« فهرست دروس
الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق
بحث الأصول

46/05/08

بسم الله الرحمن الرحيم

الدرس (مائة وتسعون): الأسلوب الأول لإثبات تقييد الحكم الاختياري بالحكم الاضطراري

الموضوع: الدرس (مائة وتسعون): الأسلوب الأول لإثبات تقييد الحكم الاختياري بالحكم الاضطراري

 

الأسلوب الأول لاثبات تقييد حكم الاختياري بالحكم الاضطراري

إذا افترضنا أن دليل الحكم الاضطراري كوجوب الصلاة من مطلق يشمل تمكن المكلف من الصلاة من قيام، ويشمل مورد اضطرار المكلف للصلاة من جلوس إذا زال عذره في أثناء الوقت.

فيكون دليل الحكم الاختياري وهو الصلاة من قيام مطلق. سواء تمكن المكلف من القيام في أول الوقت، أو لم يتمكن من القيام في أول الوقت وصلى من جلوس ولكن زال عذره في أثناء الواقع فحينئذ يشمله إطلاق دليل الحكم الاختياري وهو الصلاة من قيام.

[أسلوبان لتقييد الحكم الاختياري أو الواقعي بالحكم الاضطراري]

فكيف يجزى الحكم الاضطراري وهو الصلاة من جلوس عند العذر في أول وقت عن الحكم الاختياري كالصلاة من قيام؟

يوجد أسلوبان وطريقتان لتقييد الحكم الاختياري أو الواقعي بالحكم الاضطراري:

الأسلوب الأول التمسك بالدلالة الالتزامية العقلية لدليل الأمر الاضطراري وهو ما ذهبت إليه مدرسة المحقق النائيني.

الأسلوب الثاني التمسك بظاهر الأدلة وأن ظاهر الأدلة الاضطرارية هو الإجزاء.

 

والكلام في الأسلوب الأول: وهو أن دليل الأمر الاضطراري (كالصلاة من جلوس أو الصلاة مع التيمم) لها مدلول مطابقي وهو الصلاة بالتيمم أو الصلاة من جلوس، ولها مدلول التزامي. هذا المدلول الالتزامي عقلي يقيد دليل الحكم الواقعي ويقيد دليل الحكم الاختياري.

بيان ذلك:

ذكرنا أن الصور الثبوتية لوفاء الأمر الاضطراري بالملاك أربعةٌ، وأنه في الصور الثلاث الأولى يتم الإجزاء، وفي الصورة الرابعة لا يتم الإجزاء. فهذه أربع صور ثبوتية.

فإذا أبطلنا الصورة الرابعة ببرهانٍ عقلي، وفي الصورة الرابعة لا يتم الإجزاء. فإذا أبطلناها يتعين الإجزاء، لأن الإجزاء نتيجة الصور الثلاث الأول.

إذاً ينصب الحديث على إبطال الصورة الرابعة. وإذا تمكنا من إبطال الصورة الرابعة تبقى الصور الثلاث الأولى وكلها تقتضي الإجزاء.

نقول في مقام إبطال الصورة الرابعة: إن دليل الأمر الاضطراري ينسجم مع الصورة الأولى نظراً لوفائها بتمام الملاك، وينسجم أيضاً مع الصورة الثانية لأنها تفي بجل الملاك. وما يبقى من الملاك ليس بلازم بل هو مستحب، كما أنه ينسجم مع الصورة الثالثة لأن المكلف إذا جاء بالأمر الاضطراري جاء ببعض الملاك، وإن بقي البعض الآخر للملاك، وكان الباقي أيضاً لزومياً، لكن لا يمكن الوفاء به، ولا يمكن استيفاؤه. فلا أقل هذا المكلف حينما جاء بالفعل الاضطراري كالصلاة من جلوس حقق بعض ملاك الصلاة من قيام، والبعض الآخر لا يمكنه أن يحققه.

إذاً المكلف حينما يأتي بالفعل الاضطراري يكون وافياً بتمام الملاك كما في الصورة الأولى، أو بمعظم الملاك كما في الصورة الثانية، أو ببعض الملاك والبعض الآخر غير قابل للتدارك.

فحينئذ يكون من المعقول الأمر الاضطراي بأن يكون هذا المكلف مخيراً بين الإتيان بالفعل الاضطراري حين العذر أو الفعل الاختياري بعد زوال للعذر.

