46/05/15
الدرس (مائة وواحد وتسعون): تعليق الشهيد الصدر على كلام المحقق النائيني في إجزاء الأمر الاضطراري
الموضوع: الدرس (مائة وواحد وتسعون): تعليق الشهيد الصدر على كلام المحقق النائيني في إجزاء الأمر الاضطراري
تعليق الشهيد الصدر على كلام المحقق النائيني والسيد الخوئي في إجزاء الأمر الاضطراري.
[الأسلوبان في تقييد الأمر الاختياري بالأمر الاضطراري]
قلنا يوجد أسلوبان متبعان في تقييد الأمر الاختياري بالأمر الاضطراري:
[أسلوب النائيني والخوئي رحمهماالله]
الأسلوب الأول ما ذهب إليه المحقق النائيني والسيد الخوئي من التمسك بالدلالة الالتزامية العقلية لدليل الأمر الاضطراري.
وخلاصة هذا الكلام أنه توجد صور أربع ثبوتية والثلاثة الأول تفيد الإجزاء والصورة الرابعة الأخيرة لا تفيد الإجزاء. فانصب كلام المحقق النائيني والسيد الخوئي على إبطال الصورة الرابعة. فإذا بطلت الرابعة تعينت إحدى الصور الثلاث وكل منها يفيد إجزاء.
وفي مناقشتهم وإبطالهم الصورة الرابعة ذكروا ثلاثة أشكال واحتمالات، وكان الشكل الثالث هو التخيير بين الأقل والأكثر.
[ثلاثة مناقشات السيد الصدر في الأسلوب الأول]
وقد ناقشهما الشهيد السيد محمد باقر الصدر بثلاث مناقشات:
المناقشة الأولى كانت ناظرة إلى الشكل الثالث وهو التخيير بين الأقل والأكثر، والمناقشة الأولى نقضيه، والمناقشة الثانية حلية كما سيأتي.
مفاد المناقشة الأولى: إن السيد الخوئي رحمه الله في بحث المطلق والمقيد ذكر أنه إذا ورد دليل مثل أعتق رقبة ثم ورد دليل آخر مثل: أعتق رقبة مؤمنة، فالجمع بينهما في عالم الثبوت، يمكن أن يكون بأحد نحوين:
[النحوان للجمع بين المطلق والمقيد]
النحو الأول: حمل المطلق على المقيد، فيفرض أن المراد بقوله: «اعتق رقبةً» وهذا مطلق هو خصوص عتق الرقبة المؤمنة فيحمل المطلق اعتق رقبةً على المقيد اعتق رقبة مؤمنة.
النحو الثاني: الحمل على التخيير بأن يكون الشخص مخيراً بين أن يعتقد رقبةً مؤمنة، يعتق رقبة كافرة ثم رقبة مؤمنة.
إلا أن هذا النحو الثاني خلاف ظاهر الدليل.
إذاً ذكر السيد الخوئي أن النحو الأول والثاني ثبوتاً، لكن في عالم الإثبات لم يثبت إلا النحو الأول دون النحو الثاني فإنه خلاف ظاهر الدليل، هذا ما ذكره السيد الخوئي في بحث المطلق والمقيد[1] .
ونقول هنا: إذا كان من المعقول في باب المطلق والمقيد التخيير بين عتق رقبة مؤمنة فقط وهذا الأقل، وبين عتق رقبة كافرة ثم عتق رقبة مؤمنة بعدها وهذا هو الأكثر، فإذا التخيير بين الأقل والأكثر معقولٌ ثبوتاً في باب المطلق والمقيد عند السيد الخوئي، فلماذا لا يعقل التخيير بين الأقل والأكثر في المقام؟ وهو التخيير بين العمل الاختياري فقط وهو الصلاة من قيام مثلاً، وبين العمل الاضطراري أولاً وهو الصلاة من جلوس ثم بعده العمل الاختياري وهو الصلاة من قيام.
وهذا هو الشق الثالث من الشقوق الثلاثة التي افترض السيد الخوئي والميرزا النائيني بطلانها جميعاً وأي فرق بين دوران الأقل والأكثر في باب المطلق والمقيد الذي قال السيد الخوئي بجوازه ثبوتاً، وبين دوران الأمر بين الأقل والأكثر في باب إجزاء الأمر الاضطراري عن الأمر الاختياري.
كما أن المحقق النائيني رحمه الله قد ذكر في بحث الواجب التخيير أن التخيير بين الأقل والأكثر غير معقول إلا إذا ارجع إلى التخيير بين المتباينيين، بأن يقال: يخير بين ذات الأقل بشرط لا وبين ذات الأقل بشرط شيء.
فإذا كان هذا معقولاً في موارد التخيير بين الأقل والأكثر كما يقول الميرزا النائيني، ومعقول في موارد الإطلاق والتقييد كما يقول السيد الخوئي، فلماذا لا يكون معقولاً في باب إجزاء الأمر اضطراري عن الأمر الاختياري إذا رجع دوران الأمر بين الأقل والأكثر إلى المتباينين؟
فنقول هكذا: هو مخير بين العمل الاختياري بشرط لا عن العمل الاضطراري، فهو مخير بين الصلاة من قيام بشرط لا عن الصلاة من جلوس، هذا العدل الأول.
