيارية والصلاة من قيام، فحينئذٍ نحكم بعدم الإجزاء.
هذا تصور ممكن نتيجته عدم الإجزاء، فبالتالي تثبت الصورة الرابعة ولا تنتفي وتكون النتيجة عدم الإجزاء.
أعيد وأكرر:
التعليق الثاني للشهيد الصدر على كلام المحقق النائيني والخوئي، استدلا رحمهما الله بأنه في مقام الثبوت توجد أربع صور: الصور الثلاث الأول توجب الإجزاء، الصورة الرابعة لا توجب الإجزاء. فإذا أقمنا البرهان على بطلان الصورة الرابعة، فحينئذٍ ينتفي عدم الإجزاء فيثبت الإجزاء من خلال الفروض الثلاثة الأول ثبوتاً.
وفي استدلالهما على إبطال الفرض الرابع جاؤوا بثلاثة فروض:
الأول الأمر الاضطراري تعييناً.
الثاني الأمر الاضطراري تخييراً بين المتباينيين.
الثالث الأمر الاضطراري تخييراً بين الأقل والأكثر.
وأبطلوا هذه الفروض الثلاثة، فبطلت الصورة الرابعة.
الجواب: يوجد فرض رابع للصورة الرابعة وهو ممكن وليس بباطل، فتثبت الصورة الرابعة التي مفادها عدم الإجزاء.
ومفاد الصورة الرابعة والفرض الرابع، أن الفروض الثلاثة الأول قائمة على وجود أمر واحد إما عيني إما تخيير بين المتباينيين إما تخيير بين الأقل والأكثر.
والحال يعقل ثبوتاً وجود أمرين:
أمر بالجامع بين الاضطراري والاختياري،
وأمرٌ قد تعلق بخصوص الاختياري،
فإذا المكلف صلى الصلاة من جلوس في أول الوقت، ثم ارتفع العذر في أثناء الوقت، ففي هذه الحالة لا يتحقق الإجزاء.
والسرّ في ذلك:
أنه حينما صلى من جلوس امتثل الأمر الأول، فجاء بالجامع، لكن حينما ارتفع العذر لم يمتثل الأمر الثاني المتعلق بخصوص الصلاة من قيام، فلا تجزء الصلاة من جلوس عن الصلاة من قيام، فلا يجزء الأمر الاضطراري عن الأمر الاختياري.
وهذا الجواب هو العمدة لأنه حلي يحل المشكلة، بخلاف التعليق الأول جواب نقضي.
إشكال: قد يقال إن الأمر بالجامع لغو صرف وعبث إذ مع الأمر الثاني وهو الأمر الاختياري لا حاجة إلى الأمر بالجامع بين الاختياري والاضطراري. فبامتثال الأمر الاختياري الثاني يتحقق امتثال الأمر بالجامع الذي هو الأول ولا عكس، فلو امتثل الجامع وجاء بالصلاة من جلوس فهذا لا يحقق امتثال الأمر الثاني وهو خصوص الصلاة من قيام.
والجواب:
أولاً من الجائز أن يكون للمولى غرضان، الغرض الأول يتعلق بالجامع والغرض الثاني يتعلق بخصوص العمل الاختياري، فلا توجد لغوية في افتراض أمرين: أحدهما بالجامع والآخر بالحصة.
وتوجد ثمرة تترتب على ذلك: وهي أن المكلف لو أتى بالجامع وصلى من جلوس ولم يصلي من قيام، ولم يأتي بالحصة بأن لم يصلي من قيام، يكون عذابه أخف ممن ترك العمل رأساً.
فيوجد عذابان عذاب شديد لمن ترك الصلاة رأساً لا من قيام ولا من جلوس، وعذاب خفيف لمن جاء بالصلاة من جلوس ولم يأتي بها من قيام، فيعقل وجود غرضٍ ثبوتاً لوجود أمرين: أمر بالجامع وأمر بالحصة.
وثانياً
المكلف على ثلاثة أقسام:
القسم الأول من هو صحيح قادر على الإتيان بالصلاة من قيام طيلة الوقت، فهو يستطيع أن يأتي بالعمل الاختياري مطلقاً.
القسم الثاني من يحصل له العذر في أول الوقت ثم يرتفع عنه العذر في أثناء الوقت، كمن يصلي من جلوس ثم يرتفع العذر ويستطيع الصلاة من قيام.
القسم الثالث من يستمر به العذر ولا يستطيع الصلاة من قيام طيلة الوقت من أول الوقت إلى آخره.
إذا اتضحت صور المكلف الثلاثة نقول:
لا بدّ من وجود أمرين:
أمرٌ بالجامع، وأمرٌ بخصوص الحصة
أما الأمر بخصوص الحصة أي خصوص العمل الاختياري كالصلاة من قيام فهذا ينسجم مع الصورة الأولى والصورة الثانية، فالصورة الأولى طوال الوقت يستطيع أن يصلي من قيام، والصورة الثانية في بداية الوقت لا يستطيع أن يصلي من قيام، فإذا ارتفع العذر استطاع أن يصلي من قيام.
فيعقل توجيه الأمر بالحصة، ويعقل توجيه الأمر لخصوص العمل الاختياري، والصلاة القيامية الصورة الأولى والثانية.