لكنه لا ينسجم مع الصورة الرابعة من تلك الصور وهي أنه إذا أتى المكلف بالفعل الاضطراري فإنه قد جاء ببعض الملاك، وبقي مقدار مهم ولزومي من الملاك وهذا المقدار قابل للتدارك، وما دام قابل للتدارك فحينئذ لا يمكن تعقل الأمر الاضطراري بمجرد طروء العذر في وقت العمل.

[ثلاثة إشكال على فرض الصورة الرابعة]

فإن الأمر الاضطراري بناء على الصورة الرابعة لا يعقل إلا بأحد الأشكال الثلاثة كلها غير صحيحة في المقام، لاحظوا الأشكال الثلاثة، صور ثلاث بناء على الصورة الرابعة:

الشكل الأول أن يجب على هذا الشخص حين العذر الفعل اضطراري معيناً، يعني يتعين عليه الصلاة من جلوس، وهذا واضح البطلان، فلا معنى للتعيين إذ أن المكلف يجوز له أن يصبر إلى أن يزول العذر في الوقت ويأتي بالفعل الاختياري.

فلو قال له الطبيب: إنك بعد ساعة أو ساعتين ستتمكن من الصلاة من قيام أو قيل له: إن الماء الذي قد انقطع سيأتي بعد ساعة أو ساعتين، فبأي مسوغ يصلي من جلوس أو من تيمم مع علمه بارتفاع العذر؟ فعلى أي إحساس نقول يتعين عليه عند العذر الحكم الاضطراري، وهو الصلاة من جلوس أو مع التيمم؟!

إذاً الشكل الأول ليس بتام.

الشكل الثاني أن يكون مخيراً بين الفعل الاضطراري حين العذر والفعل الاختياري بعد زوال العذر على حد التخيير بين المتباينين. كما افترضنا ذلك في الصورة الأولى والثانية.

فهو مخير بين اثنين إما يصلي من جلوس وقت العذر أو يصلي من قيام بعد زوال العذر.

وهذا غير معقول: إذ أن معنى التخيير بين المتباينين هنا أنه إذا أتى بالفعل الاضطراري حين العذر وصلى من جلوس، ثم ارتفع العذر وتمكن من القيام لم يجب عليه الإتيان بالفعل الاختياري والصلاة من قيام.

وهذا غير معقول إذ بناءً على الصورة الرابعة يكون المكلف قد جاء ببعض الملاك وبقي البعض الآخر وهو ملاكٌ مهم ولزومي، وفي الصورة الرابعة افترضنا أنه يمكن تداركه، فكيف يعقل إجزاء الصلاة من جلوس والإتيان بالفعل الاضطراري عند العذر؟ وإذا ارتفع العذر لا يجب عليه أن يصلي من قيام مع أنه قد فات جزءٌ مهمٌ من الملاك اللزومي، وفي الصورة الرابعة افترضنا أنه يمكن التدارك، فلماذا لا يجب تداركه؟

الصورة الرابعة هذا مفادها: أنه يمكن التدارك، فإذا اجتزأت بالفعل الاضطراري يعني تقول: لا يجب التدارك، وهذا غير معقول.

الشكل الثالث أن يكون المكلف مخيراً بين الأقل والأكثر أي بين الإتيان بالفعل الاختياري بعد زوال العذر فقط. وهذا هو الأقل. أو الإتيان بالفعل الاضطراري عند العذر، وبالفعل الاختياري بعد زوال العذر، وهذا هو الأكثر. ويشترك الأقل والأكثر في لزوم الإتيان بالفعل الاختياري والصلاة من القيام.

وهذا أيضاً غير معقول: لعدم معقولية التخيير بين الأقل والأكثر، ومرجع التخيير بين الأقل والأكثر هنا إلى وجوب الفعل الاختياري فقط. فلم يثبت عندنا أمرٌ اضطراري نتكلم عن إجزائه وعدمه وهذا خلف مبحثنا. نحن مبحثنا: هل يجزئ الفعل الاضطراري كالصلاة من جلوس؟ عن الفعل اختياري كالصلاة من القيام أو لا؟

هنا في التخيير قلنا مخير: إما يأتي بالصلاة من قيام، هذا الأقل. أو يصلي من جلوس عند العذر ويصلي من قيام بعد ارتفاع العذر، لم نفعل شيء، أي أنت مسبية على أي حال، أي دائماً يجب عليه الفعل الاختياري وهو الصلاة من قيام هذا خلاف مبحثنا. مبحثنا إجزاء الفعل الاضطراري كالصلاة من جلوس عن الفعل الاختياري.