والعدل الثاني ومخير بين العمل الاختياري بشرط سبق العمل الاضطراري، يعني هو مخير بين الصلاة من قيام بشرط صدق الصلاة من جلوس، فصار تأخير بين الأقل والأكثر. ما هو الأقل؟ الصلاة الاختيارية صلاة ما القيام، ما هو الأكثر؟ الصلاة من جلوس قبل الصلاة من قيام.
هذا التخيير بين الأقل والأكثر نحوله إلى دوران الأمر بين المتباينين بين الماهية بشرط شيء والماهية بشرط لا. يعني إما أن يأتي بالصلاة من قيام بشرط أن لا يأتي بالصلاة من جلوس، وإما أن يأتي بالصلاة من قيام إذا سبقها الصلاة من جلوس صار دار الأمر بين المتباينين.
[الصحيح في المسألة]
ثم يحقق الشهيد الصدر رضوان الله عليه الصحيح في المسألة بحقٍ، فيقول:
إن التخيير بين الأقل والأكثر غير معقول، لا في المقام وهو إجزاء الأمر اضطراري عن الأمر الاختياري، ولا في بحث المطلق والمقيد.
نعم، التخيير بين الأقل والأكثر إذا رجع إلى المتباينين يكون معقولاً.
إذاً التخيير بين الأقل والأكثر من دون رجوعهما إلى التخيير بين المتباينين غير معقول.
[الصورتان في الرجوع الأقل والأكثر إلى المتباينين]
وأما التخيير بين الأقل والأكثر إذا رجعا إلى التخيير بين المتباينين، فهذا فيه صورتان:
الصورة الأولى وجود احتمال ثالث.
الصورة الثانية عدم وجود احتمال ثالث.
والتخيير بين الأقل والأكثر إذا رجع إلى المتباينين إنما يصح في خصوص الصورة الأولى إذا وجد احتمال ثالث ولا يصح في الصورة الثانية إذا لا يوجد احتمال ثالث.
ولنضرب مثالاً: وهو التخيير في التسبيحات الثلاث في الركعة الثالثة والرابعة من الصلاة:
الصورة الأولى أن نرجع التخيير بين الأقل وهو التسبيحة الواحدة وبين الأكثر وهو التسبيحات الثلاث إلى التسبيحة الواحدة بشرط لا، والمراد بشرط لا عدم الثانية والثالثة، وبين التسبيحة بشرط شيء، وما المراد بهذا بشرط شيء؟ أن تكون مسبوقة بتسبيحة واحدة.
في هذه الصورة الثالثة يمكن أن يأتي المكلف بصورة ثالثة مخالفة للضدين الوجوديين، وهو أن يأتي بتسبيحتين، فإذا أتى بتسبيحتين، انتفى بشرط لا، لأن بشرط لا يقول تأتي بتسبيحة واحدة بشرط عدم الزيادة، وانتفى أيضاً بشرط شيء لأن بشرط شيء يراد به الإتيان بالتسبيحة الثانية والثالثة، والحال أنه قد جاء بالتسبيحة الثانية فقط ولم يأتي بالتسبيحة الثالثة.
إذاً توجد صورة ثالثة للضدين بشرط شيء وبشرط لا، وهنا إذا رجعت تخيير بين الأقل والأكثر إلى متباينين ضدين لهما حالة ثالثة في هذه الحالة يعقل التخيير لأنه قد ينتفي الأول والثاني ويوجد الثالث فيعقل التخيير.
إذاً رجوع التخيير بين الأقل والأكثر إلى المتباينين بأن يخيير بين الأقل بشرط لا والأقل بشرط شيء إنما يعقل لو كان هناك شق ثالث على تقدير وجود ذات الأقل. أي أمكن تحقق ذات الأقل من دون تحقق القيد العدمي ومن دون تحقق القيد الوجودي كما لو خير بين التسبيحة الواحدة بشرط لا عن أي تسبيحة أخرى، وبشرط شيء وهو الإتيان بالتسبيحات الثلاث، فإنه يمكن انتفاؤهما معاً مع وجود ذات الأقل إذا جاء بتسبيحتين.
فالإتيان بتسبيحتين ينفي الماهية بشرط لا وهو التسبيحة الواحدة بشرط عدم الزيادة. فهنا نفى أل بشرط لائية حينما جاء بالتسبيحتين، ونفى أيضاً بشرط شيئية حينما جاء ماذا؟ بتسبيحتين، لأن بشرط شيئية يراد الزيادة التسبيحة الواحدة، إما بالإتيان بتسبيحتين أو ثلاث، فالإتيان بتسبيحتين ينفي بشرط لا وينفي بشرط شيء.
ويأتي بصورة ثالثة دون القيد العدمي والقيد الوجودي فيعقل التخيير بين الأقل والأكثر إذا رجعا إلى متباينين توجد لهما صورة ثالثة معقولة، ما دام توجد صورة ثالثة معقولة يعقل التخيير.