لكن في الصورة الثالثة وهي استيعاب الوقت فطوال وقت الصلاة هو لا يستطيع أن يصلي من قيام، ولا يعقل أن يخاطب بالصلاة القيامية والصلاة الاختيارية طوال الوقت، إذ يستحيل التكليف بغير المقدور.
في هذه الحالة يعقل خطابة بأحد خطابين:
الخطاب الأول أن يخاطب بخصوص الصلاة الجلوسية.
الخطاب الثاني أن يخاطب بالجامع، بين الصلاة الجلوسية والصلاة الاختيارية.
فإذا أراد المولى أن يوجه خطاباً إلى جميع المكلفين بصورهم الثلاث خاطبهم بالجامع، وقال: يجب عليكم الصلاة إما من جلوس إن وجد العذر، وإما من قيام إن انتفى العذر.
والتكليف بالجامع يشمل الصور الثلاث:
الصورة الأولى طول الوقت يستطيع القيام.
الصورة الثاني أول الوقت ما يستطيع ثم استطاع.
الصورة الثالث طول الوقت لا يستطيع أن يصلي من قيام.
فالجامع يشمل هذه الصور الثلاث، ويخاطبه بخطاب آخر وهو الأمر بخصوص الصلاة الاختيارية التي تشمل خصوص الصورة الأولى والثانية.
النتيجة النهائية: يوجد فرض رابع معقول، وهو توجه أمرين: الأول بالجامع، والثاني بخصوص العمل الاختياري، ونتيجته عدم الإجزاء، فلا يتم مفاد الميرزا النائيني والسيد الخوئي رحمة الله عليهما.
التعليق الثالث
إن برهان مدرسة المحقق النائيني رحمه الله لو تم، فهو ينتج ثبوت الحكم الاضطراري فيمن اضطر أول الوقت، والإجزاء بالإتيان بذلك عند الاضطرار وإن زال عنه العذر في آخر الوقت ولكن في فرضية واحدة. وهي أن الدليل نصٌّ وأن الدليل صريحٌ في إجزاء الأمر الاضطراري عن الأمر الاختياري في حق من لم يستوعب اضطراره تمام الوقت.
لكن لو افترضنا أن الأمر الاضطراري إنما يدل على الإجزاء بالإطلاق لا بالصراحة والنصّ فحينئذٍ تختلف النتيجة.
إذ يحصل تعارض بين إطلاقين:
الإطلاق الأول هو إطلاق الحكم الاختياري، فتجب الصلاة القيامية مطلقاً، وهذا الإطلاق يتنافى مع:
الإطلاق الثاني إطلاق إجزاء الأمر الاضطراري، فيتعارض الإطلاقان.
فحينئذٍ من أتى بالفعل الاضطراري في أول الوقت، ثم ارتفع عذره في الأثناء فهل بعد انتفاء وارتفاع العذر يحصل الإجزاء أم لا؟ إطلاق الأمر الاضطراري يثبت الإجزاء، وإطلاق الأمر الاختياري يثبت عدم الإجزاء، فيحصل تنافي بين الإجزائين فهنا ينظر،
وتوجد حالتان:
الحالة الأولى وجود مرجح.
الحالة الثانية عدم وجود مرجح.
فإن وجد مرجح كما لو دل على أحدهما بالنصّ أو العموم، ودل الآخر بالإطلاق فحينئذٍ يقدم الدليل الذي يدل بالنصّ أو العموم على الدليل الذي يدل بالإطلاق هذا إن وجد مرجح.
وإن لم يوجد مرجح فحينئذٍ تساقطا إن تعارض الإطلاقان وتناطحا فتساقطا، وحينئذٍ نرجع إلى الأصل العملي، والأصل يقتضي عدم وجوب الإعادة.
فتكون النتيجة الإجزاء
لكن لا لوفاء الدليل الاضطراري بالإجزاء، بل لأن مقتضى الأصل العملي براءة ذمته وعدم وجوب الإعادة.
طبعاً لو قلنا بالترجيح هنا إما أن نرجح دليل الأمر الاضطراري وإما أن نرجح دليل الأمر الاختياري، إذا رجحنا دليل الأمر الاختياري كانت النتيجة عدم الإجزاء، إذا رجحنا دليل الأمر الاضطراري كانت النتيجة الإجزاء، وإذا رجحنا دليل الأمر الاختياري فإن النتيجة ستكون عدم الإجزاء وبالتالي يصير بناءً على برهان مدرسة المحقق النائيني عدم شمول الأمر الاضطراري لصورة ارتفاع العذر في أثناء الوقت.
لا أن دليل العمل الاضطراري يشمل ارتفاع الاضطرار في أثناء الوقت، ويقول بعدم الإجزاء.
إذاً إلى هنا علق الشهيد الصدر رحمه الله بثلاث تعليقات متينة على كلام أستاذه السيد الخوئي، وأستاذ أستاذه الميرزا الشيخ محمد حسين النائيني رضوان الله عليهم أجميعن، وبذلك ينتفي الأسلوب الأول في تقييد الأمر الاضطراري للأمر الاختياري، نقيد الفعل الاختياري بالعمل الاضطراري، الأسلوب الأول التمسك بالملازمة العقلية، هذا الأسلوب ليس بتام.
يبقى الكلام في الأسلوب الثاني وهو التمسك بظاهر الأدلة التي مفادها الإجزاء أي إجزاء الأمر الاضطراري عن الأمر الاختياري بعدة توجيهات يأتي عليها الكلام.