إذاً الأمر الاضطراري بناءً على الصورة الرابعة في محل الفرض غير معقول. وإذا أثبتنا أن الصور الرابعة غير معقولة تنتفي نتيجتها وهي عدم الإجزاء. وتبقى الصور الثلاث الأول ونتيجتها الإجزاء.

فنلتزم بأن الدليل الاضطراري يقيد الدليل الاختيار ويوجب إجزاء ببركة المدلول الالتزامي العقلي.

وعلى هذا الأساس بنى المحقق النائيني وتلميذه السيد الخوئي[1] وغيرهما على الإجزاء.

وأما كلمات المحقق النائيني رحمه الله فليست واضحة بمثل هذا البيان والتفصيل الفني الذي أفاده السيد الخوئي رحمه الله،لكن ينبغي توجيه روح مطلب المحقق النائيني بمثل هذه المقدمات[2] [3] .

وهذه الصياغة من السيد الخوئي والميرزا النائيني مصاغة بالنحو المناسب لتطبيق الكبرى الأولى من كبريي الإجزاء لأننا ذكرنا طريقتين: الأولى تلحظ الغرض، والثانية تلحظ الفعل والامتثال، وهذه ناظرة إلى الغرض، هذه الصور الآن صورناها بناءً على الغراض، هكذا أفاد وأجاد سيدنا الأستاذ السيد كاظم الحائري[4] .

ويمكن تصوير هذا الأسلوب بناء على الكبرى الأخرى فهذه الصياغة المذكورة مصاغة بالنحو المناسب لتطبيق الكبرى الأولى من كبريي الإجزاء، وهي كبرى أن حصول الغرض يستوجب الإجزاء.

ويمكن صياغتها بالنحو المناسب لتطبيق الكبرى الثانية وهي كبرى أن الإتيان بمتعلق الأمر يستلزم الإجزاء.

وذلك بأن يقال:

إن الأمر المتوجه إلى هذا الشخص لا يخلو من أن يكون أمراً بالفرد الاضطراري معيناً ـ لاحظ الآن التعيين ولا نلحظ فيه الملاك نلحظ فيه نفس الأمر ـ إن الإتيان بمتعلق الأمر يستلزم الإجزاء وذلك بأن يقال إن الأمر المتوجه إلى هذا الشخص لا يخلو من صور أربع.

فهو لا يخلو من أن يكون:

الصورة الأولى أمراً بالفرد الاضطرار معيناً

الصورة الثانية أو يكون أمراً تخييريا بين الفرد الاضطراري في أول الوقت والفرد الاختياري في آخره على شكل التخيير بين المتباينين.

الصورة الثالثة أو يكون تخييراً بين الأقل والأكثر أي الفرد الاضطراري وحده، والفرد الاضطراري مع الفرد الاختياري.

الصورة الرابعة أو يكون أمراً بالفرد الاختياري معيناً.

 

الصورة الرابعة [باطل لأن] الأمر بالفرد الاختياري معيناً هذا خلف فرض عدم اشتراط استمرار الوجه.

والأول باطلٌ يقيناً إذ لا شك في جواز تأخير العمل في داخل الوقت إلى زمان ارتفاع العذر.

والثالث باطلٌ لبطلان التخيير بين الأقل والأكثر.

فيتعين الثاني وهو التخيير بين الفرد الاضطراري في أول الوقت والفرد الاختياري بعد ارتفاع الوقت أي في آخره.

فإذا أتى بالفرد الأول أي الفرد الاضطراري عند العذر، فقد أتى بمتعلق الأمر الواقعي، وذلك يستلزم الإجزاء، ولا يجب عليه الإتيان بالفرد الاختياري.

هذا تمام الكلام في تقرير ما أفاده الميرزا النائيني والسيد الخوئي رضوان الله عليهما تبقى مناقشات للشهيد الصدر على هذا البيان، تأتي إن شاء الله.


logo