الصورة الثانية إذا رجع التخيير بين الأقل والأكثر إلى متباينين ضدين ليس لهما صورة ثالثة.
مثال ذلك: إذا خير بين التسبيح الأولى بشرط لا عن التسبيحة الثالثة، أو بشرط شيء بالنسبة إلى التسبيحة الثالثة، فالقيد وعدمه ناظرٌ إلى خصوص التسبيحة الثالثة بخلاف الصورة الأولى، فالزيادة على التسبيح الأولى ناظرة إلى مطلق الزيادة سواء بتسبيحتين أو ثلاث، بينما الصورة الثالثة ناظرة إلى خصوص التسبيحة الثالثة وجوداً أو عدماً.
وفي هذه الحالة لا توجد صورة ثالثة لأن المكلف إما أن يأتي بالثالثة أو لا يأتي ولا توجد واسطة ثالثة بين الإتيان بالثالثة وعدم الإتيان.
كما يقول نزار قباني في غزله:
اختاري أو لا تختاري
فلا توجد منطقة وسطى بين الجنة والنار
إما حبي أو الدخول إلى جنة أشعار
يلا لاحظ معي الآن الأقل، ما هو الأقل؟ التسبيحة بشرط لا عن الثالثة، ما هو الأكثر؟ التسبيحة بشرط الإتيان بالثالثة، والمكلف تكويناً في عالم التكوين والخلق إما يأتي بالتسبيحة الثالثة وهذا هو الأكثر وإما أن لا يأتي بالتسبيحة الثالثة وهذا هو الأقل.
فإذاً في عالم التكوين هو لابد أن يأتي بأحد العدلين إما يأتي بالأقل وهو التسبيحة الأولى أو يأتي بالأكثر بضم التسبيحة الثالثة إلى التسبيحة الأولى، ولا توجد صورة ثالثة.
وذلك بخلاف الصورة الأولى: قد يأتي بتسبيحتين فينتفي أل بشرط لا، وهو تسبيحة بشرط عدم الزيادة، وهذا ينتفي بالإتيان بالاثنتين، وينتفي أيضاً أل بشرط شيء لأنه التسبيحة بشرط الزيادة، الزيادة قد تكون بالاثنتين أو الثلاث، فالإتيان بالاثنتين ينفي القيد الوجود والقيد العدمي ينفي أل بشرط شيئية وينفي أل بشرط لائية.
وذلك بخلاف الصورة الثانية: إذا رجع التخيير بين الأقل والأكثر إلى متباينين ليس لهما ضد ثالث.
في هذه الحالة لو يكن لهما ضد ثالث كما لو خير بين التسبيحة الواحدة بشرط لا عن الثالثة وبين التسبيحة الواحدة بشرط شيء عن الثالثة، فهذا التخيير غير معقول.
لماذا التخيير غير معقول؟ لأنه قهراً لابد يأتي بأحد العدلين.
فالجامع بين القيدين مع تحقق ذات الأقل أمر لا بد منه تكويناً فلا معنى لتعلق الأمر الضمني بأحدهما على سبيل التخيير هو قهراً وتكويناً مخير فلا معنى لتعلق الأمر التشريعي على نحو التخيير.
وما نحن فيه من هذا القبيل، وكذلك باب المطلق والمقيد من هذا القبيل، يعني يرجع الأقل والأكثر إلى لا يوجد لهما ضد ثالث.
فإن العمل الاختياري كالصلاة من قيام بشط لا عن العمل الاضطراري هذا الأكثر مع العمل الاختياري المنضم إلى العمل الاضطراري لا ثالث لهما بعد فرض إيجاد العمل الاختياري.
هو إذا صلى من قيام بعد لا يوجد شق ثالث إما يصلي من قيام أو لا يصلي من قيام.
وكذلك الأمر بالنسبة إلى عتق الرقبة المؤمنة بشرط لا عن عتق الكافرة وعتق الرقبة المؤمنة مع عتق الكافرة لا ثالث لهما بعد فرض أصل عتق الرقبة المؤمنة.
هذا تمام الكلام في المناقشة الأولى.
وخلاصتها: النقض على السيد الخوئي في باب المطلق والمقيد إذ ذهب إلى أنه في عالم الثبوت يعقل التخيير بين الأقل والأكثر في باب المطلق والمقيد، فلماذا لا يعقل هنا في باب إجزاء الاضطرار عن الاختيار؟
وثانيا ذهب الميرزا النائيني إلى عدم المعقولية وأنه إذا رجع الأقل والأكثر إلى المتباينين أمكن تعقل ذلك،
والجواب:
رجوع الأقل والأكثر إلى المتباينين له حالتان:
الحالة الأولى يعقل وجود حالة ثالثة فيعقل التخيير.
الحالة الثانية لا يعقل وجود حالة ثالثة فالتخيير قهري وتكويني فلا يعقل الأمر التشريعي بذلك التخيير.
هذا تمام الكلام في التعليق الأول.
التعليق الثاني يأتي عليه الكلام.